مصر والسودان... الإرهاب يوحد رؤى البلدين والتعاون يطيح الذئاب المنفردة
آخر ذلك التعاون الأمني غير الخفي، كان قرار السلطات السودانية بترحيل 21 إرهابيًا من المصريين الهاربين المقيمين هناك، وتسليمهم إلى مصر، في ضربة أمنية لتنظيم الإخوان، الذي اتخذ من الخرطوم وكرًا دائمًا، بعد أن جعلها في البداية -ترانزيت-.

السياق
حقبة جديدة تدخلها العلاقات المصرية السودانية، ترتكز على التنسيق الأمني بين البلدين، في ضرب الإرهاب العابر للحدود، ومواجهة التطرف بكل أشكاله.
تلك الحقبة توحدت فيها رؤى البلدين لمواجهة المخاطر التي تتنامى في الفترة الأخيرة، خاصة لما يمثله السودان من عمق استراتيجي جنوبي لمصر، ما يجعل أمن البلدين واستقرارهما، جزءًا لا يتجزأ من أي مشروع أمني.
فعلى طول الحدود المصرية السودانية، التي تمتد 1273 كم، نجح التعاون والتنسيق الأمني بين البلدين، في إحباط العديد من العمليات «الإرهابية»، وإفشال خطط التنظيمات العابرة للحدود في مهدها.
آخر ذلك التعاون الأمني «غير الخفي»، كان قرار السلطات السودانية بترحيل 21 إرهابيًا من المصريين الهاربين المقيمين هناك، وتسليمهم إلى مصر، في ضربة أمنية لتنظيم الإخوان، الذي اتخذ من الخرطوم وكرًا دائمًا، بعد أن جعلها في البداية «ترانزيت» يعبر منها إلى تركيا وغيرها من البلدن.
وما إن سقط نظام عمر البشير، بدأ تنظيم الإخوان المسلمين يترنح، بعد أن فقد الداعم الأكبر له، ليبدأ السودان ومصر مرحلة جديدة من التنسيق، توجت باتفاقية عام 2019، التي تنص على تعاون أمني بين البلدين، لضبط الحدود ومكافحة الإرهاب.
ثمار تلك الاتفاقية، التي لم تكن وحدها، بدت واضحة في تسليم الإرهابيين الذين ينضوون تحت لواء حركة حسم، التي تصنفها القاهرة «إرهابية».
آلية قانونية
إلى ذلك، قال شوقي صلاح أستاذ القانون بأكاديمية الشرطة المصرية، الخبير بمكافحة الإرهاب، في تصريحات لمنصة «السياق»، إن الجانب القانوني، الذي يتمثل في اتفاق الرياض للتعاون القضائي العربي، يعد الإطار الحاكم لهذا التوجه التعاوني بين البلدين.
كان الرئيس عبدالفتاح السيسي أصدر عام 2014، قرارًا جمهوريًا بالانضمام لاتفاق الرياض للتعاون القضائي العربي، الذي أعلن في أبريل 1983، وضم دولًا منها السودان.
وبحسب خبير مكافحة الإرهاب، فإن المادة 38 من الاتفاقية، تشير إلى أن تتعهد الدول الموقعة عليها بتسليم المتهمين أو المحكوم عليهم، الموجودين على أراضيها، لدولة أخرى عضو في الاتفاقية.
وأشار إلى أن تطورًا آخر في سياق التعاون الثنائي بين البلدين، بدا واضحًا عام 2019، بعد أن أسفر عن توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم، تتعلق بالتعاون القضائي والأمني بينهما، في إجراءات تسليم المجرمين.
الخبير الأمني أكد أن بلاده تتخذ خطوات إجرائية قانونية، قبل التحرك لطلب تسليم الهاربين خارج البلاد، تتمثل في إدراج المجرمين الهاربين خارج القطر على القوائم الحمراء، في إجراء قانوني تتخذه الدولة المصرية باعتباره طلبًا منها لأجهزة إنفاذ القانون على مستوى العالم، لتسليم متهمين أو محكوم عليهم في قضايا جنائية للدولة المصرية.
