تبحث الأمن في أوروبا.. قمة أمريكية روسية تحمل صدى الحرب الباردة
من المقرر أن تنطلق محادثات بين دبلوماسيين أمريكيين وروس في جنيف، الاثنين 10 يناير، لبحث أزمة نشر روسيا لقوات قرب الحدود مع أوكرانيا، وسط توتر حاد بين الجانبين، على خلفية التقارير التي تتحدث عن استعداد روسي لغزو أوكرانيا قريبًا.

ترجمات - السياق
قالت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، إن القمة الأمريكية الروسية بشأن الأمن في أوروبا، المقررة 10 يناير الجاري، تعيد صدى الحرب الباردة، إذ يدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباحثات جنيف وهو في موقف قوي، بينما يجاهد الغرب من أجل إيجاد جبهة موحدة.
ومن المقرر أن تنطلق محادثات بين دبلوماسيين أمريكيين وروس في جنيف، الاثنين 10 يناير، لبحث أزمة نشر روسيا لقوات قرب الحدود مع أوكرانيا، وسط توتر حاد بين الجانبين، على خلفية التقارير التي تتحدث عن استعداد روسي لغزو أوكرانيا قريبًا.
وقالت الصحيفة، في تقرير: "يسود الأمل موسكو بشأن مباحثات تحقق نتائج سريعة وعادلة، بينما يدور الحديث في واشنطن عن نتائج غير مؤكدة، ففي الوقت الذي يستعد فيه الدبلوماسيون الأمريكيون والروس للقمة في جنيف، فإن التوازن الأوروبي الجيوسياسي على المحك، كما أن هناك اختلافًا حادًا للغاية في المناخ العام".
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن روسيا ستصل إلى طاولة المفاوضات، التي ستلتقي خلالها ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية الأمريكي، نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف، ولديها أكثر من 100 ألف جندي يتمركزون بشكل خطير على حدود أوكرانيا المجاورة لها، وهددت بعمل عسكري إذا لم تسفر المحادثات عن أي شيء، ورأت أن ذلك يُعد جزءاً من نفوذها خلال جولة المحادثات المرتقبة.
يد بوتين العليا
وأشارت الصحيفة إلى أن الأهم من ذلك، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حقق بالفعل هدف إجبار الولايات المتحدة على مناقشة عدد كبير من المطالب، التي تعيد تشكيل البنية الأمنية لأوروبا، مع القليل من مجالات اتفاق محتمل.
وحسب الصحيفة، تأتي القمة المرتقبة وسط تصاعد القلق الأمريكي من تحركات موسكو، فإضافة إلى تمركز جنود الأخيرة قرب الحدود الأوكرانية، أرسلت روسيا قوات لإخماد الاحتجاجات المناهضة للحكومة في كازاخستان المجاورة الأسبوع الماضي.
ونقلت "فايننشال تايمز" عن جودي ديمبسي، الباحثة في مؤسسة كارنيجي أوروبا، قولها: "بوتين يخوض هذه المحادثات بيد قوية للغاية، وبذلك لن تسفر القمة إلا عن نجاح هامشي، ما لم يتحد الغرب، وتكون لديه استراتيجية تفاوضية جادة".
وأوضحت ديمبسي أن "روسيا تنظر إلى أوروبا من منظور الحرب الباردة لقارة مقسمة بين قوى عظمى"، مشيرة إلى أن بوتين "ينتمي إلى المدرسة القديمة ولن يتخلى عن مجالات النفوذ"، وهو ما سيجعل المفاوضات صعبة برأيها.
مطالب روسيا
وحسب "فايننشال تايمز" فإن المطالب الروسية تشمل قائمتين قدَّمتهما موسكو إلى الولايات المتحدة و"الناتو" الشهر الماضي، تتضمن الأولى حظر انضمام أوكرانيا ودول سوفيتية أخرى إلى التحالف العسكري الغربي، وحظر نشر أي صواريخ قريبة بما يكفى لضرب روسيا، والثانية، حق الكرملين في استخدام الفيتو في المكان الذي يمكن أن تتمركز فيه قوات الناتو أو أي أسلحة لدى جميع جيرانها الشرقيين تقريباً.
وترى الصحيفة البريطانية، أن المفاوضات تتناغم مع هدفين أساسيين حددا حكم بوتين الممتد لعقدين، أولهما: مقعد على الطاولة العلوية الجيوسياسية مقابل الولايات المتحدة، والآخر احتمال وقف التوسع الشرقي لحلف الناتو وتقليص الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا.
ونقلت الصحيفة عن تاتيانا ستانوفيايا مؤسسة شركة آر بوليتيك للاستشارات السياسية التي تركز على الكرملين، قولها: "الحقيقة أن الضمانات الأمنية التي يُجرى التباحث بشأنها تشكل إنجازاً كبيراً لروسيا لم يحدث من قبل".
