كيف يؤثر قرار المحكمة الجنائية الدولية على بوتين؟

المحكمة الجنائية الدولية تضم بوتين إلى قائمة القذافي والبشير... مَنْ سيسلِّم الرئيس الروسي للمحكمة؟

كيف يؤثر قرار المحكمة الجنائية الدولية على بوتين؟

ترجمات -السياق 

بعد أكثر من عام على الأزمة الأوكرانية، ما زالت الحرب تستعر على الجبهات الميدانية، بينما كانت نتائجها حاضرة على الأرض بقتلى وجرحى، وبمذكرات اعتقال بحق مسؤولين روس.

فللمرة الأولى من نوعها، التي تصدر فيها المحكمة الجنائية الدولية، مذكرة اعتقال ضد زعيم أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كانت تلك «البطاقة الحمراء» من نصيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

تلك المذكرة التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، بشأن جرائم ارتكبت في حرب أوكرانيا، واحدة من المناسبات النادرة التي أصدرت فيها المحكمة أمرًا بحق رئيس دولة في منصبه، ليكون الرئيس الروسي في القائمة، التي يتصدرها الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي والرئيس السوداني السابق عمر البشير.

فما الأسباب؟

تقول المحكمة الجنائية الدولية، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن الدائرة التمهيدية الثانية في المحكمة الجنائية الدولية، أصدرت مذكرات توقيف بحق شخصين على خلفية الوضع في أوكرانيا: فلاديمير بوتين وماريا أليكسييفنا لفوفا بيلوفا.

وبحسب الجنائية الدولية، فإنه يُزعم أن فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين، المولود في 7 أكتوبر 1952، رئيس الاتحاد الروسي، مسؤول عن جريمة الحرب المتمثلة في الترحيل غير القانوني للسكان (الأطفال) والنقل غير القانوني للسكان (الأطفال) من المناطق التي سيطرت عليها قواته في أوكرانيا إلى روسيا. 

وأشارت إلى أنه يُزعم أن الجرائم ارتكبت في الأراضي الأوكرانية «المحتلة» على الأقل من 24 فبراير 2022، مؤكدة أن هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن بوتين يتحمل المسؤولية الجنائية الفردية عن تلك الجرائم بالاشتراك مع و/أو من خلال الآخرين، ولفشله في ممارسة سيطرته بشكل صحيح على مرؤوسيه المدنيين والعسكريين الذين ارتكبوا تلك الأفعال، أو سمحوا بارتكابها.

فما تداعيات ذلك القرار؟

تقول وكالة أسوشتد برس، إن ذلك القرار ستكون تداعياته العملية محدودة، لأن فرص مواجهة بوتين للمحاكمة في المحكمة الجنائية الدولية غير مرجحة إلى حد كبير، كون موسكو لا تعترف باختصاص المحكمة ولا تسلِّم مواطنيها.

لكن من المرجح أن «تلطخ» الإدانة الأخلاقية الزعيم الروسي بقية حياته، وفي المستقبل القريب كلما سعى لحضور قمة دولية في دولة ملزمة باعتقاله.

ويقول الخبير في القانون الدولي والنزاع المسلح بجامعة روتجرز عادل أحمد حق، في تصريحات لـ«أسوشتد برس»: قد يذهب بوتين إلى الصين وسوريا وإيران... وحلفائه القلائل، لكنه لن يسافر إلى بقية العالم، ولن يسافر إلى الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، التي يعتقد أنها ستعتقله. 

بينما قال ديفيد كرين، المدعي الدولي السابق لوكالة أسوشتيد برس، إن أي زعيم عالمي يقف إلى جانبه سيخجل أيضًا، مشيرًا إلى أن «فلاديمير بوتين سيوصف إلى الأبد بأنه منبوذ على مستوى العالم. لقد فقد مصداقيته السياسية».

هل يطبق القرار؟

قال رئيس المحكمة الجنائية الدولية بيوتر هوفمانسكي -في بيان بالفيديو- إنه بينما أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية مذكرات التوقيف، فإن الأمر متروك للمجتمع الدولي لتطبيقها، مشيرًا إلى أن المحكمة ليست لديها قوة شرطة خاصة بها لذلك.

ويمكن للمحكمة الجنائية الدولية، أن تفرض عقوبة قصوى بالسجن المؤبد، وفقًا لمعاهدة تأسيسها (نظام روما الأساسي)، الذي أنشأها كمحكمة دائمة، وعدها الملاذ الأخير لمقاضاة القادة السياسيين وغيرهم من الجناة الرئيسين في ارتكابهم «أسوأ الفظائع في العالم، جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية».

