احتجاجات مهسا أميني.. ما حقيقة انقلاب المخابرات الأمريكية في إيران؟
استشهدت مجلة تابلت الأمريكية، بعديد من الروايات التي تبرئ ساحة وكالة المخابرات الأمريكية من الإطاحة بمصدق، من بينها أنها كانت في طور تأسيسها، وربما لعبت المخابرات البريطانية دورًا من خلال الاعتماد على بعض عملائها الإيرانيين داخل شركات النفط، التي لم تمر على حلها أشهر.

ترجمات - السياق
بعد مرور نحو سبعة عقود على إطاحة رئيس وزراء إيران محمد مصدق، والاتهامات للمخابرات الأمريكية بالوقوف وراء خلعه، قدَّم الناقد بيتر ثيرو أدلة تنفي مزاعم تورط "سي آي إيه" في إطاحته، في رده على الاتهامات التي كالها المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي، لواشنطن بالوقوف وراء دعم الاحتجاجات الأخيرة في طهران.
وسرد ثيرو -الذي ترجم عديد الأعمال العربية، بما فيها بعض أعمال نجيب محفوظ- قصة إقالة مصدق بخمسينيات القرن الماضي، في مقال نشرته مجلة تابلت الأمريكية.
كان خامنئي قال أمام طلاب كلية الشرطة بطهران: "أقول صراحة إن أعمال الشغب هذه وانعدام الأمن، كانا من تصميم الولايات المتحدة والنظام الصهيوني المحتل المزيف ومن يدفعون لهم المال"، موضحًا أن الهدف النهائي للولايات المتحدة وإسرائيل هو تغيير النظام في إيران، بحسب مقال للناقد الأمريكي بيتر ثيرو.
تصريحات خامنئي، رد عليها مغني الراب الإيراني هيتشكاس، الذي دافع عن الدعم الخارجي للانتفاضة قائلاً عبر "تويتر": إن هذا التدخل يُمثل تضامنًا وليس تعاونًا، منهيًا تغريدته التي نالت إعجاب أكثر من 50 ألف متابع، بتهكم.
كان نجم الهيب هوب الشاب المتمرد، يربط فقط النقاط التي أشار إليها خامنئي، أنه عام 2022 ، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يسعون -مرة أخرى- إلى إطاحة زعيم إيراني آخر، كما تعاونت الولايات المتحدة في صيف 1953 مع لاعبين داخل وخارج إيران، للمساعدة في إنهاء الحياة السياسية لرئيس الوزراء القومي محمد مصدق.
أكاذيب
وقال بيتر ثيرو إن المتابع لأحداث أغسطس 1953 في إيران -وقت إطاحة مصدق- سيجدها تحتوي على أربع أكاذيب ملحوظة، أولاها: لم تشن وكالة المخابرات المركزية أو تنفذ انقلابًا، ثانيًا: مصدق لم يُنتخب ديمقراطيًا، ثالثًا: الشاه لم يكن فاسدًا، أما الملاحظة الرابعة، فوقتها لم يعاد إلى السلطة، لأنه لم يتركها.
وأشارت المجلة إلى أن الاغتيالات في خمسينيات القرن الماضي، كانت حقيقة من ثوابت الحياة في طهران، لافتة إلى أنه بعد أن نجا من محاولة اغتياله عام 1949، اختار محمد رضا بهلوي انتظار سقوط مصدق، رافضًا التنازل عن العرش.
ففي 4 فبراير 1949 عند زيارة الشاه لجامعة طهران، تعرض لإطلاق نار من مسافة قصيرة، اخترقت إحداها خد الشاه ومزقته ونجا من محاولة لاغتياله، وقُتل الجاني بإطلاق الرصاص عليه، من أحد الضباط المرافقين للشاه، ليتبين من التحقيقات أنه كان أحد أعضاء حزب توده الشيوعي المحظور والموالي للاتحاد السوفييتي.
وأوضحت المجلة، أن هذه الفترة تميزت بإقالات لعدد من رؤساء الوزراء في إيران، بدأت بمحمد علي فروغي، ثم علي سهيلي، وأحمد قوام، ومحمد رضا حكمت، وإبراهيم حكيمي، وعبدالحسين هازير، ومحمد سعيد، وعلي منصور، ثم تولى المنصب علي رزمارا الذي اغتيل في مارس 1951.
ونوهت إلى أنه بعد فترة قصيرة من رئاسة الوزراء لحسين علاء، أراد الشاه محمد رضا بهلوي تعيين سيد ضياء طبطبائي، لكن احترامًا للرجل الأرستقراطي العجوز محمد مصدق، عُرضت الوظيفة عليه من قِبل البرلمان، وسط شعور عام بين النواب بأنه سيرفض لكبر سنه، إلا أنه -أمام دهشة جميع النواب- وافق مصدق على تولي المنصب، فما كان أمام المجلس إلا أن رشحه، قبل أن يوافق الشاه على تعيينه.
