سقوط صواريخ على بولندا... هل يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة؟

سقوط صواريخ على بولندا يثير غضب الناتو... فهل يلجأ الحلف إلى المادتين 4 و5؟

سقوط صواريخ على بولندا... هل يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة؟

السياق

بعد ليلة حافلة من التكهنات والمخاوف، بشأن اندلاع حرب عالمية ثالثة، إثر سقوط صواريخ على أراضٍ تابعة لحلف الناتو، بدأت المخاوف –التي ما زالت قائمة- تهدأ بعض الشيء، بعد إزالة الكثير من الغموض بشأن مصدر إطلاق تلك الصواريخ على بولندا.

فصواريخ بولندا التي أودت بحياة شخصين -مساء الثلاثاء- وتعد المرة الأولى التي يسقط فيها سلاح روسي على أراضي الناتو، أثارت قلقًا عالميًا من أن الصراع في أوكرانيا يمكن أن يمتد إلى البلدان المجاورة.

 

فماذا حدث؟

في ليلة حالكة السواد قض مضاجع السكان فيها القصف الروسي المكثف على الأراضي الأوكرانية، كانت بولندا على موعد مع نصيب من الصواريخ التي ضربت جارتها الأوراسية.

فانفجاران ضربا قرية برزيودو البولندية، على الحدود مع أوكرانيا، مساء الثلاثاء، أسفرا عن قتل شخصين، في حادث جاء وسط يوم من الضربات الروسية المكثفة على الأراضي الأوكرانية.

وبعد الكثير من التكهنات بشأن مصدر الصواريخ، التي حاولت أوكرانيا اتهام روسيا فيها، خاصة بعد أن تحدثت بولندا -العضو في الحلف الأطلسي- عن صاروخ «روسي الصنع»، قالت وزارة الدفاع الروسية –الأربعاء- إن ضرباتها لم تصب سوى الأراضي الأوكرانية، مضيفةً أنها تمكنت من تحديد أن الصاروخ الذي سقط في بولندا مقذوف أطلقه نظام دفاع إس-300 تابع للقوات الأوكرانية.

وقالت في بيان إن «الضربات العالية الدقة التي شُنّت على أراضي أوكرانيا، كانت على مسافة تتجاوز 35 كلم من الحدود الأوكرانية البولندية»، مضيفة أن «خبراء روسًا حدّدوا بشكل قاطع طبيعة الحطام الذي عُثر عليه في بولندا، كجزء من صاروخ موجّه مضاد للطائرات أُطلق من أنظمة إس-300 للدفاع الجوّي التابعة للقوات الأوكرانية».

الرواية الروسية، أكدتها وزيرة الدفاع البلجيكية لوديفين ديدوندر الأربعاء، إذ قالت إن الانفجار الذي أودى بحياة شخصين شرقي بولندا «نتيجة أنظمة دفاع أوكرانية مضادة للطائرات تستخدم لاعتراض الصواريخ الروسية».

وبينما أضافت الوزيرة في بيان أن «التحقيقات مستمرة ولا يوجد ما يشير إلى أنه هجوم متعمد»، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه «من غير المرجح أن يكون الصاروخ أطلق من روسيا».

وبعد محادثات مع زعماء غربيين حلفاء، وسط مخاوف من احتمال امتداد الصراع في أوكرانيا إلى الدول المجاورة، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن الصاروخ لم يُطلق على الأرجح من روسيا.

ونقلت «رويترز» عن مصدر في حلف شمال الأطلسي قوله إن الرئيس بايدن أبلغ مجموعة السبع والشركاء في حلف شمال الأطلسي بأن انفجارا في بولندا نجم عن صاروخ أطلقه الدفاع الجوي الأوكراني.

لكن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك رأى –الأربعاء- أن الضربة على بولندا أيًا كان منفذها «لم تكن لتحدث لولا الغزو الروسي لأوكرانيا».

وشدد على أنه «طالما استمر الغزو فإنه سيشكل تهديدًا لأمننا وأمن حلفائنا، وسيستمر في تدمير الاقتصاد العالمي»، مشيرًا إلى أنه «لا يوجد شخص واحد في العالم لم يشعر بتداعيات حرب بوتين» مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.

ورغم نفي الاتهامات التي نُسبت لروسيا، فإن موسكو تجد نفسها مرة أخرى متهمة بتأجيج نزاع يخلف قتلى، له عواقب اقتصادية وخيمة، تتمثل خصوصًا بارتفاع في أسعار الطاقة والمنتجات الغذائية يصعب تحمله، خصوصًا من قبل بلدان الجنوب. 

