سياسة الصين المعلوماتية جرس إنذار لأمريكا... و 4 خطوات لتحييد خطر بكين
حرب معلومات بين الصين والولايات المتحدة، تحاول من خلالها بكين التأثير في بعض القضايا بعدد من الدول، ما يستدعي من أمريكا، استخدام استراتيجيات دفاعية، للتعامل مع الدعاية الصينية.

ترجمات - السياق
من أستراليا إلى ماليزيا مرورًا بالولايات المتحدة إلى كندا، تمكنت الصين من إحكام قبضتها على وسائل الإعلام الناطقة باللغة الصينية في العالم، سواء من خلال شراء شركات حكومية صينية في وسائل الإعلام، أم عبر مالكين محليين.
تلك السياسة جاءت في إطار حرب معلومات بين الصين والولايات المتحدة، تحاول من خلالها بكين التأثير في بعض القضايا بعدد من الدول، ما يستدعي من أمريكا، استخدام استراتيجيات دفاعية، للتعامل مع الدعاية الصينية، والتدقيق الشديد على الاستثمارات الأجنبية في وسائل الإعلام وشركات الاتصالات، إضافة إلى الاستثمار في وسائل الإعلام المستقلة في الخارج، خاصة آسيا، بحسب ذا ناشيونال إنترست.
سباق معلومات
يقول الزميل الأول لجنوبي شرق آسيا في مجلس العلاقات الخارجية، مؤلف كتاب «هجوم الإعلام العالمي في بكين» جوشوا كورلانتزيك، في تقرير نشرته «ذا ناشيونال إنترست»، إن هناك سباقًا للمعلومات، في ما يتعلق بوسائل الإعلام الحكومية.
ملامح هذا السباق بدت في السيطرة الصينية على وسائل الإعلام الناطقة باللغة الصينية في عديد من البلدان، والتحكم في «أنابيب» المعلومات مثل شبكات 5G، والقوة المتزايدة لمنصات التواصل الاجتماعي الصينية، مثل WeChat، وعلى الأخص «تيك توك».
إلا أنه مع كثير من وسائل الإعلام الحكومية الكبيرة (شبكة تلفزيون الصين العالمية، راديو الصين الدولي، تشاينا ديلي)، لم تصل بكين إلى كثير من الجمهور، فأرقام المشاهدة أو الاستماع لهذه القنوات ضئيلة، يقول الزميل الأول لجنوب شرق آسيا في مجلس العلاقات الخارجية، مشيرًا إلى أن "شينخوا" كانت أكثر فاعلية في الوصول إلى جمهور عالمي، من خلال توقيع اتفاقيات مشاركة المحتوى مع وسائل الإعلام المحلية، في مجموعة من البلدان، والحصول عليها (مترجمة) بالمنافذ الإخبارية في العالم.
وأوضح أن نجاح الصين في السيطرة على وسائل الإعلام الناطقة باللغة الصينية تقريبًا في جميع أنحاء العالم، كان عبر شراء شركات حكومية صينية في وسائل الإعلام، أو من خلال مالكين محليين، في البلدان التي بها وسائل إعلام ناطقة باللغة الصينية.
جهود الصين
يقول كورلانتزيك: رغم أن الصين أنفقت كثيرًا من الأموال على وسائل إعلام حكومية خاصة، لا تزال قليلة المشاهدة، فإن «شينخوا» اكتسبت موطئ قدم في العديد من منافذ الأخبار العالمية.
وأشار إلى أنه على النقيض من ذلك، لا تمتلك الصين قوى ناعمة كالتي لدى الولايات المتحدة في صناعة الموسيقى، والفنانين، والكتاب، والبيسبول، وكرة السلة، وما إلى ذلك، مؤكدًا أن بكين تفاخرت بفنانين وكتاب وموسيقيين عظماء، وما إلى ذلك، ولديها بعض القوى الناعمة عبر «تيك توك» وTencent وألعابها، وما إلى ذلك.
السيطرة على «أنابيب» المعلومات
مؤلف كتاب «هجوم الإعلام العالمي في بكين» جوشوا كورلانتزيك، يقول إن الصين تعمل على إنشاء كثير من «أنابيب» البنية التحتية التي تنقل المعلومات في البلدان النامية بإفريقيا وجنوبي شرق آسيا ومناطق أخرى، لكنها فشلت في الفوز بهذه العقود (أو حظرت من الحصول على مثلها) في معظم أمريكا الشمالية وأوروبا وشمالي شرق آسيا وبعض المناطق الأخرى.
وأوضح أنه من المثير للاهتمام أن الصين كلفت نفسها عناء بناء علاقة إلى حد ما مع وسط وشرق أوروبا، حيث كانت تبني كثيرًا من الأنابيب، خلال الحرب الأوكرانية الروسية.
تطبيق تيك توك
وأشار إلى أن «تيك توك»، بات التطبيق العالمي المهيمن، وعلى كل دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، معرفة كيفية التعامل مع الشركة الأم، مؤكدًا أن دولًا مثل أمريكا تحتاج إلى التأكد من أن بيانات المستخدمين على التطبيق محفوظة على خوادم داخل الولايات المتحدة.
