دائرة الدماء... ماذا وراء تصاعد التفجيرات في أفغانستان؟ 

تنظيم داعش خراسان يسعى -من خلال هذه الهجمات- إلى تأكيد هشاشة طالبان، وعدم قدرة الحركة على إدارة شؤون البلاد

دائرة الدماء... ماذا وراء تصاعد التفجيرات في أفغانستان؟ 

السياق

تفجيران في أقل من 48 ساعة، اهتزت لهما أفغانستان، كان أحدهما يستهدف قادة حركة طالبان، في مشهد يثير العديد من التساؤلات عن مستقبل الأمن في البلاد، وقدرة الحركة على مواجهة التنظيمات المسلحة والإرهابية، في ظل الانقسامات التي ضربتها.
التفجير الأول استهدف مسجد كازركاه بولاية هيرات، وأسفر عن قتل خطيب وإمام المسجد، وكان هناك في ذلك التوقيت نائب رئيس وزراء حكومة طالبان الملا عبدالغني برادر، وبعض قادة الحركة.
أما التفجير الثاني فقد استهدف مدرسة دينية بولاية هلمند جنوبي البلاد، وأسفر عن قتل 4 أشخاص وإصابة 3، رغم أن جهاز الأمن داخل حركة طالبان زعم أنه نتيجة انفجار قنبلة من مخلفات الحرب.
في ضوء ما سبق، يرى خبراء أن الانقسامات التي ضربت حركة طالبان، لها دور في هذه التفجيرات، لاسيما أنها تستهدف قيادات الصف الأول، وهو ما يضيف تحديًا جديدًا للحركة، إلى جانب جماعة داعش خراسان.

داعش و"حركة المقاومة"

ورغم ذلك، يرى الدكتور خالد عباس الخبير بمرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب والتطرف في حديثه لـ"السياق"، أن العملية الأخيرة التي استهدفت مسجدًا بمدينة هيرات، ليست من داخل طالبان نفسها، لأنه من الصعب جدًا القول إن الحركة تقتل نفسها أو تأكل أبناءها، إلا إذا كان الخلاف واضحًا.
ولفت إلى أن حركة طالبان -منذ وصولها إلى السلطة- أخذت في تعزيز الأمن، وهو أمر ليس سهلًا، بعد عقود من الفوضى والتوتر.
وأوضح عباس أن تنظيم داعش هو التهديد العسكري الرئيس لحركة طالبان، وينشط شرقي أفغانستان، إذ يقدر عدد قواته بأربعة آلاف، كما أنها كجهة تتبنى بعض هذه التفجيرات، في محاولة لإثبات وجودها على الأرض، وتعد التهديد الرئيس للأمن في البلاد.
ونوه الخبير بمرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب والتطرف، إلى أن داعش ليست وحدها التي تناوئ السلطة الحالية، فقد تشكلت في أفغانستان حركة لمقاومة طالبان كان قوامها مسؤولين سابقين من النظام القديم ومليشيات محلية تابعة لجهاز الأمن الأفغاني، إلى جانب بعض القبائل التي شعرت بتنحيتها، بعد وصول الحركة للسلطة، وبأن لهم حق مشاركتها.
ويلفت عباس إلى استبدال حركة طالبان بمسؤولين متخصصين في مجالاتهم، آخرين من ذوي القربي ليسوا ذوي كفاءات، الأمر الذي أدى إلى احتقان داخلي.
لذلك فإن حركة مثل جبهة المقاومة الوطنية، وإن كانت لا تمثل خطرًا كبيرًا على طالبان، يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الأرض، خاصة إذا تلقت أي دعم داخلي أو خارجي.