 

هل يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة؟

مسؤولان في حلف شمال الأطلسي ودبلوماسي أوروبي، قالوا إن الحلف سيعقد اجتماعًا طارئًا الساعة 1000 بتوقيت وسط أوروبا (0900 بتوقيت جرينتش) الأربعاء، لمناقشة انفجار وقع شرقي بولندا بالقرب من الحدود الأوكرانية.
وقال الحلف -في بيان- إن اجتماع سفرائه في بروكسل سيرأسه الأمين العام ينس ستولتنبرج، الذي سيعقد مؤتمرًا صحفيًا الساعة 1130 بتوقيت جرينتش.

وعن احتمال تصاعد الأوضاع بعد الصواريخ البولندية، لتقود إلى حرب عالمية ثالثة، قالت صحيفة الغارديان -في تقرير- إن الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة نجحا في اجتياز الحرب الباردة، من دون ارتكاب هذا الخطأ، لأن واشنطن وموسكو كانتا تدركان جيدًا مخاطر خوض الحرب عن طريق الصدفة أو سوء التقدير.

وتقول الصحيفة البريطانية إن روسيا فلاديمير بوتين قوة نووية أقل بكثير من الاتحاد السوفييتي، ما يرفع مستوى الخطر، كما أشار جو بايدن، إلى أعلى مستوى منذ أزمة الصواريخ الكوبية.

وأشارت إلى أن تدخل بوتين في سوريا، أدى إلى إسقاط طائرة حربية روسية من قِبل مقاتلة تركية فوق الحدود التركية السورية في نوفمبر 2015، لكن تم احتواء هذا الحادث، مؤكدة أنه قياسًا على ذلك، فإنه من غير المرجح أن يؤدي حادث الثلاثاء الصاروخي إلى مواجهة مباشرة بين "الناتو" وروسيا.

وقال ويليام ألبيرك، مدير الاستراتيجية والتكنولوجيا والحد من التسلح للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن «الهجوم المسلح المتعمد شيء حقيقي، إلا أن اثنين من صواريخ كروز أو الصواريخ البالستية الخاطئة ليست كذلك».

وتقول «الغارديان»، إنه حتى الآن، كان إجماع "الناتو" الواسع على أن التصعيد الروسي من شأنه أن يؤدي إلى زيادة إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا، وأنه - بدلاً من أي شكل من أشكال مشاركة الحلف المباشرة- سيكون رادعًا للتهور الروسي.

وأشارت إلى أنه سيكون هناك نقاش داخل "الناتو" لما إذا كان يستدعي زيادة في نوع المساعدة العسكرية المقدمة، في الوقت الذي جادل فيه وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، بأنه يجب توفير طائرات مقاتلة من طرازي F-15 و F-16.

وأعاد الحادث الحدودي البولندي أيضًا، الدعوات إلى منطقة حظر طيران فوق غربي أوكرانيا، فرضتها دفاعات "الناتو" الجوية، لاسيما من مسؤولي دولة البلطيق.

وجادل المدافعون عن هذه الخطوة، بأن مخاوف من إشعال حرب شاملة أقل بكثير الآن مما كانت عليه بداية «الغزو» الشامل، حيث إن القوات الروسية محصورة أقصى شرقي وجنوبي البلاد، إلا أنه مع ذلك ستكون هناك مقاومة كبيرة لأي توسع في دور الحلف من الولايات المتحدة وحلفاء الناتو الآخرين.

ورغم أنه من المحتمل احتواء هذا الحادث، فإن ذلك لا يعني أن مخاطر حدوث صدام بين "الناتو" وروسيا من خلال سوء التقدير.

وتقول صحيفة الغارديان، إن كييف حريصة على ربط "الناتو" بأكبر قدر ممكن من النضال في البلاد، لاستعادة سيادتها ووحدة أراضيها، بينما قال زيلينسكي –الثلاثاء- إن الصواريخ كانت «ضربة لأمننا الجماعي وتصعيدًا خطيرًا للغاية».

في هذه الأثناء، مع تفاقم «الهزيمة» العسكرية الروسية في أوكرانيا وخسارة خيرسون والأراضي المحيطة بها، أصبح بوتين أكثر يأسًا، وأصبح المتشددون الذين يسيطرون على الخطاب التلفزيوني في روسيا، يباشرون بمواجهة لتبرير الإذلال بخسارة حرب لأوكرانيا.

ورغم أن الرئيس البولندي الذي قال –الثلاثاء- إنه يفكر في تطبيق المادة 4 من معاهدة تأسيس "الناتو"، التي تسمح لأي عضو بالدعوة إلى مشاورات عاجلة لمجلس شمال الأطلسي، «متى رأى أي منهم تهديدًا لسلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي أو أمن أي من الأطراف»، ليتراجع بعد ذلك، قائلًا: قد لا نضطر إلى طلب تفعيل المادة الـ4 من معاهدة حلف الناتو، إلا أن هذه المادة والمادة الخامسة أثارتا الكثير من الجدل.

