الانتخابات النيابية في لبنان... لا أمل في حدوث تغيير بالمشهد السياسي
يرى محللون أن الطبقة السياسية تجد في المحطة الانتخابية فرصة لإعادة إنتاج ذاتها، بسبب تجذر السلطة والنظام السياسي القائم على المحاصصة، وتحكم النخب الطائفية بمقدرات البلاد وحالة الإحباط العام.

السياق
يُقبل اللبنانيون منتصف مايو الجاري، على صناديق الاقتراع لاختيار 128 ممثلاً عنهم في البرلمان، في استحقاق يستبعد محللون أن يُحدث تغييراً في المشهد السياسي، رغم النقمة الواسعة على الطبقة السياسية، التي يحمِّلونها مسؤولية انهيار اقتصادي وانفجار مروّع غير مسبوقين.
ويرى محللون أن الطبقة السياسية تجد في المحطة الانتخابية فرصة لإعادة إنتاج ذاتها، بسبب تجذُّر السلطة والنظام السياسي القائم على المحاصصة، وتحكُّم النخب الطائفية بمقدرات البلاد وحالة الإحباط العام.
تقول أستاذة العلوم الاجتماعية في الجامعة الأميركية ريما ماجد لوكالة فرانس برس: "ستشكّل الانتخابات إعلان نهاية ما بدأ في أكتوبر 2019، وتعيد إنتاج السلطة ومنحها شرعية داخلية ودولية".
وتضيف: "ربما يخرق مرشحون من لوائح المعارضة، لكن لا أعتقد أن تغييرًا سيحصل في المشهد السياسي".
الانتخابات تأتي بعد انتفاضة شعبية عارمة شهدها لبنان في خريف 2019 طالبت بتنحي الطبقة السياسية وحمَّلتها مسؤولية التدهور المالي والاقتصادي والفساد الذي نخر مؤسسات الدولة.
واستمرت التظاهرات أشهراً، ثم تراجعت وتيرتها على وقع انهيار اقتصادي صنَّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم.
وزاد انفجار مرفأ بيروت المروِّع في 4 أغسطس 2020 الوضع سوءاً وأثار نقمة اللبنانيين، بعد قتل أكثر من مئتي شخص وإصابة الآلاف بجروح، وكشف التحقيقات الأولية أن الانفجار عن إهمال وتخزين مواد خطرة من دون مراقبة.
لعبة ولاءات
رغم أنّ أكثر من ثمانين في المئة من السكان تحت خط الفقر، مع عجز الدولة عن توفير أبسط الخدمات من كهرباء وعلاج ومحروقات، لم تُقدِم السلطة على أي إجراءات ملموسة لتخفيف معاناتهم.
يحصل ذلك في غياب توافق سياسي على إصلاحات بنيوية للحصول على دعم دولي.
وترى ريما ماجد أن "الانتخابات اليوم ليست لتقييم أداء السياسيين بقدر ما هي لعبة ولاءات لمن يؤمن للناخبين الحد الأدنى من الخدمات".
إحباط وتشتُّت
استفادت القوى السياسية التقليدية من واقع تردّي الخدمات العامة، لتفعيل شبكات زبائنية أرستها منذ عقود، عبر توظيفات عشوائية في القطاع العام المتخم، وسيطرتها على مرافق خدماتية.
وتشير تقارير وشهادات الى أن العديد من المرشحين قدَّموا -خلال الحملة الانتخابية- مساعدات مالية وعينية إلى ناخبيهم، ودفعوا أقساطًا مدرسية وفواتير استشفاء.
وبعدما كانت الآمال معلقة على أن تُترجم نقمة اللبنانيين في صناديق الاقتراع، لصالح لوائح المعارضة ومجموعات جديدة أفرزتها الانتفاضة الشعبية، يرى خبراء أن قلّة خبرة خصوم السلطة وضعف قدراتهم المالية وتعذُّر توافقهم على خوض الانتخابات موحدين، يصبّ في صالح الأحزاب التقليدية.
