انتخابات تركيا... ماذا تعني خمس سنوات أخرى من حُكم أردوغان؟

التصويت المرتقب لن يحدد فقط من يقود تركيا، لكن كيف تدار، وإلى أين يتجه اقتصادها، كما يحدد مسار سياساتها الخارجية، والأمن والشؤون الداخلية.

انتخابات تركيا... ماذا تعني خمس سنوات أخرى من حُكم أردوغان؟
رجب طيب أردوغان

ترجمات - السياق

بعد جولة أولى من الانتخابات، تجاوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عتبة المخاطر، إلى الجولة الثانية، التي تلقى فيها دعمًا من المرشح القومي سنان أوغان، ما عزز موقفه وزاد التحديات التي يواجهها منافسه كليجدار أوغلو في جولة الإعادة.

تلك الجولة المقرر إجراؤها 28 مايو الجاري، بين الرئيس رجب طيب أردوغان ومنافسه كمال كليجدار أوغلو، ستقرر ما إذا كان حكم أردوغان سيمتد عقدًا ثالثًا.

إلا أن التصويت المرتقب لن يحدد فقط من يقود تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، التي يبلغ عدد سكانها نحو 85 مليون نسمة، لكن كيف تدار، وإلى أين يتجه اقتصادها، وسط أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة، كما يحدد مسار سياساتها الخارجية، والأمن والشؤون الداخلية.

 

هل يفوز أردوغان؟

تقول هيئة الإذاعة البريطاني «بي بي سي»: بعد عقدين في السلطة وأكثر من اثني عشر انتخابًا، يعرف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كيف يستطيع دغدغة مشاعر ناخبيه.

ففي مؤتمر لسائقي سيارات الأجرة باسطنبول، كان يسيطر على الحشد مثل قائد الأوركسترا، فهلل الحاضرون وصفقوا ورددوا صيحات الاستهجان للمعارضة، عند الإشارة.

وبلغ التجمع ذروته، عندما ألقى الرئيس كلمات من قبيل: «أمة واحدة، علم واحد، وطن واحد، دولة واحدة»، فبحلول ذلك الوقت، كان عديد من السائقين المسنين يقفون على أقدامهم، يلكمون الهواء أو يرفعون إحدى ذراعيهم بالتحية.

آيس أوزدوغان، امرأة ترتدي الحجاب، أتت مبكراً مع زوجها سائق سيارة الأجرة لسماع كل كلمة لقائدها، رغم أنها تكافح من أجل المشي، واضعة عكازها على المقعد المجاور لها.

وقالت بابتسامة عريضة: «أردوغان كل شيء بالنسبة لي. لم نتمكن من الوصول إلى المستشفيات من قبل، لكن الآن يمكننا التنقل بسهولة. لدينا وسائل نقل. لدينا كل شيء. لقد طور طرقًا. بنى المساجد. لقد طور البلاد بقطارات عالية السرعة وخطوط مترو أنفاق».

وجذبت الرسالة القومية للرئيس التركي كثيرين في الحشد، بما في ذلك قادر كافليوغلو، 58 عامًا، الذي يقود حافلة صغيرة منذ 40 عامًا، قائلًا: «بما أننا نحب وطننا وأمتنا، فإننا نسير بثبات خلف الرئيس».

وقال: «نحن معه في كل خطوة على الطريق، سواء ارتفع سعر البطاطس والبصل أم انخفض. عزيزي الرئيس هو أملنا».

 

بلد منقسم

عندما ذهب الأتراك إلى صناديق الاقتراع، كانت أسعار المواد الغذائية آخذة في الارتفاع، بينما بلغ معدل التضخم نحو 43%، بحسب «بي بي سي».

إلا أنه مع ذلك، جاء الرئيس رجب طيب أردوغان -الذي يسيطر على الاقتصاد وأشياء أخرى كثيرة- في المقدمة بنسبة 49.5% من الأصوات، ما أربك المحللين وعلمهم درسًا مفاده: احذروا من استطلاعات الرأي.