ولا تزال فرص مواجهة بوتين للمحاكمة بعيدة، حيث لا تعترف موسكو بالولاية القضائية للمحكمة، وهو الموقف الذي أعادت تأكيده بشدة الجمعة.

وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن روسيا لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية، وتعد قراراتها «باطلة قانونًا»، واصفًا خطوة المحكمة بأنها «شائنة وغير مقبولة».

ورفض بيسكوف التعليق، عندما سُئل عما إذا كان بوتين سيتجنب القيام برحلات إلى دول، يمكن أن يعتقل فيها بموجب مذكرة من المحكمة الجنائية الدولية.

وقال رئيس حقوق الإنسان الأوكراني، دميترو لوبينيتس، إنه بناءً على بيانات من مكتب المعلومات الوطني في البلاد، رُحل 16226 طفلاً، مشيرًا إلى أن كييف تمكنت من إعادة 308 أطفال.

ردود الفعل الدولية

في خطابه المسائي، وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ذلك بأنه «قرار تاريخي، تبدأ منه المسؤولية التاريخية».

وقال سيرجي كيسليتسيا، سفير أوكرانيا لدى الأمم المتحدة، إنه في ليلة الهجوم الروسي «قلت في اجتماع مجلس الأمن إنه لا يوجد عذاب لمجرمي الحرب، فهم يذهبون مباشرة إلى الجحيم. اليوم، أود أن أقول إن أولئك الذين سيبقون على قيد الحياة، بعد الهزيمة العسكرية لروسيا، عليهم التوقف في لاهاي وهم في طريقهم إلى الجحيم».

في واشنطن، وصف الرئيس جو بايدن قرار المحكمة الجنائية الدولية بأنه «مبرر»، قائلًا للصحفيين، أثناء مغادرته البيت الأبيض إلى منزله في ديلاوير إن بوتين «"ارتكب بوضوح جرائم حرب». 

وفي حين أن الولايات المتحدة لا تعترف بالمحكمة أيضًا، قال بايدن إنها «تقدم نقطة قوية» لاستدعاء تصرفات الزعيم الروسي في الأمر بالغزو.

ورحب جوزيب بوريل، رئيس السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، بأمر القبض على بوتين، الذي وصفه بـ «بداية عملية المساءلة»، بينما قال وزير خارجية المملكة المتحدة جيمس كليفرلي، إن «المسؤولين عن جرائم حرب مروعة في أوكرانيا يجب تقديمهم إلى العدالة».

ورحبت أولغا لوباتكينا، وهي أم أوكرانية كافحت لأشهر لاستعادة أطفالها بالتبني، الذين رُحلوا إلى مؤسسة يديرها موالون لروسيا، بأنباء مذكرة التوقيف، قائلة في رسالة لـ«أسوشتد برس»: «يجب معاقبة الجميع على جرائمهم».

وفي حين أن أوكرانيا ليست أيضًا عضوًا في المحكمة الدولية، فقد منحتها ولاية قضائية على أراضيها، وزار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أربع مرات، منذ فتح تحقيق قبل عام.

وإلى جانب روسيا وأوكرانيا، ليست الولايات المتحدة والصين عضوين في المحكمة الجنائية الدولية، التي تضم 123 عضوًا.

وقالت بلقيس جراح، مديرة قسم العدالة الدولية في "هيومن رايتس ووتش": «جعلت المحكمة الجنائية الدولية بوتين مطلوبًا، واتخذت خطوتها الأولى لإنهاء الإفلات من العقاب، الذي شجع الجناة في حرب روسيا ضد أوكرانيا فترة طويلة جدًا».

وأضاف: «المذكرات تبعث برسالة واضحة مفادها أن إصدار الأوامر بارتكاب جرائم خطيرة ضد المدنيين أو التسامح معها قد يؤدي إلى زنزانة سجن في لاهاي».

وقال كرين، الذي اتهم الرئيس الليبيري تشارلز تيلور قبل 20 عامًا بارتكاب جرائم في سيراليون، إن «الديكتاتوريين في العالم يعلمون الآن أن أولئك الذين يرتكبون جرائم دولية سيحاسبون». وفي النهاية اعتُقل تايلور ومُقدم للمحاكمة أمام محكمة خاصة بهولندا، وأدين وحكم عليه بالسجن 50 عامًا.

هل يأمر بايدن باعتقال بوتين إذا جاء إلى أمريكا؟

منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، قال إنه رغم عدم انضمام الولايات المتحدة إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن واشنطن «لن تتراجع عن إيماننا بضرورة المساءلة عن جرائم الحرب هذه، مهما استغرق ذلك من وقت»، مضيفًا أن الولايات المتحدة «تريد محاسبة أي مرتكب جرائم حرب».

