فورين بوليسي: استراتيجية أمريكا في آسيا وصلت إلى طريق مسدود

الأمر الثالث الذي على الولايات المتحدة فعله، الاعتراف بحدودها، لأنها ليست القوة الاقتصادية المهيمنة في آسيا، رغم أن الوثائق التي رفعت عنها السرية تشير إلى أن المسؤولين الأمريكيين ما زالوا يعتقدون ذلك

فورين بوليسي: استراتيجية أمريكا في آسيا وصلت إلى طريق مسدود
الرئيس الأمريكي جو بايدن

ترجمات-السياق

رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن استراتيجية الولايات المتحدة في آسيا، وصلت إلى طريق مسدود، مشيرة إلى أنها تفتقر إلى الاقتصاد السياسي، الذي قالت إنه الأكثر أهمية لاستقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وأضافت المجلة، في تقرير، أن منسق إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، كورت كامبل، أوضح في ديسمبر 2021 رؤية الولايات المتحدة للصين وآسيا، خلال مؤتمر أمن المحيطين الهندي والهادئ، وحينها تحدث عن المجالات المألوفة: أهمية التحالفات، ومبيعات الأسلحة لمواجهة الصين، وأهمية رابطة دول جنوب شرق آسيا، والرؤية المتفائلة بأن العلاقات الصينية الأمريكية، يمكن أن تكون تنافسية ومستقرة.

فن الحُكم

ورأت "فورين بوليسي" أن هذا الحديث قد يكون مريحًا للخبراء وصانعي السياسات الإقليميين في حقبة أخرى، لكن ملاحظات كامبل في المؤتمر، الذي نظمه معهد لوي الأسترالي، غاب عنها أي تصريح ذي مغزى عن الاقتصاد السياسي، وهو الجانب الوحيد من فن الحُكم الأكثر أهمية لاستقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وأشارت المجلة، إلى أن الصين أزاحت الولايات المتحدة من هذا المجال، ولا تزال هناك فجوة صارخة في محاولات واشنطن لصياغة سياسة المحيطين الهندي والهادئ، فلم يستطع كامبل ذكر أي مفهوم ولا سياسة ولا إجراء يشير إلى أن الاقتصاد ليس أكثر من مجرد لفتة خاطفة في خطاب.

وذكرت "فورين بوليسي" أنه بقدر ما تعكس تصريحات كامبل وجهة نظر واشنطن تجاه آسيا، فهي تبدو مطمئنة ومقلقة للغاية في الوقت نفسه، مطمئنة لأن ضبط النفس اللطيف، الذي تبناه كامبل في خطابه يشير إلى الخروج من تقلبات إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، لكنها مقلقة لأن الأفكار التي تدعم سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن في آسيا، لا تختلف كثيراً.

وأشارت إلى أن سياسة الولايات المتحدة، في المنطقة الأكثر أهمية في العالم، ليست أكثر من مزيج من الجمود المتبقي من سياسة ترامب في آسيا، المتمثلة في استخدام القوة العسكرية أولاً، مع إحياء (محور آسيا) الذي أراده الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بحُسن نية لكنه كان مشؤوماً، والذي كان له أيضاً أجندة عسكرية ثقيلة".

تفكير بالصواريخ

ورأت "فورين بوليسي" أن الولايات المتحدة تسيء تركيز اهتمامها وتأثيرها، في ما يتعلق بما يفيد المنطقة أكثر من غيره، مشيرة إلى أن السياسة الاقتصادية، وليست الدفاعية، الطريقة الوحيدة لمعالجة المشكلات المرتبطة ببعضها الخاصة بالتنمية، والتعافي من وباء كورونا، والتكيف مع تغير المناخ، وهي القضايا التي ابتلي بها صانعو السياسات في آسيا، والتي تهدد بعرقلة السلام والازدهار في المنطقة.

وقالت إن مشكلة الولايات المتحدة في آسيا حتى الآن، أنها ليس لديها استراتيجية اقتصادية للمنطقة، على الأقل ليس منذ محاولة أوباما المشؤومة للتفاوض على اتفاقية تجارية جديدة بين الولايات المتحدة وآسيا، وهي الشراكة عبر المحيط الهادئ، كما أنه من غير الواقعي أن نتوقع تبني واشنطن أي استراتيجية اقتصادية تتجاوز التجارة الحرة، وتتعارض بشكل حاد مع القيود السياسية المحلية للولايات المتحدة.