وحصل منافسه كمال كيليجدار أوغلو، زعيم المعارضة، على 44.9%، لذلك، انقسم الناخبون في هذا البلد المستقطب، بينما كان هناك 4% فقط على حدة.

وحصل المرشح القومي المتطرف، سنان أوغان، على نسبة غير متوقعة بلغت 5.2%، ما دفع المنافسة إلى جولة ثانية الأحد، إلا أنه الآن يؤيد الرئيس أردوغان.

 

الناخبون وأردوغان

لماذا تمسك معظم الناخبين بأردوغان، رغم الأزمة الاقتصادية، واستجابة الحكومة البطيئة للزلازل المزدوجة الكارثية في فبراير، التي أودت بحياة 50 ألف شخص على الأقل؟

سؤال طرحته «بي بي سي».

يقول البروفيسور سولي أوزيل، الذي يحاضر في العلاقات الدولية بجامعة قادر هاس في اسطنبول: «أعتقد أنه سياسي... لديه أيضًا اللمسة المشتركة. لا يمكنك إنكار ذلك. إنه ينضح بالقوة. هذا شيء واحد لا يفعله كيليجدار أوغلو».

واعتاد كليجدار أوغلو، المدعوم من تحالف المعارضة المكون من ستة أحزاب، أن يبث الأمل، ويعد بالحرية والديمقراطية، لكن بعد خيبة أمله في الجولة الأولى، اتخذ منعطفًا حادًا إلى اليمين، بينما قال صحفي تركي: «إنه سباق نحو الحضيض».

وقال أوغلو في تجمع انتخابي حديث: «أعلن أنني سأعيد جميع اللاجئين إلى الوطن بمجرد انتخابي رئيساً». ويشمل ذلك أكثر من ثلاثة ملايين سوري فروا من الحرب في بلادهم، في رسالة تلقى استحسانًا في تركيا.

وبصرف النظر عن الرئيس القادم لتركيا، فإن القومية الفائز بالفعل، فلقد انتخب الناخبون البرلمان الأكثر محافظة على الإطلاق، حيث احتفظ تحالف حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان بالسيطرة.

وبالنسبة لبعض الناخبين الشباب، يبدو الأمر كما لو أن الموت قد تم إلقاؤه هنا بالفعل، بحسب «بي بي سي»، التي قالت إن زينب (21 عامًا)، وميرت (23 عامًا)، يجلسان على أريكة حمراء يقدمان الشاي التركي الساخن ويقلقان بشأن المستقبل.

ويدرسان علم النفس في جامعة بوغازيتشي، وهي مقر تعليمي محترم له تاريخ من الاحتجاجات الطلابية المكبوتة، بحسب "بي بي سي"، التي قالت إن صداقتهما بدأت في ناد بالجامعة، أغلِق منذ ذلك الحين.

 

قرن تركي جديد

«ما تقوله الحكومة له تأثير في الناس. ترى أنه ينعكس في أولئك المقربين إليك، حتى في عائلتك. إذا استمر هذا، فماذا بعد ذلك؟ ينتهي بنا المطاف دائمًا في حالة تأهب، متوترة دائمًا، في خوف دائم»، تقول زينب.

لا تزال زينب -ذات العينين الداكنتين واليدين المعبرتين- تأمل بحقبة جديدة لكنها تعلم أنها قد لا تأتي، مضيفة: «أريد التغيير، وإذا لم أر أنني سأكون حزينًا وخائفًا. سوف يهاجموننا أكثر، سيأخذون حقوقنا أكثر. سوف يحظرون كثيرًا من الأشياء، كما أعتقد، لكننا ما زلنا نفعل شيئًا، سنظل نقاتل».

