خط الغاز الجديد.. حلم روسي يفسده التجاهل الصيني
تحفظ بكين على الصفقة يظهر ضعف القوة التفاوضية لموسكو في زمن الحرب عند التعامل مع جارتها الأكثر قوة من الناحية الاقتصادية

ترجمات - السياق
رغم وصفه للعلاقات بين بلاده والصين بالمتينة، فإن رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين، عاد من بكين، خالي الوفاض بشأن أهم صفقة تنتظرها موسكو بفارغ الصبر.
فكل مرة يلتقي فيها القادة الروس والصينيون، يؤكد الكرملين أن الموافقة على خط أنابيب "باور أوف سيبريا-2" -الذي سيرسل 55 مليار متر مكعب من الغاز من "نورد ستريم" إلى شمالي الصين عبر منغوليا- وشيكة، إلا أنه كل مرة، تمتنع بكين عن التوقيع.
رئيس الحكومة الروسية، قد قال خلال منتدى اقتصادي في شنغهاي: "تعتز روسيا بالعلاقات التي تجمعها منذ قرون بالصين"، مضيفًا: " متأكد أننا سنحقق هذا العام الهدف الذي حدده الرئيسان فلاديمير بوتين وشي جين بينغ لزيادة تجارتنا إلى 200 مليار دولار" وهو رقم أُعلن خلال قمة موسكو في مارس.
فارغ الصبر
ويُذكر أن الصين الشريك التجاري الأول لروسيا، وسجلت التجارة بينهما مستوى قياسيًا بلغ 190 مليار دولار العام الماضي، بحسب أرقام الجمارك الصينية.
وعززتا الصين وروسيا -في السنوات الأخيرة- تعاونهما الاقتصادي والدبلوماسي، بينما تطورت الشراكة الاستراتيجية بينهما منذ غزو أوكرانيا.
ومن أبرز هذه الاتفاقات التجارية (خط أنابيب باور أوف سيبريا-2)، الذي تنتظره روسيا بفارغ الصبر كتعويض عن توقف مشروعها للغاز إلى أوروبا، نتيجة العقوبات الغربية التي فُرضت على موسكو بعد غزو أوكرانيا.
وأشارت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، إلى أن خط الأنابيب -المتفق عليه منذ بضع سنوات، لمساعدة روسيا في التحول نحو الشرق- وسيلة لتنويع مبيعات الغاز، وتعزيز الإيرادات، ومنح الكرملين مزيدًا من النفوذ الدبلوماسي.
وبينت أن هذا المشروع، الذي أطلق عليه لأول مرة "ألتاي" نسبة إلى المنطقة الجبلية جنوبي سيبيريا، اكتسب أهمية كبرى عقب غزو موسكو لكييف، حيث تسعى روسيا إلى منافذ جديدة للغاز بعد توقف تدفقه إلى أوروبا بسبب العقوبات.
بطء صيني
ورأت "فايننشال تايمز" أن ما عدته "العائق" الأهم لموسكو بشأن إتمام الصفقة، أن بكين -الشريك الاقتصادي المهم منذ غزو أوكرانيا- تبدو كأنها تتباطئ في تنفيذها.
ونقلت عن محللين اقتصاديين تصورهم، أن تحفظ بكين على الصفقة يظهر ضعف القوة التفاوضية لموسكو في زمن الحرب عند التعامل مع جارتها الأكثر قوة من الناحية الاقتصادية.
شركة الغاز الروسي العملاقة "غازبروم" أعلنت عام 2020، أنها بدأت دراسة للجدوى لمشروع خط الأنابيب باور أوف سيبريا-2 الذي سيضخ ما يصل إلى 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا إلى الصين عبر منغوليا.
وأشارت الصحيفة، إلى أن الخطة أُعلن عنها لأول مرة عام 2019.
وتضخ "غازبروم" الغاز إلى الصين عبر خط أنابيب باور أوف سيبيريا-1 شرقي سيبيريا.
ونوهت الصحيفة البريطانية، إلى إطلاق خط أنابيب "باور أوف سيبيريا-1" عام 2019 ومن المتوقع أن تصل طاقته القصوى إلى 38 مليار متر مكعب سنويًا بحلول عام 2024.
لكن خط الأنابيب هذا، اعتمد على تطوير حقول غاز جديدة شرقي سيبيريا ، التي لم ترسل الوقود إلى أوروبا، ما يجعلها أقل فائدة لاستراتيجية التنويع، التي اعتمدتها موسكو عقب الحرب.