إدارة صعبة

وفي ما يتعلق بقدرة طالبان على إدارة معركتها مع الجماعات المسلحة، أشار الخبير بمرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب والتطرف، إلى أن إدارة الحركة للبلاد أصعب كثيرًا من إدارتها للحرب على الأمريكيين.
وأضاف أن المشهد في أفغانستان معقد جدًا، إذ تتقاذفها تعددات عرقية ومذهبية، إلى جانب جماعات مسلحة منتشرة وتحمل السلاح، ووجود جيل منفتح على الغرب، وهو الذي عاش وقت وجود القوات الأمريكية مع الحكومات الموالية لها، التي كانت تتبنى أيدولوجيات ليبرالية، وهذا الجيل يرى أن مستقبل أفغانستان -بشكل أو بآخر- لابد أن يرسم عبر الانفتاح على الغرب، لأنهم يرون أن التقدم الحضاري يرتبط بهم.
وأشار إلى أن هذا الجيل المتفتح أيضاً، يصطدم في أفكاره بالتأكيد مع الجيل القديم المحافظ، المتمرس على فكرة الحرب والسياسة، خاصة من زعماء حركة طالبان.
وتابع أنه في بلد مثل أفغانستان يموج بكل تلك التموجات المذهبية والإثنية، لا يمكن لحركة مثل طالبان أن تفرض شرعيتها ووجودها بالقوة، لكنها تحتاج مع القوة مواءمات واتفاقيات، إذ لابد أن يكون هناك تفاوض مع الجميع، حتى تصل إلى استقرار داخلها.
مخاوف إقليمية ودولية
نقطة أخرى تزيد الأمور تعقيدًا -بحسب عباس- أن بعض الدول المجاورة لأفغانستان يلاحظ أنها متوجسة من الحركة نفسها، وهو ما يؤثر في علاقات طالبان الخارجية، وهناك شبه توتر دائم مع الدول الغربية وأمريكا، إلى جانب توتر علاقاتها مع روسيا والصين وإيران.
ولفت إلى أن طالبان تبحث عن تنفيذ أيديولوجيات وأجندات خاصة بها، وهو ما ستحدده الفترة المقبلة، حال سيطرتها على المعسكر الداخلي الرافض لعلاقاتها مع الغرب، وفي هذه الحالة ربما تحدث انفراجة تساعدها في تثبيت شرعيتها وأركان حكمها في أنحاء أفغانستان، وهو أمر لن يكون على المطلق وستظل هناك قلائل داخل أفغانستان.
ويشدد الخبير بمرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب والتطرف، على أن الحركة لم تستطع الحصول على الشرعية الدولية، فهناك مشكلات كثيرة منها ما ظهر وقت وجود أيمن الظواهري، خاصة أن هناك اتفاقيات غير معلنة إلى جانب اتفاقية الدوحة، بألا تأوي حركة طالبان إرهابيين، ولهذا السبب فالولايات المتحدة وبعض الدول الغربية مازالت تفرض عقوبات على الحركة.

صراع داخلي
ولم يغفل عباس وجود صراع داخل الحركة، لكنه لم يصل إلى الانشقاق والمواجهة المسلحة، إذ إن هناك تيارين، أحدهما سياسي يهتم ببناء علاقات خارجية للحصول على شرعية دولية، والآخر هو الجناح العسكري الذي لا يريد التنازل عن الثوابت التي اكتسبتها الحركة منذ تأسست وقامت عليها، لذا فهم لا يريدون الانفتاح على الخارج لأنه يعد نسفًا لثوابت الحركة.
ويلفت عباس أيضاً إلى أن هناك تهديدًا آخر، هو التهديد الاقتصادي، فالحركة تمر بأزمة اقتصادية وتطالب بعض الدول بالإفراج عن أصول أفغانستان لتسيير أمور البلاد.
ولكن، بسبب عدم الاعتراف بالحركة من كثير من الدول، لم تتم الاستجابة لمطالبها، لذلك تعاني الحركة عزلة إلى جانب عدم وجود احتياطات من العملات الـجنبية، وهو ما يؤثر بشكل كبير جدا في الأفغان، وفق الخبير بمرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب والتطرف.
 وبحسب تقديرات ومؤشرات الأمم المتحدة فإن 97% من سكان أفغانستان -بشكل تقريبي- مع نهاية هذا العام سيصبحون تحت خط الفقر إن لم تحدث انفراجة، وهو ما يعني تعرض أفغانستان إلى مجاعة.

