شح الدولار يضرب مدفوعات واردات القمح.. التجار يثقون بمصر ومحاولات للحل
أزمة أوكرانيا أضيفت إلى الأزمة السودانية، التي ألقت بتبعات اقتصادية كبيرة على جارتها مصر، باستضافتها للاجئين المتزاحمين على العبور إلى أراضيها هربًا من الحرب الدائرة في بلادهم.

السياق
لم يمض عام وبضعة أشهر على اندلاع الأزمة الأوكرانية الروسية، وما تسببت فيه من ضربات اقتصادية مؤلمة للدول النامية، حتى قُرعت طبول الأزمة السودانية، لتضيف مزيدًا من الأعباء على الدول المحيطة بها، التي لم تتجاوز تبعات الحرب في كييف.
إحدى تلك الدول كانت مصر، التي تمر بأزمة اقتصادية «خانقة»، فاقمتها الأزمة الأوكرانية، لأن كييف أحد البلدان المصدرة للقمح إلى القاهرة، أكبر مستورد لتلك السلعة الاستراتيجية.
أزمة أوكرانيا أضيفت إلى الأزمة السودانية، التي ألقت بتبعات اقتصادية كبيرة على جارتها مصر، باستضافتها للاجئين المتزاحمين على العبور إلى أراضيها هربًا من الحرب الدائرة في بلادهم، إضافة إلى ما تمثله الخرطوم من مورد مهم للقاهرة من حيث المواشي، وغيرها من السلع الاستراتيجية.
الأزمتان اللتان تزامنتا مع استحقاقات لديون تسعى القاهرة إلى تسديدها خلال الفترة الحالية، أدتا إلى ضغوط مالية ناجمة من نقص العملة الأجنبية وشح الدولار، ما جعل خطوات مصر تتعثر في تسديد مدفوعات واردات القمح.
وقال مسؤول حكومي وتجار، في تصريحات لوكالة رويترز، إن مصر تؤخر مدفوعات مشترياتها الكبيرة من القمح لأشهر في بعض الحالات، إلا أن ذلك التأخير لم يؤثر في شحن وتفريغ معظم شحنات القمح، التي تأخر دفع ثمنها، كما أن احتياطات مصر من القمح المستخدم في إنتاج الخبز المُدعم، لم تتأثر.
ونقلت الوكالة عن وزير التموين المصري علي المصيلحي قوله، إن الهيئة العامة للسلع التموينية، المشتري الحكومي للحبوب في مصر، أجلت فتح خطابات اعتماد لسداد قيمة واردات القمح، لتخفيف الضغوط المالية الناجمة من نقص العملة الأجنبية.
بداية الأزمة
أربعة من تجار الحبوب قالوا، إن المشكلات بدأت مع وصول شحنات القمح في وقت مبكر من ديسمبر الماضي، التي كان من المقرر تسويتها بخطابات اعتماد مدتها 180 يومًا.
ويستقبل الموردون عادة -بموجب هذه الخطابات- المدفوعات عبر بنوكهم، وقت الشحن تقريبًا، ويكون أمام الحكومة 180 يومًا لتدفع للبنك الذي يتعامل معه المورد.
لكن التجار قالوا إن البنوك الحكومية المصرية -بينها بنك مصر- التي تتعامل نيابة عن الهيئة العامة للسلع التموينية، لم تفتح هذه الخطابات إلا بعد الشحن بأسابيع أو أشهر، بينما قال أحد التجار إنهم كانوا ينتظرون الدفع حتى الأسبوع الماضي، مقابل شحنة وصلت في وقت مبكر من العام الجاري.
تاجر آخر قال إن البنوك الحكومية المصرية تحتاج إلى فتح خطابات اعتماد لنحو ثماني شحنات من القمح، في حين قال تاجر ثالث إنه لم يسدد ثمن ما يصل إلى 11 شحنة.
تاجر ثالث قال إن هذا التأخير لم يحدث من قبل، مشيرًا إلى أن «البلد لم يتعرض لهذا الموقف... هذا جديد تمامًا على مصر».
ذلك التأخير الذي تحدث عنه التجار، أقر به وزير التموين المصري، عازيًا ذلك إلى نقص العملة الأجنبية، الذي تفاقم بسبب التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا، وأدى إلى تباطؤ الاستيراد.
المصيلحي أضاف: «فيه تأخير وشغالين فيه... فيه صعوبة في تأمين الدولار، لكن مش عاوزين (لا تريد) الضغط على البنك المركزي، وبنعمل (نسدد) مراحل مع الموردين، والناس بتشكرهم جدًا جدًا جدا للتفهُمات بتاعتهم (لحسن تفهمهم)».
ثقة متبادلة
وقال أحد هؤلاء الموردين إنهم «يثقون بهيئة السلع التموينية بنسبة 100 بالمئة... بالطبع ليسوا سعداء، لكن ذلك لا يؤثر في عملهم».
وقال مورد قمح لم يحصل على مستحقاته: «هذا ليس طبيعيًا لكن الموردين لا يشكون في أنهم سيحصلون على مستحقاتهم».
لكن ليس كل التجار على استعداد لتحمُّل هذه المخاطر، فعدد منهم سلط الضوء على أنه في أحدث ممارسة للزيوت النباتية، لم يقدم أي من الموردين عروضًا على أساس خطابات اعتماد مدتها 180 يومًا، واختاروا تقديم العروض على أساس الدفع عند الاستلام، الذي أتاحته المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة.
