ناشيونال إنترست: مارس شهر المرأة... لكن ليس في إيران

مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، سلطت الضوء على أوضاع المرأة الإيرانية، في ظل التعسف الذي وصل إلى القتل، والاعتقالات العشوائية والاغتصاب، بحق كثيرات.

ناشيونال إنترست: مارس شهر المرأة... لكن ليس في إيران

ترجمات – السياق

في الثامن من مارس كل عام، يحتفل العالم بيوم المرأة، إلا أن الوضع في إيران -هذا العام- يبدو مختلفًا، إذ يأتي بعد أشهر من مقتل مهسا أميني، على يد شرطة الأخلاق، بدعوى عدم ارتدائها الحجاب بالشكل اللائق، كما يتزامن مع تعرض مئات التلميذات لحالات تسمم، وسط اتهامات للنظام بالوقوف وراءها.

مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، سلطت الضوء على أوضاع المرأة الإيرانية، في ظل التعسف الذي وصل إلى القتل، والاعتقالات العشوائية والاغتصاب، بحق كثيرات.

وحسب المجلة، يرى محللون أن أحد الدوافع وراء تسمم الطالبات هو زرع الخوف، بحيث لا تحضر الفتيات إلى المدارس، ومن ثمّ يمتنعن عن المشاركة في الاحتجاجات العارمة، التي انتشرت في أنحاء إيران منذ سبتمبر 2022 احتجاجًا على قتل أميني.

بدورها، سردت نائبة رئيس قسم الاستراتيجيات والعلاقات الدولية، في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات توبي درويشفيتز، والمساعدة في شؤون العلاقات الدولية كاتي رومين، بعض ما تتعرضن له النساء من تعسف داخل إيران، بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة.

يشار إلى أن أكثر من 1000 فتاة أصبن بإعياء، بعد تعرضهن للتسمم منذ نوفمبر الماضي، بحسب ما أفادت تقارير إعلامية.

ووجَّه ناشطات اتهامات للنظام بالوقوف وراء التسمم، انتقامًا من النساء والفتيات، لمشاركتهن في تظاهرات "امرأة، حياة، حرية".

وكتبت الناشطة الإيرانية البارزة مسيح علي نجاد، التي تعيش في نيويورك على "تويتر" قبل أيام: "الفتيات في إيران يدفعن ثمن الكفاح ضد الحجاب الإلزامي، ويتعرضن للتسمم من المؤسسة الحاكمة".

كانت موجة التسميم هذه بدأت في نوفمبر الماضي، منطلقة من مدينة قُم، حيث أصيب ما يقارب 800 طالبة بحالات إعياء ووجع في الأمعاء وإغماء، جراء استنشاق غاز سام.

 

توسلات الأمهات

ونقلت "ناشيونال إنترست" عن إحدى الأمهات في مدينة قُم الإيرانية توسلها -بعد أن تعرضت ابنتها للتسمم- قائلة: "الأمهات الأعزاء، أنا أم وطفلتي ترقد في المستشفى بين الحياة والموت... لا ترسلوا أطفالكم إلى المدرسة".

وأشارت المجلة إلى أنه رغم إصابة المئات من طالبات المدارس الإيرانيات بالتسمم، فإنه لم يتضح -حتى الآن- مرتكبو هذه الهجمات، لكن جماعات حقوق الإنسان تشتبه في أن جماعات دينية متطرفة، وجدت أرضًا خصبة في إيران تقف وراءها.

ودعت درويشفيتز ورومين، إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وحلفاءها، إلى إثارة هذا التطور المقلق جدًا، في الاجتماع المقبل للمجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الذي يبدأ 14 مارس الجاري.

وأضافتا أن مارس هو شهر النساء، وقد احتفل بايدن بهذه المناسبة بالدعوة إلى "أمة تعرف فيها كل امرأة وفتاة أن إمكاناتها لا حدود لها في أمريكا"، ولفتت الكاتبتان إلى أن العكس يحدث في إيران.

 

كشف المتورطين

منذ نوفمبر 2022، انتشرت مواد سامة، وربما عناصر كيميائية، في أكثر من 50 مدرسة، وتسببت بإصابة ما يربو على ألف تلميذة.

وعانت الطالبات الغثيان والخدر في أطرافهن، وصعوبة التنفس، وتسارع دقات القلب، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

وبينما دفعت الهجمات هذه بكثيرات من الفتيات إلى عدم الحضور للمدارس، قالت مُعلمة لوسائل الإعلام الإيرانية إن "هناك 250 تلميذة في مدرستنا، لم تحضر منهن سوى 50 فقط".

ومع ذلك، فإن وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي، عزا بعض الأعراض التي تعانيها الفتيات إلى "التوتر"، منددًا بوسائل الإعلام الأجنبية، لأنها تثير الذعر.

وحاولت وزارة الداخلية –الثلاثاء- تهدئة الناس المطالبين بكشف المتورطين، معلنة إيقاف عدد من المشاغبين.

وزعمت أن أحد المعتقلين نقل المواد المسممة إلى المدرسة عبر طفله، ثم أرسل بعد ذلك مقاطع مصورة من المدرسة إلى ما وصفتها بـ"وسائل إعلام معادية" في الخارج، في إشارة إلى سعيه لتأجيج الرأي العام وتضخيم المسألة.

إلا أن بيانها أثار حملة انتقادات واسعة، لاسيما بعدما ألمحت إلى تورط "وسائل إعلام العدو"!

