التلويح بالعقوبات.. هل ينجح في إيقاف بوتين عن غزو روسيا؟

التغيير خطط بوتين تجاه أوكرانيا، فإن الأمر يتطلب استهداف الاقتصاد الروسي ككل والنظام المالي للدولة، بما في ذلك الصادرات الأساسية مثل النفط، التي قد تكون لها آثار كبيرة في الاقتصاد الروسي والنظام المالي العالمي

التلويح بالعقوبات.. هل ينجح في إيقاف بوتين عن غزو روسيا؟

ترجمات – السياق

رأت صحيفة بولتيكو الأمريكية، أن المحاولات الدبلوماسية لتجنُّب هجوم روسي محتمل على أوكرانيا، لن تفلح في الوصول إلى مسعاها، وقالت: "يجب على الولايات المتحدة فرض عقوبات اقتصادية قاسية، لإجبار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التراجع عن فكرة الغزو العسكري.

وقالت "بولتيكو" في تحليل عن تطورات الأوضاع في أوكرانيا، واحتمال بدء الهجوم الروسي قريبًا، إن إدارة بايدن حذرت موسكو أكثر من مرة من "تكاليف اقتصادية باهظة" إذا غزت كييف، لكن الشكوك لا تزال موجودة في ما إذا كانت العقوبات قادرة حقًا على ردع بوتين أم لا.

وأشارت إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حافظا -خلال السنوات الماضية- على حزمة من العقوبات ضد روسيا، منذ غزوها شبه جزيرة القرم عام 2014، ورغم أن هذه العقوبات ساعدت في كبح جماح طموحات موسكو في أوكرانيا، فإنها لم توقفها.

 

تحديات متكررة

ورأت "بوليتيكو" أن العقوبات أداة للانتقال إلى مستوى جديد من التعامل، في حال عدم رضوخ الطرف الآخر، مشيرة إلى أن اللجوء إليها سيحدث عندما يريد القادة "فعل شيء ما" تجاه روسيا ، لكن أغلبية العقوبات -خلال العقد الماضي- كانت طفيفة اقتصاديًا وغير فعالة في تغيير السياسة الروسية.

وتساءلت: "لماذا يصعب تحويل الثقل الاقتصادي لأمريكا إلى قوة جيوسياسية؟"، وقالت: "عندما يتعلق الأمر بفرض عقوبات على روسيا، فإن الولايات المتحدة تواجه تحديات متكررة، بأنها تُفرض بشكل تدريجي، إذ يكون التفاوض مع حلفاء مترددين عادةً، وأحيانًا تكون مكلفة للاقتصادات الغربية أيضًا، ونتيجة لذلك فإن العقوبات الروسية المطبقة، حل وسط مخفف، لإرضاء الحلفاء وتقليل التكاليف".

وشددت "بوليتيكو" على أنه لتغيير خطط بوتين تجاه أوكرانيا، فإن الأمر يتطلب استهداف الاقتصاد الروسي ككل والنظام المالي للدولة، بما في ذلك الصادرات الأساسية مثل النفط، التي قد تكون لها آثار كبيرة في الاقتصاد الروسي والنظام المالي العالمي.

وأضافت: "لهذا السبب كان المسؤولون الأمريكيون مترددين في الذهاب إلى هذا الحد، لكن تجنُّب الحرب مهمة شاقة، وللأسف لن يكون ذلك من دون تكلفة".

وأوضحت أن إيجاد عقوبات "ذكية" تستهدف روسيا فقط قد لا ينجح، وعلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية تحمُّل بعض العبء أيضًا، رغم أنه -لحسن الحظ- هناك طرق لتقليل التداعيات على الاقتصادات الغربية.

 

منع الغزو

ورأت "بوليتيكو" أنه لمنع بوتين من غزو أوكرانيا، تحتاج إدارة بايدن إلى مواجهة هذه التوازنات قريبًا، لأنه مع بدء التحركات العسكرية الروسية، قد يكون فات الوقت لردع الكرملين بفرض العقوبات، وبذلك يجب على واشنطن أن تستعد لفرض العقوبات بشكل سريع، إذا أمر بوتين ببدء الهجوم.

وأضافت: "في هذه اللحظة الحاسمة، على الولايات المتحدة أن تشير بوضوح إلى أنه إذا أمر بوتين بالغزو، فإنها ستفرض بسرعة تكاليف فورية هائلة على الاقتصاد الروسي، وليس فقط بعض الأهداف المحدودة"، مشيرة إلى أن الأمر متروك لإدارة بايدن، لإظهار استعدادها لامتصاص بعض الأضرار الاقتصادية والسياسية، لمنع بوتين من اختيار الحرب.