هشاشة طالبان

رانيا مكرم الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية توضح لـ"السياق"، أسباب تزايد الهجمات الإرهابية على أفغانستان خلال الفترة الماضية.
وأشارت إلى أن تنظيم داعش خراسان يسعى -من خلال هذه الهجمات- إلى تأكيد هشاشة طالبان، وعدم قدرة الحركة على إدارة شؤون البلاد.
ولفتت رانيا إلى أن التفجيرات الأخيرة، خصوصا التي تستهدف المساجد، تحمل العديد من الملاحظات، منها أن المساجد ودور العبادة من أسهل الأهداف للجماعات الإرهابية، حيث تعد هدفاً رخواً وسهلاً إذ عادة ما لا تخضع لحماية أمنية، ويمكن بسهولة -من خلال استهداف مسجد- إيقاع عدد كبير من القتلى والمصابين، وإحداث حالة من الفزع بين الناس، بسبب عدد الضحايا العُزل.
ولهذا، بحسب مكرم، يحرص تنظيم داعش خراسان على تنفيذ هجماته خلال أيام الجمعة، لاستهداف أكبر عدد من الضحايا، لاسيما أن لدى تنظيم داعش -على وجه الخصوص- استراتيجية استهداف العُزل في المساجد ودور العبادة، والأسواق والمستشفيات، التي يسعى من خلالها إلى تحقيق خسائر كبيرة في صفوف المستهدفين من دون مقاومة، ولا دفاع عقب التنفيذ.
ونوهت أيضاً إلى أن تنظيم داعش يسعى، من خلال هجماته المستمرة في أفغانستان على المساجد، إلى إرسال رسائل للأفغان، مفادها أن حكومة طالبان غير قادرة على تأمينهم، وبذلك يجدون أنفسهم مدفوعين إلى اللجوء للتنظيم وقبول وجوده، والاستسلام لأوامره كما حدث في العراق، عندما سيطر التنظيم على العديد من المدن العراقية وأقام فيها نظامه الخاص، وأصبح -بحكم سيطرته على هذه المدن- حاكمًا لها.
ولفتت رانيا أيضاً، إلى أن كثافة الهجمات في أفغانستان تشير إلى انقسام داخل الحركة، يسمح باختراق استراتيجيتها الأمنية، وخططها لبسط سيطرتها على البلاد.
وقد بدت مظاهر هذا الانقسام مبكرًا فور سيطرتها على الحكم، بحسب الباحثة، من خلال الهامش المتاح أمام قادتها لتنفيذ الإصلاحات التي تعهدت بها الحركة، وأيضاً من خلال تشدد بعض الولايات، ومرونة ولايات أخرى، لذلك وقعت الحركة في فخ تنفيذ الاستراتيجية التي وافقت عليها القيادة بشكل مركزي، نظرًا لاستقلالية قرار اختيار تكتيكات التنفيذ من قِبل القادة الفرعيين.
وأشارت إلى أن هذه الانقسامات بين قادة الحركة أيضًا ظهرت في محاولات إعادة توزيع الموارد بين الأقاليم، بسبب التنافس على حكم الولايات الغنية، والعزوف عن تولي مسؤولية الأقاليم الأكثر فقرًا.
ولم تغفل رانيا أيضاً، أن البعد الطائفي لم يكن غائبًا في توزيع المناصب البارزة في أفغانستان، بعد سيطرة طالبان على السلطة، حيث برز اتجاه واضح لتوسيع دور القومية البشتونية، على حساب الأوزبك والطاجيك، رغم انضمام مجموعات أوزبكية وطاجيكية إلى الحركة شمالي أفغانستان، الأمر الذي أسهم في إنهاء أزمة مقاومة إقليم بانشير بشكل سريع.