فقد وجَّه عديد من الناشطين انتقادات للرواية الرسمية، التي ألقت المسؤولية على "مواطنين شاركوا في الاحتجاجات مؤخرًا"، في إشارة إلى التظاهرات التي تفجرت منذ منتصف سبتمبر الماضي، إثر قتل الشابة مهسا أميني.

ورأى بعض المنتقدين على وسائل التواصل، أن السلطات تحاول إلصاق التهم مجددًا بالمحتجين، أو حتى الغرب.

 

مدارس غير آمنة

من جانبهم، تظاهرت عائلات التلميذات احتجاجًا على التسمم، وهتفن: "لا نريد مدارس غير آمنة"، وظهر في فيديو مسرب، إقدام الشرطة على اعتقال أم بسبب تضامنها مع التلميذات.

تأتي حوادث التسمم وسط احتجاجات اندلعت في سبتمبر الماضي، عقب وفاة الشابة مهسا أميني (22عامًا) أثناء توقيفها من قِبل شرطة الأخلاق في طهران، بزعم أنها لم تكن تضع حجابها بطريقة ملائمة، ونددت الاحتجاجات بنظام رجال الدين، وبوحشية القمع الذي مارسه النظام، وطالبت بإسقاطه.

ورغم أن الاستخبارات والقوى الأمنية الإيرانية، أعلنت أنها تحقق في الحوادث، فإن إيران -حسب المجلة الأمريكية- لا تملك سجلاً من التحقيقات ذات المصداقية.

على سبيل المثال، ينفي المسؤولون حدوث عمليات اغتصاب في السجون، وأن تكون طهران قد اعتقلت آلاف المحتجين، وأن القوى الأمنية قتلت مئات المتظاهرين السلميين.

وبعد التعرض للتسمم مرتين، أشارت تلميذة إلى روايات متناقضة لإدارة المدرسة، إذ أبلغت بأن "كل شيء على ما يرام، وقمنا بتحقيقاتنا"، ومع ذلك، فإن المدرسة قالت لوالدتها إن الدائرة التلفزيونية المغلقة في المدرسة "كانت معطلة منذ أسبوع ولا يمكننا التحقيق في الأمر"، وزعمت المدرسة خطأ أن التلميذة لديها مشكلة في القلب، وأن هذا ما سبب لها الألم.

 

اغتصاب نساء

إلى ذلك، أشارت الكاتبتان (درويشفيتز ورومين) أن الإنكار جزء من طريقة العمل في طهران، ففي فبراير الماضي، كشفت وثيقة حكومية إيرانية، أن طهران أخفت عمدًا أن الحرس الثوري اغتصب نساء شاركن في الاحتجاجات.

وأشارت الوثيقة إلى "احتمال تسرب هذه المعلومات إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديمها بصورة مضللة من مجموعات العدو"، كسبب للاحتفاظ بها سرًا.

وفي مقابلة تلفزيونية، سألت كريستيان أمانبور من شبكة سي إن إن الأمريكية، وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان عن اغتصاب عملاء النظام متظاهرة في منشأة تابعة للحرس الثوري الإيراني، إلا أن عبداللهيان نفى هذا الاتهام، وقال إن تقارير شبكة سي إن إن "مستهدفة وكاذبة".

ورغم أن كريستيان أمانبور أوضحت أنها تحدثت إلى رجل دين إيراني أكد لها ما وقع للفتاة، فإن عبداللهيان اعترض على أسلوب المراسلة الأمريكية، موضحًا أن "هذه ليست طريقة لإجراء مقابلة".

كما وصف وزير الخارجية الإيراني تقارير الشبكة الأميركية بأنها "موجهة وكاذبة"، لترد عليه كبيرة مراسلي "سي إن إن" قائلة: "نحن ننقل الحقائق وننقل الحقيقة، ولهذا السبب تجلس معي هنا، سيدي وزير الخارجية".

من جانبه، أعرب الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس عن أمله بأن تجري السلطات الإيرانية تحقيقًا في حوادث التسمم.

وتعليقًا على ذلك، ترى الكاتبتان، أنه ينبغي أن يثير السفير جوزيف مانسو، ممثل الولايات المتحدة في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، المسألة للتوصية بإجراء تحقيق من قِبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في الاجتماعات اللاحقة، وأضافتا: "على إيران أيضًا أن توافق على هذا التحقيق" ، إلا أنهما استبعدتا ذلك.

وشددتا على أن هناك مزيدًا مما يمكن للمجتمع الدولي القيام به لمحاسبة إيران، وبينتا أنه كجزء من بعثة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بشأن انتهاكات إيران لحقوق الإنسان المتعلقة بالاحتجاجات، يجب على المجلس اعتبار حالات التسمم جزءًا من تحقيقه.

وترى (درويشفيتز ورومين) أن تاريخ إيران في إخفاء الحقائق، يجعل تحرك أطراف ثالثة في حوادث التسمم ضرورية، وعلى الأسرة الدولية إجراء تحقيق شفاف، وأضافتا: "هناك انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان في إيران، كانت سبب طردها من لجنة الأمم المتحدة بشأن وضع النساء في ديسمبر الماضي".

وشددتا على أنه في الوقت الذي تواصل فيه إيران تقويض حقوقهن، فإن عزم النساء في إيران لن يلين.

وأشارتا إلى أنه خلال الاحتفال بشهر المرأة، على بايدن والمجتمع الدولي التحرك لدعم المرأة الإيرانية، وتخليصها مما تئن منه، وأضافتا: "دعونا ندعم بنشاط وصدق، نساء إيران هذا الشهر وكل شهر".