ملايين الدولارات في جيوب المسافرين.. كيف تُهرِّب إيران العملة الصعبة من العراق؟
الدولارات الطائرة.. كيف تحولت العراق إلى معبر لتهريب العملة الصعبة إلى إيران؟

ترجمات – السياق
بينما تسعى الولايات المتحدة إلى وقف التدفق غير القانوني للدولار إلى إيران عن طريق العراق، تلجأ طهران للحصول على الدولار بأي شكل، في ظل نقص المعروض منه، جراء تشديد العقوبات عبر تكتيكات جديدة.
وكشفت "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن تجار العملة المحليين بالعراق، يجدون صعوبة في الوصول إلى الدولار، بسبب المحاولات التي تبذلها الولايات المتحدة، لمنع تدفق الدولار بصورة غير قانونية إلى إيران، ومن ثم يلجأ هؤلاء إلى السفر للبلاد القريبة وبحوزتهم أكوام من البطاقات المصرفية، لسحب العملة الصعبة هناك.
ونقلت عن علاء الدين القيسي، المتحدث باسم هيئة المنافذ الحدودية العراقية، قوله، إن السلطات اعتقلت ما لا يقل عن 24 عراقيًا يحملون نحو 1200 بطاقة مصرفية، بها أكثر من 5 ملايين دولار في المطارات والمعابر الحدودية، خلال الشهرين الماضيين، كما اعتقلت الشرطة مُسافرًا عراقيًا -الجمعة 5 مايو الجاري- حاول تمرير 300 بطاقة مصرفية في علب السجائر، عن طريق المطار الدولي في مدينة النجف، وسط العراق.
تكتيك جديد
وأوضح القيسي أن هذا الاستخدام للبطاقات الائتمانية (المصرفية) في تهريب الدولارات، يُعد تكتيكًا جديدًا لتهريب العملة الصعبة إلى إيران، مشيرًا إلى أن المهربين لجأوا إلى هذه الحيلة، بعدما اتخذت الحكومة إجراءات صارمة.
ففي حالة أخرى مشابهة، أُلقي القبض على شخص في مطار بغداد، بعد أن سلمه موظف حقيبة تحتوي على 300 بطاقة مصرفية، إثر تجاوزه الفحص الأمني، وفقًا للمتحدث باسم هيئة المنافذ.
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن اقتصاد العراق ظل لسنوات يعتمد على المعاملات بالدولار الأمريكي، ما جعله مصدرًا مهمًا لتدفقات الدولار غير المشروعة، إلى إيران وبلاد أخرى، تخضع لعقوبات أمريكية.
ونوهت إلى أنه في نوفمبر الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية والبنك المركزي العراقي ضوابط أشد صرامة على المعاملات الدولارية الدولية، التي تنفذها المصارف العراقية، في محاولة للحد من غسل الأموال وتهريبها.
وأفادت الصحيفة، بأن الجهود التي تقودها الولايات المتحدة، لوقف تدفق الدولارات خارج العراق، أدى إلى ارتفاع قيمة الدولار مقابل الدينار العراقي في السوق السوداء، ما أدى إلى زيادة الطلب على الدولار، لافتة إلى تداول الدولار مقابل 1750 دينارًا بمحلات الصرافة في فبراير الماضي، بزيادة 20% عن سعر الصرف الرسمي البالغ 1460 دينارًا.
تهريب البطاقات المصرفية
ورغم أن العراقيين يمكنهم حيازة الدولار لدى الصرافات بسعر السوق، فإن المصارف العراقية أتاحت للمودعين إصدار بطاقات نقدية مغطاة بما يعادل 10 آلاف دولار بسعر الصرف الرسمي، ويمكن استخدامها خارج البلاد لسحب المال نقدًا.
أمام ذلك، تقدمت محلات الصرافة بطلب للحكومة العراقية، للحصول على عشرات البطاقات المصرفية، ومنحها للمسافرين الذين يزورون الدول المجاورة، مثل تركيا والأردن وإيران، لسحب الدولارات، بحسب تجار ومسؤولين عراقيين.
ومن ثمّ فقد احتجزت السلطات العراقية مواطنًا، كان يحاول تهريب 128 بطاقة مصرفية، عبر الحدود البرية إلى إيران.
ونقلت الصحيفة عن تجار قولهم: إن العملة الصعبة تُباع بسعر أعلى في السوق غير الرسمية، مشيرين إلى أن بعض هذه الأموال يُستخدم لشراء السلع من الخارج.
ورغم أن قيمة الأموال المهربة، عبر مسلك البطاقات المصرفية قليلة، مقارنةً بما يتدفق خلال الاقتصاد الشامل، فإنها تُبين حجم الطلب على الدولار في العراق.
طريقة التسليم
وبينت "وول ستريت جورنال" أن حجم العملات التي تُهرب عبر البطاقات المصرفية يُعد ضئيلًا نسبيًا، مقارنةً بما يتدفق عبر الاقتصاد الكلي، إلا أنه يكشف حجم الطلب على العملة الخضراء في العراق.
ونوهت إلى أن الولايات المتحدة تزود العراق بالدولارات، عن طريق منصات نقالة للعملة من واشنطن إلى بغداد، كل بضعة أشهر، بينما يتدفق مزيد من الدولارات إلكترونيًا، في المعاملات التي تجريها البنوك العراقية الخاصة والرسمية، مع بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، حيث تودع عائدات مبيعات النفط.
