كيف يمكن أن تصبح باكستان أسوأ عدو لبايدن؟

فورين بوليسي: اعتماد أمريكا على باكستان لكبح طالبان سيأتي بنتائج عكسية

كيف يمكن أن تصبح باكستان أسوأ عدو لبايدن؟

ترجمات – السياق

في مقامرة، تضع الأمل في مواجهة التاريخ، يراهن الرئيس الأمريكي جو بايدن وفريقه، على أن طالبان المتمرِّدة ستوافق على اتفاق سلام متفاوَض عليه في أفغانستان، وأن باكستان -الراعية للجماعة المسلَّحة منذ فترة طويلة- ستضغط عليهم لتقاسُم السُّلطة مع الحكومة الأفغانية.

 لكن العديد من الخبراء، يقولون إن مثل هذه الآمال وهمية، ومن المرجَّح أن ينتصر التاريخ في النهاية: ستستمر باكستان وقيادة طالبان -التي لا تزال تتخذ من باكستان مقراً لها- في دعم بعضهما، في ساحة المعركة، وكذلك على طاولة المفاوضات، بحسب الكاتب الصحفي مايلك هيرش.

وقال هيرش، في مقال بمجلة فورين بوليسي الأمريكية: "باختصار، تريد باكستان فوز طالبان وتسلُّم السلطة- أو على الأقل غير راغبة في فعل الكثير- لمنع حدوث ذلك".

 

باكستان تدعم طالبان

ونقل هيرش عن بروس ريدل، الذي كان كبير المستشارين في جنوب آسيا والشرق الأوسط، لأربعة رؤساء أمريكيين قوله: "من دون الدعم اللوجستي الباكستاني، لن تتمكَّن طالبان من شن هجوم واسع النطاق داخل أفغانستان"، مشيرًا إلى أن وكالة الاستخبارات الباكستانية تعيش في "سعادة" كبيرة لأنها ساعدت في طرد القوات الأجنبية من أفغانستان، موضحًا أن هدفها الآن إثارة الذعر في الحكومة والجيش الأفغانيين.

بدوره، قال خليل زاد، خلال منتدى آسبن الأمني قبل أيام: إن طالبان لا تريد أن تكون عل قيادة دولة منبوذة، مشيرًا إلى أنهم يريدون أن يتم الاعتراف بهم، والحصول على المساعدات الدولية.

لكن هذا الاعتدال الخطابي، لا يتوافق مع الحقائق على الأرض، فرغم تقديم قادة طالبان أنفسهم، كدبلوماسيين على المسرح العالمي، منذ بدء محادثات السلام مع الأمريكيين عام 2020، فإن الحركة استأنفت ممارساتها الوحشية أثناء انتقالها إلى المدن الأفغانية الكبرى، مثل قندهار، بحسب كاتب المقال.

على مدى العقد الماضي، دعمت باكستان حركة طالبان، في مواجهة تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة، يضم 46 دولة لدعم الحكومة الأفغانية المنتخبة في كابل، وبذلك من غير المرجَّح أن تتغيَّـر هذه السياسة الآن، مع مغادرة الجيش الأمريكي وحلف شمال الأطلسي، مع فقدان الحكومة الأفغانية لدوافع مواجهة الحركة على الأرض عسكريًا.

وأضاف الكاتب: "في مواجهة عدوتها اللدود (الهند)، فإن باكستان متحفِّزة أكثر من أي وقت مضى، لدعم حركة طالبان في أفغانستان، إذ تخشى إسلام أباد قيام حكومة أفغانية قوية، متحالفة مع الهند والغرب، بتطويق باكستان".

 

توقف محادثات السلام

يبدو أن محادثات السلام لا تتحرَّك في أي اتجاه، فلا طالبان ولا الحكومة الأفغانية، برئاسة أشرف غني، مستعد للتفاوض مع الآخر، إذ يدَّعي كل طرف الشرعية في الحُكم، بينما وسط ذلك كله، تجلس باكستان، التي لا تزال تتمتع بنفوذ كبير -وإن كان يتضاءل- مع طالبان، حيث إنها تأوي العديد من قادة الجماعة وعائلاتهم، بحسب هيرش.