في المقابل، يهدف "باور أوف سيبريا-2" إلى تزويد الصين بالغاز من شمالي شرق شبه جزيرة يامال غربي سيبيريا، التي خدمت السوق الأوروبية عبر عديد من خطوط الأنابيب، بما في ذلك نورد ستريم، الذي توقفت إمداداته عن التدفق، بسبب خلافات مع الاتحاد الأوروبي، قبل أن يتعرض للتخريب عام 2022.
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن "باور أوف سيبريا-2" يأتي في إطار البحث عن بدائل للسوق الأوروبي، كـ "خيار استراتيجي" لتعويض موسكو عن السوق الغربية.
ونقلت عن أليسيا باشولسكا، خبيرة السياسة الصينية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قولها: "بكين لديها تاريخ طويل في إطالة أمد المفاوضات، للتوصل إلى اتفاق أفضل يخدم مصالحها، وهو ما فعلته منذ بدأت التفاوض على باور سيبيريا-1".
وأضافت: "مع تحول العدوان الروسي ضد أوكرانيا إلى حرب طويلة الأمد، تعتقد بكين أن موقفها التفاوضي تجاه موسكو أصبح أقوى، بسبب حاجة روسيا الشديدة لتعويض السوق الأوروبي"، مشيرة إلى أن كسب الوقت قد يُمكّن بكين من تأمين سعر أقل للغاز عبر خط الأنابيب الجديد.
بدء التفاوض
وعن بداية المفاوضات، بينت "فايننشال تايمز" أن المحادثات الصينية الروسية بشأن خط الأنابيب، تكثفت خلال الأشهر التي سبقت الحرب.
وأشارت إلى أنه خلال دورة الألعاب الأولمبية في بكين، وقَّع بوتين وشي جين بينغ عقدًا مدته 25 عامًا للطريق الشرقي الأقصى، كما تحدثا عن خط باور أوف سيبريا-2، وفق تاتيانا ميتروفا، الزميلة البحثية في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا.
وبينما أكدت روسيا -مرارًا وتكرارًا- استعدادها لإطلاق خط باور أوف سيبريا-2، ظلت بكين صامتة بشكل واضح.
وأثناء زيارته للكرملين في مارس ، تجنب شي خطة خط باور أوف سيبريا-2، بينما تحدث بوتين عن الخطة كما لو كانت صفقة منتهية، قائلاً: "عمليًا انتهينا من جميع المعايير".
ومن ثمّ، فقد تركت نهاية القمة، التي استمرت ثلاثة أيام في موسكو بين الزعيمين، المشروع مرة أخرى في حالة مبهمة.
فبوتين، الذي كان يُقدم الوعود شاملة بشأن إعلان وشيك، لدرجة دفعت بعض وسائل الإعلام لذكر أن الصفقة تمت، انتهى به الأمر من دون أي شيء، سوى تأكيد الصين أنها ستستمر في دراسة المشروع.
وتعليقًا على ذلك، يرى جيرغيلي مولنار، محلل الغاز في وكالة الطاقة الدولية، أن الصين حريصة على عدم الاعتماد بشكل كبير على أي مورد واحد، فقد نشطت في تأمين عقود الغاز الطبيعي بكميات أكبر مما تحتاجه.
وأوضح أن الصين تعتمد على روسيا في ما يزيد قليلاً على 5 في المئة من إمداداتها من الغاز فقط.
وبيّن أنه جنبًا إلى جنب مع الزيادات المخطط لها في الإمداد عبر الطرق الحالية من روسيا ، فإن الاتفاق على "باور أوف سيبريا-2" سيزيد هذه الحصة إلى نحو 20 في المئة أوائل عام 2030.
ورغم استفادة الصين من خط الأنابيب بشكل لافت، فإنها حريصة على تنويع مصادر الطاقة، خاصة الإمدادات البرية من روسيا وآسيا الوسطى، التي ستكون أكثر أمانًا من الطرق البحرية، حال التوترات الجيوسياسية أو العسكرية مع الغرب.
تعقيدات جيوسياسية
وكشفت "فايننشال تايمز" عما سمتها "تعقيدات جيوسياسية" للاتفاق على الصفقة، على خلفية الحرب في أوكرانيا، لكن بعض خبراء السياسة في الصين يعتقدون أن شراكة أعمق في مجال الطاقة مع روسيا، ليست سوى مسألة وقت.