وتلفت المجلة الانتباه إلى أهمية تسلسل الأحداث، التي بدأت بأن "يختار الشاه رئيسًا للوزراء، ثم يوافق البرلمان، ثم يقره الشاه في النهاية"، وهو ما يتوافق مع أحكام الدستور.
فما بين عامي 1953 و1979، عين الشاه وأقال 10 رؤساء وزراء، بما في ذلك مصدق مرتين.
لكن -وفق المجلة- لم يعُد أي من المؤرخين الإيرانيين -حتى أكثرهم تشددًا- ولا المؤرخين الأمريكيين، أن ما حدث كان "انقلابًا".
وإنما كان الاختلاف الوحيد، أنه عندما اشتعلت الخلافات في حكومة مصدق الثانية في أغسطس 1953، كان هناك بعض الأمريكيين المحتملين، الذين يساعدون في إشعال هذه الخلافات بين الأجنحة، ورغم أن دورهم كان محدودًا فإنهم صوروا هذا الدور على أنه كان ذا تأثير كبير في إطاحة مصدق وحكومته.
دستوريًا ، كان تعيين رؤساء الوزراء في إيران الإمبراطورية هو الامتياز الوحيد للشاه.
وهو ما أكده الباحث الأمريكي من أصل إيراني غلام رضا أفخمي بقوله: "الدستور الإيراني أعطى التاج (الملك) وحده سلطة تعيين أو عزل الوزراء وفق المادة 46 من القانون الأساسي التكميلي".
وتضمن كتاب جورج لينتشوفسكي أيضًا "إيران تحت حكم البهلويين"، أن "سلطة الشاه تفردت بالحق في تعيين وإقالة رئيس الوزراء والوزراء".
ومع ذلك، وفقًا لأفخمي "على مدى سنوات ما بعد الحرب، أصبح من الممارسات المقبولة أن يطلب الشاه من المجلس (البرلمان) إبداء رأيه قبل أن يُعين رئيسًا للوزراء".
كانت المادة 46 من القانون الدستوري التكميلي للدستور الإيراني المعمول به في ذلك الوقت صريحة، إذ تقول: "يعين الوزراء ويعزلون بمرسوم من الملك".
وكان لابد للسلطة التشريعية أن تؤيد هذا التعيين وتصدق عليه أولًا، من خلال الحصول على موافقة مبدئية من أغلبية أعضاء المجلس، قبل إصدار الفرمان الملكي بتعيين رئيس الوزراء، وفق سبهر ذبيح صاحب كتاب (جذور الثورة الإسلامية في إيران... عهد محمد مصدق).
إلا أن داريوش باياندور المؤرخ والدبلوماسي الإيراني السابق، وصف هذا التصويت بأنه كان "هشًا".
وحسب المجلة، كان دور البرلمان الإيراني في اختيار رئيس الوزراء مشابهًا لدور مجلس الشيوخ الأمريكي في تأكيد التعيينات الرئاسية، مثل قضاة المحكمة العليا وبعض المناصب الوزارية والسفراء، إلا أنه بشكل أضعف نوعًا ما، ورغم هذا الدور التشريعي الأقوى، لا أحد يشير إلى "القاضي المنتخب ديمقراطيًا صمويل أليتو" أو "وزير الخارجية المنتخب ديمقراطيًا أنتوني بلينكن" أو "السفيرة باميلا هاريمان المنتخبة ديمقراطيًا".
اختيار مصدق
وعن الطريقة التي اختير بها مصدق رئيسًا للوزراء ثم إطاحته، بينّت "تابلت"، أنه بمجرد وصوله إلى السلطة، قدَّم مصدق بسرعة نفسه كبطل قومي، من خلال الحصول على ضوء أخضر من مجلس النواب لتأميم صناعة النفط الإيرانية، ومع ذلك، فإن المفاوضات مع شركة النفط الأنجلو-إيرانية البريطانية، ظلت تدور حول تفاصيل مثل الإدارة والتعويضات المستقبلية للبريطانيين.
وبينما عملت الولايات المتحدة مع البريطانيين للتوصل إلى حل، انزعج البريطانيون من مثالية واشنطن تجاه مصدق، حيث كانت واشنطن منزعجة من جشع لندن الذي عفا عليه الزمن، وفق وصف المجلة.
ورغم إرسال الولايات المتحدة مبعوثها أفريل هاريمان، للعمل مع مصدق للتوصل إلى حل، فإن مواقف الرجل العجوز -الذي وصفته المجلة بالحذق- اللامنطقية دفعت الأمريكيين إلى الشعور بأنه من الواضح أنه لا يريد اتفاقًا.
وكما اعترف رئيس الوزراء الإيراني نفسه، فقد كان حذرًا من "المتعصبين" داخل النظام السياسي الإيراني، الذين قد يهدرون دمه إذا قدّم أي تنازل، ومن ثمّ عاد هاريمان إلى واشنطن خالي الوفاض، لكن سرعان ما حل آيزنهاور محل ترومان في رئاسة الولايات المتحدة.