 

فماذا عن المادة 4؟

لم تذكر وارسو المادة 5 من المعاهدة، التي تنص على أن هجومًا مسلحًا على عضو واحد هو هجوم على الجميع، التي ستكون الآلية الأكثر ترجيحًا للتصعيد إلى حرب بين "الناتو" وروسيا.

وقال سفير الولايات المتحدة السابق لدى الناتو إيفو دالدر، إن المادة 5 لا يمكن أن تحتج بها دولة عضو واحدة، مضيفًا أنها «تتطلب إجماعًا من الناتو».

تنص المادة 4 من ميثاق منظمة حلف شمال الأطلسي، على أن الدول الأعضاء «ستتشاور معًا كلما رأى أي منها تهديدًا لسلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي أو الأمن لعضو آخر».

وتضع المادة آلية تشاور بين الأعضاء، «لتبادل الآراء والمعلومات، ومناقشة القضايا قبل التوصل إلى اتفاق واتخاذ الإجراءات»، وفقًا لشرح في موقع "الناتو" على الإنترنت. كما أنه يمنح الحلف دورًا نشطًا في الدبلوماسية الوقائية، من خلال توفير الوسائل للمساعدة في تجنُّب الصراع العسكري.

تم اللجوء إلى المادة 4 سبع مرات منذ إنشاء الناتو عام 1949، وفي الآونة الأخيرة، استخدمتها لاتفيا وليتوانيا وبولندا وبلغاريا وجمهورية التشيك وإستونيا ورومانيا وسلوفاكيا، لعقد اجتماعات بعد «الغزو» الروسي لأوكرانيا.

والدول الأعضاء ليست ملزمة بالتصرف إذا تم التذرع بالمادة 4، رغم أن المداولات قد تؤدي إلى قرار باتخاذ إجراء مشترك لحلف الناتو.

تركيا، على سبيل المثال، استندت إلى المادة 4 عام 2015 بعد قتل ما لا يقل عن 30 شخصًا في تفجير انتحاري بالقرب من حدودها مع سوريا.

في ذلك الوقت، قالت الحكومة التركية إنها تريد إبلاغ حلفائها في "الناتو" بالإجراءات التي تتخذها رداً على الهجوم. وعقب الاجتماع، أصدر مجلس شمال الأطلسي بيانًا قال فيه إن أعضاء المجلس «يدينون بشدة الهجمات الإرهابية ضد تركيا»، لكنه لم يتخذ أي إجراء آخر.

 

المادة 5

تنص المادة 5 على أن الأطراف في معاهدة الناتو «تتفق على أن أي هجوم مسلح ضد واحد أو أكثر منهم في أوروبا أو أمريكا الشمالية يعد هجومًا ضدهم جميعًا».

وتنص على أنه يجب على كل عضو في "الناتو" اتخاذ «الإجراء الذي يراه ضروريًا، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، لاستعادة الأمن في منطقة شمال الأطلسي والحفاظ عليه». كما أنها تسمح للتحالف بشن رد مسلح، لكن الصياغة واسعة وتفسح المجال لأنواع أخرى من العمل.

وتم التذرع بشرط الدفاع الجماعي مرة واحدة فقط، بعد الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001، ما أدى إلى نشر قوات "الناتو" لاحقًا في أفغانستان.

وأوكرانيا ليست عضوًا في "الناتو"، لكن اهتمامها الصريح بالانضمام إلى الحلف أثار غضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يرى أن توسع الناتو باتجاه الشرق يمثل تهديدًا وجوديًا.

وعندما «غزت» روسيا أوكرانيا في فبراير الماضي، نشط "الناتو" قوة الردع الخاصة به -وهي تكتل متعدد الجنسيات يضم 40 ألف فرد من العمليات البرية والجوية والبحرية والخاصة- لأول مرة في تاريخه.

وكجزء من التنشيط، أرسل "الناتو" قوات إلى البلدان المتاخمة لروسيا وأوكرانيا، بما في ذلك رومانيا والمجر، لزيادة المجموعات القتالية المتمركزة بالفعل في دول البلطيق وبولندا.

وأواخر يناير الماضي، قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن: «المادة 5 واضحة بشأن هذه النقطة -الهجوم على أحد أعضاء الناتو هجوم علينا جميعًا. وكما قال الرئيس بايدن، فإن الولايات المتحدة تعد ذلك التزامًا مقدسًا وسنفعل الصواب بهذا الالتزام».