هل تتجه الحرب الروسية الأوكرانية نحو التسوية؟

يقول الدبلوماسي الأمريكي توماس بيكرينغ، إن أطراف النزاع تعتقد أن الوقت مبكرا جدًا للدبلوماسية، ولكن في مرحلة ما، سيأتي وقت المفاوضات، لذلك من الضروري أن تخطط الولايات المتحدة بعناية لذلك اليوم

هل تتجه الحرب الروسية الأوكرانية نحو التسوية؟

ترجمات - السياق

بينما تستمر الحرب الروسية في أوكرانيا بلا هوادة، يقل الحديث عن مفاوضات للسلام، ما يشير إلى عدم وجود نهاية واضحة تلوح في الأفق، رغم عدم حسم أي من الطرفين للصراع بانتصار عسكري ساحق، أو حتى استسلام غير مشروط... فهل تتحول الأمور سريعًا نحو اتفاق يُنهي الأزمة قريبًا؟

مجلة فورين أفيرز الأمريكية، أبرزت أهمية دور واشنطن في دعم جهود التسوية السياسية للأزمة الروسية الأوكرانية، مشددة على أهمية تكثيف الجهود الأمريكية لبدء المفاوضات بين الجانبين الروسي والأوكراني، مع الدخول في أي مفاوضات مقبلة، قد تُفضي لإنهاء الأزمة.

وأشارت، في تحليل للدبلوماسي الأمريكي توماس بيكرينغ، إلى أن أطراف النزاع تعتقد أن الوقت مبكرا جدًا للدبلوماسية، ولكن في مرحلة ما، سيأتي وقت المفاوضات، لذلك من الضروري أن تخطط الولايات المتحدة بعناية لذلك اليوم، موضحة أن الفشل في ذلك سيحكم على واشنطن باتباع نهج متسرع وغير مدروس جيدًا لإنهاء الحرب، وهو خطأ ارتكبته الولايات المتحدة في كل صراع خطير تورطت فيه منذ عام 1945، أي منذ الحرب العالمية الثانية.

وتقول المجلة: "لا تنتهي حرب بلا عواقب سياسية، فإما أن تدخل الولايات المتحدة في تشكيل تلك العواقب لخدمة مصالحها، وإما أن يشكل الآخرون هذه العواقب بدلاً منها".

 

 مراحل رئيسة

وترى "فورين أفيرز" أن إنهاء الأزمة يقتضي العمل على ثلاث مراحل، تتمثل الأولى في الاستعدادات المسبقة، حيث يراجع كل طرف من طرفي الأزمة مواقفه الخاصة ومواقف الأطراف الأخرى، لتحديد أولوياته الاستراتيجية، بينما تتمحور المرحلة الثانية حول الدخول في مفاوضات تمهيدية، من شأنها وضع الأسس والقواعد للمفاوضات الرسمية، وتقوم المرحلة الثالثة على إجراء مفاوضات رسمية بين طرفي الأزمة، بما يكفل دخول روسيا وأوكرانيا في محادثات مباشرة لإنهاء الأزمة.

وأشارت إلى أن الجانبين الروسي والأوكراني غير مستعدين -حتى الآن- لتقديم تنازلات لإنهاء الأزمة، والحد من تداعياتها السلبية على مختلف الدول، مستدلة على ذلك برفض روسيا التنازل عن جميع الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها، مقابل رفض أوكرانيا -بشكل قاطع- التنازل عن أي جزء من أراضيها لصالح روسيا.

لكن الاستعدادات المسبقة -وفق المجلة- لا تتطلب أن يتفق الطرفان على القضايا الجوهرية، وإنما الهدف من هذه المرحلة إبراز النية لصُنع السلام، مشيرة إلى أن ما سمته الحل المبكر، أو حتى الفهم فقط، للاختلافات بين اللاعبين الرئيسين -في حالة الولايات المتحدة، بين مجلس الأمن القومي، ووزارة الخارجية، ووزارة الدفاع- أمر حيوي للاستعداد الدبلوماسي للدخول في هذه المفاوضات.

ونقلت المجلة عن دبلوماسيين أمريكيين قولهم: في كثير من الأحيان -في سياق المفاوضات السابقة- فإن ما يصل إلى 60 في المئة مما يجب حله، ينطوي على خلافات بين الإدارة وفريق التفاوض الخاص بها، مشيرين إلى أن التناغم المبكر بين هؤلاء اللاعبين ليس مفيدًا فقط، وإنما ضروري جدًا لإدارة أي مفاوضات سلام مستقبلية.

