هل تعيق 'فضيحة الفساد' حصول أوكرانيا على مساعدات عسكرية؟
قال خبراء إن فضيحة الفساد المتعلقة بتوقيف رئيس المحكمة العليا وقضاة آخرين في قضية رشوة بـ 2.7 مليون دولار، أثارت مخاوف بشأن تزويد أوكرانيا بالمساعدات العسكرية.

ترجمات -السياق
بينما وافق الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعد ضغوط استمرت أشهرًا، على تدريب القوات المسلحة الأوكرانية، على مقاتلات من طراز إف-16، كشفت مجلة نيوزويك الأمريكية، عما سمتها "فضيحة فساد" قد تقرب الحلم الذي انتظره الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بالحصول على هذا النوع من الطائرات.
كان بايدن قد أبلغ قادة "مجموعة السبع" بأن واشنطن ستدعم تسليم طائرات حربية متطورة بما يشمل مقاتلات إف-16 لأوكرانيا، وستدعم جهود تدريب طيارين أوكرانيين.
لكن زيلينسكي، الذي خرج سريعًا ليصف قرار الإدارة الأمريكية بالتاريخي، ربما لم يتوقع أن تواجهه مشكلة قد تقف حائلًا أمام تنفيذ هذا القرار، لكن خبراء ومحللين بينوا أن "شفافية التحقيقات" قد تميل كفة الرئيس الأوكراني ويحظى بالحصول على "الحلمين": الانضمام إلى "الناتو" ودعمه بمساعدات عسكرية متطورة أبرزها إف-16.
يذكر أن قضية فساد وقعت خلال يناير الماضي، تتعلق بشراء إمدادات للجيش بأسعار مبالغ فيها، أثارت إقالات شملت مسؤولين حكوميين كبارًا ومسؤولين قضائيين، في البلد الذي يواجه غزوًا روسيًا منذ فبراير 2022.
فقد أوقف رئيس المحكمة العليا الأوكرانية فسيفولود كنيازيف في قضية فساد بـ 2.7 مليون دولار، بحسب ما ذكرت نيابة مكافحة الفساد.
وقال المسؤول بالنيابة العامة لمكافحة الفساد الأوكرانية أولكسندر أوميلتشينكو خلال مؤتمر صحفي: "رئيس المحكمة العليا محتجز"، كما أعلن توقيف شخص آخر لم يكشف هويته.
وأوضح مدير المكتب الوطني لمكافحة الفساد سيمين كريفونوس "أنها أكبر قضية" تتعلق بالقطاع القضائي، مشيرًا إلى "مجموعة إجرامية" تتضمن قُضاة من المحكمة العليا.
وحسب مسؤولين في مكتب مكافحة الفساد، اتفق الملياردير الأوكراني كوستيانتين جيفاغو، الذي تحاول أوكرانيا إعادته من فرنسا، مع مكتب محاماة على دفع رشوة لقضاة في المحكمة العليا، حتى "تصدر قرارًا" بشأنه.
وعلى ما يبدو فقد حوّل جيفاغو 2.7 مليون دولار إلى المحامين، وكان من المقرر دفع 1.8 مليون دولار من هذا المبلغ لقضاة بالمحكمة العليا، و900 ألف دولار للمحامين مقابل "وساطتهم"، وفق النيابة العامة لمكافحة الفساد.
نتائج غير متوقعة
وعن النتائج المتوقعة لهذه التحقيقات، نقلت "نيوزويك" عن عدد من الخبراء تأكيدهم أن فضيحة الفساد -التي كُشف عنها هذا الأسبوع بأوكرانيا- المتعلقة بتوقيف رئيس المحكمة العليا فسيفولود كنيازيف وقضاة آخرين في قضية رشوة بـ 2.7 مليون دولار، أثارت مخاوف بشأن تزويد البلاد بالمساعدات العسكرية، لكن رد فعل السلطات عليها قد يساعد في تأمين مساعدة غربية أكبر.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى اعتقال رئيس المحكمة العليا في أوكرانيا، كجزء من تحقيق رشوة من قِبل سلطات مكافحة الفساد.
وكشف المكتب الوطني لمكافحة الفساد ومكتب المدعي الخاص عن "فساد واسع النطاق في المحكمة العليا، لاسيما مخطط للحصول على مزايا غير مستحقة من قِبل قيادة وقضاة المحكمة العليا"، بحسب بيان الهيئتين.
