وثيقة سرية تكشف... ماذا تريد روسيا من مولدوفا؟
تكشف الوثيقة المسربة خطة موسكو لدعم الجماعات الموالية لها، استنادًا لنفوذ الكنيسة الأرثوذكسية، وكذلك التهديد بقطع إمدادات الغاز الطبيعي، في مسعى لتهديد تقرب كيشنيناو من الغرب.

السياق
توترات تتزايد وأسرار تتكشف تباعًا، ومخاوف من أن تلقى دولة أخرى مصير أوكرانيا، بعدما كشفت وسائل إعلام غربية تفاصيل وثيقة سرية روسية، تعرض تفاصيل خطة صاغها جهاز الأمن الروسي، لزعزعة استقرار مولدوفا.
وتكشف الوثيقة الذي نشرته "سي إن إن"، خطة موسكو لدعم الجماعات الموالية لها، استنادًا لنفوذ الكنيسة الأرثوذكسية، وكذلك التهديد بقطع إمدادات الغاز الطبيعي، في مسعى لتهديد تقرب كيشنيناو من الغرب.
وتعتمد الخطة الروسية أيضًا على جعل مولدوفا أسيرة واردات الغاز الروسي، وكذلك إثارة الصراع الاجتماعي، ومحاولة منع جهود مولدوفا لكسب النفوذ في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية الموالية لروسيا، حيث يتمركز نحو 1500 جندي روسي، وكذلك دعم القوى السياسية الداعية إلى إقامة علاقات وثيقة بالاتحاد الروسي.
وتضع الوثيقة السرية والتي تنفي السلطات الروسية علاقتها بها، خيارات مفصلة لتقوية الحضور الروسي في البلد السوفياتي السابق، عبر مجموعة من الوسائل أبرزها دعم النخب والأحزاب الموالية لموسكو والاستفادة من حضور الكنيسة الأرثوذكسية والتهديد بقطع إمدادات الغاز الطبيعي.
قبل الحرب
بعنوان "الأهداف الاستراتيجية للاتحاد الروسي في جمهورية مولدوفا" جاءت الوثيقة الروسية، ساعية لوقف ميل جارتها نحو الدول الغربية، خاصة بعد تقديمها طلبًا للانضمام للاتحاد الأوروبي، وبنائها علاقات قوية مع أعضائه.
شبكة سي إن إن أكدت أن الوثيقة صيغت عام 2021، أي قبل اندلاع حرب أوكرانيا، وتحوي بين طياتها عددًا من الأهداف، في ظل استراتيجية مدتها 10 سنوات، في مسعى لضم مولدوفا الواقعة بين رومانيا وأوكرانيا، إلى دائرة نفوذ الكرملين.
مجموعات نفوذ
وتشمل الخطة أهداف تعزيز اعتماد مولدوفا على واردات الغاز الروسي وإثارة الصراعات الداخلية، بالإضافة إلى محاولة منع جهود البلاد لكسب النفوذ في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية الموالية لروسيا، حيث يتمركز حوالي 1500 جندي روسي.
وتتكون الوثيقة المسربة من خمس صفحات، تنقسم إلى عناوين فرعية تقسّم أهداف الاستراتيجية الروسية إلى فترات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى.
شملت الأهداف التي كشفت عنها "سي إن إن" أيضًا معارضة السياسة التوسعية لرومانيا في جمهورية مولدوفا، وكذلك إنشاء مجموعات نفوذ مستقرة مؤيدة لروسيا في النخب السياسية والاقتصادية بمولدوفا.
كما تضع الوثيقة، بحسب "سي ان ان"، مسعى إحباط تقارب مولدوفا مع الدول الغربية والناتو هدفا رئيسيا، حيث تشدد في أكثر من فقرة على ضرورة منع مولدوفا من الانضمام إلى التحالف العسكري الدولي.
ومن بين الأهداف المباشرة التي توردها الوثيقة "دعم القوى السياسية في مولدوفا التي تدعو إلى إقامة علاقات بناءة مع الاتحاد الروسي" و"تحييد مبادرات جمهورية مولدوفا الهادفة إلى القضاء على الوجود العسكري الروسي في إقليم ترانسنيستريا".
وتشمل الأهداف متوسطة المدى "معارضة السياسة التوسعية لرومانيا في جمهورية مولدوفا" و"معارضة التعاون بين جمهورية مولدوفا وحلف الناتو".
