تونس... دستور جديد ينهي سيطرة الإخوان ويثير جدلًا في الأوساط السياسية

فى قراءة أولية لمواد الدستور الجديد، قالت المحللة السياسية آمال قلالة، للسياق، إنه تضمن عددًا من النقاط التي وصفتها بالمهمة من شأنها القضاء على مراكز القوى، وفى مقدمتها البرلمان الذي أربك عمل الحكومات التونسية المتعاقبة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

تونس... دستور جديد ينهي سيطرة الإخوان ويثير جدلًا في الأوساط السياسية
قيس سعيد

السياق

جدل تجدد في الشارع التونسي، بعد نشر مشروع الدستور الجديد، الذي عرضه الرئيس قيس سعيد، داعيًا التونسيين إلى التصويت عليه باستفتاء شعبي في 25 يوليو الحالي.

ذلك المشروع أثار حالة من الجدل بين التونسيين وخبراء القانون، ففريق يرى أنه يوسع صلاحيات الرئيس التونسية، ما قد يؤدي -في نظرهم- إلى ولادة نظام الحكم الفردي، إلا أن آخرين رحبوا به، مؤكدين أنه ينقذ البلد الإفريقي من براثن تنظيم الإخوان، وصراع الصلاحيات ببن السلطات، ما أدى إلى تعطيل مسيرة البلاد طوال عشرية التنظيم الإرهابي.

ويضم الدستور التونسي الجديد، الذي وضعه نخبة من خبراء القانون الدستوري، 124 فصلًا موزعة على 10 أبواب تضمنت أحكامًا عامة، وباب الحقوق والحريات، ثم السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية.

ونظم الدستور التونسي الجديد، مهام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ومهام المجلس الأعلى للتربية والتعليم، وهو مجلس مستحدث أنشئ للنهوض بقطاع التعليم، إلى جانب ما يعرف بالأحكام الانتقالية.

وبحسب مقدمة مشروع الدستور التونسي الجديد، فإنه يهدف إلى قيام دولة القانون، وأن النظام السياسي يقوم على الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.

 

قيس سعيد يرد

إلى ذلك، نفى الرئيس التونسي قيس سعيّد، الثلاثاء، أن يكون مشروع الدستور الجديد الذي سيصوت حوله التونسيون في 25 يوليو، يهيئ لعودة الاستبداد.

وقال في رسالة موقعة من قبله، نشرتها رئاسة الجمهورية التونسية، إن الدستور روح قبل أن يكون مجرد مؤسسات وأن المشروع الجديد يعبر عن روح الثورة ولا مساس فيه على الإطلاق بالحقوق والحريات.

واعتبر أن يوم الاستفتاء مناسبة لإنقاذ الدولة داعيا التونسيين إلى التصويت بـ"نعم".

واتهم سعيد منتقدي المشروع الجديد بأنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء النظر في كل بنوده وأحكامه ولم ينظروا إلى تركيبة المحكمة الدستورية وسحب الوكالة وتحديد حق الترشح لرئاسة الدولة إلا مرة واحدة، واصفا آراءهم بأنها افتراء.

 

إنقاذ تونس

بدورها، قالت المحللة السياسية آمال قلالة، في تصريحات لـ«السياق»، إن الدستور الجديد سيعمل على إنقاذ تونس من صراع الصلاحيات ببن السلطات، خاصة السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وأوضحت أن ذلك الصراع عطل البلاد طوال فترة عشرية الإخوان، وأعاق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وحوَّل البرلمان -الذي كان تحت سلطة حركة النهضة التي تمثل الأغلبية فيه- إلى سلطة فوق السلطات.

وأشارت المحللة التونسية إلى أن الرئيس سعيد، استجاب لتوجهات أغلبية الرأي العام التونسي، الذي طالب بالعودة إلى النظام الرئاسي الذي عرفته تونس خلال حكم الرئيسين الأسبقين بورقيبة وبن علي.

وتضمن الفصل العشرون من الدستور نصًا يؤكد ضرورة قيام رئيس الجمهورية وكل أعضاء الحكومة وأعضاء البرلمان والقضاة، بضرورة كشف مصادر دخولهم وثرواتهم، وهو ما يسري -وفق القانون- على أصحاب الوظائف العليا في الدولة، بحسب قلالة.

