واشنطن بوست: فضيحة الفساد المروِّعة للاتحاد الأوروبي تضر بالديمقراطية

وصفت صحيفة واشنطن بوست، القضية بأنها أكبر فضائح الكسب غير المشروع في تاريخ الكتلة الأوروبية الحديث.

واشنطن بوست: فضيحة الفساد المروِّعة للاتحاد الأوروبي تضر بالديمقراطية

ترجمات - السياق

رأت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن ما سمتها فضيحة "قطر غيت" المروِّعة للاتحاد الأوروبي، تضر بالديمقراطية برمتها في القارة العجوز، مشيرة إلى أنها تعد إحدى أكبر فضائح الكسب غير المشروع في تاريخ الكتلة الحديث.

ويواجه البرلمان الأوروبي فضيحة فساد مدوية، بعد أن صادرت الشرطة البلجيكية 600 ألف يورو، واحتجزت عضوين في البرلمان الأوروبي، كجزء من تحقيق دولي في مزاعم بأن قطر، سعت لشراء النفوذ.

وبالفعل، اتهم القضاء البلجيكي أربعة أشخاص بـ "المشاركة في منظمة إجرامية وغسل الأموال والفساد" بعد اعتقالات وتفتيش للمنازل خلال ديسمبر الماضي، بما في ذلك منازل اثنين من أعضاء البرلمان الأوروبي وعائلة عضو سابق في البرلمان الأوروبي بإيطاليا.

وقد أدت التهم الموجهة إلى أعضاء البرلمان الأوروبي إلى استقالاتهم وتعليق التصويت البرلماني على منح القطريين السفر بلا تأشيرة إلى الاتحاد الأوروبي، الذي كان مقررًا نهاية العام المنصرم.

وكشفت مصادر إعلامية أوروبية، أنه جرى القبض على أحد نواب رئيس البرلمان الأوروبي، المشرِّعة اليونانية إيفا كايلي، على صلة بتحقيقات في الفساد ببلجيكا.

جاءت الأنباء بعدما أعلن حزبها حركة (باسوك) الاشتراكية اليونانية، في التاسع من ديسمبر الماضي، طرد كايلي من الحزب، وسط تحقيقات المدعي العام البلجيكي مع عديد من الأشخاص، للاشتباه في تورطهم بالفساد داخل البرلمان الأوروبي.

 

أكبر الفضائح

ووصفت "واشنطن بوست" القضية بأنها "أكبر فضائح الكسب غير المشروع في تاريخ الكتلة الأوروبية الحديث"، مشددة على الضرورة الملحة لإصلاح قوانين الفساد داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي الخاصة.

وبينت، في افتتاحيتها، أن الاتحاد الأوروبي يعد أحد أهم حصون الديمقراطية القليلة، في وقت تزداد فيه الاضطرابات الجيوسياسية، خاصة أنه يقع على عتبات أبوابها، غزو روسي وحشي لأوكرانيا، لذلك أي شيء يضعف مصداقية الكتلة، سيضعف جاذبية القيم الديمقراطية التي يتمسك بها الاتحاد الأوروبي، تلك القيم التي يجب الدفاع عنها ضد الأعداء من الخارج والداخل.

وأشارت إلى أنه مع انتشار قضية الرشوة، اكتُشف أكثر من مليون دولار بجميع أنحاء بروكسل، في شقق ومكاتب وغرف فندقية خاصة.

بينما ألقت السلطات البلجيكية القبض على أربعة -بينهم نائب سابق لرئيس البرلمان الأوروبي وعضو سابق في البرلمان- بتهمة قبول رشاوى من نواب قطريين، لتعزيز سمعة البلاد في خضم التدقيق، خلال كأس العالم لسجلها الحقوقي.

في المقابل، نفت قطر أي تورط لها، بينما لا يزال الموقوفون على ذمة المحاكمة.

ونقلت الصحيفة عن أحد محاميي كايلي، قوله إن موكلته -وهي سياسية يونانية ونائبة رئيس البرلمان السابقة- اعترفت بأنها طلبت من والدها استلام حقيبة نقود من شقتها الخاصة.

وقد ألقي القبض على والدها في فندق سوفيتيل بروكسل في 9 ديسمبر الماضي، وأُطلق سراحه، كما أن شريك كايلي، فرانشيسكو جيورغي -أحد الرئيسين في ملف فساد البرلمان الأوروبي- اعترف بأنه كان جزءًا من منظمة تستخدمها قطر للتدخل في الشؤون الأوروبية.

وأقر جيورغي بأن دوره في المنظمة، كان إدارة النقود والرشاوى، بينما اعتُقل المشرع ورئيسه السابق بيير أنطونيو بانزيري.

كان القضاء البلجيكي قرر إبقاء مدير منظمة غير حكومية ونائب سابق في البرلمان الأوروبي، الإيطالي الاشتراكي بيير أنطونيو بانزيري، رهن التوقيف الاحتياطي، في إطار تحقيق بشبهات فساد على صلة بقطر في البرلمان الأوروبي.

وأوقف الرجلان في التاسع من ديسمبر، مع نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي الاشتراكية اليونانية إيفا كايلي، ورفيقها المساعد البرلماني الإيطالي فرانشيسكو جيورغي.

ووجهت إلى هؤلاء الأربعة تُهم "الانتماء إلى منظمة إجرامية" و"غسل الأموال" و"الفساد"، في فضيحة تسببت بصدمة في البرلمان الأوروبي وتوتّرات بين قطر والاتحاد الأوروبي.

