بعد حسم معركة باخموت.. ما الخطوة التالية لروسيا في أوكرانيا؟
رأت صحيفة نيويورك تايمز، أن الخطة القادمة لروسيا بعد باخموت غير واضحة، رغم إعلانها أنها تستهدف الاستيلاء على منطقة دونباس الشرقية.

ترجمات - السياق
بعد 10 أشهر من القتال المستمر، وآلاف الضحايا، وتدمير غير مسبوق للمدينة وبنيتها التحتية، انتهت معارك باخموت بإعلان روسيا الانتصار، لكن ما الخطوة التالية لموسكو، وكيف تستعد أوكرانيا للرد؟
على الأرض، بدأت مجموعة فاغنر المسلحة، تسليم مدينة باخموت شرقي أوكرانيا إلى الجيش الروسي، بعدما أعلنت -نهاية الأسبوع الماضي- السيطرة على المدينة المدمرة.
تجرى هذه العملية بينما يواجه الجيش الروسي صعوبات في محيط باخموت بعدما خسر، بحسب الأوكرانيين، 20 كيلومترًا مربعًا شمالي وجنوبي هذه المدينة.
يأتي ذلك بعد توغل مسلحين، من الأراضي الأوكرانية إلى منطقة بيلغورود الروسية الحدودية، واستغرق الأمر أكثر من 24 ساعة لموسكو لصدهم، ما يلقي الضوء أيضًا على المصاعب التي تواجهها قواتها المسلحة.
ماذا بعد؟
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، تساءلت عن الخطوة التالية للقوات الروسية، بعد إعلان الانتصار في باخموت، ثم انسحاب قوات فاغنر التي قاتلت في المدينة 10 أشهر، مشيرة إلى أنه بعد انتهاء المعارك الوحشية وآلاف الضحايا بين الجانبين، سيطرت تشكيلات موسكو على المركز الصناعي، بينما تحاول قوات كييف الضغط على جوانب المدينة.
ورأت أن ما سيحدث بعد ذلك بالنسبة لروسيا، مازال "غير واضح"، رغم إعلانها أنها تستهدف الاستيلاء على منطقة دونباس الشرقية.
وذكرت الصحيفة، أنه قبل معركة باخموت، كانت موسكو تأمل استثمار الاستيلاء على هذه المدينة، كنقطة انطلاق نحو المدن الكبرى في دونباس، مثل كراماتورسك وسلوفيانسك، لكن يبدو أن هذا الهدف بعيد المنال في الوقت الحالي.
وأرجع محللون عسكريون تحدثوا لـ"نيويورك تايمز" ذلك، إلى أن القوات الروسية مستهلكة، بعد تكبدها خسائر فادحة في تأمين باخموت.
وبشكل عام، أظهرت قوات الرئيس فلاديمير بوتين قليلًا من القدرة على الاستيلاء على مزيد من الأراضي في أماكن أخرى، بعد أن قللت مستوى هجماتها لنطاق أصغر في عدد قليل من البلدات شرق البلاد.
في المقابل، دربت أوكرانيا تشكيلات جديدة، مسلحة ومجهزة من الغرب، ومن المتوقع أن تشن هجومًا مضادًا أوسع في مكان ما على طول خط المواجهة، الذي يبلغ طوله 600 ميل تقريبًا.
وهو ما جعل روسيا في حالة "انحناء دفاعي" إلى حد ما، بعد أن أصبحت قواتها ممتدة على طول خط المواجهة، ومشغولة أكثر ببناء التحصينات والاستعداد للمرحلة التالية من الحرب، وفق الصحيفة.
ويرى المحلل العسكري في معهد أبحاث السياسة الخارجية، روب لي، أن "من المرجح أن تركز روسيا على الدفاع والاستعداد للهجوم المضاد لأوكرانيا"، مضيفًا: "قد نرى مزيدًا من الهجمات التكتيكية المحلية".
أرضية صغيرة
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن القوات الروسية أمضت معظم الشتاء والربيع، في الحفر والاستعداد لضرب أوكرانيا، رغم أن بعض الوحدات واصلت الهجوم، في مناطق مثل كريمينا شمال باخموت وأفدييفكا إلى الجنوب.
ونوهت إلى أن تلك الهجمات رغم أنها اكتسبت أرضية "صغيرة للروس" ودمرت المراكز السكانية، فإنها استنزفت صفوفهم.
وفي الجنوب، الذي يتوقع بعض المحللين العسكريين أنه سيكون محور الهجوم الأوكراني، حفرت القوات الروسية شبكة معقدة من خطوط الخنادق الأولية والثانوية وحقول الألغام، لإحباط أي تقدم أوكراني.
ويرى المحللون -الذين تحدثوا للصحيفة- أنه إذا تمكنت أوكرانيا من استعادة الأراضي، فإن ذلك قد يمنح القوة الجوية الروسية الأكبر بكثير "اليد العليا"، مع تقدم القوات الأوكرانية، خارج نطاق دفاعاتها الجوية.
وفي الجنوب الغربي، تحتفظ أوكرانيا بمدينة خيرسون الساحلية الجنوبية بعد استعادتها في نوفمبر، لكن لأن نهر دنيبرو يمثل حدودًا طبيعية، يمكن لوحدات المدفعية الروسية قصف المدينة من الجانب الشرقي.
