هل سمحت جهود أمريكا والتحالف الدولي في تفشي الإرهاب بإفريقيا؟
نشر مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أحد الأقسام التحليلية في البنتاجون، تقريرًا ذكر فيه أن الهجمات الإرهابية في إفريقيا ارتفعت 300% خلال العقد الماضي، مع تضاعف الهجمات العنيفة، في السنوات الثلاث الماضية فقط.

ترجمات – السياق
مع تصاعد المد الإرهابي في إفريقيا، خلال العقد الأخير، شحذ التحالف الدولي ضد داعش هممه، لتطوير استجابة متأنية تمكنه من تعقب الإرهابيين في القارة السمراء.
تلك الجهود جاءت بعد نتائج وُصفت بـ«الكارثية» لتراجع الدعم الدولي لمكافحة الإرهاب في القارة، خصوصاً منطقة الساحل، في ظل إعادة انتشار القوات الفرنسية أو انسحابها من مواقع حيوية، ما يعني ترك الجيوش الوطنية، لاسيما الجيش المالي، وحيدًا في مواجهة الجماعات الإرهابية.
وفي الوقت الذي لا يرقى التعاون الإقليمي، على مستوى القارة الإفريقية، إلى مستوى مواجهة النمو غير المسبوق للتهديدات الإرهابية، في ظل نقص الموارد المالية وتراجع القدرات العسكرية، باتت القارة السمراء الوجهة المفضلة للجماعات المتطرفة.
ونشر مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أحد الأقسام التحليلية في "البنتاجون"، تقريرًا ذكر فيه أن الهجمات الإرهابية في إفريقيا ارتفعت 300% خلال العقد الماضي، مع تضاعف الهجمات العنيفة، في السنوات الثلاث الماضية فقط.
ووفقًا لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022، فإنه نتيجة لتخفيف قيود كورونا وزيادة البطالة، تبدو جنوب الصحراء الكبرى آخذة في أن تصبح بؤرة للإرهاب، بارتفاع الوفيات بأكثر من 1000% بين عامي 2007 و2021 في منطقة الساحل.
ويقول تقرير مؤشر الإرهاب، إن إفريقيا الأكثر تضررًا من آثار الاحترار العالمي، حيث أصبحت المجتمعات الريفية والفقيرة أكثر عُرضة لتأثير الجماعات المتطرفة، لأنها تبحث يائسة عن أي فرصة يمكنها من خلالها إعالة أسرها.
مكافحة الإرهاب
استراتيجية التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في إفريقيا، اتكأت على ست محطات مهمة، أولاها: الاجتماع الإقليمي للمديرين السياسيين للتحالف الدولي ضد «داعش» في مدينة الصخيرات، في يونيو 2018، الذي سعى إلى تعزيز التنسيق والتعاون مع دول تجمع الساحل لمكافحة خطر الإرهاب.
أما المحطة الثانية، فكانت في يونيو 2021، باحتضان المغرب للمكتب الإقليمي لمحاربة الإرهاب في إفريقيا، التابع لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، لتطوير وتنفيذ برامج لتعزيز قدرات ومهارات الدول الإفريقية، في ما يتعلق بأمن الحدود، والتعاون الجنائي وإدارة السجون، وتفكيك التطرف العنيف عبر التأهيل وإعادة الإدماج.
بعد ذلك بأشهر وتحديدًا في ديسمبر 2021، كانت المحطة الثالثة بإنشاء مجموعة التركيز الخاصة بإفريقيا بقيادة مشتركة بين المغرب والنيجر وإيطاليا وأمريكا، لإجراء تقييمات مستمرة للتهديدات الإرهابية، وبناء القدرات المدنية للمساعدة في مكافحة الإرهاب، وتنسيق هذه الجهود مع المبادرات القائمة في الميدان.
إلا أن المحطة الأبرز فجاءت في مايو 2022، بعقد المؤتمر الوزاري لدول التحالف في مراكش، بمشاركة أكثر من 60 دولة ومنظمات إقليمية ودولية، وهو الاجتماع الأول للتحالف في إفريقيا.
ويقول المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، في دراسة اطلعت «السياق» على نسخة منها، إن التحالف وضع في خطته مواصلة قتال داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية عبر مسارين.
الأول: المسار العسكري، في إشارة إلى العمليات القتالية للقوات العسكرية للدول الأعضاء في التحالف ضد الجماعات الإرهابية عمومًا، وتنظيم داعش خصوصًا.
