اختراق انتخابي يعيد زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان إلى الواجهة
بـ 89 مقعدًا... التجمع الوطني سيكون قوة برلمانية في الهجرة والجريمة

السياق
لأكثر من عقد من الزمان، تمحور نجاح مارين لوبان -بدفع حزبها اليميني المتطرف في فرنسا- حول معيار رئيس هو السباق الانتخابي الرئاسي، الذي شاركت فيه وخسرته ثلاث مرات، مع زيادة نتيجتها كل حملة.
الآن، حققت حركة التجمع الوطني اختراقًا في الجمعية الوطنية، بزيادة عدد مقاعده عشرة أضعاف إلى 89 بعد الانتخابات التشريعية، متجاوزة -إلى حد بعيد- أفضل عائد للحركة اليمينية المتطرفة بـ35 مقعدًا عام 1986 ووضع الحزب ولوبان في قلب السياسة اليومية بفرنسا.
في فرنسا يحتاج أي حزب إلى أكثرية 200 مقعد، للسيطرة على المجلس المكون من 577 نائباً، ورغم أن حزب لوبان مازال بعيدًا عن هذا الحصاد، فإن النتيجة القوية أربكت التوقعات، حتى داخل حزب لوبان نفسه، الذي كان يميل إلى تحقيق نتائج سيئة في نظام الاقتراع التشريعي المكون من جولتين، ما قد يمنحه صوتًا أكبر للتأثير في جدول الأعمال بقضايا مهمة كالهجرة أو الأمن.
وبعد أن اقتربت لوبان -أكثر من أي وقت مضى- من الرئاسة في جولة الإعادة، ضد الوسطي إيمانويل ماكرون في أبريل، تعد النتيجة أيضًا ذات مغزى في مساعيها لتخليص الحزب المناهض للهجرة، المتشكك في أوروبا، الذي أسسه والدها من صورته العنصرية، بحسب فايننشال تايمز.
قال باسكال بيرينو، الأستاذ في جامعة ساينس بو: "هذا يعيد لوبان إلى اللعبة، ستكون حاضرة في المناظرات وزعيمة المعارضة".
وأضاف بيرينو: لن تتمكن الجبهة الوطنية بمفردها من تنفيذ السياسات، وسيكون التحدي الذي يواجهه الحزب- في السنوات الخمس المقبلة- إظهار أنه حزب بناء في البرلمان، وليس حركة احتجاج هامشية.
أداء حزب لوبان جعله الوصيف المستقل لكتلة ماكرون، رغم أن تحالف Nupes من أحزاب اليسار والخضر -بقيادة جان لوك ميلينشون- لديه عدد أكبر من البرلمانيين ( 131 مقعدًا) حيث لم يحقق ماكرون مع هذه النتائج الأغلبية.
حقق حزب التجمع الوطني ثمانية مقاعد فقط، بعد انتخابات 2017، قالت لوبان إن الحزب سيكون سعيدًا ببضع عشرات هذه المرة.
وخلال الفترة التي سبقت الانتخابات، تحول الانتباه إلى حملة ميلينشون الأكثر عدوانية، التي استهدفت سياسات ماكرون غير الشعبية مثل خطته لرفع سن التقاعد.
ومع ذلك، فقد عززت سنوات من حشد الدعم خارج معاقلها التقليدية، في الشمال الصناعي وحول مرسيليا، ومعدل الامتناع المرتفع عن التصويت، جميعها عززت موقع حزب لوبان.
كما أثبتت صحة اختيار لوبان تحويل اهتمامات الحزب، ليس للتركيز فقط على الهجرة والجريمة، بل أيضًا على القضايا الاقتصادية، ما يجعله موطنًا للعديد من الناخبين المحرومين من حق التصويت.
إدويج دياز (34 عامًا)، التي فازت بمقعد التجمع الوطني في مقاطعة جيروند بالقرب من بوردو، التي تنتشر فيها كروم العنب الخلابة لكنها تعاني الفقر، قالت :"هذا ليس من قبيل الصدفة، لقد عززنا وجودنا المحلي بهدوء".