في الوقت الحالي -تضيف المجلة- تبدو الولايات المتحدة في المراحل الأولى من الإعداد المسبق لهذه المفاوضات، ولا يزال عليها حل الخلافات بشأن دور وسرعة وتأثير الأعمال العسكرية، وكيف يمكن إدارة توقيتها على أفضل وجه لتحقيق نتائج إيجابية، بما في ذلك أثناء المفاوضات ذاتها.

وأشارت إلى أنه رغم عدم وضوح متى يكون التقدم نحو المرحلة التالية لصنع السلام -ما قبل المفاوضات- فإن عديد زعماء العالم كثفوا دعواتهم للسلام، وبدأت واشنطن وأطراف ثالثة اتصالات غير رسمية وسرية بالأطراف الأخرى، لقياس مواقفهم من الحلول الدبلوماسية بعيدًا عن الحرب.

ورغم أن المجلة رأت أن الطريق إلى المفاوضات التمهيدية قد يكون ملتويًا، فإنها شددت على أن الجهود المبذولة لبدء التفاوض، تعد مفيدة للغاية لإعداد الاستراتيجيات اللازمة لأي حوار مستقبلي، رغم التحديات التي ستواجه هذه الجهود.

 

نحو الدبلوماسية

وشددت "فورين أفيرز" على أنه مع تبني واشنطن والأطراف الأخرى ذات الصلة مواقف موحدة أكثر، يمكن أن تحظى المفاوضات المسبقة الهادفة إلى إشراك روسيا وأوكرانيا في محادثات مباشرة بمزيد من الاهتمام.

وتتمثل المهمة في إقناع الجانبين بأن الدبلوماسية يمكن أن تدعم مصالحهما بل وتقدمها، ومن ثم -وفق المجلة- يجب أن يؤكد المسؤولون الأمريكيون لنظرائهم الروس والأوكرانيين (وللآخرين الذين قد يكونون قادرين على التأثير فيهم) أن أي نتيجة عسكرية -مهما كانت إيجابية- ستكون مضيعة للوقت ومكلفة وغير مؤكدة، وأن الدبلوماسية الطريق الأمثل للحصول على ما يريدون، لذلك "يجب أن يكون الهدف المنشود تركيز الجانبين على الحقائق المرعبة حال استمرار القتال، وكم الفرص الأهم حالة الموافقة على التفاوض".

وحسب المجلة، يتمثل أحد الطرق العملية لذلك، بإجراء ما تسمى محادثات التقارب، التي تجلب الطرفين إلى الطاولة وتسمح لوسطاء من الأطراف الثالثة بالتنقل ذهابًا وإيابًا بينهما، وتبادل المعلومات والمواقف، وإعداد الأفكار، والعمل على تعزيز الاتصالات المباشرة.

وأشارت إلى أن ذلك قد يبدأ من خلال اجتماع أو أكثر من الأطراف الثالثة التي تُعد مقبولة من روسيا وأوكرانيا بشكل فردي مع قادة البلدين (أو من ينوب عنهم الموثوق بهم) لاستكشاف الأفكار والأهداف والإمكانات والمواقف بهدوء، وفي النهاية تحديد مجالات التداخل، التي يمكن أن تُشكل أساس الاتفاقات.

وترى المجلة أن هذه المحادثات يمكن أن تبدأ أيضًا بتحديد جداول الأعمال للمفاوضات المباشرة المستقبلية، وتسوية المسائل اللوجستية، مثل موعد ومكان الاجتماعات، وتحديد من يشارك بخلاف الأطراف المتحاربة.

ويمكن أن يتبع ذلك مزيد من المحادثات الرسمية وجهًا لوجه، بوساطة أطراف ثالثة، كما يمكن للأمين العام للأمم المتحدة المساعدة في تسهيل هذه العملية، من خلال تعيين ممثل خاص لتشجيع الأطراف ورعايتهم نحو مفاوضات مباشرة، بمساعدة الصين والهند وتركيا والولايات المتحدة ودول أخرى، قد تكون قادرة على تسهيل التوصل إلى اتفاق.