ونقلت عن فيكتور غاو، نائب رئيس مركز الصين والعولمة ومقره بكين، تأكيده أن الصين ستواصل اتفاقها للوصول إلى النفط والغاز الروسي، مشيرًا إلى أن "هذا النوع من التجارة أمر طبيعي في ظل هذه الظروف، فضلا عن كونها تجارة سلمية".
وقال إن تجارة الطاقة الضخمة بين روسيا والصين "ستؤدي -في النهاية- إلى إعادة تشكيل إمدادات النفط والغاز في العالم... وعلى الغرب ألا يفاجأ بذلك".
وأشارت الصحيفة إلى أنه مع التزام الرئيس شي بالوصول إلى ذروة الانبعاثات الكربونية قبل بدء عمل المشروع عام 2030، يمكن أن يساعد الغاز المزود من "باور أوف سيبريا-2" بشكل ما في تقليل اعتماد الصين على المخزونات المحلية من الفحم الملوث.
بالنسبة لروسيا ، فإن إنشاء "باور أوف سيبريا-2" الطريقة الوحيدة لتعويض جزء على الأقل من سوق الاتحاد الأوروبي الذي فقدته، حيث شكل معظم الغاز المنتج من شبه جزيرة يامال، لكن في المقابل يقل هذا الحافز بالنسبة للصين، خصوصًا أنها دأبت على تنوع مصادرها للطاقة.
بل كانت الصين مشغولة أكثر -خلال الفترة الأخيرة- بتطوير الإمدادات البرية الأخرى.
ففي قمة مع دول آسيا الوسطى الأسبوع الماضي، دافع شي عن بناء ما يسمى خط أنابيب "دي"، الذي سيكون رابع خط أنابيب للصين في المنطقة، يجلب الغاز من تركمانستان.
ويبلغ احتياطي الغاز في كازاخستان 3.8 تريليون متر مكعب. أما تركمنستان فتمتلك رابع أكبر احتياطي غاز طبيعي في العالم. وتعد كازاخستان أكبر منتج للنفط في آسيا الوسطى بـ 3% من إجمالي احتياطات النفط عالميًا، وتحتل المرتبة الـ 12 في احتياطي النفط.
كانت تركمنستان أعلنت -أوائل العام الحالي- أنها زودت الصين بنحو 350 مليار متر مكعب من الغاز عبر خط أنابيب الغاز بين تركمنستان والصين منذ إطلاقه عام 2009. ويمر هذا الخط عبر أوزبكستان وكازاخستان، ومنها إلى إقليم شينجيانغ في الصين.
إضافة إلى ذلك، تهتم بكين بدول آسيا الوسطى، لقرب هذه الدول منها، حيث تتشارك 3 دول حدودًا مشتركة معها (كازاخستان وقيرغيزستان وطاجكستان)، ما يسهل نقل النفط والغاز الطبيعي نحو الصين.
في المقابل، حصلت بكين على نحو 16 مليار متر مكعب فقط من روسيا عبر "باور سيبيريا".
حتى مع وجود خط أنابيب باور أوف سيبريا-2، لن تكون روسيا قادرة على تعويض ما خسرته في المبيعات الأوروبية، لأنها ستبيعه بسعر أقل بكثير.
ونوهت الصحيفة البريطانية إلى أن الغاز الذي يُرسل عبر خط أنابيب "باور سيبيريا" الأول -بشروط توصلوا إليها عندما كان الموقف التفاوضي لروسيا أقوى بكثير- كان سعره أقل بكثير من سعر السوق الأوروبية.
بالنظر إلى هذه العوامل، سينتج "باور أوف سيبريا-2" ما يقدر بـ 12 مليار دولار سنويًا لشركة غازبروم، التي ستتلقى الدولة منها قرابة 4.6 مليار دولار من الرسوم والضرائب، وفقًا لرونالد سميث، كبير محللي النفط والغاز في "بي سي إس جلوبال ماركتس".
وأوضح أن هذا المبلغ، رغم أنه يعادل أقل من نصف متوسط عائدات الطاقة الشهرية لروسيا عام 2023، فإن الكرملين بحاجة ماسة إلى عائدات إضافية مع تضخم عجز ميزانيته، وتزايد تكاليف الحرب، وتراجع مبيعات الغاز الأوروبية.