الميلشيات
يسمح نظام التعامل بين البنك الاحتياطي الفيدرالي والبنوك العراقية، بتحويل الدينار إلى دولار، لكي يتمكن العراق من الدفع للموردين خارج حدوده.
لكن المسؤولين الأمريكيين والعراقيين يقولون إنه على مدى أكثر من عقد من الزمان، أصبح أيضًا مصدرًا مربحًا للدولارات غير المشروعة للميليشيات القوية في العراق والسياسيين الفاسدين، وكذلك لإيران.
وبموجب القواعد البنكية القديمة، لم يكن أصحاب الحسابات في العراق ملزمين بالإفصاح عن الأموال التي يرسلونها، إلا بعد تحويل الدولارات، لكنه بحلول نوفمبر الماضي، وتطبيق العراق لقواعد بنكية جديدة، على البنوك العراقية تقديم معلومات مفصلة للمعاملات والتحويلات، خاصة الدولارية.
وجهات غير معلومة
وبعد تطبيق هذه الإجراءات، حظر العراق أكثر 80% من التحويلات الدولارية اليومية، التي تجاوزت 25 مليون دولار في اليوم، بسبب عدم كفاية المعلومات، عن وجهات الأموال أو أخطاء أخرى، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وعراقيين، وبيانات حكومية عراقية رسمية.
وتطرقت الصحيفة إلى استخدام بطاقات نقدية عدة، في الأشهر الأخيرة للالتفاف على القيود المفروضة على المعاملات الدولارية خارج العراق، رغم أنه من المحتمل ألا يتضمن سوى جزء بسيط من الدولارات، التي تحُول إلكترونيًا من البنوك.
واستجابة للجوء العراقيين إلى هذا الطريق، فرض البنك المركزي العراقي قيودًا على السحب من البطاقات المصرفية، ليصبح 250 دولارًا يوميًا لكل بطاقة، ما يجعل عملية سحب الأموال النقدية الموجودة في البطاقة الواحدة، تستغرق وقتًا طويلاً.
فرص مربحة
من جانبه، قال علي محسن العلاق، محافظ البنك المركزي العراقي: "كلما يزيد الفارق بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق، تجد بعض الأطراف فرص مراجحة مربحة"، وأضاف أن خطوة فرض حد السحب اليومي، سوف تضع نهاية لهذه الفرص.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن عبد الرحمن المشهداني، أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية بالجامعة العراقية، قوله: إن خطوة البنك المركزي نجحت في تقليص تدفق الدولارات إلى الخارج عبر هذا المسلك، لكنها لم تنجح في منعها، وأضاف: "تجار العملة لا يزالون يفعلون ذلك، والدولار لا يزال يخرج من البلاد".
حيل التجار
وأوضح المشهداني أن تجار العملة، في واحدة من الحيل التي تُتبع لتجاوز القيود، اشتروا مجموعة كبيرة من تذاكر الطيران للحصول على الدولارات، إذ يُسمح للعراقيين بتحويل الدينار إلى دولار في المصارف الخاصة والصرافات لتغطية مصروفات السفر، ما دامت لديهم تذاكر طيران توضح أنهم يخططون للسفر خارج البلاد، بحسب الصحيفة.
السوداني على الخط
يُذكر أن البنك المركزي العراقي، رفع كمية الأموال المحولة لتغطية مصروفات السفر، من 5000 إلى 7000 دولار في فبراير الماضي، لكنه عاد وخفض المبلغ إلى 2000 دولار فقط في مارس، لكبح فورة شراء تذاكر الطيران.
وانتقد رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، القطاع المصرفي العراقي، ووصفه بأنه ضعيف، قائلًا إن زيادة التدقيق في تدفقات الدولار من قِبل السلطات الأمريكية والعراقية، منذ الخريف الماضي، ستتسبب في اضطرابات اقتصادية.
لكنه دافع عن القواعد الجديدة للمعاملات بالدولار -المشار إليها في العراق بـ "مزاد العملة"- قائلاً إنها ساعدت في وقف المعاملات الاحتيالية.
وقال في تصريحات خلال منتدى العراق، وهو مؤتمر سياسي عقده معهد أبحاث الشرق الأوسط في بغداد: "للأسف ليس لدينا نظام مصرفي، سواء أكان حكوميًا أم خاصًا، وهذه مشكلة يواجهها العراق".
وتراجع سعر الصرف في السوق غير الرسمية، ليصل إلى نحو 1410 دنانير مقابل الدولار الواحد، خلال الأسابيع الأخيرة، مقارنةً بسعر الصرف الرسمي البالغ 1320 دينارًا الآن، كذلك زادت "التحويلات البرقية" من المصارف العراقية، ما يشير إلى أن العراقيين يتكيفون مع القواعد الأشد صرامة.
القواعد الجديدة
في ميناء أم قصر العراقي، المطل على الخليج، توقف تقريبًا تفريغ الحاويات في أبريل الماضي، لأن كثيرًا من المستوردين، الذين اعتادوا تراخي تطبيق قواعد الاستيراد، افتقروا إلى الوثائق اللازمة للإفراج عن بضاعتهم المشتراة بالدولار من الجمارك، وفقًا لحميد أبو فاطمة، وكيل التخليص الجمركي في الميناء.
وقال أبو فاطمة: "لم يحُز التجار الوثائق الملائمة، ما أدى إلى تكدس حاويات البضائع في الميناء وتوقف العمال تقريبًا"، وأضاف أنه جرى تخفيف الدعم مؤخرًا، بعد أن تكيف المستوردون مع القواعد الجديدة، وخفف المسؤولون تطبيق القواعد.