فايننشال تايمز: هل يقود حزب الله لبنان إلى حرب أهلية جديدة؟
حزب الله يخشى أن يؤدي التحقيق في تفجير مرفأ بيروت إلى معلومات يمكن أن تدينه... هم ببساطة لا يريدون تطبيق ثقافة المحاسبة

ترجمات - السياق
قالت صحيفة فايننشال تايمز الأمريكية، إن التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، يهدد بإشعال حرب أهلية جديدة، بين الفصائل المتناحرة في لبنان، خاصة بعد استعراض القوة الذي قام به حزب الله.
وأضافت الصحيفة، في تقرير: "بالنسبة لسكان بيروت الذين يعيشون بالفعل أسوأ كارثة اقتصادية، تضرب لبنان منذ أكثر من ثلاث سنوات، وبينما يحاولون إعادة بناء حاضرهم بعد الانفجار المدمِّر الذي استهدف المرفأ قبل أكثر من عام، جاءت معركة الخميس المميتة بمنزلة تحذير من مشكلات إضافية في المستقبل.
وأوضحت الصحيفة، أنه ضمن أسوأ أعمال العنف في المدينة منذ أكثر من عقد، قُتل ما لا يقل عن سبعة أشخاص، بالتزامن مع تظاهرة دعا لها حزب الله وحركة أمل، ضد قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، مشيرة إلى أن هذه المعركة النارية تُعد تذكيرًا بالحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا وانتهت عام 1990، تم خلالها حشد الميليشيات، في المواجهات التي تركت آثارًا طائفية، قد تكون مستمرة حتى اليوم.
حرب أهلية
وكشفت لقطات تلفزيونية، أن شوارع جنوبي بيروت مليئة بشبان مدججين بالسلاح، وكأنها محاولة لإعادة حرب، كان يفترض أنها عفا عليها الزمن، في إشارة إلى الحرب الأهلية.
ونقلت "فايننشال تايمز" عن جمانة زبانة، التي تعيش بالقرب من المكان الذي اندلعت فيه الاشتباكات قولها: "الأحداث ذكرتني بالحرب الأهلية التي وقعت قديمًا... الأطراف نفسها تتقاتل مرة أخرى، كانوا يحاربون بعضهم عندما كنت طفلة، عمري الآن 45 عاماً، ولا يزال هؤلاء في السلطة".
وقالت الصحيفة، إن ابنة زبانة البالغة من العمر ثماني سنوات، أصيبت بصدمة نفسية من جراء انفجار الميناء، الذي ألحق أضرارًا بالغة بمسكنهم، مشيرة إلى أنها كي تخرجها من تأثير هذا الحادث الأليم، أبلغتها بأن ما حدث كان مجرد "أناس أشرار قاموا بالألعاب النارية، ولن يتكرر".
ومع ذلك، مع تجدد القتال الخميس الماضي، سألت الابنة، أمها: "ألم تقولي يا أمي إن ذلك لن يحدث؟"... فما كان من الأم إلا أن تجيب: "هؤلاء أناس أشرار جدد".
واندلعت أعمال العنف، بسبب التوترات بشأن تحقيق قضائي في الانفجار الذي وقع بميناء بيروت في أغسطس 2020، حيث انفجرت أطنان من نترات الأمونيوم التي تم توفيرها بشكل سيئ، ما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإلقاء النفايات في مساحة واسعة من البلدة.
وأوضحت "فايننشال تايمز" أن الأوراق المسربة عن التحقيق، تكشف أن العديد من الضباط كانوا يعرفون بالمخاطر التي يشكلها مخبأ المواد الكيميائية في الميناء، إلا أنهم لم يتحركوا، ونتيجة لذلك، تحول التحقيق إلى معارضة شديدة من قِبل السياسيين المؤثرين، الذين يخشون أنهم قد يفقدون الحصانة من الملاحقة القضائية، وحتى يواجهون السجن.
وأشارت الصحيفة، إلى أن أحد أبرز المتهمين في القضية، هو تنظيم حزب الله، الذي وصفته بأنه أقوى فريق عسكري مدعوم من إيران في لبنان، موضحة أنه مع حركة أمل، حليفته الشيعية، أرسلا أنصارهما إلى الشوارع الخميس في استعراض للقوة، ودعوا إلى عزل القاضي الذي يقود التحقيق، حيث اتهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله، القاضي طارق بيطار بتسييس تحقيقات تفجير مرفأ بيروت، وطالب بإقالته.
