التكنولوجيا والعولمة سلاح ذو حدين... كيف نجحت الإمارات في تعزيز أنظمتها لمواجهة الجرائم المالية؟
أوضح الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، أن الإمارات تستضيف اثنين من أفضل 30 مركزًا ماليًا دوليًا تنمو بسرعة، إلا أنه قال إن النمو السريع والعولمة، اللذين يعدان فرصة لإحراز المزيد من التقدم، لا يخلوان من المخاطر

السياق
التكنولوجيا والعولمة سلاح ذو حدين، فالنمو السريع لهما مثل فرصة لإحراز المزيد من التقدم، إلا أنه لم يخل في الوقت نفسه من المخاطر، التي وفرت فرصًا للمجرمين في جميع أنحاء العالم، لممارسة شتى أنواع الجريمة المالية.
ذلك النمو السريع المصحوب بالمخاطر، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تأخذهما على محمل الجد، في محاولة منها لزيادة فعالية الإجراءات لمكافحة الجرائم المالية، عبر خمسة مبادئ واضحة.
من جانبه، قال الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، في مقال بـ «فوربس الشرق الأوسط»، إن بلاده تحتل المرتبة 16 عالمياً بين 190 دولة، في تقرير مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال السنوي الصادر عن البنك الدولي، مشيرًا إلى أن أبوظبي تطمح إلى تصدر هذه القائمة.
وأكد الوزير الإماراتي، أن بلاده تعمل على اتخاذ مبادرات، تركز على تسهيل ممارسة الأنشطة التجارية، وجذب المستثمرين الأجانب، وتوفير فرص العمل وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط، مشيرًا إلى أنها حققت تقدمًا مشجعًا في هذا الصدد.
مخاطر محتملة
وأوضح الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، أن الإمارات تستضيف اثنين من أفضل 30 مركزًا ماليًا دوليًا تنمو بسرعة، إلا أنه قال إن النمو السريع والعولمة، اللذين يعدان فرصة لإحراز المزيد من التقدم، لا يخلوان من المخاطر.
«فعلى مدى القرون الماضية، كان التجار يتبادلون العملات البرونزية فحسب، إلا أنه في الوقت الحالي هناك 42 مليون عملية دفع إلكترونية يوميًا في جميع أنحاء العالم»، يقول الوزير الإماراتي، مشيرًا إلى أن الاقتصاد الإماراتي يعمل على مواجهة تهديد الجريمة المنظمة والاحتيال وغسل الأموال والفساد.
«الجريمة المنظمة والاحتيال وغسل الأموال والفساد مشكلة متنامية لدى الاقتصادات الكبيرة، بينما الإمارات تأخذها على محمل الجد»، بحسب الشيخ عبدالله بن زايد، الذي قال إن الأمم المتحدة تقدر أن حجم الأموال التي يتم غسلها على مستوى العالم في عام واحد من 2 إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي ما يعادل 800 مليار دولار إلى تريليوني دولار.
وأشار إلى أنه رغم أن الإمارات العربية المتحدة تمثل نسبة ضئيلة جدًا من هذا المبلغ العالمي الضخم، فإن التمويل غير المشروع يهدد نزاهة القطاع المالي للبلد الخليجي الرائد عالميًا، لذا يعمل على معالجة ذلك.
وأكد أنه نظرًا لأن 42 مليون عملية دفع إلكترونية تتم يوميًا في جميع أنحاء العالم، فإن النظام المالي العالمي الحديث مترابط بشكل كبير، ويحتاج إلى تعزيز سبل حمايته، مشيرًا إلى أن بلاده تسعى لزيادة فعالية الإجراءات لمكافحة الجرائم المالية، ضمن خمسة مبادئ واضحة.