وأكد أن الصين تمتلك سلاحا قويًا ممثلًا في «تيك توك»، مشيرًا إلى أنه لا يعتقد أن معظم الديمقراطيات ستتماشى مع الموقف الذي يكون فيه الاحتفاظ بالبيانات من «تيك توك» خارج حدودها أو يمكن تسريبها خارج حدودها.
WeChat أيضًا منصة وسائط اجتماعية صينية قوية، لا سيما جنوبي شرق آسيا، وكانت ذات قيمة بالنسبة للصين في أن مجموعة من الأخبار المؤيدة لبكين تتداول على المنصة، تخضع للمراقبة الشديدة، بحسب كورلانتزيك.
جهود التضليل الصينية
وأكد أن الولايات المتحدة تستخدم المعلومات الخاطئة في دول مثل إيران وكوبا وروسيا، وهي علاقاتها سيئة بالولايات المتحدة، مشيرًا إلى أنه من خلال الحرب الباردة، لم يكن هناك شك في أن وسائل الإعلام الحكومية الأمريكية، مثل صوت أمريكا، كانت إلى حد كبير منافذ دعائية، وليست بعيدة جدًا عن الطبيعة الدعائية لوسائل الإعلام الحكومية الصينية.
إلا أنه بعد نهاية الحرب الباردة، وُضعت قيود على وسائل الإعلام الحكومية الأمريكية، ما منحها استقلالية تحريرية، كما تتمتع جهات فاعلة مثل هيئة الإذاعة البريطانية، وما إلى ذلك، باستقلالية التحرير، يقول كورلانتزيك، الذي أشار إلى أن وسائل الإعلام الحكومية في الصين لا تفعل ذلك.
الصين والانتخابات الأمريكية
مؤلف كتاب «هجوم الإعلام العالمي في بكين»، يقول إن الصين بدأت بمحاولة التدخل على نطاق واسع في الانتخابات بمنطقتها القريبة، تايوان وجنوبي شرق آسيا، ثم أستراليا، وربما نيوزيلندا، مشيرًا إلى أنها تتوسع الآن، بينما هناك حديث عن تأثيرها في الانتخابات الفيدرالية التي أجريت بين عامي 2019 و2021 في كندا، ما دفع رئيس الوزراء جاستن ترودو إلى تحقيق في التدخل المزعوم.
وأكد أن الصين تدخلت إلى حد ما في الانتخابات النصفية للكونغرس لعام 2022، وربما كذلك في بعض الانتخابات المحلية، بينما تحاول -بشكل متزايد- أن تصبح أكثر تعقيدًا في استخدام المعلومات المضللة، للتأثير في الانتخابات الأمريكية.
لكن المعلومات التي نشرت لم تكن مؤثرة بشكل كبير في الانتخابات الأمريكية كما فعلت في أماكن أخرى، بحسب مؤلف كتاب «هجوم الإعلام العالمي في بكين»، الذي قال إنه من المرجح أن يتغير ذلك.
حروب المعلومات
الزميل الأول لجنوبي شرق آسيا في مجلس العلاقات الخارجية يقول إن وكالة شينخوا أصبحت أداة لنشر الدعاية في العالم، والمعلومات المتزايدة التعقيد، إلا أنه قال إن تصرفات بكين أدت إلى ردود فعل قوية في البلدان التي كُشف فيها عن سياسات بكين، عبر تكثيف الجهود التشريعية للتحقيق في جهود التأثير الصيني.
وأكد أن الصين لم تحقق نجاحًا فائقًا في جميع جوانب حرب المعلومات، لكن من المحتمل أن تتكيف بكين، وتصبح أكثر مهارة، وتقوم بعمل أفضل، مستدلًا على رؤيته بأن بكين أثبتت أنها قابلة للتكيف في مجالات أخرى.
ما الذي على أمريكا فعله؟
يقول كورلانتزيك، إن على أمريكا تحسين محو الأمية الرقمية بين المواطنين، بدءًا من الأطفال، للتعامل مع الدعاية الصينية ومساعدة الأطفال في فهم الحقيقة من الخيال على الإنترنت بشكل أفضل.
وأكد ضرورة تطبيق تدقيق شديد على الاستثمارات الأجنبية في وسائل الإعلام وشركات الاتصالات بالولايات المتحدة، بمستوى التدقيق الذي يمكن تطبيقه على الاستثمارات الأجنبية في الشركات التي تنتج أشياء يمكن أن تكون لها أيضًا استخدامات دفاعية.
وأشار إلى أن على واشنطن الاستثمار في وسائل الإعلام المستقلة بالخارج، خاصة في آسيا، وضخ استثمارات جديدة في «صوت أمريكا» وراديو آسيا الحرة.
وشدد على ضرورة اكتشاف طريقة لإجبار «تيك توك» على الاحتفاظ ببيانات الأمريكيين على خوادم في الولايات المتحدة، من دون أبواب خلفية.