الملف الغامض.. تونس تفتح اغتيالات الإخوان وتحقق في وفاة السبسي
السلطات التونسية تقرر فتح تحقيق موسع في ملابسات وفاة الرئيس السابق الباجي قايد السبسي، بعد مرور عامين ونصف العام على وفاته، استنادًا لأحكام الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية.

السياق
"اغتيالات النهضة"... عنوان رئيس في تونس خلال الـ72 ساعة الماضية، وهو ما عدَّه مراقبون إيذانًا ببدء فتح ملف، طالما أغلقته الحركة الإخوانية عبر أعضائها في الحكومات المتعاقبة، على مدى 10 سنوات.
فقد أمرت النيابة التونسية بسجن وزير العدل الأسبق، نائب رئيس حركة النهضة، نور الدين البحيري، الذي يوصف بأنه "العقل المدبر للإخوان"، بتهم محاولة إتلاف ملفات تثبت علاقة حركة النهضة بالاغتيالات السياسية، التي شهدتها البلاد خلال العقد الماضي.
وقالت حركة النهضة، إن قوات الأمن اعتقلت نور الدين البحيري نائب رئيس الحركة، الذي يعد أول مسؤول كبير بالحركة يحتجزه الأمن، منذ حل الرئيس قيس سعيد البرلمان.
يأتي هذا التحرك، بعد أقل من 24 ساعة على تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد، خلال رئاسته مجلس الوزراء، التي قال فيها إنه لا يمكن تطهير البلاد إلا بقضاء عادل، داعيًا "القضاة الشرفاء إلى المساهمة في تحقيق العدالة وتطهير البلاد ممن عبثوا بمقدراتها".
تصريح قيس سعيد، جاء عقب قرار السلطات التونسية فتح تحقيق موسع في ملابسات وفاة الرئيس السابق الباجي قايد السبسي، بعد مرور عامين ونصف العام على وفاته، استنادًا لأحكام "الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية".
البداية
الشرارة الأولى، جاءت بعد تصريحات الشيخ محمد الهنتاتي، القيادي السابق لحركة النهضة، في أحد البرامج التلفزيونية، عن وفاة الرئيس السابق وملابساتها، ورجح أن تكون الحركة الإخوانية وراءها.
هذه الشكوك، لم ينكرها حافظ قائد السبسي، نجل الراحل، الذي قال عبر "فيسبوك"، عقب إعلان فتح التحقيق، إن ظروف وفاة والده كانت مريبة، لافتًا إلى أنه أثار هذه الشكوك.
وقال حافظ السبسي: "أعتقد أن هذا كان له علاقة بملف وفاة والدي لطمس الحقيقة، ولا ننسى أيضًا أن عدم توقيع الرئيس الراحل، تعديل القانون الانتخابي الإقصائي، ومرضه المفاجئ ثم وفاته، قبل 3 أشهر من الانتخابات التشريعية والرئاسية، غيرت الوضع السياسي في تونس".
وقبل شهرين، أثارت تصريحات للناشط السياسي المحامي منذر بالحاج، المعروف بأنه كان مقربًا من الرئيس السبسي، الجدل في الشارع التونسي، بعدما قال إن الرئيس الراحل يمكن أن يكون قد سُمِّم، وإن قصر قرطاج كان مخترَقًا.
وبحسب "بالحاج" أنه التقى السبسي، قبل مرضه بأيام وأعلمه الأخير بأنه قرر الدخول في معركة مع الجهاز السري لحركة النهضة.
وهنا لفت إلى لقاء جمع السبسي برئيس حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي، الذي أعلمه خلاله بانتهاء التوافق بين "النهضة" وحزب الراحل "نداء تونس".
توتر ما قبل الوفاة
محمد ذويب، المحلل السياسي التونسي يقول لـ"السياق": إن ظروف وفاة الرئيس الراحل السبسي، مريبة ومازالت تثير جدل، خاصة أنه في تلك الفترة قالت ابنته، إن حقيقة موت والدها تثير شكوكًا عدة، مشيرة إلى أنه قال لها "يا بنتي زرعوا لي قنبلة في بطني".
وهو ما رأى "ذويب" أنه يؤكد تورُّط أطراف في قتل الرجل، قياسًا بتصريح ابنته، وحتى ابنه القيادي السابق في حزب نداء تونس، حافظ قايد السبسي.
وبالعودة إلى توقيت الوفاة، يقول المحلل السياسي التونسي لـ"السياق" إن تلك الفترة شهدت توتر العلاقة بين الباجي قايد السبسي وحركة النهضة، خاصة بعد تناول السبسي قضية الجهاز السري للأخير، إثر التقاء أعضاء هيئة الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وتابع: "من الأرجح أن حركة النهضة هي المتورطة في اغتيال السبسي".