5 مبادئ
الشيخ عبدالله بن زايد، الذي يرأس اللجنة العليا المشرفة على الاستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، قال إن المبادئ الخمسة هي: تعزيز الشراكة الفاعلة بين القطاعين الحكومي والصناعي، وتعزيز الجهود للحصول على المعلومات القيمة، ما يجعل من السهل تبادل المعرفة عبر المؤسسات المالية والهيئات التنظيمية ووكالات إنفاذ القانون.
المبدأ الثاني ضمن مبادئ مكافة غسل الأموال -بحسب الشيخ عبدالله بن زايد- يتمثل في هدف مشترك عبر الاقتصاد لمنع وكشف وردع النشاط غير المشروع في النظام المالي، مشيرًا إلى أنه يمكن للأجهزة الأمنية في كثير من الأحيان، توفير معلومات عن جهات فاعلة غير مشروعة محددة، أو الاتجاهات عبر المؤسسات والقطاعات المالية، لكن من دون تفاصيل المعاملات المحددة.
وتابع: يمكن للمؤسسات المالية، أن ترى تدفقات المدفوعات داخل شركاتها، لكنها تفتقر إلى المعلومات التفصيلية عن الجهات الفاعلة غير المشروعة، عبر المؤسسات المالية الأخرى، مؤكدًا أن العمل معًا بشكل أكثر تماسكـًا يفيد الجهات المعنية.
وأكد الوزير الإماراتي أن المبدأ الثالث يتمثل في استخدام التحليلات المتقدمة والتكنولوجيا والتحقيق والشراكة بين القطاعين العام والخاص لتعزيز الدفاعات الجماعية، التي تتيح رؤية الصورة الكاملة في الوقت الفعلي، وتطبيق أحكامهم بسرعة على الموضوعات المعقدة والأنماط سريعة الظهور.
شراكات دولية
بينما كان المبدأ الرابع: العمل بشكل وثيق وتعاوني مع شركاء دوليين، بحسب الوزير عبدالله بن زايد، الذي قال إن بلاده خطت في هذا المبدأ خطوات فعلية، عبر توقيع وزير الدولة أحمد علي الصايغ، في سبتمبر من العام الماضي، شراكة هي الأولى من نوعها لمعالجة التدفقات المالية غير المشروعة، مع بريتي باتيل وزيرة الداخلية البريطانية، لتبادل المعلومات الاستخباراتية والعمليات المشتركة.
أما المبدأ الخامس، فهو مواصلة إجراء تقييمات للمخاطر على مستوى الاقتصاد ككل، بشأن غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب الاستثمار بشكل كبير في قدرات الكشف عن الجرائم المالية في دولة الإمارات، ونقل القطاعات المعرضة لخطر الانتهاكات المالية أكثر من غيرها، مثل تجارة الذهب والعقارات، بشكل شامل إلى نظام الإبلاغ عن مكافحة غسل الأموال المدار اتحاديًا منذ مايو من العام الماضي.
نتائج مبهرة
المبادئ الخمسة، يبدو أنها آتت أكلها، فالوزير الإماراتي، قال إن المؤسسات المالية والمحاسبين والمراجعين وتجار المعادن والأحجار الكريمة ووسطاء العقارات، أصبحوا مطالبين ومسؤولين عن مراقبة المعاملات المشبوهة والإبلاغ عنها، مشيرًا إلى أن تطبيق القانون أيضًا يتمتع بإمكانية الوصول إلى قاعدة بيانات شاملة للملكية المنتفعة للجهات المحلية، ما يساعد في ربط النقاط بالقطاع الاقتصادي بسرعة وفعالية.
وأشار إلى أن وحدة المعلومات المالية، التي تقيّم تقارير الأنشطة المشبوهة لبدء التحقيقات، ضاعفت أعداد كوادرها، ما أدى إلى زيادة معدل إدانات قضايا غسل الأموال بنسبة 94% في 243 حالة من 2019 إلى 2021.
