كيف عززت روسيا نفوذها في القارة السمراء؟
يقول صامويل راماني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أكسفورد، إن موسكو تصب تركيزها على شريط من الدول يمتد من مالي إلى السودان، وتزعم أن بإمكانها بناء حزام يمنحها نفوذًا على حساب الغرب.

ترجمات – السياق
مع تنامي الدور الروسي في إفريقيا وتراجع النفوذ الفرنسي، تساءلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، عن الكيفية التي نجحت بها روسيا في تشكيل نفوذ قوي داخل القارة الإفريقية، مشيرة إلى أنه بالتركيز على عديد البلدان من مالي إلى السودان، فإن موسكو تتحدى الغرب وتفتح "جبهة ثانية".
واستشهدت الصحيفة، بالتغلغل الروسي في أجزاء من إفريقيا، بجمهورية أفريقيا الوسطى، ذلك البلد الذي يُعد الأفقر والأضعف في العالم، وكيف تسيطر روسيا فيه على كثير من مناحي الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية.
فقد شهدت كاتدرائية القديس أندريه الأرثوذكسية في بانغي، عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى، تحويل ريغيس سانت كلير فوييماوا، المونسنيور، ولاءه من بطريركية القسطنطينية إلى بطريركية موسكو.
وأشارت الصحيفة إلى أنه مقابل هذا التحويل، موَّلت روسيا ترميم اللوحات الجدارية والواجهة الجديدة لكاتدرائيته المتداعية، ودفعت إلى فوييماوا لقضاء ثلاثة أشهر في موسكو العام الماضي.
كما تبرعت بـ 6 آلاف دولار لبناء فصل دراسي في إحدى مدارس الأيتام، التي تضم نحو 60 طفلًا من ضحايا الحرب الأهلية في البلاد، بشرط تعليم هؤلاء الأطفال اللغة الروسية بشكل أساسي.
تأثير متزايد
وترى "فايننشال تايمز" أن التأثيرات الروسية داخل الكاتدرائية، أكثر من مجرد تمرين في التوعية الثقافية، فهي جزء من التأثير المتزايد الذي تمارسه موسكو في الحياة السياسية والاقتصادية لجمهورية إفريقيا الوسطى، التي تعد أحد أفقر دول العالم وأضعفها.
وأشارت إلى أن هذه العلاقة، المثال الأكثر وضوحًا على فعّالية موسكو في أجزاء من إفريقيا، منوهة إلى أن موسكو تستعين على ذلك باستراتيجية تمزج بين بروباغندا الدعاية وصفقات السلاح وأنشطة التعدين والمقاتلين.
ويتمثل الوجود الروسي بجمهورية إفريقيا الوسطى في نحو ألف وخمسمئة من مجموعة فاغنر شبه العسكرية، فضلًا عن أنشطة روسية في مجال التعدين بحثًا عن الذهب والماس، وشعار "صُنع في جمهورية إفريقيا الوسطى بتكنولوجيا روسية".
ويصف أحد كبار الدبلوماسيين الغربيين في جمهورية إفريقيا الوسطى البلاد بأنها "طبق بتري" لطموحات موسكو الإفريقية، مضيفًا: "هناك حرب مختلطة مستمرة، ونحن نشارك فيها بشكل أو بآخر"، في إشارة إلى الحرب الباردة بين موسكو والغرب.
ومثل "طبق بتري" يعني كأداة للبحث عن المعادن الثمينة كالذهب والماس، أي أن إفريقيا الوسطى تستخدمها موسكو كـ "وعاء" للبحث عن المعادن الثمينة.
وذكرت الصحيفة البريطانية، أن الحرب في أوكرانيا كلفت الروس ثمنًا فادحًا، وكشفت ضعف الجيش الروسي الذي شهد سقوط آلاف القتلى من جنوده في أوكرانيا، بخلاف عقوبات دولية أثقلت كاهل الاقتصاد الروسي.
وأوضحت أن روسيا رأت أن تعوِّض خسائرها في أوروبا بالبحث عن مكاسب في إفريقيا، وقد قطعت موسكو شوطًا كبيرًا في هذا الصدد.