وأضافت دياز: "تحت لواء والد مارين جان ماري لوبان، كانت الجبهة الوطنية حزب احتجاج، ثم في عهد مارين لوبان، تطور التجمع الوطني إلى حزب معارضة جاد، الآن نحن على وشك أن نصبح حزبًا حاكمًا".
بجولة الإعادة الرئاسية في أبريل، دعم الناخبون اليساريون ماكرون نهاية المطاف.
لكن هذا الوضع انهار في التصويت التشريعي –الأحد- حيث غذت المشاعر المناهضة لماكرون الناخبين -في بعض الحالات- حزب الجبهة الوطنية ضد مرشحيه، أو فضلوا الامتناع عن التصويت، وفقًا لاستطلاعات الرأي والمحللين، فشل ناخبو ماكرون أيضًا في الحصول على دعم مرشحي Nupes في الدوائر الانتخابية، حيث واجهوا جولة الإعادة ضد حزب لوبان.
قال ماتيو غالارد، مدير الأبحاث في مركز استطلاعات الرأي إبسوس: "لم يعد هناك أي شكل للجبهة الجمهورية على المستوى المحلي، لديك ثلاثة معسكرات لا تتكاتف لتشكيل جبهة قوية".
في حفلة الليلة الانتخابية لكتلة ميلينشون، هاجم البعض ماكرون، لعدم دعوة ناخبيه للمساعدة في هزيمة لوبان.
"إنه مدين لنا بانتخابه لعام 2017، وهو مدين لنا بإعادة انتخابه لعام 2022، رفضوا الدعوة للتصويت لنا والأسوأ من ذلك أنهم أثروا فينا"، قال سياسي من حزب الخضر اسمه جوليان بايو.
تظهر النتائج أيضًا نجاح لوبان في طمس الخطوط السياسية التقليدية، إذ أظهر استطلاع أجرته هاريس إنتراكتيف أن ثلث الناخبين الذين أيدوا تحالف Nupes الأحمر والأخضر في الجولة الأولى من التصويت، اختاروا فرقة ماكرون في جولة الإعادة، لكن ما يقرب من ربعهم اختاروا دعم مرشحي التجمع الوطني.
كما أن نتائج الحزب غير المتوقعة ستخفف المشكلات المالية، التي ابتُليت بها الحركة منذ فترة طويلة، بسبب رفض البنوك الفرنسية إقراضها أو إقراض الحزب.
عام 2014، أُجبروا على اللجوء إلى بنك روسي، للحصول على التمويل، وكانت أحدث حملة رئاسية للوبان مدعومة بقرض شخصي من بنك مجري، قريب من فيكتور أوربان.
تتلقى الأحزاب الفرنسية الأموال، على أساس عدد الأصوات التي فازت بها في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، إضافة إلى 37 ألف يورو لكل نائب منتخب.
يمكن للتجمع الوطني أن يتوقع الحصول على قرابة 10 ملايين يورو سنويًا لمدة خمس سنوات، وهو مبلغ غير مسبوق، قال مسؤولو الحزب إنه سيسمح لهم، ليس فقط بسداد ديونهم، بل أيضًا بتعيين المزيد من الموظفين، وإضفاء الطابع المهني على حضورهم البرلماني.
لوبان، التي فازت في دائرتها الشمالية باس دو كاليه، تضغط بالفعل من أجل أكبر قدر ممكن من النفوذ، متحدية تحالف ميلينشون اليساري، لتولي رئاسة اللجنة المالية الحاسمة في الجمعية الوطنية، وهو منصب مخصص لزعيم المعارضة.
في خطابها، أشادت بالنتيجة رغم النظام الانتخابي "غير العادل بشكل خاص"، وتعهدت بتعزيز مخاوف الحزب بشأن الهجرة والأمن في الجمعية.
وقالت: "الوجوه الجديدة التي سنكشف عنها، مفعمة بالحماسة والحياة، هي طليعة النخبة السياسية الجديدة، التي ستتولى المسؤولية عن هذا البلد، عندما تنتهي مغامرة ماكرون".