بعد أشهر من استيلائها على السلطة في أفغانستان.. الانشقاق يضرب طالبان

على خلفية الكارثة الاقتصادية والإنسانية التي تلوح في الأفق، تنقسم طالبان بين اثنين من كبار الشخصيات في الحركة: الزعيم السياسي عبدالغني بردار، الذي شارك في تأسيس المجموعة مع الملا محمد عمر، وسراج الدين حقاني الذي يرأس شبكة حقاني المقربة من تنظيم القاعدة

بعد أشهر من استيلائها على السلطة في أفغانستان.. الانشقاق يضرب طالبان

ترجمات - السياق

قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إن الانشقاقات تضرب حركة طالبان، بعد أقل من ثلاثة أشهر من حُكمها في أفغانستان، مشيرة إلى أن الوحدة التي دفعت الحركة إلى النصر، في مهب الريح تحت ضغط الانقسامات الداخلية، التي يمكن أن تهدد بقاء الجماعة، إذا لم يتمكن الخصوم من إصلاح خلافاتهم، أثناء التعامل مع حقائق إدارة بلد مضطرب.

ونقلت المجلة عن وثيقة بحثية، أنه على خلفية الكارثة الاقتصادية والإنسانية التي تلوح في الأفق، تنقسم طالبان بين اثنين من كبار الشخصيات في الحركة: الزعيم السياسي عبدالغني بردار، الذي شارك في تأسيس المجموعة مع الملا محمد عمر، وسراج الدين حقاني الذي يرأس شبكة حقاني المقربة من تنظيم القاعدة.

ونقلت المجلة عن مصادر أمنية وأكاديمية قولها: في الوقت الذي تكافح فيه فصائل طالبان، للحصول على شرائح أكبر من الكعكة، بعد السيطرة على السلطة، منذ منتصف أغسطس الماضي، يلتقط الفرع المحلي لتنظيم داعش مجندين، خاب أملهم من الاتجاه السياسي الذي تتخذه طالبان.

وأضافت "فورين بوليسي": في خضم الصراع الداخلي على السلطة في قيادة طالبان، وحملة تجنيد داعش، تظهر مؤشرات على تحالف جديد من الجماعات الجهادية الأصغر بقيادة المخابرات الباكستانية، ما جذب غير راضين حتى عن أكثر الفصائل تطرفاً في الوقت الحالي.

 

تمكين التطرف

وكشفت المجلة الأمريكية، تشكيل تحالف الدعوة الإسلامية، بتمويل من وكالة الاستخبارات الباكستانية، أوائل عام 2020 لضمان انتصار طالبان، وفقًا لوثيقة أعدتها الحكومة الأفغانية السابقة، واطلعت عليها "فورين بوليسي".

ونقلت المجلة عن مصدر استخباراتي مشارك في الكشف عن الجماعة، اشترط عدم كشف هويته، قوله: إن الهدف الآن زعزعة استقرار طالبان، من خلال تمكين التطرف في جميع أنحاء أفغانستان.

وأضاف المصدر، أن ظهور التحالف الجدي، الذي تقول المصادر إنه معروف لمجتمع الاستخبارات الأمريكية، يزيد تعقيد المشهد السياسي المنقسم في أفغانستان، حيث يتصارع الحلفاء السابقون للبلاد بشأن كيفية التعامل مع حكومة يسيطر عليها إرهابيون يخضعون للعقوبات، ومتحالفين مع تنظيم القاعدة.

وأوضحت المجلة الأمريكية، أن الانقسام يتسع بين باردار، الذي أبرم ما يسمى اتفاق السلام عام 2020 مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وحقاني، الذي شن هجمات انتحارية في ساحة المعركة الأفغانية في الآونة الأخيرة.

ونقلت "فورين بوليسي" عن رحمة الله نبيل، رئيس المخابرات السابق، قوله: إن باردار  -نائب رئيس الوزراء المؤقت الآن- يوصف بأنه "رجل أمريكا"، بينما يمثل حقاني، القائم بأعمال وزير الداخلية، الوجه الأكثر معاداة للغرب في الجماعة، الذي يروق لباكستان، حسب قوله.

وأضاف نبيل، أن الانقسامات بين الرجلين -اللذين يربطهما اتفاق غير مستقر لتقاسم السلطة- تدفع بجنود طالبان إلى أحضان "داعش"، وتتحدى سيطرة طالبان على أفغانستان، وتخاطر باستقرار البلاد، وربما السلام الإقليمي.

