هل حان وقت قبول كوريا الشمالية دولة مسلحة نوويًا؟

هل حان وقت قبول كوريا الشمالية دولة مسلحة نوويًا؟ سي إن إن: هل يمكن تطبيق النموذج الإسرائيلي على كوريا الشمالية والقبول بها دولة مسلحة نوويًا؟

هل حان وقت قبول كوريا الشمالية دولة مسلحة نوويًا؟

ترجمات -السياق 

«كوريا الشمالية طورت أسلحة نووية ولن تتخلى عنها»، بهذه الكلمات أعلن زعيم بيونج يانج، كيم جونغ أون للعالم -الشهر الماضي- أن بلاده لن تتراجع خطوة للخلف، متعهدًا بتطوير الأسلحة النووية ما دامت موجودة على الأرض.

تلك التصريحات الخطيرة، التي تأتي بالتزامن مع استعداد كوريا الشمالية لإطلاق أول تجربة صاروخية نووية منذ عام 2017، أثارت تساؤلات، عن آلية التعامل الغربي والأمريكي مع الواقع الجديد، الذي بدأت بيونج يانج تسطره، من دون هوادة.

وتقول شبكة سي إن إن الأمريكية، في تقرير ترجمته «السياق»، إن تحذيرات زعيم كوريا الشمالية تستحق أن تؤخذ على محمل الجد، خاصة أن تلك التحذيرات أصبحت قانونًا في كوريا الشمالية، التي يحكمها «ديكتاتور» لا يمكن التصويت عليه للخروج من السلطة، والذي يفعل ما يقول إنه سيفعله.

وأشارت إلى أن كوريا الشمالية أطلقت عددًا قياسيًا من الصواريخ هذا العام -أكثر من 20- تدعي أنها تنشر أسلحة نووية تكتيكية في وحدات ميدانية، بينما باتت جاهزة لإجراء تجربة نووية سابعة تحت الأرض.

تلك المؤشرات دفعت عددًا متزايدًا من الخبراء للتساؤل عما إذا كان الوقت قد حان لتسمية الأشياء بأسمائها، وقبول أن كوريا الشمالية في الواقع دولة نووية، بحسب «سي إن إن»، التي قالت إن ذلك يستلزم الاستسلام مرة واحدة وإلى الأبد، أو اتباع نهج المتفائلين بأن برنامج بيونغ يانغ غير مكتمل إلى حد ما أو أنه قد يتم إقناعها بالتخلي عنه طواعية.

ويقول أنكيت باندا، زميل ستانتون البارز في برنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي: «علينا ببساطة أن نتعامل مع كوريا الشمالية كما هي، وليس كما نتمنى أن تكون».

اعتراف محفوف بالمخاطر

من وجهة نظر واقعية بحتة، فإن كوريا الشمالية تمتلك أسلحة نووية، إلا أن القليل من الذين يتابعون الأحداث هناك يشككون في ذلك.

وقال تقرير حديث لمجلة علماء الذرة، إن كوريا الشمالية ربما تكون قد أنتجت ما يكفي من المواد الانشطارية لبناء ما بين 45 و55 سلاحًا نوويًا، بينما تشير الاختبارات الصاروخية الأخيرة إلى أن لديها عددًا من الأساليب لإيصال تلك الأسلحة.

ومع ذلك، فإن الاعتراف العلني بهذا الواقع، محفوف بالمخاطر بالنسبة لدول مثل الولايات المتحدة، بحسب شبكة سي إن إن، التي قالت إن أحد الأسباب الأكثر إلحاحًا لواشنطن لعدم القيام بذلك، مخاوفها من إثارة سباق تسلح نووي في آسيا، فكوريا الجنوبية واليابان وتايوان ليست سوى عدد قليل من الدول المجاورة، التي من المحتمل أن ترغب في مطابقة وضع بيونغ يانغ.

لكن بعض الخبراء يقولون إن رفض الاعتراف بالبراعة النووية لكوريا الشمالية -في مواجهة الأدلة الواضحة بشكل متزايد على عكس ذلك- لا يفعل الكثير لطمأنة هذه البلدان، بل إن الانطباع بأن رؤوس الحلفاء في الرمال قد تجعلهم أكثر توتراً.