وقال البيان المشترك: "هذه المرة الأولى التي تكشف فيها وكالات تطبيق القانون عن هذا الفساد".
بينما اعترف قضاة المحكمة، بأن ذلك كان "يومًا أسود في تاريخ القضاء الأوكراني".
يذكر أن جيفاغو الذي تقدر النسخة الأوكرانية من مجلة فوربس الأمريكية، أن ثروته تضعه في المرتبة الخامسة بين أثرياء البلاد بـ1.4 مليار دولار، يملك مجموعة التعدين "فيراكسبو"، ومدرج -منذ سنوات- على قائمة المطلوبين من أوكرانيا بسبب "مخالفات مالية".
هذا النائب السابق متهم باختلاس 113 مليون دولار من بنك التمويل والائتمان، الذي أشهر إفلاسه عام 2015.
وفي 28 ديسمبر 2022، أوقف في كورشوفيل بفرنسا، ووضع رهن الحبس الاحتياطي بضعة أيام، ثم تحت الإشراف القضائي منذ مطلع يناير.
تاريخ من الفساد
وحسب "نيوزويك" لم تكن هذه المرة الأولى التي يتصدر فيها الفساد في أوكرانيا عناوين الصحف، منذ اندلاع حرب واسعة النطاق مع روسيا في فبراير 2022.
ففي يناير من هذا العام، أقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عددًا كبيرًا من المسؤولين، بمن فيهم وزراء وحكام، مع عديد من المسؤولين، وقال آخرون إنهم استقالوا.
وقال زيلينسكي في ذلك الوقت: "يجرى حل أي مشكلة داخلية تعيق الدولة"، مضيفًا: "إنه ضروري لدفاعنا ويساعد في تقاربنا مع المؤسسات الأوروبية".
ولأوكرانيا تاريخ من الفسا،د يسبق بكثير اندلاع حربها مع روسيا، فعام 2021، احتلت أوكرانيا المرتبة 122 من 180 دولة على مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية.
ومنحت منظمة فريدوم هاوس الأمريكية غير الربحية، أوكرانيا 50 من 100 في استعراضها لحالة الحرية العالمية.
وعن سؤال: "هل الضمانات ضد الفساد الرسمي قوية وفعّالة؟"، حصلت أوكرانيا -وفق "فريدوم هاوس"- على درجة من أصل أربع في هذا الشأن.
ورغم إشادته بالتقدم الذي أحرزته أوكرانيا في هذه القضية، فإن زيلينسكي قال: "يظل الفساد مشكلة خطيرة، والإرادة السياسية لمكافحته لم تكن متسقة".
من جانبها، أعربت أصوات في أوساط الحلفاء الغربيين عن قلقها بشأن المكان الذي ستؤول إليه المساعدات المرسلة إلى أوكرانيا، ما يعني أن "قضايا الفساد قد تعيق وصول مقاتلات إف-16 خوفًا من وقوعها في الأيدي الخطأ".
ونوهت المجلة الأمريكية، إلى أنه بينما ترسل مليارات الدولارات من المساعدات إلى أوكرانيا، دعا بعض الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي إلى مراجعة كيفية إنفاقها.
كانت هناك مخاوف أخرى، بما في ذلك منظمة الشفافية الدولية في أوكرانيا، بشأن تحقيقات الفساد المنتشرة.
شفافية تداول إف-16
وأوضح الخبراء والمحللون -الذين تحدثوا إلى "نيوزويك"- أنه في حين أن الكشف عن الفساد الأخير قد يلحق مزيدًا من الضرر بسمعة البلاد بين منتقديها، فإن شفافية التحقيقات ستعمل في النهاية لصالح أوكرانيا، وستصبح أساسية، ليس فقط لإحراز تقدم في عمليات الانضمام المحتملة إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، ولكن أيضًا في الحفاظ على تدفق المساعدات العسكرية.
وفي جولته الأوروبية الأخيرة بروما وبرلين وباريس ولندن، ضاعف زيلينسكي الدعوات للحصول على الطائرات المقاتلة مثل إف-16، ما يعد تطورًا مهمًا جدًا بشأن المقاتلات التي تستخدمها القوات الجوية الأوكرانية، التي تعود إلى الحقبة السوفيتية.
وقال زيلينسكي للصحفيين، بمؤتمر صحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتز، خلال زيارته لبرلين الأسبوع الماضي: "نعمل على تشكيل تحالف من الطائرات المقاتلة، وجزئيًا زياراتي للعواصم الأوروبية تهدف إلى ذلك، وأعتقد أننا سننجح".