وقال المسؤول الأمريكي، في تصريحات لـ«سي إن إن»: «سنظل ملتزمين بمساعدة أوكرانيا أثناء توثيق وتحليل وحفظ الأدلة المتعلقة بجرائم الحرب التي حدثت على يد القوات الروسية».

ورفض كيربي الإفصاح عما إذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن سيطلب من سلطات إنفاذ القانون اعتقال بوتين إذا جاء إلى الولايات المتحدة، قائلًا إنه من «غير المرجح أن يسافر الرئيس الروسي إلى الولايات المتحدة».

ولدى سؤاله عما إذا كانت الولايات المتحدة ستطلب من دول أخرى، ليست من أعضاء المحكمة الجنائية الدولية، مثل إسرائيل أو الهند، القبض على بوتين، قال كيربي إن الأمر يعد قرارًا سياديًا يتخذه قادة تلك الدول.

جريمة حرب

تقول شبكة «سي إن إن»، إن المحكمة الجنائية الدولية لها تعريفات محددة للإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة العدوان، بينها استهداف السكان المدنيين، وانتهاك اتفاقيات جنيف، واستهداف مجموعات معينة من الناس، من الجرائم المحتمل ارتكابها في الحرب الروسية.

من الذي يخضع للمحاكمة؟

بحسب الشبكة الأمريكية، يمكن محاكمة أي شخص متهم بارتكاب جريمة في نطاق اختصاص المحكمة، التي تشمل الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، مشيرة إلى أن المحكمة تحاكم الأشخاص، وليس الدول، وتركز على أولئك الذين يتحملون أكبر قدر من المسؤولية، وهم القادة والمسؤولون.

وتقول «سي إن إن»، إن المحكمة لا تجري محاكمات غيابية، لذلك يتعين إما تسليمه من قِبل السلطات الروسية، وإما إلقاء القبض عليه خارج روسيا، وهو أمر يبدو غير مرجح طالما ظل بوتين في السلطة.

كيف تتخذ المحكمة الجنائية الدولية الإجراءات؟

يمكن إقامة الدعاوى القضائية بإحدى طريقتين: للحكومة أو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إحالة القضايا للتحقيق، بحسب الشبكة الأمريكية.

كم تستغرق التحقيقات؟

بحسب «سي إن إن»، إذا كان مسار العدالة يسير ببطء، فإن العدالة الدولية بالكاد تتحرك، لذا تستغرق التحقيقات في المحكمة الجنائية الدولية سنوات، ولم توجه إدانات إلا في عدد قليل من القضايا.

هل المحاكمة الخاصة بحرب أوكرانيا مختلفة؟

يقول أستاذ القانون بجامعة نيويورك ريان غودمان، في تصريحات للشبكة الأمريكية، إنها ستكون مختلفة، لأن الاحتجاج الدولي ضد روسيا فريد من نوعه، ويمكن أن يمنح المحكمة القدرة على العمل بشكل مختلف.

وأضاف: «من الصعب الحكم على تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بناءً على الممارسات السابقة، في وضع أوكرانيا، يتلقى المدعي العام دعمًا غير عادي من عشرات الدول».

وقال واين جوردش، محامي حقوق الإنسان الدولي المقيم في كييف والشريك الإداري لـGlobal Rights Compliance، إن مذكرات توقيف بوتين من المرجح أن تكون الأولى.

وأضاف جوردش: «هناك قضية واضحة هنا ضد بوتين. لذلك أعتقد أنه من الجيد رؤية المدعي العام يركز على حقوق الأطفال. أعتقد أن هذا هو ما فشل المدعون الدوليون في فعله على مدى العشرين عامًا الماضية، لذا فإن هذا تركيز جيد، حيث إنها من أسوأ الجرائم».

وقال ريد برودي، المدعي العام المخضرم في جرائم الحرب، مؤلف كتاب To Catch a Dictator، عن مطاردة الزعيم التشادي حسين حبري، إن المذكرة «تجعل عالم بوتين مكانًا أصغر».

وأضاف برودي: «لا أعتقد أننا كنا نتوقع أن نراه يسافر إلى فرنسا أو أوكرانيا في أي وقت قريب، لكن عليه توخي الحذر. من الواضح أن هذه جرائم لا تزول. سيعلقون على رأسه إلى الأبد وجعلهم يرحلون أمر صعب للغاية. لقد رأينا مرارًا وتكرارًا أن عجلات العدالة الدولية تتحرك ببطء، لكنها تسير بشكل جيد للغاية».