كما أعلن مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي ووزارة العدل ووزارة الاقتصاد، توجيهات جديدة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إضافة إلى إنشاء محاكم متخصصة لمكافحة غسل الأموال في أبوظبي ودبي، لتشديد نظام التنفيذ داخل أكبر مراكز الأعمال والتجارة في الإمارات العربية المتحدة.
وشدد الشيخ عبدالله بن زايد، على أن بلاده مستمرة في نهجها الملتزم بمكافحة الجرائم المالية، متعهدًا بإجراء تغيير حقيقي في قدرات البلد الخليجي، على منع التدفقات المالية غير المشروعة، وجعل الإمارات العربية المتحدة من أقوى الاقتصادات وأكثرها احترامًا في العالم.
تعزيز الأنظمة
كان أحمد الصايغ وزير الدولة، رئيس لجنة السلع الخاضعة للرقابة على الصادرات والواردات، قال في تصريحات صحفية في أكتوبر من العام المضي، إن الإمارات العربية المتحدة، بدأت العمل -خلال السنوات الماضية- على تعزيز أنظمتها الوطنية لمكافحة غسل الأموال (AML) وتمويل الإرهاب (CTF).
وأشار إلى أن رؤية الخمسين عامًا المقبلة، المتمثلة في المشاريع والمبادرات الاستراتيجية لمشاريع الخمسين التي أطلِقت مؤخرًا، تهدف إلى جعل الإمارات مركزًا عالميًا للاستثمار والابتكار الاقتصادي، فضلاً عن حاضنة متكاملة لريادة الأعمال والشركات الناشئة.
وشدد على أن بلاده تعمل مع الجهات المعنية في الإمارات على تحقيق هذا الهدف، حيث تعمل بلا كلل لدعم النظام الوطني لمكافحة غسل الأموال وتمويل الجماعات الإرهابية والمنظمات غير المشروعة، لتعزيز تنافسية الاقتصاد واستدامته.
الإمارات واصلت -خلال الأشهر الماضية- جهودها الكبيرة في هذا الصدد، حيث تولت الإدارة المباشرة للجنة العليا المشرفة على الاستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بقيادة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، بينما تعمل المؤسسات الحكومية المعنية على مدار الساعة، لبناء قدراتها في مواجهة الجرائم المالية، بحسب الصايغ.
وأكد المسؤول الإماراتي، أن من أبرز الإنجازات التي تحققت تكامل التقنيات المتطورة، لتسهيل الإبلاغ عن بيانات المعاملات المشبوهة وتحليلها، مثل نظام GoAML ومنصة IEMS للاتصالات بين وحدة الاستخبارات المالية والبنك المركزي ومؤسسات القطاع الخاص وسلطات إنفاذ القانون. ونظام فوري، الذي يمكّن السلطات من اتخاذ إجراءات فورية بناءً على تقارير التحذير من المعاملات غير القانونية والنشاط المشبوه.
منصة جمركية موحدة
وأسهم نظام UAERRS أيضًا في السماح لمشغلي تحويل الأموال وشركات خدمات الأموال، بتقديم بيانات معاملاتهم بشكل مستمر إلى وحدة الاستخبارات المالية، بينما أنشئت منصة جمركية موحدة لمكافحة التهديدات التي تشكلها الجرائم المالية على التجارة، لزيادة الوعي بالتهديدات المرتبطة بقطاع الأعمال والشركات والمهن غير المالية المحددة (DNFBPs) ، وكذلك تعزيز قدرة قطاع الأعمال على فهم المنظمة والتطورات التشغيلية والامتثال لتوجيهاتهم.
وعقدت ورش العمل واللقاءات هذه، في إطار نهج مستدام تقوده الجهات والوزارات المعنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال خطة شاملة لعقد هذه الفعاليات بشكل دوري ومتسق، وتركيز الجهود على تعزيز الوعي والتعاون والالتزام، والإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة والالتزام الصارم بأطر مواجهة الجرائم المالية.