ترك عائلات داعش في مخيم الهول.. قنابل موقوتة وفرصة ثمينة لعودة التنظيم

المخيمات والسجون أرضية خصبة لجيل جديد من المقاتلين الأجانب، يمهد الطريق لعودة داعش في المنطقة.

ترك عائلات داعش في مخيم الهول.. قنابل موقوتة وفرصة ثمينة لعودة التنظيم

السياق

على وقع تزايد هجمات «داعش» مؤخرًا في العراق وسوريا، ومع مساعي البلدين لدحر آمال التنظيم الإرهابي، في إعادة بناء دويلته المزعومة، كانت مخيمات ومراكز الاحتجاز إحدى نقاط الضعف وأكثرها تعقيدًا في جهود المكافحة.

فالمخيمات ومراكز الاحتجاز، التي تضم عشرات الآلاف من النساء والأطفال، كثير منهم له روابط عائلية بـ«داعش»، باتت هدفًا للتنظيم الإرهابي، أملًا في تحرير المنتسبات من النساء واللاتي يمكن أن يشكلن نواة مثالية لخلايا إرهابية أكبر خارج المخيم.

تلك المخاوف تتزامن مع هجمات التنظيم الإرهابي على السجون لتحرير عديد من مسجونيه، أثارت القلق من أن توقيتها قد يشير إلى محاولة إعادة بناء هيكل «داعش».

وعن سر الهجوم على المخيمات والسجون، قال المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، في دراستين اطلعت عليهما «السياق»، إن تلك المخيمات والسجون أرضية خصبة لجيل جديد من المقاتلين الأجانب، يمهد الطريق لعودة داعش في المنطقة.

 

مراكز الاحتجاز

حسب الإحصاءات الصادرة في 13 أغسطس 2022، فإن عدد العراقيين المحتجزين في مخيم الهول، يصل إلى 28 ألفًا و806 أشخاص، ضمن 7 آلاف و850 أسرة.

الإحصائيات نفسها أشارت إلى أن هناك أكثر من 620 شخصًا يحملون الجنسية العراقية، يشكلون 150 عائلة من أفراد عائلات «داعش» المحتجزين في مخيم الهول بريف الحسكة، مشيرة إلى أنهم نقلوا عبر حافلات إلى مخيم جنوبي مدينة الموصل.

كان مئات العراقيين من أفراد عائلات، يشتبه بارتباطها بالتنظيم، غادروا مخيم الهول، بينما تنقل غالبًا السلطات العراقية هؤلاء إلى مخيم الجدعة، جنوبي مدينة الموصل، قبل إعادة بعضهم إلى المناطق التي يتحدرون منها.

 

محاولات لتهريب مقاتلي داعش

يقول المركز الأوروبي، إن مخيم الهول شهد 728 محاولة هروب منذ مارس 2020 لتهريب مقاتلي داعش، آخرها إحباط تهريب شاحنة تنقل 39 طفلاً و17 امرأة من 56 عائلة من عائلات داعش.

كما وقعت أكثر من 30 جريمة قتل في المخيم منذ بداية عام 2022، بينما عثرت السلطات المسؤولة عن المخيم، على شبكة من الخنادق والأنفاق، أسفل مخيم الهول شرقي الحسكة في 5 أغسطس 2022، تربط أحد قطاعات المخيم بالجدار الخارجي ومن هناك بالمناطق المحيطة، كانت تستخدمها الخلايا النائمة لتنظيم داعش الإرهابي، لتهريب الأشخاص وتنفيذ عمليات القتل ومحاولات الاغتيال.

 

عمليات إرهابية داخل الهول

تقول الدراسة الأوروبية، إن الولايات المتحدة حذرت في 12 مايو 2022 من أن إبقاء 10 آلاف من معتقلي داعش في معسكرات الاعتقال شمالي شرق سوريا، حيث يحاول التنظيم استعادة قوته في المنطقة، يعد خطيرًا.

وبحسب الدراسة، فإن الهروب من سجن لداعش في يناير 2022 بالحسكة في سوريا كان «مثالاً على الخطر» الذي يشكله عديد من المقاتلين الأجانب المحتجزين في المنطقة.

وتنسب العمليات الإرهابية في مخيمات الاحتجاز إلى نساء داعش، اللاتي انتمين وقت «خلافة داعش» المزعومة إلى وحدات الشرطة الدينية الخاصة بهن المعروفة بـ «الحسبة».

إلا أن الخطر الداهم  يكمن في أن نحو 7300 طفل في المخيم يعيشون تحت وصاية أمهاتهم المنتسبين إلى داعش، اللاتي يلقنونهم أفكار داعش، ويحرضن الأطفال على العنف على عمال الإغاثة المحليين والدوليين، وكذلك على النساء الأخريات في المخيم، اللائي يحاولن قطع علاقاتهن بداعش.

وباستخدام الهواتف السرية، حاولت نساء داعش -مرارًا وتكرارًا- الهروب من المخيم والتواصل مع العالم الخارجي، للوصول إلى وسائل التواصل.

فصل الأطفال

اعتمد بعض دول أوروبا فصل الأطفال عن أمهاتهم، داخل المخيمات أو حتى عند إعادتهم إلى أوطانهم، لكن المواثيق الدولية تنص على عدم فصل الأطفال عن الأمهات.

فوفقًا للمادة 9 من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل «لا يجوز فصل الطفل عن والديه رغماً عنهما، إلا عندما تقرر السلطات المختصة أن هذا الفصل ضروري لمصالح الطفل».