كما يمكن للاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا أيضًا توجيه الأطراف نحو المحادثات المباشرة، وفق المجلة.

ورأت المجلة الأمريكية، أن بدء عملية التفاوض المسبق، في إطار غير رسمي، يمكن أن يساعد في تحريك المياه الراكدة بين الجانبين المتحاربين، إلا أنها حذرت من أن الإفراط في الطابع غير الرسمي، يمكن أن يُعقد الأمور بلا داعٍ، ويفتح الباب أمام مزيد من الفرص لتدخل طرف ثالث، ما قد يطيل أمد المفاوضات، ويزيد احتمال سوء الفهم.

 

الجزء الصعب

وترى "فورين أفيرز" أن ما سمته "الجزء الصعب" يتمثل في التصريحات بشأن المفاوضات، مشيرة إلى أنه يُنصح عادةً بالسرية في المحادثات المباشرة، ولكن من الصعب تحقيقها.

ونوهت إلى أنه "حتى إذا نجح الوسطاء في الحد من وصول نتائج المفاوضات التمهيدية إلى الإعلام، فإنهم قد يجدون صعوبة في ذلك أثناء المفاوضات المباشرة".

وفي سياق متصل، ترى المجلة الأمريكية، أن مستقبل الاقتصاد الأوكراني يظل إحدى القضايا الشائكة، التي تتطلب توافق طرفي الأزمة بشأنها، لا سيما في ظل الخلاف على تبعيته للاتحاد الأوروبي، مرجحة أن يُصبح الاقتصاد الأوكراني حلقة وصل، تربط بين الاتحاد الأوروبي من جهة، و"الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي" من جهة أخرى.

على صعيد آخر، ترجح المجلة التطرق إلى القضايا الأمنية العالقة بين الجانبين، في المراحل الأخيرة من المفاوضات، خاصة أن هذه القضايا تتصل -بشكل وثيق- بالوضع العسكري والميداني لكل دولة في ساحة المعركة، ومن ثمّ يسعى كل طرف إلى إحراز مزيد من التقدم العسكري، قبل الدخول في المراحل الأخيرة من المفاوضات.

وبينت أن الاستفتاء قد يكون حلًا منطقيًا -إذا أشرفت عليه الأمم المتحدة- لافتة إلى أن أحد الخيارات المطروحة يتمثل في وضع جميع المناطق المحتلة في أوكرانيا، تحت وصاية الأمم المتحدة، ومطالبة الجيشين بالانسحاب ثلاث إلى خمس سنوات، وبعد ذلك يصوت الأوكرانيون بشكل منفصل في دونباس وشبه جزيرة القرم، على ما إذا كانوا يريدون أن يكونوا جزءًا من روسيا، أو جزءًا من أوكرانيا، أو منطقة حكم ذاتي في أي من البلدين.

وقد يكون الخيار الآخر قبول حدود أوكرانيا في 23 فبراير 2022 مؤقتًا كخط سيطرة يفصل بين القوات العسكرية وحدود عام 1991 كحدود رسمية بين روسيا وأوكرانيا، حتى يمكن إجراء استفتاء تقوده الأمم المتحدة، لتحديد حالة كل شيء بين هذين الحدين.

بعد ذلك -تضيف المجلة- يجري كل من دونباس وشبه جزيرة القرم استفتاءات شعبية لتسوية ارتباطهما الدقيق بروسيا أو أوكرانيا، في غضون خمس إلى سبع سنوات.

وشددت "فورين أفيرز" على أنه حال توصل الطرفين الروسي والأوكراني إلى اتفاق يُنهي الأزمة، فإن هذا الاتفاق يجب أن يكون مكتوبًا ومُوقعًا من طرفي الأزمة، على أن يضمن مجلس الأمن التزام الطرفين بتنفيذ الاتفاق، ويسجله في الأمم المتحدة، للحد من احتمال حدوث أي خلاف في المستقبل.

وأشارت إلى أنه رغم عدم جاهزية روسيا وأوكرانيا -في الوقت الحالي- لإجراء محادثات مباشرة، فإن على واشنطن وحلفائها دفع الطرفين الروسي والأوكراني، للدخول في محادثات تستهدف بناء الثقة، والتغلب على العوائق أمام إحراز تقدم دبلوماسي ملموس يُنهي الأزمة.