وبتمويل من هذه المؤسسة، التي زادت العام الماضي التسهيلات الائتمانية الممنوحة لمصر بمقدار المثلين إلى ستة مليارات دولار، ومن البنك الدولي الذي وافق في ديسمبر الماضي على تمويل للتنمية بـ 500 مليون دولار، ذهب معظمه لواردات القمح، أجريت عديد من عمليات شراء السلعة الاستراتيجية في الآونة الأخيرة.
كان وزير التموين المصيلحي قال -الشهر الماضي- إن مصر تدرس جديًا الموافقة على عملات شركائها في تجارة السلع الأولية، بما في ذلك الصين والهند وروسيا، في محاولة لتقليل الحاجة إلى الدولار.
زيادة فاتورة الدعم
تشتري مصر نحو خمسة ملايين طن من القمح سنويًا من الخارج، بينما تقول وزارة المالية إن تمويل دعم المواد الغذائية، ومعظمه يذهب إلى الخبز، سيرتفع 41.9% إلى 127.7 مليار جنيه مصري (4.1 مليار دولار) في السنة المالية من يوليو 2023 إلى يونيو 2024.
وجاء معظم القمح المستورد في السنوات الماضية عبر البحر الأسود، وأدت الحرب بأوكرانيا -في البداية- إلى تعطيل عمليات الشراء، لكن الحكومة تمكنت من زيادة احتياطاتها بالاعتماد على واردات القمح الروسي.
ضرائب... لسد العجز
في محاولة من الحكومة المصرية لسد العجز في الموازنة، التي يذهب معظمها إلى الدعم الموجه للفئات الأكثر احتياجًا، وافق البرلمان -قبل أيام- على حزمة ضرائب، أثارت جدلًا في الشارع.
ووافقت لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، على إضافة ضرائب جديدة، بينها: ضريبة الدمغة بنسبة إضافية 1% على أقساط.
كما فرضت: رسم تنمية الموارد المالية للدولة بـ 100 جنيه عند مغادرة الأراضي المصرية، في ما عدا الأجانب القادمين للسياحة فقط لمحافظات البحر الأحمر، جنوب سيناء، الأقصر، أسوان، مطروح، فيكون الرسم 50 جنيهًا، ويستثنى من ذلك سائقو سيارات نقل الركاب والبضائع العمومية والأجانب، والعاملون على خطوط أو شاحنات تعتاد عبور حدود جمهورية مصر العربية.
كما تقرر فرض رسم 3% من قيمة كل سلعة تشترى من الأسواق الحرة، بحد أدنى دولار ونصف الدولار بما فيها لتر واحد من المشروبات الروحية، وتحصيل 10% من قيمة كل لتر إضافي من المشروبات الروحية المصرح بها للاستعمال الشخصي، بحد أدنى 12 دولارًا.
وأعفت مصر من هذا الرسم، أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي الأجانب العاملين (غير الفخريين) المقيدين في الجداول التي تصدرها وزارة الخارجية، على أن تلتزم شركات الأسواق الحرة بتحصيل الرسم وتوريده إلى مصلحة الضرائب المصرية.
كما قررت فرض رسم 10% من قيمة الفاتورة للأغراض الجمركية، مضافًا إليها الضريبة الجمركية على أسماك السالمون وشرائح سمك السالمون الروبيان والاستاكوزا الواردة في بنود التعريفة الجمركية، والكافيار والثمار القشرية والفواكه الطازجة أو المجففة والبن المحمص والشكولاتة والطواحين والخلاطات ومجهزة الحلاقة ذات محرك كهربائي ومجففات الشعر والأجهزة الكهربائية وأجهزة إعداد القهوة والشاي ومحمصات الخبز للاستخدام المنزلي وسماعات الرأس وسماعات الأذن وساعات اليد والجيب وترسكلات واسكوترات وعربات ذات بدال وقداحات السجائر وغيرها من القداحات.
كما قررت إضافة رسم بنسبة 5% من قيمة المنتج النهائي للمشروبات الغازية بأنواعها، سواء كانت مشروبات غازية صودا أو مشروبات غازية معطرة ومحلاة أو غير محلاة معبأة في زجاجات، أو أوعية أخرى سواء كانت منتجة محليًا أو مستوردة.
وقال رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، الدكتور فخري الفقي، إنه لا يوجد أي ضريبة جديدة على السلع المعمرة والمشروبات الغازية، مشيرًا إلى أن قانون فرض 3% رسوم من قيمة كل سلعة تشترى من الأسواق الحرة، عرض على مجلس النواب منذ عام، إلا أنه رفضه.
وبحسب البرلماني المصري، فإن القانون الجديد يشير إلى فرض 10% من قيمة الفاتورة على الأغراض الجمركية على سلع مثل: السالمون، الجمبري، والاستاكوزا، والجبنة الريكفورد، والكافيار، والفواكهة المستوردة الطازجة والمجففة، والبن المحمص، مشيرًا إلى فرض ضرائب على ساعات اليد والجيب وسماعات الأذن، إضافة إلى رسم بـ 100 جنيه على مغادرة المصريين للأراضي المصرية للسفر إلى الخارج.