في المقابل -حسب "فايننشال تايمز"- بالنسبة للمفاوضين الأمريكيين، بقيادة شيرمان، فإن خفض التصعيد في الأزمة الأوكرانية الهدف الرئيس، لكن كيفية تحقيق ذلك من دون منح نظرائهم الروس "جائزة العودة إلى موسكو" بأمور من شأنها أن تضعف أمن كييف أو حلفاء الناتو في أوروبا الشرقية، "تبدو مهمة محفوفة بالمخاطر".
موقف واشنطن
أما بخصوص الموقف الأمريكي، فأوضحت "فايننشال تايمز" أن متحدثة البيت الأبيض جين ساكي، كشفت هذا الموقف في تصريح سابق، بأن الرئيس جو بايدن يعتقد أن محادثات جنيف يمكن أن "تحقق تقدماً في بعض القضايا، بينما البعض الآخر غير قابل للتطبيق"، وأشارت إلى أن الولايات المتحدة "لن تستجيب" لمطالب موسكو "نقطة بنقطة".
وأضافت ساكي: "لا نعرف ما ستجلبه محادثات جنيف، لكننا نعتقد أن هناك مجالات يمكننا إحراز تقدم فيها مع موسكو، إذا جاءت إلى الطاولة مستعدة لذلك".
كان بايدن قد كرر -خلال مكالمة هاتفية الأسبوع الماضي مع نظيره الروسي- أن الحلفاء الأمريكيين والأوروبيين سيفرضون عقوبات غير مسبوقة، إذا اختارت روسيا غزو أوكرانيا، ورد بوتين بأن العقوبات قد تؤدي إلى "انهيار العلاقات".
وبحسب "فاينانشال تايمز"، يتعرَّض الرئيس الأمريكي لضغوط متزايدة، لنزع فتيل الأزمة التي تهدد بإيقاع إدارته في شِرك كبير، وهي تحاول التركيز على قضايا داخلية، خاصة أزمة متحور أوميكرون وتهدئة حدة التضخم.
وأضافت: "في الوقت نفسه، يعلم البيت الأبيض أن أي اقتراح باستسلامه للمطالب الروسية، يقوِّض مزاعمه الخاصة بالوقوف في وجه القادة الاستبداديين، ومن المرجح أن يؤدي ذلك أيضاً إلى رد فعل عنيف من الحزبين في الكونغرس، ويقرع جرس الإنذار بين الحلفاء في جميع أنحاء العالم، الذين يعتمدون على الضمانات الأمنية الأمريكية".
ومن المقرر أن يلتقي الوفد الروسي، برئاسة نائب وزير الخارجية سيرجي ريابكوف، مسؤولي الناتو الأربعاء 12 يناير، في بروكسل وأعضاء منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في اليوم التالي، إلا أن موسكو أوضحت أنها تعد الولايات المتحدة شريكها التفاوضي الأساسي، وأن حلفاء "الناتو" سيحذون حذو واشنطن.
تشكيك أوروبي
أمام هذه التوترات وتعقد المفاوضات، رأت "فايننشال تايمز" أن التنسيق بين الولايات المتحدة وأوروبا يبدو مُعقداً، بسبب الانقسامات المستمرة داخل الاتحاد الأوروبي، بشأن كيفية التعامل مع روسيا ودور بروكسل في الدفاع والأمن في القارة.
وأشارت إلى أن بعض دول شرق الاتحاد الأوروبي، تنظر إلى فرنسا وألمانيا، اللتين أجريتا محادثاتهما الخاصة في موسكو هذا الأسبوع، بتشكك، حيث تعدهما راغبتين للغاية في إيجاد تسوية مع الكرملين.
وتقود فرنسا أيضاً حملة لتوسيع "الاستقلال الذاتي الاستراتيجي" والقدرات الدفاعية للاتحاد الأوروبي، وهي خطوة تعارضها الدول الأعضاء، التي ترفض أي شيء من شأنه إضعاف دور "الناتو" كضمان أمني لها.
ونقلت الصحيفة البريطانية، عن جودي ديمبسي، الباحثة في مؤسسة كارنيجي أوروبا، قولها: "تحتاج الولايات المتحدة وأوروبا إلى قائمة واضحة بشأن ما يريدانه وليس فقط ما تريده روسيا، هذه القمة تتعلق بما تحتاجه روسيا، ومازلنا لا نعلم ما يريده الغرب من روسيا".
وأضافت ديمبسي: "نحن نذهب إلى الطاولة من دون شيء.. لا شيء في أيدينا على الإطلاق".