وفي سلسلة من المحادثات في واشنطن هذا الأسبوع، قال مستشار الأمن القومي الباكستاني ، مؤيد يوسف ، إنه بحث مع نظيره الأمريكي، جيك سوليفان، الحاجة الملحة إلى تسوية سياسية في أفغانستان، مؤكداً "لن نقبل استيلاءً بالقوة على أفغانستان".

وأشار هيرش، إلى أنه من غير المرجَّح أن تقف إسلام أباد في طريق طالبان، للاستيلاء على الحُكم في افغانستان بالقوة.

وعن ذلك، قال السفير الأمريكي السابق في أفغانستان ريان كروكر: "من الغباء بصراحة التفكير في أن حركة طالبان، أكثر ليونة ولطفًا مما كانت عليه عام 2001.. بل هي الآن أصعب وأقسى".

 

لعبة مزدوجة

وقال كاتب المقال: إن الدليل على أن باكستان تواصل الانخراط في اللعبة المزدوجة، التي لعبتها منذ فترة طويلة، المطالبة بتسوية دولية بينما تدعم بهدوء طالبان على الأرض، مؤكدًا أن باكستان لن تدير ظهرها لطالبان، متسائلا: لماذا تفعل ذلك الآن، بعد أن "انتصرت" طالبان بفضل جهود باكستان الدؤوبة؟

بينما يعتقد بعض الخبراء، أن إسلام أباد تفضِّل حقًا نتيجة توافق فيها طالبان، على أن تصبح جزءًا من حكومة ائتلافية.

ويقول جيمس دوبينز، الذي عمل ممثلًا خاصًا للولايات المتحدة في أفغانستان وباكستان: إن الباكستانيين عملوا في الماضي على إيصال طالبان إلى طاولة السلام، لكنهم لاشك يشعرون بقلق متزايد الآن، من أن طالبان -بعد إضفاء الشرعية عليها من المفاوضين الأمريكيين- لم تعد خاضعة للسيطرة، وقد تلهم المقاتلين المناهضين لإسلام أباد عبر الحدود.

ويضيف دوبينز: "أعتقد أنه لا يوجد سبب حقيقي، للشك في أن الحل المفضَّل لديهم هو حكومة تضم طالبان وكذلك موالية لباكستان، لكنها متوازنة بما فيه الكفاية، بحيث تتمتَّع بالشرعية الدولية، لكنهم ليسوا مستعدين لتسليح طالبان بقوة".

 

أسباب دعم باكستان لطالبان

من جانبه، يقول السفير الأمريكي السابق في أفغانستان، ريان كروكر: إن أسباب دعم باكستان لطالبان، واضحة واستراتيجية، وتعود إلى نهاية الحرب الباردة، إذ تحالفت باكستان والولايات المتحدة ضد الاحتلال السوفيستي لأفغانستان، وساعدتا في تدريب المقاومة الأفغانية، التي كانت تتألف إلى حد كبير من مسلَّحين إسلاميين.

وبعد انسحاب السوفييت عام 1989، غادرت الولايات المتحدة أيضًا، تاركةً الباكستانيين في حرب أهلية على حدودهم، حينها شعرت باكستان بأنها ليس لديها خيار سوى دعم حركة طالبان، التي كانت مهيمنة في ذلك الوقت، والتي اعتبرتها إسلام أباد -نهاية المطاف- تعويضًا إسلاميًا قيمًا للنفوذ الهندي.

لكن بعد 11 سبتمبر، عادت الولايات المتحدة إلى أفغانستان، وحينها قال الباكستانيون: "نحن سعداء بعودة واشنطن، والأموال ستتدفق مرة أخرى، ويسعدنا العمل معكم ضد القاعدة".

