كاتب أمريكي: تنامي دعوات الانفصال في أمريكا مؤشر خطير

الطلاق ليس فكرة جيدة وذلك ينطبق على دولة قارية عمرها 250 عامًا

كاتب أمريكي: تنامي دعوات الانفصال في أمريكا مؤشر خطير

ترجمات - السياق

قال ريتش لوري، الكاتب الأمريكي: طالما نشأت فكرة الانفصال الوطني كحجة هامشية، لكنها تحظى بشعبية متزايدة وسط أنصار الحزبين "الجمهوري والديمقراطي" في أمريكا، مشيراً إلى أن استطلاع حديث أجراه مركز السياسة في جامعة فيرجينيا، وجد أن نحو 50 في المئة من ناخبي الرئيس السابق دونالد ترامب، و40 في المئة من ناخبي الرئيس الحالي جو بايدن، وافقوا إلى حد ما على الاقتراح القائل إن البلاد يجب أن تنفصل.

 

دعوات للانفصال

 

وقال الكاتب في تحليله بمجلة بوليتيكو الأمريكية: دعوات الانفصال لم تقتصر على استطلاع الرأي الأخير، وإنما خلال العام الماضي، ظهرت كتب عدة تدعو صراحة لانفصال الولايات.

وأضاف: "من اليمين، نشر إف. إتش باكلي من جامعة جورج ميسون كتاب الانفصال الأمريكي، بحجة أن الولايات المتحدة جاهزة للانفصال، وأن هناك الكثير مما يمكن قوله عن الانفصال الأمريكي"، رغم أن باكلي يفضل ما يسميه الحُكم الذاتي للولايات، عبر ميثاق دستوري جديد يمنحهم المزيد من السُّلطة.

ومن اليسار، كتب ريتشارد كريتنر في مجلة ذا نيشن، عن ضرورة تفكيك الولايات، مؤكداً أنه "يجب علينا إنهاء أعمال إعادة الإعمار أو التخلي عن الاتحاد تمامًا".

وأشار الكاتب، إلى أن هناك عددًا من الكتّاب اليمينيين، أصبحوا مهووسين بالانفصال، وذلك من خلال انفصال الولايات الحمراء (الجمهوري) عن الزرقاء (الديمقراطي).

ونقل الكاتب عن الباحث الأمريكي الشهير ديفيد ريبوي قوله: "على أمريكا الحمراء التفكير في الاستقلال الاقتصادي والثقافي لنفسها"، مشيراً إلى أن "الطلاق القومي باهظ الثمن، لكنه يستحق كل بنس".

وهو ما أيده ألين ويست، الرئيس السابق للحزب الجمهوري في تكساس، المرشح لمنصب الحاكم، داعياً إلى أهمية الانفصال.

بينما حرَّض نائب ولاية تكساس، كايل بيدرمان، على ما سماه (تيكسيت)، على غرار (بريكسيت) بريطانيا وخروجها من الاتحاد الأوروبي.

 

بلاد ممزقة

وقال الكاتب: "ليس هناك شك في أن البلاد ممزَّقة، على أسس سياسية وثقافية ودينية، رغم أنه ليس من الواضح أن الخلاف السام في عصرنا، أسوأ مما كانت عليه البلاد في سبعينيات القرن الماضي، إذ كان الصراع السياسي والثقافي حينها مستوطنًا بشكل كبير".

ومع ذلك -يضيف الكاتب- فإن الطلاق الوطني ليس لديه ما يفيد، مشيرًا إلى أن العوائق العملية واضحة ولا يمكن التغلب عليها، والآثار المحتملة لن تكون موضع ترحيب من مؤيديها.

وأوضح أنه إذا كانت الوطنية غير الكافية، أحد أمراض أمريكا المعاصرة، فإن الطلاق القومي سيصب جرعة قوية من البنزين على النار، مشددًا على أن النتيجة ستكون حريقًا كبيرًا لا يستطيع أحد إيقافه، بل لن يستطيع أحد إنقاذ البلاد حينها منه.

وأشار الكاتب، إلى أن الآثار الضارة للانفصال ستكون هائلة، إذ ستصنَّف الولايات المتحدة، على أنها بين أضعف البلدان قوة في العالم، بينما ستشعر روسيا والصين بالبهجة، محذِّرًا من أن بين الكوارث الناتجة عن الانفصال، ظهور حركات انفصالية تتصارع وتتقاتل، ما يؤدي في النهاية إلى تدمير كل شيء.

 

العواقب الاقتصادية

 

وعن العواقب الاقتصادية المحتملة، في حال حدوث الانفصال بين الولايات، قال لوري في تحليله: ستكون العواقب الاقتصادية وخيمة، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، منطقة تجارة حرة مترامية الأطراف على مستوى القارة، ما يفرز سوقًا محليًا واسعًا، يجعلنا جميعًا أفضل حالًا، لكن في حال استبداله فإن النتيجة ستكون سوقًا مقسمًا، بحسب الدولة أو المنطقة، ما يؤدي في النهاية إلى خسارة كبيرة جدًا.