الجبهة الثانية
وحسب "فايننشال تايمز" ساعدت موسكو على تحقيق هذا النجاح في إفريقيا عوامل عدة، منها اضطراب الأوضاع الأمنية بسبب الحركات المسلحة والجهادية والانقلابات العسكرية، إلى جانب حالة نفور من النفوذ الغربي في القارة السمراء (لا سيما الفرنسي في الدول الفرانكفونية)، فاستطاعت موسكو بذلك أن تنافس الغرب على جبهة جديدة هي إفريقيا.
فبمساعدة مزيج متقلب من الإرهاب الجهادي والمشاعر المعادية لفرنسا والانقلابات، نجحت موسكو في تحدي النفوذ الغربي وتأسيس ما يسميه أحد كبار مستشاري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "الجبهة الثانية" في إفريقيا.
ويرى مستشار ماكرون أن الأمر يتعلق بإضعاف أوروبا وفتح جبهة، يُنظر إلى أوروبا وفرنسا من خلالها، على أنهما أكثر هشاشة في القارة السمراء.
وفي ذلك، يقول صامويل راماني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أكسفورد، مؤلف كتاب سيصدر قريبًا عن روسيا في إفريقيا: موسكو تصب تركيزها على شريط من الدول يمتد من مالي إلى السودان، وتزعم أن بإمكانها بناء "حزام انقلاب" يمنحها نفوذًا على حساب الغرب.
وهو ما يصفه راماني بأنه تتويج للعبة طويلة تعود إلى الحقبة السوفيتية، لكنها تسارعت منذ أن استعاد فلاديمير بوتين الرئاسة الروسية عام 2012، مشيرًا إلى أن موسكو استخدمت "جيشًا غامضًا من أدوات إبراز القوة" لتحقيق هذه "التدخلات الهجينة".
ويرى راماني أن هذه الأدوات تجمع بين "عمليات مكافحة التمرد، ومبيعات الأسلحة وتعزيز الاستبداد والقوة الناعمة"، وخلص إلى أن روسيا -بتوظيف هذه الأدوات- أصبحت "قوة عظمى على مستوى القارة".
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن مكاسب روسيا، المتركزة في إفريقيا الناطقة بالفرنسية، جاءت -في الغالب- على حساب فرنسا، لافتة إلى أن المشاعر المعادية لفرنسا وصلت إلى نقطة الغليان في عديد المستعمرات الفرنسية السابقة، حيث أدت تدخلاتها العسكرية إلى نتائج عكسية، خصوصًا بعد اتهام دبلوماسييها وشركاتها بالتدخل الاستعماري الجديد.
بينما أصبح المروجون الروس خبراء في تحريف المشاعر المعادية لفرنسا، إلى ما يشبه الانتفاضة المؤيدة لموسكو في الرأي العام.
وفي ذلك، ترى سيلفي بابو تيمون، وزيرة خارجية جمهورية إفريقيا الوسطى التي تلقت تعليمها في فرنسا، علاقة بين أخطاء فرنسا المزعومة والنجاحات الروسية على الأرض، وألقت باللوم على باريس لفشلها في تهدئة الأوضاع بالبلاد في ظل التدخل العسكري السابق، من خلال عملية سانغاريس، التي انتهت فجأة عام 2016.
ففي أكتوبر 2016، وصل وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان إلى بانغي، لإعلان انتهاء عملية سانغاريس، التي وضعت حدًا للمجازر في جمهورية إفريقيا الوسطى، لكن من دون القضاء على العصابات المسلحة.
وشابت عملية سانغاريس خروق واتهامات بممارسة عنف جنسي شملت أيضًا جنودًا للأمم المتحدة، لكن العملية ككل أوقفت الذعر الذي كانت العصابات المسلحة تنشره بين السكان.
وفي ما يخص المفاوضات اللاحقة، أوضحت بابو تيمون، أن روسيا "عرضت بلطف توفير الأسلحة"، مشيرة إلى أنه مع مغادرة آخر فرقة من الجنود الفرنسيين البلاد، وضعت روسيا أول قدم لها.
انتهازية بوتين
وحسب "فايننشال تايمز" كانت منطقة غرب ووسط إفريقيا تُعرف يومًا بحزام الانقلاب في القارة السمراء، كناية عما شهدته دُولها من انقلابات عسكرية على أنظمتها.
وأشارت إلى أنه أول ما كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن طموحه في القارة الإفريقية، كان في أكتوبر 2019 عندما استضاف بمدينة سوتشي الروسية 43 زعيمًا إفريقيًا في قمة روسيا إفريقيا.