وقال نبيل، في إشارة إلى سيطرة طالبان على إنتاج الهيروين وتهريبه: "حرب العصابات التي تقاتل بدخل تهريب المخدرات أسهل من إدارة دولة، لقد واجهوا العديد من التحديات، كما أن انقساماتهم الداخلية آخذة في الازدياد".

 

انقسامات علنية

من جانبها، تؤكد ويدا مهران، خبيرة الأمن الدولي بجامعة إكستر البريطانية، أن هذه الانقسامات أصبحت علنية، مشيرة إلى أنها بدأت في سبتمبر الماضي، أي بعد فترة وجيزة من سيطرة طالبان على البلاد، مبينة أنه يمكن أن تكون هذه الانقسامات وراء بعض الهجمات الأخيرة ذات الخسائر العالية، المنسوبة إلى فرع تنظيم الدولة المحلي، المعروف بـ "داعش خراسان".

وأضافت: "كنا نعلم أن طالبان لم تكن جماعة متجانسة، ومع ذلك، فإننا نرى العنف بين الفصائل المتناحرة أصبح الآن أكثر علنية"، وتابعت: "تنظيم الدولة من الممكن أن يكون كبش فداء مناسب للهجمات، التي يُحتمل أن تكون قد ارتُكبت في معركة بين الأشقاء من أجل السيادة".

وأوضحت "فورين بوليسي" أن الهجوم الأخير على مستشفى عسكري في كابل، على سبيل المثال، أدى إلى مقتل حليف حقاني، حمد الله مخلص، قائد الفيلق العسكري في العاصمة، إذ قال الناجون من الهجوم لوكالة فرانس برس: إن المهاجمين هتفوا "عاشت طالبان" وتجنبوا مناطق في المستشفى، حيث يعالج مقاتلو الحركة، مشيرة إلى أن "داعش خراسان" أعلن مسؤوليته عن الهجوم.

وتعليقًا على ذلك، قالت ويدا مهران: "يمكن لجانب باردار الاستفادة من جبهتين، إذا كانوا أذكياء بما يكفي للعب على هذا النحو: يمكنهم ضمان حصولهم على منافسيهم الداخليين من خلال هذه الهجمات الضخمة، ويمكنهم أن يُظهروا للغرب أنهم يتصرفون ضد داعش للحصول على الدعم".

 

قلق أمريكي

وعن مدى القلق الأمريكي، قالت "فورين بوليسي": إن قدرات "داعش خراسان" تقلق وزارة الدفاع الأمريكية، إذ تجذّر الاعتقاد بأنها يمكن أن تشكل تهديدًا للولايات المتحدة في أقل من عام، موضحة أن تجنيد المقاتلين ذوي الخبرة، لن يؤدي إلا إلى تعزيز هذه المخاوف.

كان كولين كال، وكيل وزارة الدفاع الأمريكية للشؤون السياسية، أخبر لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الشهر الماضي، بأن الولايات المتحدة متأكدة من أن داعش والقاعدة لديهما "نية" لمهاجمة الولايات المتحدة.

وذكرت بعض التقارير أن تنظيم داعش خراسان يستوعب أيضًا أفرادًا من قوات جهاز أمن الدولة الأفغاني السابق، الذين ينضمون للتنظيم لتجنُّب أي هجمات انتقامية ضدهم من طالبان، ولكسب المال أيضًا.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن "داعش خراسان" وتنظيم القاعدة، جزء من فسيفساء سياسية معقدة بشكل متزايد، حيث تواصل المخابرات الباكستانية ضمان نفوذها على طالبان والسيطرة على الجهاد الإقليمي، موضحة أن هناك انشقاقات أخرى أصغر داخل طالبان، ومن ذلك مجموعة تسمى (كروان أبو عبيدة)، انشقت عن شبكة حقاني، بعد توقيع اتفاقية ترامب وطالبان في فبراير 2020.

وأوضحت "فورين بوليسي" أنها منذ بدايتها، ركزت منظمة أبو عبيدة على الهجمات التي تستهدف الصحفيين والنشطاء المدنيين، و"أولئك الذين يعارضون الشريعة الإسلامية"، وكذلك" أولئك الذين يدعمون الاتفاقات مع الأمريكيين وحلفائهم في أفغانستان".

وتضيف أن وكالة الاستخبارات الباكستانية نشرت في البداية منظمة أبو عبيدة، لتمديد حملة الاغتيالات، التي كان لها تأثير مدمر في حكومة أشرف غني والمجتمع المدني ووسائل الإعلام في أفغانستان طوال عام 2020، ثم قررت توسيع نفوذها على الجهات الفاعلة غير طالبان.