تشاؤم أوروبي وقرار أمريكي... هل فشلت مفاوضات إحياء الاتفاق النووي؟
كيف أسهمت إسرائيل في إرجاء الاتفاق على الملف المثير للجدل؟

السياق
تطورات جديدة على طريق الاتفاق النووي الإيراني المملوء بـ«الأشواك»، قد تؤجل حسم الملف المثير للجدل، وسط تخوفات من أن إرجاءه قد يمنح طهران قُبلة الحياة، ويعطيها مسوغًا لمواصلة تخصيب اليورانيوم، ما يجعلها أقرب إلى قنبلة نووية من أي وقت مضى.
فبعد يوم من إعلان منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، أنه أصبح أقل تفاؤلاً بالتوصل إلى اتفاق سريع على إحياء الاتفاق النووي الإيراني، مقارنة بما كان عليه قبل وقت قصير، كشفت صحيفة تايمز أوف إسرائيل، في تقرير ترجمته «السياق»، أن الولايات المتحدة أكدت لإسرائيل أن الاتفاق النووي مع إيران غير مطروح على الطاولة في الوقت الحالي.
وبحسب الصحيفة العبرية، فإن الرسالة الأمريكية نُقلت إلى رئيس الوزراء يائير لابيد، في المحادثات الأخيرة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن ومسؤولين أمريكيين، مشيرة إلى أن المطالب الإيرانية بوقف تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية أرجأت التوصل لاتفاق.
لا اتفاق
وقالت «تايمز أوف إسرائيل»، إنه لن يتم توقيع اتفاق نووي جديد بين إيران والقوى العالمية في المستقبل المنظور، مؤكدة أن نتيجة المفاوضات النووية، ستكون لها تداعيات دولية كبيرة، من المرجح أن يروِّج لها لابيد في الحملة الانتخابية المقبلة، لا سيما ضد زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، الذي هاجم رئيس الوزراء مرارًا وتكرارًا بشأن هذه القضية.
كان الاتفاق النووي الجديد المحتمل في قلب المشاورات الدبلوماسية والأمنية الإسرائيلية، العام الماضي، فإسرائيل تتابع المفاوضات بين إيران وممثلي القوى العالمية في فيينا، فضلاً عن تبادل مسودات الاتفاقات بين الجانبين في الأسابيع الأخيرة.
وعندما أصبح لابيد مقتنعًا -في الأيام الأخيرة- بأن الصفقة أصبحت غير مرجحة بشكل متزايد، أعاد ترتيب أولويات تحديات الأمن القومي للتركيز على تصاعد العنف في الضفة الغربية، ومكافحة الإرهاب والحاجة الملحة لتعزيز السلطة الفلسطينية، لأنها تفقد نفوذها بشكل متزايد، بحسب «تايمز أوف إسرائيل».
الاتفاقية النووية
ركزت الاتفاقية النووية، التي كانت قيد التفاوض منذ دخول بايدن البيت الأبيض في يناير 2021 على رفع العقوبات عن إيران، مقابل الحد من قدرة طهران على صنع سلاح نووي.
وقال المسؤولون الأمريكيون إنه في إطار الاتفاق النووي الجديد، لن تكون إيران قادرة على تخصيب اليورانيوم بما يزيد على 3.67% ولا يمكنها الوصول إلى المستوى الذي يمكن عنده إنتاج سلاح نووي، مشيرين إلى أن هذه القيود على برنامج إيران النووي ستستمر حتى عام 2031، بموجب الاتفاق المقترح.
وبحسب تصريحات لمسؤولين أمريكيين نقلها موقع «والا» الإسرائيلي، فإن إيران بحاجة إلى التخلي عن كل اليورانيوم المخصب بنسبة 20% و 60% في حوزتها كجزء من الاتفاقية، مشيرًا إلى أن مئات الكيلوجرامات من اليورانيوم المخصب تجب إزالتها من إيران أو تخفيفها، إضافة إلى إزالة أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم وتخزينها على الأراضي الإيرانية في مستودع تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأكد المسؤولون الأمريكيون أن إيران لن تكون قادرة على إجراء أي معالجة للبلوتونيوم، التي يمكن استخدامها لأغراض الأسلحة، مشيرين إلى أن على طهران إعادة تصميم مفاعل البلوتونيوم في أراك، حتى لا تتمكن من إنتاج مادة لقنبلة نووية.
وتعهد المسؤولون الأمريكيون –كذلك- بأنه إذا تم توقيع اتفاق، فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستكون قادرة على تجديد رقابتها الصارمة على المنشآت النووية في إيران، بعد تقليصها بشكل كبير من الإيرانيين.