يقول الخبير الانتخابي كمال فغالي: "أملُ اللبنانيين الناقمين على السلطة، أن تخوض قوى التغيير الانتخابات ببرنامج ولوائح موحّدة".
ويوضح أنه لو تمّ ذلك لحصلت المعارضة على نِصف مقاعد البرلمان، لكن تأليف لوائح متنافسة أحبط الناس وسيشتّت الأصوات".
وفي استبيان أجرته منظمة "أوكسفام" ضمن دراسة نشرتها الشهر الماضي عن سلوك الناخبين، قال 43.55 في المئة من عينة شملت 4670 شخصاً إنهم سيمتنعون عن الاقتراع.
وبرّر أكثر من نِصفهم قراره بـ"عدم وجود مرشحين واعدين".
ورغم ترجيح خرق لوائح المعارضة وفوزها بمقاعد في دوائر عدة، بعدما فازت بمقعد واحد في انتخابات 2018، يوضح فغالي أن حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز، سيعود مع حلفائه بأكثرية إلى البرلمان، وإن كانوا سيحصدون نسبة أصوات أدنى من المرات السابقة.
منطلق عائلي
وفي بلد تنتقل فيه المناصب عادة بين عائلات تتوارث العمل السياسي والحزبي وولاءات الناخبين، تلعب الروابط العائلية دوراً كبيراً في تحديد الخيارات وفي قمع أي اعتراض أحيانًا.
فقبل نحو عشرة أيام، تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر فيه رجل ينتقد أداء الطبقة السياسية أمام النائب عن حركة أمل علي حسن خليل، الذي كان يزور منزلاً في جنوب لبنان، في إطار جولاته الانتخابية.
ويقول الرجل: "لا أنصح أحداً بأن ينتخب وأرى أن من سينتخب الآن غبيًا، لأننا جربناهم أكثر من مرة"، مؤكداً أنه لن ينتخب والده في حال كان سياسياً حتى "لو عاد من القبر"...!
وبعد تداول الفيديو على نطاق واسع، ظهر الرجل في مقطع آخر يعتذر للنائب المذكور. وأصدرت عائلته بياناً استنكرت فيه ما جاء على لسانه، مؤكدة أن موقفه "لا يمثلها" مجددة ولاءها للنائب خليل.
وفي استطلاع "أوكسفام" قال نحو أربعين في المئة من المستجوبين رداً على سؤال عن أسباب دعمهم للأحزاب التقليدية، إنهم يفعلون ذلك "من منطلق الالتزام تجاه عائلتي". وتحدث خمسون في المئة عن "أسباب تاريخية ومن منطلق العادة".
ويواجه المرشحون المستقلون ضغوطاً متزايدة في معاقل الأحزاب التقليدية، لاسيما في مناطق سيطرة الحليفين الشيعيين حزب الله وحركة أمل.
ويولّد ذلك "شعوراً لدى الناخبين بأن التغيير مرفوض، ما قد يؤدي إلى تراجع الإقبال على صناديق الاقترع، أو تشويه السلوك الانتخابي"، وفق "أوكسفام".
وفي مثال على الضغوط الممارسة، أعلن ثلاثة مرشحين شيعة في إحدى دوائر البقاع (شرق) انسحابهم من لائحة مناوئة لحزب الله، رغم انقضاء مهل سحب الترشيح.
وربطت تقارير إعلامية محلية قرارهم بضغوط تعرضوا لها من الحزب وعائلاتهم الموالية له.
وتخلص ريما ماجد إلى تأكيد أن الانتخابات ليست أداة "لاحتساب التغيير في المزاج الشعبي، إذ إن هناك علاقات عائلية وزبائنية ونفعية تتحكم في نتائجها".
في بيروت، يبدو عصام عياد (70 عاماً) واثقاً بأن التغيير صعب المنال.
ويقول لوكالة فرانس برس: "لن نتمكن من التغيير... الحل في لبنان لن يكون إلا دولياً".