كانت غرفة مجلس بروكسل قررت في 14 ديسمبر الحبس الاحتياطي لبانزيري وجيورغي لمدة شهر، ثم اتخذ القرار نفسه بشأن كايلي.

في غضون ذلك، طلبت السلطات اليونانية من نظرائها في بنما -الملاذ الضريبي الشهير- التحقيق في ما إذا كان المسؤولون القطريون قد حوَّلوا أموالًا إلى حسابات مملوكة لكايلي وعائلتها.

 

ضربة مدمرة

ورأت "واشنطن بوست" أن هذه الفضيحة توجه ضربة مدمرة، ليس فقط لمصداقية البرلمان الأوروبي، ولكن أيضًا للاتحاد الأوروبي، خاصة في ما يتعلق بالتزامات الكتلة لمكافحة الفساد بين الدول الأعضاء، لا سيما المجر.

وأشارت إلى أن فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر اليميني، صاحب المشاعر المعادية للديمقراطية داخل الكتلة، لم يضع أي فرصة لاغتنام فضيحة "قطر غيت" للتعبير عن نفاق من جانب بروكسل.

وكتب أوربان ساخرًا على "تويتر": "قالوا إن البرلمان الأوروبي يشعر بقلق بالغ بشأن الفساد في المجر".

ورأى أنه من الضرورة السعي لحل البرلمان الأوروبي، على خلفية فضيحة فساد، وُصفت بأنها "الأسوأ" في تاريخ الاتحاد الأوروبي.

وقال أوربان: "نحن نطالب بحل البرلمان الأوروبي"، ودعا إلى مراجعة قواعد انتخابات البرلمان الأوروبي.

وأضاف أنه يجب انتخاب البرلمانيين الأوروبيين، من قِبل نواب البرلمانات الوطنية لدول الاتحاد الأوروبي، وليس من الناخبين مباشرة.

من جانبه، قال تشارلز ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، الهيئة المكونة من الرؤساء المعنيين من أعضاء الكتلة السبعة والعشرين، إن فضيحة الفساد التي تهز البرلمان الأوروبي دراماتيكية ومضرة بمصداقية الاتحاد الأوروبي، وتجعل من الصعب على بروكسل التعامل مع أزمات عدة.

وأضاف ميشيل، في تصريحات لصحيفة بوليتيكو الأمريكية: "نحتاج أولاً إلى تعلم الدروس، والتوصل إلى حزمة من الإجراءات لتجنُّب هذه الأشياء، ولمنع الفساد في المستقبل"، ولفت إلى أن فضيحة الفساد "تجعل من الصعب علينا التركيز على الأزمات الاقتصادية وأزمات الطاقة التي تؤثر في حياة الأوروبيين".

وتابع: "لسنوات، يتشدق الاتحاد الأوروبي بالحديث عن محاربة الفساد الداخلي، لكن حان الوقت لاتخاذ إجراءات ملموسة ومساءلة عامة، لا سيما في ما يتعلق بقضايا الضغط والشفافية".

بينما اقترحت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إنشاء هيئة رسمية جديدة، من شأنها مراقبة الأخلاق ومعايير النزاهة عبر الكتلة، وفرض "القواعد نفسها في جميع المؤسسات الأوروبية".

وتعلق الصحيفة الأمريكية على الاقتراح بالقول: "إنه إصلاح يبدو بديهيًا، لأنه من المدهش أنه ليس ساري المفعول".

كان البرلمان الأوروبي اتخذ عام 2021، قرارًا يدعو إلى إنشاء هيئة جديدة لمراقبة الأخلاقيات، لفرض تدابير مكافحة الفساد.

والتزمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بتنفيذ القرار بسرعة، لكن بعد أكثر من عام، لم يحدث شيء في هذا الإطار.

وقال المدير العام لمكتب مكافحة الاحتيال الأوروبي فيل إيتالا: الاتحاد الأوروبي لديه بالفعل سجل شفافية، لكن "جميع ممثلي المصالح مدعوون للتسجيل طواعية إذا كانوا يتابعون الأنشطة المصممة للتأثير في صُنع السياسات".

وافتُتح مكتب لمكافحة الاحتيال الأوروبي مؤخرًا، لرصد الفساد داخل مؤسسات الكتلة، وهو إضافة ضرورية، خصوصًا أن أول قضية واجهته كانت فضيحة "قطر غيت".

وأضاف إيتالا في بيان: "لا توجد صلة بين القضايا التي حقق فيها المكتب، والقضايا قيد التحقيق في قطر غيت".

وتبين الصحيفة الأمريكية، أن السياسات المعمول بها تتضمن ثغرات كبيرة يجب إغلاقها على الفور، مشيرة إلى أن أعضاء البرلمان الأوروبي ليسوا ملزمين بإعلان اجتماعاتهم مع ممثلي الدول الأجنبية، وغالبًا ما يظل بإمكانهم العمل مستشارين أثناء خدمتهم في البرلمان.

وأضافت: "يجب أن تضع فضيحة (قطر غيت) حدًا لهذا التضارب الواضح في المصالح، الذي يجب عدم السماح به".

وأشارت إلى أن هذه الفضيحة تأتي في وقت مضطرب بالنسبة للاتحاد الأوروبي، حيث يعد الغزو الروسي المستمر لأوكرانيا، ليس فقط عملاً عدوانيًا ضد وحدة أراضي أوكرانيا، لكنه أيضًا ضد أسلوب الحكم في الكتلة التي تسعى كييف للانضمام إليها.

وذكرت الصحيفة أن "الاتحاد الأوروبي، لا يمكن أن يسمح لنظام الحكم فيه بأن يبدو غير كفء وفاسد وبعيد عن الواقع، كما يدعي أعداؤه".