ومنذ ذلك الحين، أخذت دول إفريقية تنجذب إلى القطب الروسي، من جمهورية إفريقيا الوسطى إلى مالي، ومن بوركينا فاسو إلى السودان.
ونقلت الصحيفة عن بيتر فام، المبعوث الأمريكي الخاص لمنطقة الساحل في إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والآن في المجلس الأطلسي، قوله: "لقد حققت روسيا نجاحًا مذهلاً هناك"، مضيفًا: "اعتمد نهجهم الدبلوماسي في المنطقة على الانتهازية، حيث يمكنهم، بتكلفة زهيدة، أن يطعنوا في الغرب ويأخذوا مكانها".
كانت موسكو تضغط بشدة بشكل خاص في الساحل، وهي منطقة غير مستقرة سياسيًا، ومن ثمّ فإنه في عديد البلدان التي تقاتل المتمردين الجهاديين، أقامت الانقلابات حكومات عسكرية معادية لفرنسا ومتعاطفة مع موسكو.
ففي سبتمبر الماضي، استغل عبدالله مايغا، رئيس الوزراء المؤقت للحكومة العسكرية في مالي، خطابه أمام الأمم المتحدة للتنديد بـ "المجلس العسكري الفرنسي" والإشادة بـ "التعاون المثالي والمثمر بين مالي وروسيا".
في الشهر نفسه، استولى جنرالات بوركينا فاسو على السلطة للمرة الثانية خلال ثمانية أشهر، وهو حدث تميز بتلويح المتظاهرين بالأعلام الروسية في شوارع العاصمة واغادوغو.
وفي السودان المضطرب، أقامت موسكو علاقات وطيدة مع الجنرال محمد حمدان دقلو الشهير بـحميدتي، الرجل الثاني بين عدد من الجنرالات ظهروا بعد انقلاب 2019 الذي أطاح نظام عمر البشير.
وتتربح شركات روسية عاملة في السودان، من صادرات الذهب غير القانونية، بحسب وزارة الخزانة الأمريكية.
وقد زادت شحنات تلك الصادرات من السودان إلى وروسيا منذ اجتياح الأخيرة لأوكرانيا.
ووقعت موسكو اتفاقًا مبدئيًا يسمح لها بوجود عسكري في ميناء بورتسودان الاستراتيجي على البحر الأحمر.
في المقابل، ينكر يفغيني بريغوجين، مالك مجموعة فاغنر، أي علاقة بالمناجم في السودان وكذلك في جمهورية إفريقيا الوسطى.
وترى الصحيفة البريطانية، أن النجاح المذهل الذي حققته روسيا في مالي، يعود للدور الكبير الذي يلعبه العقيد أسيمي غويتا، قائد المجلس العسكري، الذي تعاقد مع "فاغنر" لمحاربة المتمردين، خصوصًا المليشيات المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش.
ونوهت إلى طرد السفير الفرنسي من مالي في يناير 2022، بينما انسحبت القوات الفرنسية، التي تدخلت عام 2013 بدعوة من باماكو لمحاربة الإسلاميين الذين يهددون باجتياح البلاد، إلى النيجر المجاورة في أغسطس الماضي.
ومع سقوط الدول الإفريقية واحدة تلو الأخرى كـ"قطع الدومينو" في يد روسيا، لا يشكك مسؤول فرنسي كبير يساعد في صياغة استراتيجية فرنسا بإفريقيا في نجاح روسيا، وقال، رافضًا كشف هويته: "لقد فشلت مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وبوركينا في مواجهة تحدي الإرهاب، وقد حان وقت (فاغنر) الروسية لمواجهة ذلك".
غضب الغرب
أمام هذه النجاحات، بينت "فايننشال تايمز" أن نجاح روسيا في إفريقيا أذهل الغرب، الذي كان أكثر تركيزًا على الغزوات التي حققتها الصين داخل القارة.
ورغم أن التجارة بين روسيا وإفريقيا كانت 15.6 مليار دولار فقط عام 2021، وفقًا لصندوق النقد الدولي -وهو جزء بسيط من 254 مليار دولار بين الصين وإفريقيا في العام نفسه- فقد مارست موسكو نفوذًا كبيرًا.
فقد تعززت استراتيجية روسيا، من خلال أجندة الدعاية الأوسع لبوتين، لتصوير روسيا على أنها حصن ضد مغامرات الغرب في دول مثل العراق وليبيا.