بينما في الشمال، توغلت وحدات تدعمها أوكرانيا نحو الحدود الروسية في الأيام الأخيرة، واستولت على مجموعة صغيرة من الأراضي، في ما يعد خطوة دعائية لإحراج الكرملين، بعد الاستيلاء على باخموت.
لكن معركة باخموت جاءت بتكلفة كبيرة لروسيا وأوكرانيا وستؤثر في ما سيأتي بعد ذلك، حسب الصحيفة الأمريكية.
وتعرضت روسيا وأوكرانيا لخسائر فادحة في الرجال والعتاد، خلال القتال على المدينة الصغيرة نسبيًا والمدمرة حاليًا، التي كان عدد سكانها قبل الحرب أكثر من 70 ألف نسمة.
وحسب الصحيفة، فإن الجيشين -اللذين لا يزالان متجذرين في التكتيكات السوفيتية- يواصلان الاعتماد على المدفعية والدبابات والتقدم المحدود للقوات، للاستيلاء على الأرض والسيطرة عليها.
ورغم ذلك، يرى مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في معهد أبحاث "سي إن إيه" في أرلينغتون بولاية فيرجينيا، أن "المعركة من أجل باخموت أقل أهمية من حيث الأرض، لكنها أكثر بتأثيرها في القوتين وما ستكشف عنه".
وأشارت الصحيفة إلى أن القوات الروسية هُزمت على ثلاث جبهات العام الماضي، حول العاصمة كييف، وفي منطقة خاركيف "الشمالية الشرقية" وفي خيرسون، وتعمل موسكو على رعاية تشكيلاتها المنهكة، ومعالجة المصابين بعد قتال وحشي في باخموت.
في المقابل، تعاني أوكرانيا ارتفاع عدد الضحايا، لكنها تحفر على طول التضاريس الأكثر ملاءمة والارتفاع خارج باخموت.
فقد حققت القوات الأوكرانية، خلال الأيام الأخيرة، مكاسب صغيرة شمالي وجنوبي باخموت، ما جعل قواتها في وضع أفضل لمنع القوات الروسية من التقدم أكثر.
بينما تعهد قائد قوة فاغنر شبه العسكرية، يفغيني بريغوزين -الذي كان مقاتلوه مسؤولين عن الاستيلاء على باخموت- بسحب قواته من المدينة وتسليم دفاعها إلى صفوف النظام العسكري الروسي، ما يخاطر بتغيير غير منظم للقوات.
ويجادل محللون عسكريون ووكالات استخبارات غربية ومسؤولون أوكرانيون في الأهمية الاستراتيجية لباخموت، مشيرين إلى أنه كان بإمكان موسكو استثمار الموارد في مكان آخر على خط المواجهة، بدلاً من إهدار الأرواح والذخيرة لبضعة أميال من الأرض، كما كان من الممكن أن تتراجع كييف، لتنقذ كتائبها وألويتها وإمداداتها لشن هجمات في المستقبل.
ويرى هؤلاء المحللون أن قرارات الجانبين بالثبات والقتال في هذه المدينة، ستكون لها آثار دائمة في مناوراتهم المستقبلية.
فقد كانت معركة باخموت فريدة من نوعها، حيث اعتمدت مجموعة فاغنر على تشكيلات من نزلاء السجون لمهاجمة الخنادق الأوكرانية، للتغلب على دفاعاتهم، وكشف مواقع إطلاق النار في أوكرانيا.
وبيّن المحللون، أن قدرة روسيا على تجديد صفوفها -غالبًا بقوات غير مدربة- كانت في مرحلة ما إحدى مزاياها، لأنها أجبرت أوكرانيا على المخاطرة بوحداتها المدربة بشكل أفضل، لوقف هذه القوات غير المدربة.
لكن أوكرانيا قاومت، ورغم خسارة المدينة، فإنها نجحت في إسقاط عدد كبير من الضحايا الروس، واستفادت من الحقول المفتوحة وخطوط الأشجار في الضواحي، واستخدمت المدفعية الدقيقة المقدمة من الغرب، مثل قاذفات صواريخ هيمارس ومدافع الهاوتزر عيار 155 ملم، لإصابة وقتل القوات الروسية عن بُعد.
الآن، على موسكو أن تقرر ما إذا كانت ستحاول التقدم غربي باخموت، لكن أوكرانيا يمكن أن تتراجع إلى مناطق مرتفعة، حيث يمكنها إطلاق النار على القوات الروسية المتقدمة، والأرجح أن الروس سيركزون على الدفاع عن باخموت في الوقت الحالي.
لم تُعرف بعد توابع معركة باخموت، سواء من حيث إجمالي الخسائر في الجانبين أم كمية المعدات أو الذخيرة التي فُقدت أو دُمرت.
وأشارت التقديرات الغربية -في وقت مبكر من هذا العام- إلى أن عدد القتلى والجرحى في روسيا يصل إلى نحو 200 ألف منذ بدء الغزو في فبراير 2022، ويُعتقد أن خسائر أوكرانيا مماثلة.