سد النهضة تعود إلى دائرة الضوء... هل تستعد إثيوبيا لسياسة القرار المنفرد؟
سد النهضة يعود إلى دائرة الضوء مع اقتراب موسم الأمطار... وإثيوبيا تستعد لسياسة القرار المنفرد

السياق
على وقع تجمُّد المسار التفاوضي وتحذيرات من المساس بالأمن المائي، تضيق الخيارات أمام دولتي المصب (السودان ومصر)، مع استعداد إثيوبيا لشحذ أسلحة القرار المنفرد، لإشهاره في وجه القاهرة والخرطوم، مع بدء عملية ملء جديدة لسد النهضة.
تلك العملية التي ستواجَه -كسابقاتها- برفض مصري سوداني، إلا أن تحذيرات لمراقبين ومحللين كشفت عن مخاطر كبيرة تواجه المنطقة جراء ما وصفوه بـ«التعنت الإثيوبي» الذي يعقد الوصول إلى حل على المدى القريب، ما يعني مزيدًا من الضبابية والغموض بشأن مستقبل الأزمة.
واستعدادًا للخيار الإثيوبي «المر»، كشف عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، عن تطورات جديدة في عملية بناء سد النهضة، بدأت بتفريغ السدود في أديس أبابا.
وقال عباس شراقي، عبر «فيسبوك»، العمل جار في إثيوبيا على رفع الممر الأوسط منذ شهر، مؤكدًا أنه لا توجد أرقام مؤكدة عن الارتفاع الحالي، رغم تداول الوصول إلى مستوى 581 مترًا (بزيادة 5 أمتار).
هدف إثيوبي
وبينما أكد أن إثيوبيا تستهدف الوصول إلى 595 مترًا منذ التخزين الأول صيف 2020، قال إن عملية تفريغ المياه من سد النهضة ما زالت مستمرة من خلال بوابة التصرف الشرقية (30 مليون م3/يوم)، إضافة إلى كمية قلية من تشغيل التوربين رقم 10.
وشدد على أن إثيوبيا تعمل على تشغيل التوربين الثاني (رقم 9) بعد أسبوعين، إثر تعثر تشغيله مع الأول فى 20 فبراير الماضي، مؤكدًا أن أسابيع قليلة تفصل البلد الإفريقي عن بداية الأمطار الغزيرة في أول يوليو المقبل.
وأشار إلى أن إثيوبيا تعمل على تفريغ جزئي لبعض السدود، أهمها سد تاكيزي على نهر عطبرة الذي يخزن 9.5 مليار م3 ليستقبل 3 مليارات جديدة.
الأمر نفسه يعمل عليه السودان، الذي بدأ بتفريغ سد الروصيرص على النيل الأزرق بسعة (6 مليارات م3)، وسدي أعالي عطبرة وستيت (3.7 مليار م3)، وسد خشم القربة (0.5 مليار م3)، بحسب أستاذ الموارد المائية، الذي قال إن سد مروى وهو أكبر السدود السودانية (12.5 مليار م3) والأقرب إلى الحدود المصرية (نحو 1000 كم) يعمل بصورة منتظمة حتى اليوم.
تأتي تلك التطورات، بينما أعلنت مصر -قبل أيام- أنها تستعد للسيناريوهات المختلفة للفيضان المقبل، باتخاذ ما يلزم من إجراءات للتعامل مع إيراد نهر النيل.
سيناريوهات مختلفة
قال وزير الموارد المائية والري في مصر محمد عبدالعاطي، إن بلاده ستعمل على إدارة فترة أقصى الاحتياجات بنجاح وبأقل معدل للشكاوى، كما حدث في الأعوام الماضية، مؤكدًا رفع درجة الاستعداد خلال فترة أقصى الاحتياجات، والمرور الدوري على المجاري المائية والمحطات لضمان جاهزيتها.
تلك التطورات تأتي بعد أيام من تأكيد مدير سد النهضة الإثيوبي كيفلي هورو، أن مصر والسودان ستتأثران بعمليات ملء السد المقبلة، مستبعدًا توقف الملء الثالث، الذي سيكون في أغسطس وسبتمبر المقبلين.
وقال مدير سد النهضة، إن عملية بناء سد النهضة لن تتوقف لأي سبب كان، مشيرًا إلى أن السد منيع وأي حديث عن مخاطره واحتمال انهياره غير صحيح.
وبينما زعم أن بلاده تبادلت المعلومات بشأن السد مع مصر والسودان، اللتين تنفيان ذلك، أكد أن الطاقة التي جرى توليدها من السد دخلت ضمن شبكة الكهرباء في إثيوبيا.
السودان منزعج
تلك التصريحات الإثيوبية، أثارت انزعاج السودان، الذي أكد -في بيان لوزارة خارجيته- أن أديس أبابا تتجاهل موقف الخرطوم من عملية ملء وتشغيل السد، مشيرًا إلى أن الوزارة تابعت بقلق التصريحات «غير المسؤولة» لمدير سد النهضة في إثيوبيا، التي تجاهل فيها موقف السودان الثابت من عملية ملء وتشغيل السد، إلا بعد التوصل إلى اتفاق قانوني منصف وملزم، يحقق مصالح شعوب الدول الثلاث».
السودان أكد اندهاشه من «عدم اكتراث المسؤول الإثيوبي بالأضرار المحتملة على الجانب السوداني، رغم اعترافه باحتمال تأثر كل من السودان ومصر بعملية الملء الثالث، ما يشير إلى أن إثيوبيا تريد المضي قدماً في مواقفها الأحادية»، مشيرًا إلى «حق إثيوبيا في التنمية لكن من دون إحداث أضرار ذات شأن بالسودان».
وتتجمد المفاوضات الثلاثية منذ نحو عام، بعد أن اصطدمت جولة المحادثات التي استضافتها العاصمة الكونغولية كينشاسا في أبريل 2021، بجدار الخلافات بين البلدان الثلاثة، وباءت ما سمتها القاهرة حينها «مفاوضات الفرصة الأخيرة» بالفشل، من دون تحقيق أي تقدم يُذكر.
وتتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل إلى اتفاق ثلاثي لملء وتشغيل السد، لضمان استمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه نهر النيل، إلا أن إثيوبيا ترفض ذلك، وتؤكد أن سدها لا يستهدف الإضرار بأحد، رغم اعترافها بآثاره السلبية.