أما الآخر فهو: المسار المدني، من خلال ما يقوم به المدنيون في ردع التنظيم، ودعم الأمن والاستقرار، ومكافحة التمويل الإرهابي، وتفكيك الخطاب المتطرف، ومقاضاة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، ثم التأهيل وإعادة الإدماج، وهي مداخل تعدها دول التحالف متكاملة وفعالة لإلحاق الهزيمة الدائمة بداعش، الذي لا يزال يشكل تهديدًا جديًا في مناطق مختلفة.
وأشار إلى أن التحالف، يعمل من خلال تبادل التقييمات بشأن التهديدات الإرهابية في إفريقيا، والتنسيق والتعاون لدعم القدرات وبحث الطرق الأكثر فعالية وكفاءة في مكافحة داعش والتنظيمات الأخرى، بما في ذلك تبادل المعلومات وإدارة الحدود بشكل استباقي، وتحقيق الاستقرار في المناطق التي تُحرَّر من الجماعات الإرهابية، وتطوير مداخل للردع، ثم الوقاية من التطرف العنيف وتفكيك خطاباته.
وبحسب المركز الأوروبي، فإن التحالف يعمل على بناء تصورات مشتركة للمصادر التي تغذي الإرهاب في إفريقيا، خصوصًا في منطقة الساحل والصحراء، حيث جرى الاتفاق -لأول مرة- على الربط بين الجماعات الإرهابية والحركات الانفصالية، لأن هناك تحالفًا موضوعيًّا بينهما، يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وتعميق هشاشة السلطات المركزية.
تشمل هذه الجهود تبادل تقييمات تهديد داعش والمنظمات الإرهابية في قارة إفريقيا، والتنسيق والتعاون بشأن الطرق الأكثر فاعلية وكفاءة لمقاربة هذه القضايا، بما في ذلك تبادل المعلومات وإدارة الحدود بشكل استباقي، فضلاً عن مشاريع تحقيق الاستقرار والردع ومنع التطرف.
نشاط إرهابي مكثف
ويقول المركز الأوروبي، إن إفريقيا تشهد نشاطاً إرهابياً مكثفاً، حيث يوجد عديد من مقاتلي «داعش» في بحيرة تشاد ومنطقة الساحل في جمهورية الكونغو الديمقراطية وتنزانيا وموزمبيق ودول أخرى غربي إفريقيا، مشيرًا إلى أن التهديدات التي تشكلها هذه الجماعات الإرهابية لها آثار دولية ومحلية.
وحذر من أنه مع خروج القوات الفرنسية، ومن قبلها الأمريكية لمكافحة الإرهاب، تزداد فرص نشاط التنظيمات، بخاصة مع تراجع قدرة الجهود الأمنية لدول هذه المنطقة وحدها في التصدي لهذه التنظيمات، التي تتوسع في شبكات علاقاتها مع القوى المحلية بهذه الدول.
كما حذر من أن سياسات مكافحة الإرهاب في إفريقيا ستتأثر سلبًا بالاستقطاب الراهن، بين روسيا والغرب، على خلفية الحرب في أوكرانيا، حال التمادي في استغلال الجانبين للمنطقة، كساحة خلفية لتصفية الحسابات.
وشدد على أن نجاح جهود التحالف الدولي بمكافحة الإرهاب في إفريقيا يجب ألا تقتصر على الرؤية الأمنية، بل تتوازى جهود مكافحة الإرهاب، مع تنمية اقتصادية تعزز الجهود الأمنية والعسكرية.
الدور الأمريكي في مكافحة الإرهاب
يقول موقع «عيون أوروبية على التطرف»، إنه مع انتشار الإرهاب في أكثر من 12 دولة إفريقية، أصبح من الأهمية بمكان التساؤل عن كيفية زيادة دخول الدول الخارجية، إلا أن هذا الأمر يتأثر بالحرب الباردة المتصاعدة، التي تتكشّف بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.
وبحسب الموقع الأوروبي، فإن الولايات المتحدة حرصت بتدخلها في الصومال، على عدم تكرار الأحداث الكارثية التي وقعت عام 1993، مشيرًا إلى أن قرابة ثلاثة أرباع العمليات الخارجية الأمريكية بين عامي 1798 و2018 كانت غير تقليدية.