ويرى أن إثبات تورُّط النهضة في قتل الرئيس التونسي الراحل "ضربة قوية للحركة، خاصة للسمعة الطيبة التي يتمتع بها الرئيس الراحل، ودوره الكبير في مرحلة الانتقال الديمقراطي".
قائمة اغتيالات
الكاتب والمحلل السياسي التونسي مختار اللواتي، قال في تصريحات لـ"السياق": "إن شبهات وقوف حركة النهضة وراء وفاة عدد من الشخصيات، و الاغتيالات المعروفة، يتحدث عنها جميع التوانسة".
وكشف أن التسمُّم سبب رائج لموت أولئك الأشخاص، لافتًا إلى أن حركة النهضة الإخوانية لديها تاريخ طويل في الاغتيال بـ"السُّم" للتخلص ممن أزعجوها أو أصبحوا يشكلون تهديدًا لبرامجها ومخططاتها.
ويشير اللواتي إلى أن آخر من حامت حول موته شبهة تورط النهضة في تسميمه، هو الرئيس الأسبق الباجي قايد السبسي، وأوضح أن الشبهة نفسها لاحقت حركة النهضة بعد موت وزير الصحة المفاجئ عام 2017، إذ قيل وقتها إن سبب الوفاة أزمة قلبية.
ومن 2012 إلى 2013، تهامس التونسيون بشكل ملح أن حركة النهضة وراء وفاة ثلاث شخصيات عامة تباعًا، معروفة بمعارضتها ونقدها لحركة النهضة: رئيس لجنة التحقيق في قضايا الفساد والرشوة، وعبدالفتاح عمر الذي أعلنت وفاته بأزمة قلبية بشكل مفاجئ في الثاني من يناير 2012.
ولم ينتهِ عام 2012 حتى أعلنت في آخره وفاة طارق المكي مؤسس "حركة الجمهورية الثانية" بأزمة قلبية أيضًا، وهو من أشد معارضي حركة النهضة والإسلام السياسي، وفي العام نفسه أعلنت وفاة لطفي نقض المنسق الجهوي لحزب "نداء تونس" في مدينة تطاويت بأقصى الجنوب التونسي، في حين أن الجميع يعلمون أنه مات سحلًا من جماعة حركة النهضة وأنصارها، بحسب اللواتي.
وعام 2013 أعلنت وفاة فوزي بن مراد، أحد المحامين في قضية اغتيال المناضل الوطني شكري بلعيد، وهو ما وصفه المحلل السياسي التونسي بـ"الأمر المريب"، خصوصًا أنهم من معارضي حركة النهضة الإخوانية.
ما وراء اغتيال السبسي
وبشأن وفاة السبسي، يلفت الكاتب والمحلل السياسي التونسي، إلى أن الرئيس الراحل السبسي كان قد شرع في العمل على تحريك ملف اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، بعدما استقبل هيئة الدفاع عنهما، وتلقى منها تقريرها المتضمن لإثباتات تورط قيادات من حركة النهضة، في تدبير عمليتي الاغتيال، وفجأة تدهورت حالته الصحية في 27 يونيو 2019.
ويقول اللواتي إنه يظن أنه في ذلك اليوم، كان الرئيس السبسي قد مات بالفعل.
إلا أن الأخبار المعلنة في تلك الفترة، تشير إلى أن الرئيس السبسي نُقل لتلقي العلاج في المستشفى العسكري بالعاصمة تونس، وبعد أقل من شهر تدهورت حالته الصحية وفارق الحياة، وهنا عاد التهامس من جديد في الشارع التونسي، بأن حركة النهضة هي التي سمَّمته.
وعن موقف حركة النهضة، يرى مختار اللواتي، أنها "تختار الهروب إلى الأمام بالاشتراك في تنظيم حركة احتجاجية، تعتمد على المشاهد التسويقية، مثل اعتصام وإضراب الجوع، وقت انقسام جانب من قيادتها وخروجه عن إمرة الغنوشي، والتمهيد لإنشاء حزب جديد".
ولفت إلى أن "أحد أبرز قادتها المنشقين، الوزير السابق عماد الحمامي، فاجأ الجميع بأن دعا إلى الاصطفاف وراء الرئيس قيس سعيد ومساندته".
وتوفي الرئيس الباجي قايد السبسي في 25 يوليو 2019 عن عمر ناهز 92 عامًا، إثر إصابته بوعكة صحية شديدة.
وشغل السبسي منصب الرئيس منذ عام 2014، بينما تزعم حزب "حركة نداء تونس" بعد تأسيسه له عام 2012، وعُرف بأنه كان من أبرز خصوم جماعة الإخوان وتيارات الإسلام السياسي في تونس، قبل انتخابه رئيسًا.