ومع ذلك، يخشى بعض المسؤولين المدنيين الباكستانيين، أنهم ربما يكونون قد ساعدوا في غرس وحش في حركة طالبان، لم يعد تابعًا لإسلام أباد وينشر أيديولوجيتها المتطرفة عبر الحدود، إذ زادت الهجمات داخل باكستان من جماعة (طالبان باكستان).

وقال مشرف زيدي، وهو كاتب صحفي باكستاني: إن العديد من المسؤولين الباكستانيين، بدأوا التعبير عن هذه المخاوف علنًا، ورغم أن باكستان ليست بريئة من دعمها لطالبان، فإن الأمريكيين يميلون إلى المبالغة، في درجة السيطرة التي يمارسها الجيش الباكستاني وجهاز المخابرات على الحركة، وأضاف زيدي: "لا يمكن لباكستان أن تسيطر على عاصمتها... فما بالك بأفغانستان"؟!

 

حرب أهلية

يتوقَّع العديد من الخبراء، حربًا أهلية دامية، حيث يتم ذبح المعتدلين الأفغان، الذين يُعَدُّون دمى أمريكية بالجملة، مع حرمان النساء والفتيات من الحقوق التي مُنحت لهن، في ظل الاحتلال الأمريكي، بحسب كاتب المقال.

وبالفِعل، هناك نزوح جماعي للمترجمين، وغيرهم من الأفغان المتحالفين مع الولايات المتحدة، الذين يسعون إلى الحصول على تأشيرات هجرة خاصة، علاوة على ذلك، فإن طالبان لم تقطع علاقتها بالقاعدة، رغم وعودها بذلك، ومن المرجَّح أن تجد الجماعة الإرهابية ملاذًا جديدًا، في الأجزاء التي تسيطر عليها طالبان في أفغانستان.

من المؤكد أن عمران خان، رئيس وزراء باكستان، لا يريد الدعاية السيئة المرتبطة بمثل هذه النتيجة، لكنه قال: إن تقليص تهديد الهند، أمر بالغ الأهمية، في الاعتبارات الاستراتيجية لباكستان.

ويقول كاتب المقال: طالما عرفت واشنطن سلوك باكستان ذا الوجهين، لكن إحجام الولايات المتحدة عن الضغط على باكستان بقوة، متجذِّر في خوف واحد، هو أن "باكستان دولة مسلَّحة نوويًا".

ويضيف: أن عزل باكستان وتعريفها بأنها داعمة للإرهاب، يمكن أن يسبب بسهولة كابوسًا أسوأ بكثير مما حدث أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما مكَّنت شبكة تهريب باكستانية، ليبيا من الحصول على تصاميم أسلحة نووية، أما الأمر الأكثر إثارة للخوف بالنسبة لواشنطن، فهو احتمال انقسام باكستان غير المستقرة والمعزولة، وقد يسيطر المتطرفون على الأسلحة النووية للبلاد.

ويشير هيرش، إلى أن نفوذ الولايات المتحدة، أثبت محدوديته مؤخرًا، وذلك بعد أن زادت الصين مساعداتها واستثماراتها في المنطقة، إذ يُعَدُّ الممر الاقتصادي مع باكستان، أحد أكبر الأجزاء في مبادرة الحزام والطريق الضخمة، التي تسعى خلالها بكين إلى السيطرة على سوق التجارة العالمي.

بشكل عام -يتابع هيرش- انخفضت المساعدات العسكرية الأمريكية لباكستان 60 في المئة بين عامي 2010 وأغسطس 2017 "من دون تأثير كبير في سلوك باكستان" ، وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة بروكينغز عام 2018.

نتيجة لذلك، يبدو أن كلاً من واشنطن وإسلام أباد، يلعب لعبة التظاهر الدبلوماسي، وفي ذلك يقول كروكر: "في عالم الأحلام، سيكون التوصل إلى تسوية عبر التفاوض أمرًا رائعًا، لكن ذلك لن يحدث".