 

مراكز القوى

وفى قراءة أولية لمواد الدستور الجديد، قالت قلالة، إنه تضمن عددًا من النقاط التي وصفتها بـ"المهمة" من شأنها القضاء على مراكز القوى، وفى مقدمتها البرلمان الذي أربك عمل الحكومات التونسية المتعاقبة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

وأكدت قلالة أن الدستور ينهي –كذلك- حالة الاستقواء التي مارستها السلطة القضائية في معاركها مع الدولة، ومنع بنص دستوري صريح ممارسة الإضراب عن العمل لعدد من القطاعات الحساسة، أولها القضاء ورجال الأمن والجيش والجمارك.

وترى المحللة السياسية التونسية، أن الدستور أكد استقلال القضاء، من خلال تأكيده للدور المهم للمحكمة الدستورية، بعد أن تعطل تأسيسها طوال السنوات العشر الأخيرة، بسبب محاولة حركة النهضة السيطرة عليها، من خلال تنصيب قضاة موالين لها.

ضربة للنهضة

واعتبرت السياسية التونسية، أن الدستور الجديد ضربة لحركة النهضة الإخوانية، فهو لا ينص على أن الإسلام دين الدولة، كما كان في دستور 2014 الذي كتبته حركة النهضة، بل على أن تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف، في الحفاظ على النفس والعرض والمال والحرية.

وأشارت إلى أن هذه الصيغة تهدف إلى التصدي للأحزاب ذات المرجعية الدينية، على غرار حركة النهضة التي عملت على عزل الرئيس سعيد، واحتكار صلاحياته التي نص عليها دستور 2014 رغم محدوديتها.

تلك الرؤية وافقها فيها زهير المغزاوي، الأمين العام لحركة الشعب القومية في تونس، الذي قال إن حركة الشعب أحد صُناع المسار الجديد الذي أزاح الإخوان عن السلطة، وشاركت في صياغة الدستور الجديد.

وحذر السياسي التونسي -في تصريحات صحفية- من فشل التصويت بنعم على الدستور الجديد، قائلًا إن تونس ستكون مقبلة على مصير مجهول وغامض، خاصة وأن التنظيمات الإرهابية والقوى المعادية تترصد لبلاده.

بدوره، قال سرحان الناصري، رئيس حزب التحالف من أجل تونس -في تصريحات صحفية- إن مشروع الدستور الجديد يضع حدًا لمنظومة الإخوان، مشيرًا إلى أنه أعاد للدولة تماسكها وللحكم نجاعته.

وتوقع السياسي التونسي، أن يضع مشروع الدستور الجديد حدًا لعشرية ومنظومة الإخوان، وأن يؤسس لجمهورية جديدة يكون فيها القرار والكلمة للشعب، مشددًا على أنه سيؤدي إلى إحكام التوازن بين السلطات وتكامل وظائفها.

 

صدمة الصلاحيات

من جهة أخرى، اعتبر مختار اللواتي، المحلل السياسي التونسي في تصريحات لـ«السياق»، مواد الدستور «صادمة» لشرائح واسعة من النخب التونسية، خاصة النخب الديمقراطية الواسعة والمتقدمين بشكل عام.

وأكد المحلل السياسي التونسي، أن الدستور جاء «صادمًا» حتى للجنة التى كلفها الرئيس قيس سعيد، بإعداد مسودة دستور للجمهورية الجديدة لتونس، إذ أسقط جميع ما اقترحته تلك اللجنة برئاسة العميد الصادق بلعيد أستاذ القانون الدستوري، التي ضمت أكثر من 40 عضوًا من قادة أحزاب ومنظمات المجتمع المدني وشخصيات وطنية، على حد قوله.

وأشار إلى أن الرئيس سعيد، أسقط مدنية الدولة من مشروعه، ومنح للرئيس صلاحيات واسعة ومنع عنه المساءلة، وجعل المحكمة الدستورية مكونة من قضاة فحسب، على حد قوله.