ورغم ذلك الإجراء، فإن عددًا من الدول لا تسمح بتسليم المدرجين على تلك النشرات الحمراء، بدعوى أن الجرائم المتهمين فيها تحركها دوافع سياسية، بحسب الخبير الأمني، الذي أكد أن العلاقات الطيبة بين البلدين، عامل حاسم في تطبيق القانون.
تضييق الخناق
وبحسب مصادر تحدثت لمنصة "السياق"، فإن جماعة الإخوان الإرهابية باتت محاصرة إقليميا، عربيا وأفريقيا، بعد تضييق الخناق عليها أمنيا، مشيرة إلى أنه تم تسليم عناصر من خلايا إخوانية مسلحة، بجانب مجموعة من حركة "حسم" سبق أن نفذت عمليات إرهابية ضد عناصر الشرطة.
أبرز هؤلاء: عصام عبدالمجيد دياب سيد المنتمي للجماعة الإسلامية، المدرج على قوائم الإرهاب المصرية، وأكرم عبدالبديع أحمد محمود أحد المنضمين إلى داعش، ومحمد إبراهيم، ومنى سعيد جاد الله، ويوسف محمد إبراهيم، وإبراهيم محمد إبراهيم، بحسب عمرو فاروق الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية.
فاروق أشار في منشور بـ«فيسبوك»، إلى أن مصر تسلَّمت في مارس الماضي، الإرهابي هشام نور الدين عبدالله، بينما تسلَّمت في يناير الماضي حسام سلام، أحد أعضاء حركة حسم الإرهابية.
وبحسب الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، فإن السلطات السودانية ألقت القبض عام 2020 على أكثر من 70 إخوانيًا، سلَّمت بعضهم إلى القاهرة، هم: أحمد عبدالمجيد، ومصطفى طنطاوي، المتهمان الرئيسيان بمحاولة اغتيال مدير أمن الإسكندرية السابق اللواء مصطفى النمر.
خيار استراتيجي
بدوره، يرى إياد المجالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مؤتة، أن التنسيق الأمني بين السودان ومصر خيار استراتيجي، في مواجهة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله.
وأوضح الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، في تصريحات لـ«السياق»، أن صانعي القرار السياسي في البلدين اتخذوا قرارًا بضرورة تكثيف الجهود وتنسيق التعاون بهذا الخصوص، ما أسفر عن رصد الخلايا النائمة والقائمة والجماعات الإرهابية المتطرفة في بؤر وجودها، خصوصًا تلك التي تعد السودان ملجأ آمنًا لها.
وبحسب المجالي، فإن مصر والسودان حققتا نتائج ملموسة في مواجهة ومتابعة الإرهاب واجتثاثه وتكثيف الجهود في هذا الإطار، في ظل توافر إرادة سياسية من قيادات الدولتين.
وشدد الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية، على أن السلطات السياسية في البلدين تدرك عبء وتكلفة الخطر، والفوضي التي يمكن أن يسببه هؤلاء في البلدين، مشيرًا إلى أن التنسيق الأمني والتوافق والانسجام المصري السوداني، نتيجة استمرار التواصل بين القيادتين، لتبادل المعلومات الاستخباراتية في ما يخص الخلايا والجماعات الإرهابية وحركة تنقلها وأماكنها وخططها وأنشطتها.
وختم المجالي تصريحاته، بأن بعض حركات التطرف والإرهاب، سواء كانت من جماعات الإخوان المحظورة أم خلايا تنظيم داعش، ما زالت تعمل ضمن اللامركزية باستراتيجية «الذئاب المنفردة»، مطالبًا بضرورة المضي قدمًا في المتابعة والمواجهة الأمنية والفكرية.