كما تحدد الوثيقة المنسوبة لجهاز الأمن الروسي أهدافا طويلة المدى، من ضمنها "إنشاء مجموعات نفوذ مستقرة مؤيدة لروسيا في أوساط النخب السياسية والاقتصادية في مولدوفا" و "تشكيل موقف سلبي تجاه الناتو".
موسكو تنفي
من ناحيتها لم تلتزم روسيا الصمت، بل نفت علمها بهذه الوثيقة، وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف: "لا نعرف شيئًا عن هذه الخطة"، مضيفًا: "لا أستبعد أن يكون هذا مزيفًا".
وأكد بيسكوف أن بلاده لا تزال منفتحة على بناء علاقات حسن الجوار والمنفعة المتبادلة، بما في ذلك مع مولدوفا.
انحياز ضد موسكو
لكنه ألقى اللوم على السلطة الحاكمة في مولودوفا، متهمًا إياها بالتحيز ضد موسكو: "نحن آسفون لأن القيادة الحالية لمولدوفا تشهد تحيزات لا مبرر لها ولا أساس لها من الصحة ضد موسكو".
يشار إلى أن مولدوفا لها علاقات قوية برومانيا العضو في الاتحاد الأوروبي، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.
المعارضة الاشتراكية
جدير بالذكر أن للمعارضة الاشتراكية والشيوعية الرئيسة في مولدوفا روابط قوية بموسكو، كما أن الرئيس السابق -لأكثر البلدان الأوروبية فقرًا- إيغور دودون الذي حكم بين عامي 2016 و2020، سعى -خلال حكمه- إلى توثيق علاقات بلاده بروسيا.
وقبل ذلك اتهمت وزارة الدفاع الروسية كييف بالتخطيط لغزو "ترانسنيستريا الانفصالية" التابعة لمولدوفا والمتاخمة لجنوب غرب مولدوفا وأوكرانيا.
واتهمت سلطات منطقة ترانسنيستريا الانفصالية كييف بالوقوف وراء محاولة تنفيذ اعتداءات ضد مسؤولين كبار فيها، كما دعت الأمم المتحدة إلى فتح تحقيق في الواقعة، بينما نفت أوكرانيا من جانبها.
الأسلحة الروسية
وقبل أيام دعا وزير دفاع مولدوفا أناتولي نوساتي، روسيا إلى سحب أو التخلص من الذخيرة المخزنة في "منطقة ترانسنيستريا الانفصالية".
وقال نوساتي إن مستودع الأسلحة في كولباسنا يعود إلى روسيا، ويجب إخلاؤه، لكن يجب أن يكون ذلك على أساس تحليل واضح. ما يمكن إخراجه، يجب أن ينقل. وما يشكل خطرًا، يجب التخلص منه بطرق محددة".
ويوجد أكثر من 20 ألف طن من الذخيرة المخزنة، تعود إلى الحقبة السوفيتية، بالقرب من قرية كولباسنا شمالي شرق منطقة ترانسنيستريا الموالية لروسيا في مولدافيا.
ومنذ عقود تصر مولدوفا على سحب هذه الذخائر، لكن عملية نقلها التي بدأت عام 2001 توقفت عام 2004 بتدخل من قوات "ترانسنيستريا الانفصالية" المدعومة من موسكو.
"تخريب روسي"
وفي فبراير من هذا العام- أي بعد التاريخ المزعوم لكتابة الوثيقة الروسية- اتهمت رئيسة مولدوفا روسيا بالتخطيط لاستخدام ما وصفتهم بالمخربين الأجانب لإطاحة حكومتها المؤيدة للاتحاد الأوروبي، وفق ما نقلت "بي بي سي".
وقالت ساندو إن "مخطط المؤامرة" كان يشمل تنظيم احتجاجات من قبل ما تسمى "المعارضة" لقلب النظام الدستوري، وأن روسيا خططت لاستخدام "مخربين" لهم خبرة عسكرية، متخفين بملابس مدنية، للقيام بأعمال عنف، وشن هجمات على مؤسسات الدولة وأخذ رهائن، وكذلك تسهيل وصول مواطنين من روسيا والجبل الأسود وبيلاروسيا وصربيا إلى مولدوفا.
تدمير مولدوفا
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قال أيضًا إن جهاز المخابرات في كييف كشف خطة روسية لتدمير مولدوفا.
يذكر أن الحرب الروسية في أوكرانيا المجاورة وضعت مولدوفا، وهي إحدى أفقر دول أوروبا، في مأزق كبير حيث تضررت هي الأخرى من انقطاع مستمر للكهرباء، بخلاف توترات سياسية واجتماعية، قد تجرف البلاد في منزلق خطر.