نبش ملفات الإخوان.. تونس تحقق في ملابسات تسليم البغدادي المحمودي إلى ليبيا

قضية تسليم المحمودي، أثير حولها الكثير من الشبهات، بعد كشف وسائل إعلام محلية، في ذلك الوقت، عن تلقي حركة النهضة، بوصفها الحزب الحاكم في تلك الفترة، أموالًا طائلة نظير تسليمه، رغم التهديدات لحياته في ظل الفوضى الأمنية والسياسية التي كانت تشهدها ليبيا آنذاك.

نبش ملفات الإخوان.. تونس تحقق في ملابسات تسليم البغدادي المحمودي إلى ليبيا

السياق

تسليم البغدادي المحمودي إلى ليبيا، قضية شائكة تعود جذورها إلى 10 أعوام، إلا أنه رغم المدة الزمنية التي أعقبت تلك الأزمة، فتح التحقيق فيها مجددًا، ما يمنح بادرة أمل لإمكانية محاكمة الإخوان المتورطين في هذه القضية.

حسب وسائل إعلام تونسية، فإن قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية في تونس أصدر قرارًا، بفتح التحقيق، في ظروف وملابسات تسليم رئيس الحكومة الليبية الأسبق البغدادي المحمودي إلى بلاده، رغم لجوئه سياسيًا إلى تونس.

وأكدت التقارير المحلية، أن قرار قاضي التحقيق، جاء بعد إذن من وزيرة العدل ليلى جفال للوكيل العام لمحكمة الاستئناف بتونس، أذن بدوره لوكيل الجمهورية بفتح تحقيق تعهد به أحد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية في تونس.

 

جذور الأزمة

تعود أزمة تسليم البغدادي إلى عام 2012، حينما أعلن حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية، أمين عام حركة النهضة الإخوانية حينها، تسليم البغدادي المحمودي لليبيا، معللًا قراراه بأن الأخير يشكل عبئا وخطرًا أمنيًا على البلاد.

وقال الجبالي، خلال جلسة استثنائية للمجلس الوطني التأسيسي لمساءلته عن تسليم المحمودي، رغم رفض رئيس تونس منصف المرزوقي توقيع أمر قانوني بتسليمه، إن مجالس أمنية وعسكرية تونسية قدَّرت أن بقاء المحمودي في تونس، أصبح يمثل عبئًا وخطرًا أمنيًا على البلاد، وقد يضر بمصالحها الاستراتيجية.

وحاول أمين حركة النهضة الإخوانية، في ذلك الوقت، تبرير قراره، قائلًا، إن الحكومة الليبية سلمت في 21 مارس 2012 تونس تعهدًا كتابيًا بمعاملة ومحاكمة المحمودي وفق المعايير الدولية، مشيرًا إلى أن لجنة حقوقية تونسية زارت ليبيا، وأيدت تقرير تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق.

 

أزمة غير مسبوقة

إلا أن ذلك القرار أدى إلى اندلاع أزمة غير مسبوقة في تونس بين رئاسة الحكومة، ورئاسة الجمهورية التي اتهمت الجبالي بتجاوز صلاحيات المرزوقي، الذي يخوله القانون التونسي توقيع أوامر تسليم المطلوبين للعدالة خارج تونس.

وحاولت حركة النهضة التونسية، استرضاء المرزوقي، بتقديم اعتذار علني وإرسال أربعة وزراء له، إلا أن الأخير تحدث عام 2017، عن كواليس تسليم الحكومة لرئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي إلى ليبيا من دون علمه.

وقال المرزوقي، في تصريحات صحفية، قبل 5 أعوام، إن تسليم البغدادي كان من دون علمه، مشيرًا إلى أن تصرف حركة النهضة «طعنة في شرفه وشرف الجمهورية التونسية».

وبينما زعم المرزوقي، أنه كان رافضًا تسليم المحمودي، لأن القانون الدولي يحرم تسليم اللاجئ السياسي إلى بلد فيه عقوبة الإعدام، وصف عملية التسليم بأنها «كانت في منتهى الحقارة»، بعد أن تعمدت الحكومة تسليم البغدادي أثناء وجوده في الجنوب التونسي، بالمخالفة لكل المعايير والتقاليد الدولية والإنسانية.

وكشف المنصف المرزوقي أنه حرر رسالة استقالته من منصبه في الطائرة التي كانت تنقله إلى العاصمة، لأنه لا يمتلك الصلاحيات لإقالة رئيس الحكومة أو وزير الداخلية أو قائد الجيش رشيد عمار، إلا أنه قال إن مساعديه نصحوه بتأجيل الاستقالة والتريث وعدم اتخاذ تلك القرارات.

 

الصفقة الإخوانية

قضية تسليم المحمودي، أثير حولها الكثير من الشبهات، بعد كشف وسائل إعلام محلية، في ذلك الوقت، عن تلقي حركة النهضة، بوصفها الحزب الحاكم في تلك الفترة، أموالًا طائلة نظير تسليمه، رغم التهديدات لحياته في ظل الفوضى الأمنية والسياسية التي كانت تشهدها ليبيا آنذاك.

وقالت وسائل إعلام محلية، إن رئيس الوزراء الليبي الأسبق عبدالرحيم الكيب زار تونس في 17 و18 مايو 2011، وعد خلال هذه الزيارة بمنح تونس هبة مالية بـ100 مليون دولار وقرض بـ100 مليون دولار من دون فوائد وتزويدها النفط مقابل تسليم المحمودي.

ووصفت أحزاب معارضة وصحف محلية في ذلك الوقت، القضية بأنها «وصمة عار»، خاصة أنها المرة الأولى في تاريخ تونس التي تسلِّم فيها لاجئًا سياسيًا لجهة تطلبه في الخارج.

إلا أن الجبالي زعم حينها، أن تونس رفضت منح لجوء سياسي للمحمودي، لأن الأخير ضالع في جرائم حق عام، مدعيًا أن المحمودي حرض على اغتصاب عدد كبير من الليبيات خلال الثورة الليبية.

ووضع المحمودي في سجن المرناقية قرب العاصمة تونس، منذ اعتقاله في 21 سبتمبر 2011 جنوبي البلاد عندما كان يحاول التسلل إلى الجزائر المجاورة.

 

دعوى قضائية

إلا أنه بعد ترحيله إلى بلاده، وقضائه أعوامًا في السجون التي كانت تسيطر عليها المليشيات، أعلنت وزارة العدل في حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج، عام 2019، الإفراج عن البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء في عهد معمر القذافي، لدواع صحية.

وفي 7 يناير الجاري، كشف موقع جون أفريك، أن رئيس الحكومة الليبية الأسبق البغدادي المحمودي، يستعد لتقديم شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد تونس، على خلفية تسليمه من حركة النهضة إلى مليشيات مسلحة عام 2012.

وقال الموقع، إن المحمودي الذي ينأى بنفسه عن التجاذبات السياسية في ليبيا، يجهز ملفًا لتقديمه إلى القضاء الليبي، وإلى محكمة الجنايات الدولية، ضد السلطات التونسية التي لجأ إليها في ذلك الوقت، مشيرًا إلى أن تحالفات حركة النهضة السياسية، جعلتها تسلِّمه رغم التحذيرات من خطورة القرار.