وتساءلت المجلة: ما الذي على الولايات المتحدة أن تفعله؟ وأجابت: أولاً على واشنطن منح الأولوية لفن الحُكم الاقتصادي، والتوقف عن التفكير بصواريخها، مشيرة إلى أنه يتضح جلياً من خلال النظر إلى الطريقة التي يتحدث بها قادة الولايات المتحدة عن دور بلادهم في آسيا، أن التجارة والمساعدات والتمويل والتنمية ليست مهمة بالنسبة لهم، مثل وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، إذ لا يبدو أن المساواة الاقتصادية، خارج حدود الولايات المتحدة، مشكلة تحتاج إلى اهتمامهم، لكن في حال لم يتغير ذلك، فإن الولايات المتحدة ستستمر في وضع نفسها في الجانب الخطأ من الاتجاهات، التي تحول المنطقة إلى برميل بارود لا يخدم أحداً سوى صناعة الدفاع، بما في ذلك الإنفاق الدفاعي والتوسع البحري والتحديث النووي وانتشار الصواريخ.

هدية للاقتصادات

بحسب "فورين بوليسي" فإن واشنطن تحتاج أيضاً إلى سياسة اقتصادية لآسيا، وهي السياسة التي تحاول فعل الخير الفعلي للمنطقة، بدلاً من تعزيز المصالح الأمريكية المجردة فقط.

وأضافت: "على سبيل المثال، يمكن للمسؤولين الأمريكيين استخدام الموقع المتميز للولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي، للتفاوض على أشكال الإعفاء من الديون، نيابة عن البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في المنطقة، التي تضررت بشدة من الوباء، مثل الفلبين وماليزيا، وهو ما فعلته الولايات المتحدة من أجل العراق، بعد الغزو الأمريكي عام 2003، كما يمكن لواشنطن منح هذه البلدان وصولاً تجارياً تفضيلياً، سيكون هدية للاقتصادات الآسيوية المعتمدة على التصدير.

وأوضحت المجلة، أن الشكل الصحيح للمشاركة الاقتصادية، يركز أيضاً على تحفيز شركاء الولايات المتحدة في المنطقة، لإحراز تقدم في حقوق العمال، والمعاملة العادلة للعمال، والحد الأدنى للأجور للشركات التي تصدر إلى الولايات المتحدة، فضلاً عن مبادرات مناهضة حكم الكليبتوقراطية، ويمكن أن تقدم واشنطن أيضاً مساعدات ضخمة، للانتقال إلى الطاقة الخضراء، في الدول الآسيوية النامية.

وأشارت المجلة، إلى أن تحقيق هذه الأمور يتطلب الاعتراف بأن فن الحُكم الاقتصادي، أساس الاستقرار الإقليمي والسلام الدائم والتنمية الأكثر إنصافاً، في البلدان منخفضة الدخل، كما يتعين على واشنطن أن تكف عن الخلط بين الاستراتيجية الاقتصادية وسياستها القديمة، الخاصة بالتجارة الحرة والعقوبات القسرية.

الاقتصاد السياسي

وقالت "فورين بوليسي" إن الأمر الثالث الذي على الولايات المتحدة فعله، الاعتراف بحدودها، لأنها ليست القوة الاقتصادية المهيمنة في آسيا، رغم أن الوثائق التي رفعت عنها السرية تشير إلى أن المسؤولين الأمريكيين ما زالوا يعتقدون ذلك.

فمنذ الأزمة المالية الآسيوية 1997-1998، تحركت البنية المالية والتجارية الكثيفة للمنطقة إلى حد كبير من دون الولايات المتحدة، وهو أمر جيد، فلا يمكن للقوة الأمريكية حل كل المشكلات، خاصةً عندما لم تعد الولايات المتحدة تتمتع بمكانة الأسبقية، التي كانت تتمتع بها نهاية الحرب الباردة، والإصرار على خلاف ذلك، بداية طريق الخراب.

وذكرت "فورين بوليسي" أنه في حال تمكنت الولايات المتحدة من منح الأولوية لفن الحُكم الاقتصادي، الموجه نحو الاستقرار والسلام، ومساعدة الاقتصادات الآسيوية في الحد من عدم المساواة، والتكيف مع تغير المناخ، والتخلي عن جهودها للحفاظ على الهيمنة التي لم تعد تحظى بها، فإنها ستساعد آسيا في استقرار أكبر وأفضل وأكثر عدلاً، كما أنه قد يعوِّض فقدان علاقة واشنطن التعاونية القديمة ببكين، الأمر الذي كان يؤدي للحفاظ على سلمية القارة، أكثر مما يعتقد العديد من المسؤولين الأمريكيين، وتابعت: "في عالم يهيمن عليه التنافس الصيني الأمريكي، فإن آسيا تحتاج إلى مصدر جديد للاستقرار، وقد يكون التفكير في الاقتصاد السياسي السبيل إلى ذلك".