صدام بين المشري والدبيبة... تصدع في المعسكر الغربي أم مجرد سرحية؟
قال المحلل السياسي الليبي محمد يسري، في تصريحات لـ السياق، إن ما يحدث بطرابلس صراع متوقع، حيث تتداخل السلطات، بينما تتمسك أطراف معينة بمصالحها، مع حرصها على استمرار الأوضاع الحالية.

السياق
بينما تحاول ليبيا عبور أزمتها السياسية «الحادة» التي فاقمتها ازداوجية السلطة، بفعل تعنت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، في تسليم المنصب لخلفه، باتت المليشيات المسلحة عقبة كأداء أمام أي تسوية ممكنة.
تلك المليشيات المسلحة، التي تتمركز في العاصمة الليبية طرابلس، أصبحت طوعًا في يد حكومة الدبيبة، التي تدفع لها الكثير مقابل ولائها، إلا أن سوط هؤلاء المسلحين، بات مصلتًا على من كان بالأمس أصدقاء حكومة تصريف الأعمال منتهية الولاية.
وفي أول اختلاف في الرؤى، انقلبت المليشيات المسلحة التابعة لحكومة تصريف الأعمال، على ما يعرف بـ«المجلس الأعلى للدولة» الذي يرأسه الإخواني خالد المشري، والذي كان بالأمس حليفًا للدبيبة، ومنعته ومجلسه من دخول مقر المجلس بالعاصمة طرابلس.
فما القصة؟
وقال ما يعرف بـ«الأعلى للدولة» في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن ميليشيات تابعة لحكومة الدبيبة منعت أعضاءه من عقد جلسة لبحث المناصب السيادية والسلطة التنفيذية، مشيرًا إلى أن حكومة الدبيبة ميليشياوية وتريد فرض سيطرتها بالقوة.
وبينما توعد المشري، الدبيبة، بقوله، إن رئيس الحكومة منتهية الأعمال يجهل من هو المجلس الأعلى للدولة، قال إنه سيتقدم ببلاغ للنائب العام ضد حكومة الدبيبة، لمنعها عقد اجتماعاتنا.
ونشر ما يعرف بـ«الأعلى للدولة» صورًا لآليات عسكرية أمام مدخل الفندق، الذي كان سيحتضن جلسته بالعاصمة طرابلس، التي منعت أعضاءه من الالتحاق بالجلسات، قائلًا إنها تابعة لحكومة الدبيبة منتهية الولاية.
وبينما نفى الدبيبة تلك الاتهامات، التي عدها تضخيماً وتأجيجاً للصراع، كلف وزارة دفاعه بالتحقيق في الأحداث وتأمين مقر انعقاد اجتماع المجلس.
محاصرة مليشيات مسلحة لأعضاء المجلس الأعلى، استنكرها رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، مطالبًا النائب العام بفتح تحقيق في الحادثة، ومحاسبة المسؤولين عنها وتقديمهم للعدالة.
الأمر نفسه رفضه المجلس الرئاسي الليبي، مطالبًا الأجهزة الأمنية المختصة، بالعمل على حماية وتوفير بيئة آمنة، تضمن حرية التعبير للجميع وسلامة القرار للمؤسسات السياسية، في إطار الإعلان الدستوري وخارطة الطريق.
تصدع داخل المعسكر الغربي
إلا أن ذلك الحادث يكشف عن تصدع داخل معسكر المنطقة الغربية، ظل صامدًا فترة طويلة تحت اللواء التركي، وعباءة المصالح المشتركة بين الأعلى للدولة وحكومة الدبيبة، ما سيؤثر بشكل كبير في مسار الأزمة الليبية، خاصة أن المشري وصالح، بدا بينهما توافق خلال الفترة الأخيرة.
إلى ذلك، قال المحلل السياسي الليبي محمد يسري، في تصريحات لـ«السياق»، إن ما يحدث بطرابلس صراع متوقع، حيث تتداخل السلطات، بينما تتمسك أطراف معينة بمصالحها، مع حرصها على استمرار الأوضاع الحالية.
وأوضح المحلل السياسي الليبي، أن عدم وجود حوار يضمن مصالح تلك الأطراف، التي تسعى إلى أن تكون حاضرة في المرحلة السياسية المقبلة، سينتج عنه مشهد عبثي، كما حدث بين الدبيبة والمشري، لأن هناك توافقًا اتضحت ملاحمة منذ أشهر بين عقيلة والمشري، بما يجعل الدبيبة خارج دائرة التوافقات والمصالح المقبلة، مشيرًا إلى أن ذلك التوافق أغضب الدبيبة، فانقلب على المشري.
صراع واضح
وأشار إلى أن هناك صراعًا واضحًا بين السلطات التشريعية والتنفيذية، لعدم وضع الأمور في نصابها، بسبب الخروج عن البنود المتفق عليها في اتفاق الصخيرات والمدد الزمنية التي أصبحت معلقة حتى الآن.
وأكد المحلل السياسي الليبي، أن هذه الصراعات ستستمر كموجات تعلو وتهدأ، محذرًا من أن الوضع سيظل كما هو عليه، حتى تحتكم الأطراف إلى طاولة الحوار من جديد، وتكون هناك اتفاقات ملزمة للجميع، من شأنها تقديم مصلحة الوطن على الجميع، وعدم إطالة أمد الانقسام والصراع، باستحداث أجسام سياسية دخيلة.