لكن في النهاية، أدت إطاحة العقيد معمر القذافي -المدعوم من الغرب عام 2011- إلى طوفان من الأسلحة والمقاتلين، الذين يزعزعون استقرار منطقة الساحل حتى يومنا هذا.
كما لقيت رسالة بوتين "المناهضة للاستعمار"، التي عبَّـر عنها في خطاب ألقاه سبتمبر الماضي، للاحتفال بضم الأراضي الأوكرانية التي استولت عليها القوات الروسية، صدى في البلدان التي تتعمق بها الشكوك في القوى الاستعمارية السابقة ولا يزال الحنين إلى الاتحاد السوفييتي يتأرجح.
في مارس الماضي، رفضت 25 دولة إفريقية التصويت أو امتنعت عن التصويت على قرار للأمم المتحدة لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا.
لكن لم يسر كل شيء كما يريده بوتين، ففي موزمبيق، حيث تعود العلاقات مع موسكو إلى الحقبة السوفيتية، وكانت هذه العلاقات متينة لدرجة أن العلم الوطني يتميز ببندقية كلاشينكوف، إلا أن فاغنر غادر البلاد عام 2021 بعد قتل خمسة من رجالها على أيدي متشددين إسلاميين.
بينما في جنوب إفريقيا، لا تزال روسيا تتمتع بعلاقات وثيقة مع المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، الذي رفض إدانة غزو موسكو لأوكرانيا.
كما أرسلت رابطة شباب حزب المؤتمر الوطني الإفريقي مراقبين إلى الاستفتاء الروسي الزائف بأربع مقاطعات أوكرانية في سبتمبر الماضي.
ومع ذلك، فإن محاولات موسكو لإبرام اتفاق نووي بـ 70 مليار دولار مع جنوب إفريقيا، تلاشت عندما أُجبر جاكوب زوما -الذي تدرب في الاتحاد السوفييتي والذي وصف بوتين مؤخرًا بأنه "رجل السلام"- على الخروج من الرئاسة عام 2018.
في الآونة الأخيرة، جاءت جهود روسيا لكسب الأصدقاء من خلال "دبلوماسية اللقاح" بنتائج عكسية، عندما فشلت في توفير الجرعات الموعودة، بينما اشتكى المسؤولون الأفارقة، من أن لقاح سبوتنيك ضد كورونا، كان أكثر تكلفة من نظرائهم الغربيين.
نجاحات أم إخفاقات؟
ومع ذلك -حسب "فايننشال تايمز"- حققت روسيا نجاحات أكثر من الإخفاقات في إفريقيا.
جمهورية إفريقيا الوسطى من أفقر البلدان في العالم، وهي دولة هشة للغاية، لدرجة أن الجماعات المتمردة تسيطر على أجزاء من البلاد، بينما يدين رئيسها، فوستين أرشانغ تواديرا، ببقائه على قيد الحياة لجماعة فاغنر، الذين ساعدوا في إخماد محاولة لإطاحته قبل الانتخابات عام 2020.
واليوم -حسب الصحيفة- يوفر أعضاء فاغنر واحدة من حلقات الأمن الشخصي لتواديرا، بينما يقول دبلوماسي غربي في بانغي: "لا يتعلق الأمر فقط بحمايته، إنه أصبح رهينة بين أيديهم".
فقد رأت روسيا فرصتها لأول مرة في جمهورية إفريقيا الوسطى عام 2017 بعد صفقة مقترحة من فرنسا لتزويد حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى المحاصرة ببنادق هجومية من طراز إيه كيه-47، إذ إن الرئيس تواديرا، الذي التقى سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، في زيارة خاصة لموسكو، تحول بدلاً من ذلك إلى روسيا، للحصول على أسلحة ومدربين عسكريين.
كما أقامت روسيا بسرعة في جمهورية إفريقيا الوسطى مركز قيادة وقاعدة تدريب على بُعد قرابة 80 كيلومترًا من بانغي، ويُنسب الفضل في ذلك إلى مرتزقة "فاغنر" وغيرها من الشركات العسكرية الروسية الخاصة.
وتطور الأمر بأن أدخل تواديرا "الروسية" كلغة إلزامية في الجامعات، وفي مايو، أصبحت جمهورية إفريقيا الوسطى ثاني دولة فقط بعد السلفادور تجعل "البيتكوين" عملة رسمية، وهي خطوة -في بلد به نسبة اختراق للإنترنت بنسبة 10 في المئة فقط- يعتقد المحللون أنها توفر وسيلة لتجاوز العقوبات المالية ضد روسيا.