تبع ذلك، أن سحبت بريطانيا، موظفي الشركة الأنجلو-إيرانية البريطانية من إيران، وهو ما أثبت لاحقًا -إضافة إلى افتقار الإيرانيين إلى الخبرة اللازمة لإنتاج النفط أو تسويقه- أنه كارثي على الاقتصاد الإيراني، حيث أدت زيادة الإنتاج في العراق والكويت والمملكة العربية السعودية، إلى تهميش دور شركة النفط الوطنية الإيرانية تسويقيًا.
في ذلك الوقت، كان مصدق ومستشاروه يتجاهلون هذه الحقائق، مع تزايد الزخم المحلي المناهض للإمبريالية، والأسوأ من ذلك، أن قراره بإنهاء محادثات النفط أغضب واشنطن أيضًا، التي ما لبثت أن انضمت إلى لندن ضد رئيس الوزراء الذي عدته غير جدير بالثقة.
ومع تحول المد السياسي والاقتصادي ضده، اختلف مصدق مع الشاه على من له الحق في تعيين وزير الحرب.
ونوهت المجلة الأمريكية، إلى أن هذا المطلب -تعيين وزير الحرب- كان خطًا أحمر بالنسبة للشاه، الذي عد الجيش قاعدته الرئيسة.
أمام ذلك، استقال رئيس الوزراء احتجاجًا على قرارات الشاه، لكن سياسة حافة الهاوية، التي اتبعها أعادته إلى ما كان يريده، واستعاد وظيفته إلى جانب السلطة على وزارة الحرب، التي سارع إلى تسميتها وزارة الدفاع وتعيين نفسه لرئاستها، وخفض ميزانيتها بنسبة 15%، وتطهير الخدمات من 136 ضابطًا، وتنصيب موالين له، بمن فيهم ابن أخيه الجنرال فوسوق (الذي عينه مساعد وزير)، والحصول على صلاحيات طارئة ستة أشهر، بما في ذلك سلطة التشريع.
لم يتوقف مصدق عند هذا الحد، وإنما فصل قضاة المحكمة العليا، ومن ثمّ فإنه أمام ذلك كله، افتقد الدعم اللازم في البرلمان، فسعى إلى حله أيضًا، وهي سلطة احتفظ بها الدستور للشاه فقط .
وحسب المجلة الأمريكية، كانت هذه بداية النهاية لرئيس الوزراء الذي تحدث ببلاغة عن الديمقراطية، لكن عندما أتيحت له الفرصة لممارستها، أظهر نزعة ديكتاتورية.
وبدعوى السعي للشرعية، ليس من المجلس التشريعي ولكن من "الشعب"، أجرى مصدق استفتاءً وطنيًا على حل البرلمان، بلا اقتراع سري، ومن ثمّ فقد منحه الاستفتاء نصرًا ساحقًا ، الأمر الذي كلفه خسارة دعم رجال الدين الشيعة، وائتلاف الجبهة الوطنية، وحتى الأسرة.
فقد كتبت ستاره فرمانفرمايان، ابنة أخته، في مذكراتها بعنوان (ابنة بلاد فارس)، عن مدى "البؤس" الذي شعرت به، بسبب ما سمتها "هذه الخيانة"، بينما انتقده رئيس المجلس كاشاني، ووصفه حلفاؤه السابقون في الجبهة الوطنية بأنه "ديكتاتور أسوأ من رضا شاه".
وبعد أن فقد كل الدعم السياسي تقريبًا، باستثناء حزب توده الشيوعي، وحتى مع انقسام مؤيديه المؤيدين للنفط، وجد مصدق نفسه مع قاعدة مخفضة من مؤيدين راديكاليين وجبهة موحدة بشكل متزايد يعارضه (رجال الدين والجيش)، فضلًا عن وقوف الولايات المتحدة وبريطانيا بقوة وراء الملك، والأهم من ذلك، أن عدم وجود مجلس عام (برلمان) أتاح للشاه فرصة لإقالة رئيس وزرائه الذي لا يحظى بشعبية.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن الشاه ظل رافضًا النصائح المتكررة، المحلية والأجنبية، بإقالة مصدق، رغم أن ذلك ضمن صلاحياته الدستورية، حتى أن مصدق نفسه كان يتفاخر بأن الشاه لن "يمتلك الجرأة" لإقالته، لكن حله للبرلمان جاء بنتيجة عكسية ضده، ومنح الشاه فرصة لإطاحته، بناءً على حقه الدستوري.
واستشهدت "تابلت" بعديد من الروايات التي تبرئ ساحة وكالة المخابرات الأمريكية من الإطاحة بمصدق، من ذلك أنها كانت في طور تأسيسها، وربما لعبت المخابرات البريطانية دورًا من خلال الاعتماد على بعض عملائها الإيرانيين داخل شركات النفط، التي لم تمر على حلها أشهر.
وذكرت واحدة من أفضل الروايات عن حركة إطاحة مصدق، في كتاب إرفاند أبراهاميان "إيران بين ثورتين"، وفي عشرات الصفحات الكثيفة نادرًا ما يذكر أي دور لوكالة المخابرات المركزية في ذلك.