وقال أندريه لانكوف، الأستاذ بجامعة كوكمين في سيول، المسؤول الأكاديمي البارز: «دعونا نقبل ذلك، كوريا الشمالية دولة تمتلك أسلحة نووية، وكوريا الشمالية لديها أنظمة التسليم الضرورية، بما في ذلك صواريخ بالستية عابرة للقارات (ICBM) فعالة جدًا».

الحل الإسرائيلي

ويقترح البعض أن النهج الأفضل قد يكون التعامل مع البرنامج النووي لكوريا الشمالية بطريقة مماثلة لإسرائيل، بقبول ضمني، في حل يفضله جيفري لويس، الأستاذ المساعد في مركز جيمس مارتن لدراسات عدم الانتشار بمعهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري.

وأضاف لويس: «أعتقد أن الخطوة الحاسمة التي يحتاج الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى اتخاذها، أن يوضح لنفسه ولحكومة الولايات المتحدة، أننا لن نجعل كوريا الشمالية تنزع أسلحتها، وأن هذا هو القبول الأساسي بكوريا الشمالية كدولة نووية»، مشيرًا إلى أنه ليس بحاجة بالضرورة إلى الاعتراف به قانونًا.

وأضاف الأستاذ المساعد في مركز جيمس مارتن لدراسات عدم الانتشار بمعهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري، أن كلًا من إسرائيل والهند تقدمان أمثلة لما يمكن أن تطمح إليه الولايات المتحدة، في التعامل مع كوريا الشمالية.

إسرائيل التي يُعتقد على نطاق واسع أنها بدأت برنامجها النووي في الستينيات، اتبعت نهج الغموض النووي، بينما ترفض أن تكون طرفًا في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهو ما اتبعته الهند لعقود، قبل أن تتخلى عن هذه السياسة بتجربتها النووية عام 1998.

ويقول لويس: «في كلتا الحالتين، علمت الولايات المتحدة أن تلك الدول تمتلك القنبلة، لكن الصفقة كانت، إذا لم تتحدث عنها، إذا لم تقم بإثارة مشكلة منها، إذا لم تسبب مشكلات سياسية، فلن نقوم بالرد»، مضيفًا: «أعتقد أن هذا هو المكان نفسه الذي نريد الوصول إليه مع كوريا الشمالية».

مطاردة معجزة

ومع ذلك، فإن واشنطن لا تظهر في الوقت الحالي، أي علامة على التخلي عن نهجها المتمثل في إقناع بيونغ يانغ بالتخلي عن أسلحتها النووية.

وهو ما أشارت إليه نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، خلال زيارة أخيرة للمنطقة المنزوعة السلاح، بين كوريا الشمالية والجنوبية، قائلة: «هدفنا المشترك -الولايات المتحدة وجمهورية كوريا- إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية».

وتقول «سي إن إن»، إن هذا قد يكون هدفًا جيدًا، لكن العديد من الخبراء يرونه غير واقعي بشكل متزايد، وهو ما أشار إليه باندا بقوله: «لا يختلف اثنان على أن نزع السلاح النووي سيكون نتيجة مرغوبة للغاية في شبه الجزيرة الكورية».

وتتمثل إحدى المشكلات التي تقف في طريق نزع السلاح النووي، في أن الأولوية الأكبر المحتملة لكيم، ضمان بقاء نظامه، بحسب أندريه لانكوف، الأستاذ في جامعة كوكمين في سيول، الذي قال إنه (كيم) إذا لم يكن مصابًا بجنون العظمة بالفعل، فإن «غزو» روسيا لأوكرانيا (حيث هاجمت قوة نووية قوة غير نووية) سيكون بمنزلة تعزيز في الوقت المناسب لاعتقاده بأن «الأسلحة النووية الضمان الوحيد الموثوق للأمن».

وأشار إلى أن محاولة إقناع كيم بخلاف ذلك تبدو غير مجدية، خاصة أن بيونغ يانغ قالت إنها لن تفكر حتى في التعامل مع إدارة أمريكية تريد التحدث عن نزع السلاح النووي.

وقال لانكوف: «إذا كانت أمريكا تريد التحدث عن نزع السلاح النووي، فلن تتحدث (كوريا الشمالية) وإذا لم يتحدث الأمريكيون، فإن (كوريا الشمالية) ستطلق المزيد والمزيد من الصواريخ وصواريخ أفضل وأفضل، إنه اختيار بسيط».