وحسب دبلوماسيين "تعمل روسيا أيضًا على تشكيل المشهد السياسي في إفريقيا الوسطى، من خلال وجود مكثف لـ (فاغنر)، بالزي المدني، داخل الوزارات الحكومية".
ومن هذه التدخلات "إقالة القاضية دانييل دارلان، الرئيسة السابقة للمحكمة الدستورية، أواخر أكتوبر الماضي، بعد عرقلة محاولة لتعديل الدستور حتى يتمكن تواديرا من الترشح لولاية ثالثة".
وتحت حراسة جنود الأمم المتحدة بسبب تهديدات بالقتل ضدها، قالت دارلان إنها لا تشك في أن موسكو كانت وراء عزلها، لأن الروس يريدون جعل تواديرا "أكثر ديكتاتورية".
وتعلق الصحيفة البريطانية على كل هذه التدخلات بالقول: "في جمهورية إفريقيا الوسطى، كما هو الحال بأي مكان آخر في إفريقيا، قد تفعل روسيا الأشياء بثمن بخس، لكنها تستخرج الثمن بشكل أو بآخر".
فعام 2021 قالت لجنة من الخبراء تابعة للأمم المتحدة، إن نسبة 95 في المئة من ذهب مناجم جمهورية إفريقيا الوسطى، تم تصديره بشكل غير قانوني.
ويقول شهود إن روسًا كانوا بين مهاجمين لمناجم ذهب تقع في مناطق تابعة للمعارضة المسلحة على الحدود بين تشاد والسودان، للاستئثار بالمعدن النفيس وطرد أي منافسين للروس.
أمام ذلك، يثير نجاح روسيا في طرد الخصوم والتسلل إلى الحكومات التساؤل عن التقدم الذي يمكن أن تحققه في القارة السمراء.
ففي أغسطس الماضي، أبلغ جيلبرت كاباندا، وزير دفاع جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي دولة ضخمة غنية بالمعادن وحيوية في سلسلة توريد البطاريات، عن مناقشات "مثمرة" مع نظيره الروسي للتعاون العسكري المحتمل في حرب جمهورية الكونغو الديمقراطية مع المتمردين في الشرق.
وفي أكتوبر، استبعد الرئيس الأوغندي فيليكس تشيسكيدي، في مقابلة مع "فايننشال تايمز" أي احتمال أن تتعاقد الحكومة مع "فاغنر" لخوض معاركها، إلا أنه بعد ذلك شوهد عسكريون روس في المنطقة.
بينما خلص تقرير استخباراتي غربي، اطلعت عليه "فايننشال تايمز" إلى أن المرحلة الأولى من "إجراء تثبيت فاغنر" ربما تكون قد بدأت جنبًا إلى جنب مع استثمارات التعدين.
وكمحاولة لردع الوجود الروسي في إفريقيا، صنفت الولايات المتحدة، الشهر الماضي "فاغنر" على أنها "منظمة إجرامية عابرة للحدود"، بينما زادت الزيارات الأمريكية الرسمية للقارة لإيصال رسالة بأن الوجود الأمريكي في إفريقيا لم ينته.
فسرعان ما أعقبت جولة لافروف لأربع دول إفريقية في يوليو الماضي، موجة من الزيارات من كبار المسؤولين الأمريكيين، بمن في ذلك أنتوني بلينكين، وزير الخارجية الأمريكية، وجانيت يلين، وزيرة الخزانة، التي أمضت 10 أيام بالقارة في يناير، وكلاهما جلب رسائل سعت إلى مواجهة الدعاية الروسية.
ومن المقرر أن تستمر الزيارات الأمريكية على مستويات أعلى، إذ يتوقع زيارة تقوم بها كامالا هاريس، نائبة الرئيس، وجو بايدن، الرئيس، في وقت لاحق من هذا العام، إلى عدد من دول القارة.
وفي غضون أيام من جولة لافروف، العام الماضي، ألقى ماكرون خطابًا في بنين، لفت فيه الانتباه إلى تصرفات روسيا، وقال الرئيس الفرنسي إنه بعيدًا عن كونه صديقًا لإفريقيا، كشفت روسيا عن نفسها على أنها "من آخر القوى الاستعمارية الإمبريالية".