إلا أنه مع ذلك، تحوّل الاهتمام الأساسي للاستراتيجية العسكرية الوطنية الأمريكية في السنوات القليلة الماضية، بعيدًا عن الإرهاب ونحو المنافسة الاستراتيجية بين الدول، خاصة مع روسيا والصين، ما أدى إلى تراجع عمليات مكافحة التمرد، بشكل أضعف القدرة على تأسيس نفوذ أمريكي في المناطق الاستراتيجية غير المستقرة.
كان المسؤول العسكري الأمريكي جاستن لينش حذر عام 2014 من الجماعات الإرهابية، التي تستفيد من هذا التحول بعيدًا عن التدريب والموارد لمكافحة التمرد.
ما الذي على أمريكا فعله؟
يقول «عين أوروبية على التطرف»، إن على الولايات المتحدة أن تركز على بناء شراكات مع الدول الإفريقية، لأنها تظهر فرصًا اقتصادية واعدة.
ويرى الكولونيل جو بروهل من الجيش الأمريكي، أن السياسات الأمريكية تجاه إفريقيا غير قادرة على أن تكون استباقية، مشيرًا إلى أن صناع السياسة يعانون نقطة عمياء استراتيجية لا تعانيها القوى الكبرى.
وبحسب «عيون أوروبية»، فإن المنافسة بين روسيا والصين والولايات المتحدة ستتعزز من خلال الاعتماد العالمي على الموارد الطبيعية الإفريقية، مثل تلك المستخدمة في الإلكترونيات والأسلحة العسكرية، ما يزيد إمكانية عودة الوجود الغربي في إفريقيا وإمكانية أن تصبح القارة ساحة معركة.
فخ الديون
وحذر الموقع من أن ما يؤجج التوترات في القارة هو ما تسمى سياسات «فخ الديون»، التي تنتهجها الصين في إفريقيا.
وبحسب تصريحات لنائب الرئيس الأمريكي السابق مايك بنس، فإن إنشاء "فخاخ الديون عمدًا حتى تتمكّن الصين من إجبار الدول الإفريقية الفقيرة على التصويت معها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو دعم مواقفها بشأن تايوان أو الحصول على عقارات قيّمة في إفريقيا يمكن تحويلها إلى قواعد عسكرية".
بدوره، قال جو بروهل، مدير مجموعة مبادرة القائد، فرقة عمل جنوب أوروبا في إفريقيا: «بينما تركز واشنطن على التهديد العسكري الروسي في أوروبا الشرقية والتوسّع الصيني في المحيط الهادئ، تتفوق روسيا والصين على الولايات المتحدة في إفريقيا بطرق يمكن أن تُغيّر على نحو جذري ميزان القوى العالمي».
وشدد الموقع الأوروبي، على أن على سياسة الولايات المتحدة تعزيز علاقاتها وتطوير استراتيجيات أفضل بشأن المشاركة في إفريقيا، مؤكدًا أن على أمريكا أن تجعل العلاقات الدبلوماسية مع إفريقيا أولوية، وألا تقلّل من عمليات مكافحة التمرد، وأن تركز فقط على الحروب التي لا مفر منها.
وبحسب «عيون أوروبية على التطرف»، فإنه ما لم تغيّر الولايات المتحدة استراتيجياتها الدبلوماسية والعسكرية في إفريقيا، فإن احتمال تكرارها لأخطاء الماضي يبدو حتميًا، محذرًا من أنه إذا وسّعت الولايات المتحدة وجودها العسكري في إفريقيا، من المرجح أن تفشل مرة أخرى في فهم التعقيدات الأجنبية، ولن تكون قادرة على إنشاء حكومات فعّالة، وبذلك تلجأ إلى التخلي عن جهود بناء الدولة، ما يزيد فراغ السلطة والأمن، ويؤدي بدوره إلى تفاقم انتشار الإرهاب.
ويقول الموقع الأوروبي، إن إخفاقات الولايات المتحدة في العراق ستجعل واشنطن مترددة في ما يتعلق بالمشاركة في مكافحة التمرد، مشيرًا إلى أنه في حين أن الولايات المتحدة لديها ماضٍ متقلب في عمليات مكافحة التمرد في إفريقيا، فإن انتشار الأيديولوجيات الروسية والصينية، واحتمال فقدان موارد كبيرة، سيكون من المستحيل تجاهلهما.