لماذا تتراجع هيمنة الدولار في الشرق الأوسط؟

بسبب نقص العملة الأمريكية، أعلنت العراق أنها ستتعامل مع الصين باليوان بدلًا من الدولار.

لماذا تتراجع هيمنة الدولار في الشرق الأوسط؟

ترجمات السياق

نشرت "DW" تقريرًا عن تراجع هيمنة الدولار بالشرق الأوسط، وتفكير دول عربية في الاعتماد على عملات بديلة بتعاملاتها الدولية، سواء لبيع منتجاتها النفطية أم لإصدار سندات، لاسيما في ظل رغبة عدد من الدول، في مقدمتها مصر والسعودية والإمارات، في الانضمام إلى بريكس التحالف الجيوسياسي، الذي يضم الصين وروسيا وجنوب إفريقيا والهند والبرازيل.

وبعنوان: لماذا تتراجع هيمنة الدولار بالشرق الأوسط، نشرت شبكة الإذاعة الإلمانية أن العراق حظرت المعاملات بالدولار الأمريكي، ويخطط السعوديون والإماراتيون لعدم الاعتماد عليه في بيع النفط، وهناك خطط لإنشاء عملة جديدة كليًا تتجاوزها، ولمعرفة سبب ذلك علينا النظر أولًا للحرب في أوكرانيا.

 وأشارت إلى أن أي شخص بالعراق، حاول شراء منزل أو سيارة هذا الأسبوع صُدم، بعد قرار الحكومة، الأحد الماضي، بحظر أي معاملات شخصية أو تجارية بالدولار الأمريكي، في الوقت الذي كان يستخدم العراقيون العملة الأمريكية، في عمليات البيع الكبيرة، لانخفاض قيمة الدينار.

ويحتاج العراقي إلى عديد من الأكياس الكبيرة المليئة بأوراق الدينار، لشراء سيارة أو منزل، لذلك يستبدلون محظفة مليئة بالدولار بها، الذي اسُتخدم لعقود كبديل أمثل في الشرق الأوسط، إذ كنت لا تمتلك ما يكفي من العملات المحلية.

لكن هذا الوضع ربما بدأ يتغير خلال الأشهر الماضية، إذ أدلى كبار السياسيين في عدد من دول الشرق الأوسط بتصريحات تشير إلى أن هيمنة الدولار بالمنطقة قد تتلاشى.

ففي العراق، صعبت السلطات الأمريكية دخول الدولار البلاد، نظرًا إلى قلقها من تهريبه إلى الجارة الإيرانية، الخاضعة للعقوبات والمدعومة ضمنيًا من ساسة عراقيين.

لكن نقص الدولار ببغداد، أدى إلى انخفاض قيمة الدينار العراقي المرتبط بالدولار، ما أدى إلى حظر المعاملات بالدولار.

وفي فبراير الماضي، بسبب نقص العملة الأمريكية، أعلنت العراق أنها ستتعامل مع الصين باليوان بدلًا من الدولار.

 

البحث عن البدائل

كان وزير المالية السعودي، قد قال إن بلاده منفتحة على بيع النفط بعملات مختلفة، بما فيها اليورو واليوان الصيني، وأعلنت الإمارات أنها ستتعاون مع الهند بالروبية الهندية.

والعام الماضي أعلنت مصر خططها لإصدار سندات باليوان الصيني، فضلًا عن إصدارها  سندات بالين الياباني.

 إضافة إلى ذلك تسعى دول بالشرق الأوسط، بما في ذلك مصر والسعودية والإمارات والجزائر والبحرين، للانضمام إلى الكتلة الجيوسياسية المعروفة بـ "بريكس": البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا.

وأعلنت روسيا أن التحالف سيناقش -في اجتماع يونيو المقبل- إنشاء عملة جديدة للتجارة العابرة للحدود بين الأعضاء.

 ومنذ عام 2021، كانت الإمارات جزءًا من مشروع تجريبي يديره بنك التسويات الدولية، يدرس عمليات الدفع الإلكتروني العابرة للحدود التي تتجاوز الدولار، بمشاركة تايلاند وهونج كونج والصين.

 

هل انتهى الدولار الأمريكي؟

هذه البدائل للدولار، أدت إلى عناوين مقلقة بالصحف العالمية، مثل تساؤل "نيويورك تايمز" في فبراير الماضي: "هل الهيمنة الدولارية مهددة؟"، وتحذير "فايننشال تايمز" في مارس: "استعد لعالم متعدد الأقطاب"، وما نشرته "بلومبرغ" -الشهر الماضي- بأن التحرر من الدولارة يحدث بوتيرة مدهشة.

ويشكل الدولار الأمريكي 58% من احتياطي العملات الأجنبية الرسمية في العالم، بدلًا من 73% عام 2001 و85% أواخر السبعينيات.

ومع ذلك يصر معظم الخبراء على أن التحول بعيدًا عن الدولار، يحدث بشكل أبطأ مما توحي به العناوين الأخيرة، وهو أمر حقيقي بالنسبة للشرق الأوسط.

 

في الخليج لايزال الدولار يحكم

منذ السبعينيات والدول الخليجية المنتجة للنفط، في شراكة مع الولايات المتحدة، في مجال تصدير النفط من دول مثل الإمارات والسعودية، وربطت أغلبية الدول الخليجية باستثناء الكويت عملاتها بالدولار. 