وذكرت أن أحد أهم العوائق أمام فرض عقوبات فعّالة على روسيا، يتمثل في أن صانعي السياسات يميلون إلى تصعيدها بشكل تدريجي، موضحة أنه بدلاً من فرض تكاليف سريعة ومدمرة، تشدد الولايات المتحدة الخناق ببطء، في انتظار رؤية ما سيفعله الخصم بعد ذلك.

وأكدت أن صانعي السياسات يتوخون الحذر بشكل مبرر بشأن عدم الرغبة في التصعيد، خصوصًا بعد أن هدد المسؤولون الروس بالرد على العقوبات بهجمات إلكترونية.

 

الغاز الروسي

وأوضحت "بوليتيكو" أن أحد التحديات التي تواجه العقوبات أيضًا، اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الطبيعي الروسي، ومن ثم فإن فرض عقوبات يتطلب موافقة 27 دولة بالإجماع، وهذا يعني أن الاتحاد الأوروبي أقل رغبة في فرض عقوبات شديدة التأثير مقارنة بالولايات المتحدة، ولهذا يجب على الولايات المتحدة أن تكون أكثر استعدادًا لتجاوز تردد أوروبا، عند صياغة عقوبات اقتصادية فعّالة.

واستشهدت الصحيفة، بالموقف الأوروبي من العقوبات ضد إيران، وقالت: "عندما نسقت الولايات المتحدة وأوروبا لمعاقبة إيران بسبب برنامجها النووي ، كانت واشنطن تدفع دائمًا لتكون العقوبات أكثر صرامة، وحينها انزعج الاتحاد الأوروبي من حدة العقوبات الأمريكية، لكنه انضم في النهاية إلى العديد منها، وبذلك لو جعلت الولايات المتحدة من اتفاق الاتحاد الأوروبي شرطًا للعقوبات الصارمة على إيران، لما فُرضت ولم نتوصل إلى اتفاق نووي".

وأضافت: "اليوم، ينبغي ألا تملى السياسة الروسية من قِبل القاسم المشترك الأدنى داخل الاتحاد الأوروبي، وبدلاً من ذلك، يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة للتحرك أولاً وأن تحترم بمفردها -إذا لزم الأمر- مواقف دول الاتحاد الأوروبي، مع حثها على اتخاذ مواقف أقوى".

 

تأثر الروس

وتشير "بوليتيكو" إلى أن التحدي الأخير الذي يواجه فرض العقوبات ضد روسيا، أن أي عقوبات واسعة ستؤثر في الروس العاديين، وأي عقوبات "مستهدفة" لا تعني التأثير في أشخاص أو مؤسسات بعينها، بل في الجميع.

وبينت أن هناك عقوبات لها فرصة كبيرة في تغيير رأي بوتين، في مقدمتها عزل البنوك الروسية عن النظام المالي الأمريكي، وهو ما قد يتسبب بضائقة مالية كبيرة في روسيا، وستنخفض عملة الروبل بحدة أمام الدولار، وبما قد يتسبب بارتفاع التضخم.

واقترحت "بوليتيكو" أن تدفع الولايات المتحدة بخفض عائدات الصادرات الروسية خاصة من النفط، وهو ما يعني أن الدول المنتجة للنفط عليها زيادة الإنتاج لتعويض النقص، مشيرة إلى أنه يمكن أيضًا فرض عقوبات على صادرات الغاز الطبيعي الروسي، وهو ما قد ينطوي على نقص حاد في الواردات لأوروبا.

وحسب الصحيفة، اقترح بعض المحللين أيضًا، تشديد العقوبات على قطاع الدفاع الروسي، وأيضًا معاقبة جميع عمليات التداول في الديون السيادية الروسية، مشيرين إلى أن هذه الإجراءات لن تفرض تكاليف كبيرة وفورية كافية لردع الكرملين، إذ تمتلك روسيا صندوقًا ضخمًا للتعامل مع الأزمات، ومستوىًا منخفضًا جدًا من الدين الحكومي، ومن المتوقع أن تحقق فائضًا في الميزانية هذا العام.

وشددت "بوليتيكو" نهاية تقريرها، على أهمية فرض هذه العقوبات، مشيرة إلى أن عدم الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي، الذي سينتج عن الغزو الروسي لأوكرانيا، يفوق تداعيات العقوبات المالية القاسية.

وأضافت: "قد تكون لروسيا ميزة في ساحة المعركة بأوكرانيا، لكن الغرب لديه قوة هائلة على الاقتصاد الروسي، ومن ثم يجب أن يكون مستعدًا لاستخدامها، وأيضًا الاستعداد لأي تكاليف".