 

نقطة تحول

الأحد، يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع، في أول جولة إعادة رئاسية في تاريخهم، مع دخول بلدهم نقطة تحول، فبعد مضي ما يقرب من 100 عام، منذ أن أسس مصطفى كمال أتاتورك تركيا كجمهورية علمانية، يعد رجب طيب أردوغان بـ«قرن تركي» جديد إذا أعيد انتخابه.

ويقول أنصاره إنه سيحقق مزيدًا من التنمية وتعزيز تركيا، بينما يقول منتقدوه إنه سيكون أقل من أتاتورك، ومزيد من الأسلمة، ومستقبل أكثر قتامة.

وقال إريك إيدلمان، السفير الأمريكي السابق في تركيا، إن ولاية أخرى للزعيم المخضرم، ستؤدي إلى استمرار العلاقة المشحونة بين الغرب وأنقرة، مضيفًا: «سيكون لدينا حليف غير موثوق به، وستكون سياساته مدفوعة بالاحتياجات والنزوات السياسية لرجل واحد».

 

ماذا تعني خمس سنوات أخرى للغرب وأوروبا؟

جادل أحد كبار المسؤولين الأتراك قائلًا: «هناك حسن نية كبير بين المسؤولين الغربيين تجاه كليجدار أوغلو. إنهم يحبونه». مضيفًا: «على النقيض من ذلك، فإن مشاعرهم تجاه أردوغان تقترب من الكراهية».

إلا أن الغرب لا يستطيع تحمُّل انهيار مع أنقرة، قال السناتور الديمقراطي كريس مورفي، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، مضيفًا: «ستكون تركيا شريكًا حيويًا لنا بصرف النظر عمن يقود ذلك البلد».

وتدرك الولايات المتحدة وأوروبا أن أردوغان، كأحد قادة العالم القلائل الذين تربطهم علاقات جيدة بالرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يلعب دورًا رئيسًا كوسيط في حرب أوكرانيا.

لا تزال دول الاتحاد الأوروبي قلقة بشأن تهديدات أردوغان، بإرسال مزيد من اللاجئين إلى القارة. وتبقى تركيا، التي يبلغ تعداد سكانها 85 مليون نسمة، سوقًا مهمًا للشركات الأوروبية.

وفي تصريح لـ«فايننشال تايمز»، حذرت إلكه تويغور، أستاذة الجغرافيا السياسية الأوروبية بجامعة كارلوس الثالث في مدريد، من أن العلاقات يمكن أن تتدهور إذا تخلت الدول الغربية عن ضبط النفس، الذي أظهرته العام الماضي أو نحو ذلك، مضيفة: «لقد كانوا يتراجعون لأنهم لا يريدون أن يصبحوا مادة لحملة الرئيس أردوغان، لكن إذا فاز بالجولة الثانية، لا داعي للتراجع».

إحدى النقاط الساخنة المقبلة، محاولة بروكسل لمعاقبة الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي تساعد موسكو في التحايل على العقوبات الأوروبية، التي تهدف إلى إجبار دول مثل تركيا على العمل بجدية أكبر لفرضها.

لكن ألكسندر جابيف، مدير مركز كارنيجي روسيا أوراسيا، قال إن الكرملين يتوقع «استمرار العلاقة الحالية مع أردوغان»، التي أشار إلى أنها كانت «مفيدة» في الالتفاف على العقوبات.

وقال ألبر كوشكون، الدبلوماسي التركي السابق المقيم في واشنطن، إنه قلق بشأن الآثار طويلة المدى لتعميق التوتر مع الغرب، عندما كان الجمهور التركي غير واثق بالولايات المتحدة وأوروبا، مضيفًا: «التكامل الأوروبي يتقدم لكن من دون ذكر تركيا... خمس سنوات أخرى وسيتعمق ذلك الاغتراب».

وأضاف: «سيكون لذلك تأثير في نظرة المجتمع التركي إلى العالم، وقدرة دول مثل روسيا والصين، على رعاية هذه النفس المعادية للغرب في تركيا».