ولفت الباحث في سياسات الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن، حسن الحسن، إلى أن فك الارتباط بين هذه العملات والدولار، أحد أهم مؤشرات التحول الجاد عن الدولار، وأنه لم يحدث حتى الآن.

وردًا على جدية تصريحات القادة العرب عن انحسار الدولار، يقول دانيال ماكداول، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيراكيوز في نيويورك، إن الكلمات الرئيسة هنا هي " تصريحات" و"احتمال".

ويضيف لـ "DW" أن التصريحات سهلة، لكن العمل أكثر صعوبة، وبالنسبة للدول المنتجة للنفط مثل السعودية، فهذه النوعية من التصريحات والتحريضات، طريقة للفت انتباه الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه فإن مغازلة الصين ربما تلفت انتباه صناع القرار الأمريكين أكثر نحو دول الخليج.

ولا يستبعد ماكداول احتمال فقدان الدولار لهيمنته يومًا ما، لكن في الوقت الحالي، كثير من الكلام رمزي وسياسي، وأي تغيير سيكون بطيئا وطفيفًا.

 

الحرب في أوكرانيا

واتفق الخبراء الذين تحدثت معهم  "DW" على سببين ربما يكونان وراء تهديد الشرق الأوسط باستخدام عملات أخرى، أولهما يرتبط بالحرب في أوكرانيا.

ويعتقد ماكدويل أن العقوبات جزء مهم للغاية من ذلك الجدال. ووفقًا لكتابه الجديد "التغلب على العوائق: العقوبات المالية الأمريكية ورد الفعل الدولي ضد الدولار"، أنه كلما استخدمت الولايات المتحدة الدولار كسلاح في سياستها الخارجية، زاد خصومها من نقل أنشطتهم الاقتصادية الدولية إلى عملات أخرى".

 ويرى الحسن أن سبب رغبة بعض دول الشرق الأوسط في التحرك بعيدًا عن الدولار، أن هناك شعورًا بأن الولايات المتحدة تحاول إعادة كتابة قواعد سوق النفط العالمية لاستهداف المصالح الروسية، وذلك يشكل تهديدًا استراتيجيًا للمملكة العربية السعودية"، حسب حجته.

 وفي مارس، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان: إذا حاولت أي دولة فرض سقف سعري على صادرات النفط السعودية، بالطريقة التي حدثت مع روسيا، فإن المملكة لن تتعامل معها بعد ذلك. وفي اليوم التالي، صدّق وزير الطاقة الجزائري، خشية وجود سابقة خطرة، على تلك البيانات.

 "هذا هو السبب في أن حركة التحول بعيدًا عن الدولار الأمريكي من المتوقع أن تستمر طالما استمرت العقوبات" وفقًا لاعتقاد ماريا ديميرتزيس، أستاذة سياسة اقتصادية بالمعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا، إيطاليا، وزميلة أولى في مركز بروجل الاقتصادي.

 وتضيف أن ذلك لن يحدث على الفور، حتى لو أرادت دول تجاوز الدولار الأمريكي كعملة، سيكون من الأصعب استبدال البنية التحتية للتسوية التي يوفرها النظام المدفوع بالدولار.

وتوضح أنه إذا كنت في الهند وترغب في بيع شيء لتشيلي، على سبيل المثال، فمن المرجح أن يكون ذلك بالدولار، لكنك لا تفعل بذلك فقط لأنه يسهل عليك تسعير المنتج بالدولار، بل أيضًا لأنك تستخدم البنية التحتية للتسوية بالدولار الأمريكي لإنجاز الصفقة، مشيرة إلى أن التسوية هي "العملية القانونية لأخذ الأموال من حساب واحد ووضعها في حساب آخر".

 وتتابع أنه من أجل ذلك، تلزم بنية تحتية موثوقة، وهو ما قدمته الولايات المتحدة لعقود من الزمان، أي بديل لذلك ينطوي على "آثار قانونية وإدارية هائلة".

وأضافت: "على سبيل المثال، هل تعترف تشيلي بالإطار القانوني للهند؟ حتى للوصول إلى نقطة يتفاهم فيها مصرفان مركزيان على التسوية ثنائية الأطراف، يتطلب الأمر رحلة طويلة.

وفقًا لديميرتزيس، فإن حقيقة تجميد الولايات المتحدة وأوروبا أصول الاحتياطي النقدي الروسي المحتفظ بها في اختصاصاتهم قد سلّحت المصارف المركزية وربما تسببت في تلف النظام المالي الدولي.

 ويرى الباحث في سياسات الشرق الأوسط حسن الحسن، إن ذلك القرار تُرجم في الشرق الأوسط، إلى "شعور بالقلق بشأن تسليح الولايات المتحدة وحتى الاتحاد الأوروبي للتجارة والتمويل الدولي، في سياق الحرب مع روسيا"، وأنه بسبب ذلك تستعد دول الشرق الأوسط "لعالم متعدد الأقطاب، حيث يرغبون في أن يكونوا في أفضل وضع للتصرف داخل مناطق الدولار وخارجها".