وأكد أن هناك مشكلة تكمن في أنه إذا استنتج جيران كوريا الشمالية -القلقون بشكل متزايد- أن نهج واشنطن لن يؤدي لأي نتيجة، فقد يؤدي هذا بحد ذاته إلى سباق التسلح الذي تحرص الولايات المتحدة على تجنبه.

شيونج سيونج شانج الباحث البارز في معهد سيجونج، وهو مركز أبحاث كوري، من بين عدد متزايد من الأصوات المحافظة التي تطالب كوريا الجنوبية ببناء برنامجها للأسلحة النووية لمواجهة بيونغ يانغ، قال إن الجهود المبذولة لمنع كوريا الشمالية من تطوير أسلحة نووية «باءت بالفشل، وحتى الآن، فإن السعي لنزع السلاح النووي يشبه مطاردة المعجزة».

هل كان ترامب على المسار الصحيح؟

ومع ذلك، ورغم أن حلم نزع السلاح النووي يبدو بعيدًا، فإن هناك من يقول إن البديل -قبول الوضع النووي لكوريا الشمالية، مهما كان ذلك بمهارة - سيكون خطأ.

سو كيم، وهو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية، وهو الآن باحث في مؤسسة راند الفكرية الأمريكية، قال: «سنقول بشكل أساسي لكيم جونغ أون، بعد كل هذا الشد والجذب، ستحصل فقط على ما تريد، لكن السؤال الأكبر: أين يترك ذلك المنطقة؟»

وتقول «سي إن إن» إن هذا يترك خيارًا آخر مفتوحًا لإدارة بايدن وحلفائها، رغم أنه خيار قد يبدو غير مرجح في المناخ الحالي، مشيرة إلى أن الإدارة الأمريكية قد تسعى وراء صفقة تعرض فيها بيونغ يانغ تجميد تطوير أسلحتها مقابل تخفيف العقوبات.

وقال لويس من مركز جيمس مارتن، إن هذا الخيار له مؤيدوه، فالتجميد وسيلة قوية لبدء الأمور، مشيرًا إلى أنه من الصعب جدًا التخلص من الأسلحة الموجودة، لكن ما هو ممكن... هو منع الأمور من أن تزداد سوءًا.

ورغم أن الخيار يخفف بعض الضغط ويفتح المجال لأنواع أخرى من المفاوضات، فإن إيحاءات حقبة ترامب قد تجعل هذا الأمر عديم الجدوى، بحسب لويس الذي أجاب عن تساؤل عما إذا كان يعتقد أن الرئيس بايدن قد يفكر في هذا التكتيك قائلًا: «أنا أستاذ، لذلك أنا متخصص في تقديم المشورة التي لن يتخذها أي شخص على الإطلاق».

قلب الخيارات

ولكن حتى لو كانت إدارة بايدن تميل إلى هذا الحد، فإن تلك السفينة قد أبحرت، بعد أن كان كيم عام 2019 أكثر استعدادًا للمشاركة من كيم عام 2022.

وربما تكون هذه هي المشكلة الأكبر في قلب الخيارات المطروحة على الطاولة، فهم يعتمدون على شكل من أشكال الارتباط مع كوريا الشمالية، وهو شيء ينقصه تمامًا في الوقت الحاضر، بحسب "سي إن إن"، التي قالت إن كيم يركز على خطته الخمسية للتحديث العسكري التي أعلنها في يناير 2021، ولم يبد أي عروض لإجراء محادثات من إدارة بايدن أو غيرها حتى الآن.

وأقر باندا بأن هناك مجموعة من الخيارات التعاونية التي تتطلب أن يكون الكوريون الشماليون على استعداد للجلوس على الطاولة والتحدث معنا عنها، مضيفًا: "لا أعتقد أننا اقتربنا من الجلوس مع الكوريين الشماليين".

وقال باندا: «إن التحولات الكبيرة في سياسة الولايات المتحدة تتطلب دعم الرئيس، وأنا لا أرى أي دليل على أن جو بايدن يرى أن قضية كوريا الشمالية تستحق رأس مال سياسي هائلًا»، مضيفًا أن ما يعتقده العديد من الخبراء، وما يعترف به حتى بعض المشرِّعين الأمريكيين والكوريين الجنوبيين وراء الأبواب المغلقة أننا: «سنعيش مع كوريا الشمالية المسلحة نوويًا على الأرجح بضعة عقود على الأقل».