وبالفعل، التزم عديد من حلفاء كييف بتدريب الطيارين الأوكرانيين على طائرات مثل إف-16، لكن لم تتعهد أي دولة -حتى الآن- بتوفير الطائرات المقاتلة المتقدمة، ويشير الخبراء إلى أن هناك أسبابًا لتردد الغرب في توفير الطائرات، لكن هناك من يقول إن تفاني أوكرانيا الصريح لكشف الفساد قد يخدم المساعدات العسكرية، فضلاً عن المشاركة الوثيقة مع المؤسسات الغربية.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة برمنغهام بالمملكة المتحدة ديفيد دن، أنه رغم أن الفضيحة "صادمة بعض الشيء"، فإنها مؤشر واضح على أن أوكرانيا جادة في إزالة العقبات أمام عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
وأضاف إلى "نيوزويك": "في بعض النواحي، يمكنك قراءة هذا على أنه إيجابي، وأنه جزء من دفع أوكرانيا لضم الاتحاد الأوروبي، وأن تصبح راسخة بقوة في الغرب"، مضيفًا: "من المصالح الاستراتيجية لأوروبا والولايات المتحدة مساعدة أوكرانيا في هذا المسار".
وأوضح دن أن فضيحة الفساد الأخيرة قد تغذي التحفظات بشأن تقديم المساعدة لأوكرانيا، التي ظهرت على يمين الطيف السياسي الأمريكي، لكن من المرجح أن يستقبل المجتمع الدولي -بشكل إيجابي على نطاق أوسع- الالتزامات بالتصدي للفساد.
استئصال الفساد
من جانبه، رأى أندري بيلتسكي، من مركز أبحاث وتعليم مكافحة الفساد في كييف، أن "كشف الفساد يدل على فعالية وكفاءة البنية التحتية لمكافحة الفساد"، مضيفًا: "لقد فعلوا ما كان من المفترض أن يفعلوه، بتقديم مسؤول رفيع المستوى إلى العدالة، هو رئيس المحكمة العليا".
وأشار إلى أن إعلان القضية من خلال القنوات الرسمية، وليس من خلال وسائل الإعلام، يظهر أن "هناك جهودًا تبذل لكشف ومعالجة الفساد على أعلى مستويات السلطة".
وقال بيلتسكي: "مع ذلك، من المهم تأكيد أن فضح الفساد يجب ألا يُنظر إليه على أنه مؤشر على تفشي الفساد، خصوصًا في السلك القضائي أو الحكومة".
بينما أوضح ميخائيل أليكسيف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية سان دييغو، أن هذه الأخبار -القبض على المرتشين- "إشارة قوية على أن أوكرانيا جادة، ليس فقط في الانتصار بساحة المعركة، ولكن لإجراء إصلاح قضائي من شأنه أن يقربها من معايير الديمقراطيات المتقدمة".
وبيّن أن عمل الحكومة الأوكرانية لاستئصال الفساد على أعلى المستويات يستحق "مزيدًا من الدعم من جانبنا لبناء الجيش والمؤسسات" ، مضيفًا: "استطلاعات الرأي الأوكرانية الأخيرة تشير إلى أن شعبها لا يشن حربًا ويموت من أجل العودة إلى طرق الماضي الفاسدة ".
وقال أليكسيف: "الإصلاحات طويلة الأمد الهادفة ستكون مستحيلة، إذا احتفظت روسيا بالأراضي المحتلة، وواصلت عدوانها العسكري الشامل، وقضت على دفاعات أوكرانيا وإرادة حلفائها لدعم كييف عسكريًا".
في المقابل، يرى ديفيد غوردان، المدير المشارك لمعهد فريمان للطيران والفضاء في كينغز كوليدغ بلندن، أن استخدام الجهود الأوكرانية للقضاء على الفساد طويل الأمد سيكون "عكسيًا" لوقف الدعم لأوكرانيا، في إشارة إلى احتمال أن تؤثر هذه القضايا في خطط الغرب لدعم كييف بالأسلحة المتطورة، خصوصًا إف-16.
وقال إن هذا سيعزز فرص موسكو في النجاح، مضيفًا أنه سيكون من "قِصر النظر بشكل لا يصدق أن تستند القرارات فقط إلى مشكلة الفساد المعروفة منذ زمن طويل، التي تثير استياء الرأي العام الأوكراني، وتزيد احتمال نجاح بوتين".