وعن احتمال انزلاق الوضع إلى صراع مسلح، قال المحلل الليبي، إن تجربة الصراع المسلح في العاصمة باءت بالفشل، منذ أن استطاع الدبيبة تنحية الميليشات، التي تحاول تهديد بقائه على رأس الحكومة قبل أشهر، مشيرًا إلى أن ذلك سيمنع حدوث صراع مسلح.
وأشار إلى أن أي صراع قد يحدث داخل المعسكر الغربي، سيكون الدبيبة الطرف الأقوى فيه، خاصة أنه يحظى بمساعدة الطائرات المسيرة التركية، مؤكدًا أن الوضع عبارة عن خلافات سياسية.
حليف الأمس... عدو اليوم
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ«السياق»، إن هذا التصدع متوقع، فكلاهما يسعى إلى الاحتفاظ بسلطاته ومزاياه وكرسي السلطة، وهو ما يفسر انقلاب المواقف وتغيرها، بحيث أصبح حليف الأمس عدو اليوم.
ورغم ذلك، فإن المحلل السياسي الليبي، قال إن الخلاف يظل محدودًا، لأن الطرفين لديهما مرجعية واحدة هي الأتراك، الذين سيتدخلون في اللحظة المناسبة، لفك الاشتباك وإرجاع كل منهما إلى حجمه الطبيعي، وبما لا يشوش على الاستراتيجية التركية، التي تبقي الحفاظ على الحالة الراهنة في ليبيا، وعدم التحرك نحو الاستقرار وإعادة سيادة الدولة الليبية.
وتوقع عدم تصاعد الأمر إلى صدام عسكري، لأن الأتراك سيفرضون إرادتهم على الطرفين، مشيرًا إلى أن تلك الخلافات ما هي إلا حيلة لتعطيل أي اتفاق بين المجلس الأعلى للدولة والبرلمان على القاعدة الدستورية والمناصب السيادية، ما من شأنه خدمة المصلحة التركية وعبدالحميد الدبيبة، الذي يسعي إلى الاحتفاظ بالسلطة لأطول فترة ممكنة، ويرى في تحركات مجلس الدولة مع البرلمان، خطوة تهدد احتفاظه بالسلطة.
وأشار المحلل الليبي إلى أنه لا أفق لحل الأزمة الليبية، لأن الحل يوجب توافقًا إقليميًا دوليًا، يمكن أن يجبر الأطراف الليبية المتعنتة على الذهاب إلى تسوية ترضي كل الأطراف.
مسرحية هزلية
بدوره، قال المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن ما حدث مجرد مسرحية «هزلية» لخالد المشري، يريد من خلالها التنصل من اتفاقه مع عقيلة صالح في المغرب.
وأوضح المحلل الليبي أن خالد المشري وعبدالحميد الدبيبة مدعومان من تركيا، ويرعيان المصالح التركية في ليبيا، مشيرًا إلى أن أنقرة رفضت اتفاق صالح والمشري، بينما لم يجد الأخير أي مخرج من هذا المأزق، سوى هذه المسرحية التي أعتقد أنها من صنيعة المخابرات التركية.
وأشار إلى أن الأزمة ستستمر إلى حين إيجاد توافق دولي بشأن ليبيا، أما هذه المناوشات والصراعات، سواء بين مجلس الدولة أم مجلس النواب أم الدبيبة، فتهدف فقط لإطالة أمد بقائهم في السلطة لأطول وقت ممكن، مؤكدًا أن هذه الأجسام هدفها الرئيس الاستمرار في السلطة فقط، وليس إيجاد حل للأزمة في ليبيا.
وأكد المحلل الليبي، أن حل الأزمة الليبية يكمن في «انتفاضة شعبية»، تضع نهاية للأجسام السياسية الحالية وتقصيهم من المشهد، مطالبًا الليبيين بالخروج وإطاحة الفاسدين، وإعادة المياه إلى مجاريها، وإبعاد هؤلاء العابثين من المشهد.
إطاحة الدبيبة أم حرب؟
من جانبه، قال أستاذ العلاقات الدولية الدكتور محمد زبيدة، في تصريحات لـ«السياق»، إن الصدام الذي بدا واضحًا بين المشري والدبيبة، جاء مخافة التوافق بين المشري وعقيلة، على تغيير رئيس مفوضية الانتخابات لتذهب للمشري، والرقابة الإدارية لتذهب لعقيلة، ثم بعد ذلك تشكيل مجلس رئاسي جديد برئاسة عقيلة، وحكومة برئاسة المشري.
وحذر أستاذ العلاقات الدولية، من احتمال استعانة المشري بمليشيات الزاوية (مدينته) لحماية جلسة مجلس الدولة، مشيرًا إلى أنه إذا توافق المجلسان ستتم إطاحة حكومة الدبيبة.
إلا أنه قال إن الدبيبة لن يرضى عن سيناريو كهذا، ما يدفعه إلى اللجوء لمليشيات مصراتة لدعمه، خاصة أن لديه سلطات على المصرف المركزي الليبي، وباستطاعته شراء الولاءات، مشيرًا إلى أنه ما لم تضغط الدول المؤيدة لصفقة المشري عقيلة، على الدبيبة للتنحي، سيننزلق الوضع إلى معارك بين المليشيات المؤيدة والمعارضة للدبيبة في طرابلس.