توترات طائفية
وتعود "فايننشال تايمز" لتحذر من عودة التوترات الطائفية في البلاد، ونقلت عن محمد حاج علي، الزميل في معهد كارنيغي للسلام الدولي، الذي يقيم في بيروت، قوله: "يخطط حزب الله وحركة أمل لإشعال بعض التوترات الطائفية، كمحاولة لصرف الأنظار عن التحقيقات، كما أنهما يخططان أيضاً لإظهار غضبهما، لأنهما من الأطراف القوية ذات السلطة في لبنان، ولا يمكن أن يتم استدعاؤهما للتحقيق، ويريان أنهما فوق القانون، بل هما القانون أيضاً".
وأضاف حاج علي: "حزب الله يخشى أن يؤدي التحقيق إلى معلومات يمكن أن تدينه... هم ببساطة لا يريدون تطبيق ثقافة المحاسبة".
بدوره قال سامي نادر، مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية: إن التظاهرات التي نظمها حزب الله وحركة أمل "تمثل الملاذ الأخير لهما للسيطرة على الشارع، وتحويل الموقف إلى معركة طائفية".
ووسط كل هذه التوترات، حذر محللون من احتمال اندلاع مزيد من العنف، على خلفية إلقاء حزب الله باللوم على القوات اللبنانية، مع اتهام واشنطن بالتدخل بتحقيقات انفجار مرفأ بيروتن بعد معلومات تحدثت عن توجه لجنة التحقيق لاتهام حزب الله بالمسؤولية عن الانفجار.
كانت وسيلة إعلامية لبنانية، نقلت عن مصادر في حزب الله وحركة أمل، تحذيرهما من أن "القاضي طارق بيطار يتجه لاتهام حزب الله بجريمة تفجير المرفأ، ولا يمكن للحزب أن يتحمل نتيجة جريمة لم يرتكبها".
رؤية أخرى
اتهمت القوات المسلحة اللبنانية، حزب الله وحركة أمل، بتهيئة الظروف للأحداث المأساوية التي وقعت، مشيرة إلى أن العشرات من أنصار الحزب والحركة وصلوا إلى الموقع وهم مسلحون، بل إن بعضهم كان يحمل قذائف صاروخية.
وفي صفعة جديدة تلقاها الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، أصدر نادي قضاة لبنان بيانًا، الجمعة، أكد فيه أنه لا بد من تعاضد كل القضاة ووحدتهم حول مجلس القضاء الأعلى ورئيسه، "لمنع أي محاولة لتجاوز صلاحيات السلطة القضائية، وللتصدي لأي محاولة للتطاول والاستقواء عليها من خارجها، ترمي إلى كف يد المحقق العدلي بأساليب ملتوية، إذ إن الأخير يبقى سيد ملفه، ما لم يصدر أي قرار عن المرجع المختص برده أو تنحيته".
وأشار البيان إلى أن القضاء قال كلمته، "وخلص غير مرة إلى عدم قبول طلبات رد المحقق العدلي في جريمة المرفأ وعليه، من له أذنان فليسمع صوت القانون جيداً، وليتوقف عن العبث بآخر حصن في فكرة الدولة"، معربًا عن أسفه لسقوط ضحايا وجرحى، داعيًا إلى الإسراع في الكشف عن الفاعلين وإنزال أقصى العقوبات بهم إحقاقًا للعدالة وتفاديًا لأي فتنة.
كما حثّ نادي قضاة لبنان في بيانه، المواطنين على الوقوف صفًا واحدًا مع القضاة، لإقرار قانون استقلالية السلطة القضائية، التي تبقى الضامن الوحيد للعدالة، والملاذ الأخير لكل مواطن.
وبالعودة إلى سكان بيروت، أوضحت "فايننشال تايمز" في ختام تقريرها، أن الشوارع مازالت مبعثرة بالزجاج المكسور والحواجز المليئة بالثقوب، التي أحدثتها طلقات الرصاص.