وبحسب «تايمز أوف إسرائيل»، فإن مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية إحدى نقاط الانقسام الرئيسة التي تورطت فيها تل أبيب، فالإيرانيون يرفضون السماح للوكالة بمواصلة أنشطتها، بينما يصر الأمريكيون على ذلك بعد الضغط الإسرائيلي.
قلق شديد
وتسببت الصفقة الإيرانية المحتملة بقلق شديد في إسرائيل، فناشد رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت الإدارة الأمريكية -الشهر الماضي- الامتناع عن الاتفاق، قائلًا: «أدعو الرئيس بايدن والإدارة الأمريكية إلى الامتناع حتى الآن في هذه اللحظة الأخيرة، عن توقيع الاتفاقية مع إيران».
وأضاف: «هذا الاتفاق سيرسل ما يقرب من ربع تريليون دولار إلى جيوب إدارة الإرهاب الإيراني ووكلائها الإقليميين، وسيمكن إيران من تطوير وتركيب وتشغيل أجهزة الطرد المركزي، من دون قيود تقريبًا، في غضون عامين فقط».
وأدت الصفقة الناشئة مع إيران إلى احتكاكات وخلافات بين إسرائيل والولايات المتحدة، وتوترات داخلية كبيرة في تل أبيب، فقبل أسبوعين، أطلع رئيس الموساد ديفيد بارنيع، المراسلين الدفاعيين على الصفقة النووية وحذر من مخاطرها.
ووفقًا لتقرير في صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن برنيع حذر -خلال اجتماع مع رئيس الوزراء- من أن الصفقة ستسمح لإيران بالحصول على قدرات كبيرة، مشيرًا إلى أن مئات المليارات من الدولارات ستتدفق على إيران بعد رفع العقوبات، وستعمل هذه الأموال على تقوية الجماعات الإرهابية التي تطوق إسرائيل، بما في ذلك حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.
هلال شيعي
وأضاف أن الإيرانيين سيعجلون برؤيتهم لـ«هلال شيعي» يمتد من حدودهم مع العراق إلى البحر المتوسط، ما يعزز الحوثيين في اليمن والميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، مشيرًا إلى أن الصفقة ستكون «كارثة استراتيجية»، وأعلن أنها لا تلزم إسرائيل.
وتعرض رئيس الموساد -الموجود حاليًا في الولايات المتحدة لإجراء محادثات بشأن القضية الإيرانية- للتوبيخ من لابيد لانتقاده المباشر للأمريكيين، بينما أكد نتنياهو الذي تعامل مع إيران بشكل مكثف عندما كان رئيس الوزراء، أن الصفقة الناشئة كانت أسوأ من الاتفاق الأصلي الموقع عام 2015 في عهد الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما.
كان نتنياهو نفسه قد دعا إلى لقاء أمني مع لابيد بشأن القضية الإيرانية، كحق له بموجب القانون كزعيم للمعارضة.
وبعد الاجتماع، ادعى نتنياهو أن لابيد ووزير الدفاع بيني غانتس ناما أثناء القيادة وأنهما مسؤولان عن «الفشل النووي الإيراني».
وبينما طالب نتنياهو المسؤولين بلقاء أعضاء في الكونجرس ومسؤولين مؤثرين وشخصيات إعلامية بارزة في الولايات المتحدة في محاولة لإفشال الصفقة، قال مسؤول حكومي كبير: «نتنياهو أعلمنا بما يجب ألا نفعله، فعام 2015، ذهب إلى الكونجرس وتحدث مع كبار المسؤولين الحكوميين ووسائل الإعلام، وحصلنا على الاتفاق النووي في وجوهنا».
في غضون ما يزيد قليلاً على أسبوعين، يطير لابيد للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك. ولم يتضح ما إذا كان سيلتقي بايدن أثناء وجوده هناك.
ومن المقرر أن يلقي لابيد كلمة في الجمعية العامة 22 سبتمبر الجاري، محورها إيران.
أسف أوروبي
كان جوزيب بوريل منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، قال –الاثنين- إنه أصبح أقل تفاؤلاً بالتوصل إلى اتفاق سريع لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، مقارنة بما كان عليه قبل وقت قصير.
وأضاف في تصريحات نشرتها «رويترز»: «يؤسفني أن أقول إنني أقل ثقة اليوم مما كنت عليه قبل 28 ساعة... إزاء احتمالات إبرام الاتفاق الآن».
تلك التصريحات الأوروبية جاءت في أعقاب أخرى للخارجية الإيرانية، اشترطت فيها إغلاق تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة بشأن أنشطتها النووية، لإحياء الاتفاق النووي.