ووفقًا للكاتب، فإن انهيار الولايات المتحدة بسبب انقساماتها الداخلية، سيكون ضربة كبيرة لهيبة الديمقراطية الليبرالية، موضحًا أن الرئيس الأمريكي الأسبق أبراهام لنكولن، كان قلقًا من هذا التأثير في المرة الأولى، وقد يكون أسوأ الآن.

وأضاف الكاتب، أن لينكولن حذَّر من الاستحالة المادية للانفصال، عندما كان خط ماسون ديكسون جاهزًا إلى حد ما للترسيم، وهو خط أنشأه الفلكيان والماسحان الإنجليزيان تشارلز ماسون وجرمايا ديكسون بين عامي 1763 و1767 بطول 375 كم كحد يفصل بين مستعمرتي ماريلاند وبنسلفانيا، لفك النزاع بين آل بالتيمور وآل بين ملاك ماريلاند وبنسلفانيا.

وتساءل الكاتب: كيف يحدث الآن هذا الانفصال، مع تمثيل المحافظين والتقدُّميين في كل ولاية داخل الاتحاد القائم؟

وأشار إلى أن بعض الولايات كانت منقسمة، بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فكيف إذًا يتم الانفصال، وإلى أي حزب تتجه؟

 

توابع الانفصال

وعن توابع الانفصال إذا حدث، انتقد الكاتب ما يردده بعض مؤيدي (الطلاق الوطني) بأنه يمكن حل المشكلات الناجمة عن الانفصال بشكل ودي، من دون أي إزعاج، متسائلاً: كيف يتم ذلك في بلد يضم حكومة فيدرالية، تعد أقوى منظمة على وجه الأرض، إذ تمتلك نحو 1.3 مليون مسلح ومخزونًا من 3800 رأس نووي، ناهيك عن الأراضي الفيدرالية والأصول الأخرى.

وفوق كل ذلك -يتابع الكاتب- فإن انفصال الدولة الحمراء سيكون هزيمة ذاتية، لنفترض أن تكساس غادرت بالفعل، فإنه سيكون هناك 40 صوتًا انتخابيًا خرج من الخريطة الوطنية للجمهوريين، مشيرًا إلى أن ذلك يعني سيطرة الديمقراطيين على بقية البلاد.

وحذَّر لوري الجمهوريين من الانقياد وراء دعوات الانفصال قائلًا: "تصوركم أن تكساس تدعمكم غير كافٍ، لأنها ليست باللون الأحمر نفسه الذي كانت عليه، ومن ثم يمكن أن تتسبب في مشكلة الانفصال، ثم تجد نفسها ذات يوم محكومة من الديمقراطيين الذين كانت تأمل تركهم".

وقال الكاتب: هل تكون بقية البلاد مستعدة حقًا لمشاهدة 29 مليون شخص، تمثل تاسع أكبر اقتصاد في العالم، تسير في طريقها الخاص؟ في إشارة إلى تكساس، وأضاف: "ببساطة إذا حدث ذلك فقل وداعًا لمكان يمثل ما يقرب من 40 في المئة من إنتاج النفط في البلاد، ونحو 25 في المئة من إنتاج الغاز الطبيعي، و10 في المئة من التصنيع، و20 في المئة من صادراتها أكثر من أي دولة أخرى، فضلًا عن أكبر شبكة مواصلات في البلاد، و11 ميناءً للمياه العميقة، بما في ذلك ميناء هيوستن، الذي يعد أحد أكبر الموانئ في العالم وأكثرها ازدحامًا في الولايات المتحدة، من حيث الحمولات المائية الأجنبية".

 

جوهرة اقتصادية

وشدد الكاتب، على أنه لا يوجد بلد في العالم، لديه القليل من العقلاء واحترام الذات، من شأنه أن يترك مثل هذه الجوهرة الاقتصادية والقوة، تفلت من يديه.

مشيراً إلى أن انفصال الدولة الحمراء -الجمهوريين- يوفِّـر حاجزًا ضد التدخل الفيدرالي، لكن هل يوقف المد الثقافي بالفعل؟ وهل تكون الشركات أقل ميلًا لاتباع الاتجاهات الوطنية العصرية؟ وهل يتوقف الناس في الولاية عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وعن وسائل الإعلام الوطنية؟

يجيب الكاتب: المؤكد أن ذلك "أمر مشكوك فيه"، مشيرًا إلى أن الانفصال، رغم أنه لم يقترب من الاتجاه السائد، فإنه يمثِّل استسلامًا للتخلي عن مشروعنا القومي المشترك، ومن ثم يجب مقاومته، لأنه أمر لا يمكن أن يغتفر.