مخاطر احتجاز مقاتلي داعش داخل السجون والمخيمات

ما إن دقت الساعة لتشير إلى 29 مارس 2022، تصاعد التوتر في مخيم الهول، على خلفية اشتباكات بين قوات الأمن الكردية (الأسايش) المسؤولة عن أمن المخيم، وخلايا لداعش، عبر تعرّض إحدى دورياتها «أثناء تجوالها ضمن مخيم الهول للاستهداف بأسلحة كلاشنكوف ومسدسات تشير الهجمات إلى عودة ظهور داعش».

ويقول المركز الأوروبي، إن داعش ما زال ينشط في سوريا، حيث توجد «بؤرة عمليات» التنظيم، فكان هجوم على سجن الحسكة في يناير 2022، الذي كان يحتجز فيه مئات من مقاتليه، أكبر عملية له منذ «انهيار الخلافة»، ما يظهر أنه لا يزال قادرًا على تنفيذ عمليات واسعة النطاق فيه.

الهجوم الذي استغرق 6 أشهر من التخطيط، شارك فيه ما لا يقل عن 200 من مقاتلي داعش، بعضهم جاء من مناطق رأس العين وتل أبيض في سوريا، وآخرون من منطقة الرمادي في العراق.

ورغم أن هذه ليست المحاولة الأولى للفرار من السجن، فإن المخاوف تتزايد من أن توقيت الهجوم وجرأته يشيران إلى القوة المتجددة للتنظيم.

ويقول كريج وايتسايد، الأستاذ المشارك في الكلية الحربية البحرية الأمريكية، إنه لا توجد لعبة نهائية أمريكية في سوريا أو العراق، فالسجن مجرد مثال واحد على هذا الفشل في العمل نحو حل طويل الأمد.

وأشار الأستاذ المشارك في الكلية الحربية البحرية الأمريكية إلى أنها «مسألة وقت لداعش قبل أن تظهر فرصة أخرى»، مؤكدًا أن كل ما على التنظيم ومقاتليه فعله، هو التماسك حتى ذلك الحين.

 

استغلال النزاعات والصراعات

يقول المركز الأوروبي، إن تركيا -حليفة الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي- هاجمت قوات سوريا الديمقراطية، الحليفة أيضًا للولايات المتحدة عام 2019، ما أدى إلى زعزعة استقرار المنطقة.

وحذر المركز الأوروبي من أن حدوث توغل تركي آخر، سيدفع مئات الآلاف من الذين يعيشون في المنطقة الحدودية إلى النزوح، ما يزيد الاضطرابات.

كما حذر من أن حراس السجون التابعين لقوات سوريا الديمقراطية وقوة الأمن الداخلي ذات الصلة في الهول سيرسلون إلى الجبهة، كما حدث عام 2019، ما يجعلهم يفقدون السيطرة على معتقلي «داعش».

وأشار إلى أن مخيم الهول عزز دوره كفاعل رئيس في شبكة «داعش» المالية، وأسهم في نقل احتياطاته النقدية التي قدرت حينها بنحو 100 مليون دولار.

ففي 14 فبراير 2021، قالت الاستخبارات الأمريكية، إنه غالبًا ما يهرب وسطاء في تركيا الأموال إلى سوريا، من خلال أنظمة تحويل الأموال في المخيمات.

وتشير المعلومات الاستخبارية إلى أن مجرد تسلل الأشخاص من مخيمات النازحين، يمكن أن يكون عملاً تجارياً كبيراً، فالمهربون يتقاضون 2500 إلى 3000 دولار للفرد، وقد تصل إلى 14 ألف دولار.

 

روشتة أوروبية

يقول المركز الأوروبي، إن المخاوف تتزايد من أن تفرز مخيمات الاحتجاز والسجون جيلًا جديدًا من المقاتلين الأجانب، يمهد الطريق لعودة داعش في المنطقة.

وأكد أن إعادة المقاتلين الأجانب وأسرهم إلى الوطن وإعادة دمجهم قضية معقدة ومثيرة للجدل، مشيرًا إلى أنه في حين أن الحكومات لديها عديد من الوسائل القانونية لمعالجة ما يحدث للمقاتلين الأجانب، فإنها غالبًا ما تفتقر إلى الأدوات اللازمة للتعامل مع أو مساعدة النساء والقُصَّر اللائي لم يشغلن مناصب في الخطوط الأمامية.

وشدد على ضرورة عدم معاقبة الأطفال جماعياً على الجرائم التي ارتكبها آباؤهم، مشيرًا إلى أن الحل الوحيد للحكومات يكمن في إعادة هؤلاء الأطفال أو مساعدتهم في الانتقال إلى بلد ثالث.

وأكد ضرورة أن يكون هناك تحالف دولي جديد لمحاربة التطرف والإرهاب، أكثر من محاربة تنظيم داعش، مشيرًا إلى أن على دول المنطقة أن تنهض بأمنها القومي، من دون الاعتماد على الولايات المتحدة ولا دول أوروبا.

كما أكد ضرورة أن يكون هناك مؤتمر دولي أو منتدى، لوضع المعالجات والتدابير لاستعادة الدول رعاياها، مناشدًا الأمم المتحدة والمنظمات الدولية -ومنها الهلال والصليب الأحمر ومنظمات الإغاثة- تقديم خدمات أفضل إلى رعايا داعش في مخيمات سوريا.