صراع نفوذ بين التنظيمات الإرهابية... لماذا نفذ داعش مذبحة أوغندا؟
إبراهيم عرفات، المتخصص في الشأن الأمني والإقليمي يقول لـالسياق، إن تمدد داعش شرقي إفريقيا، يأتي في إطار محاولته للسيطرة على مناطق نفوذ تنظيم القاعدة، والجماعات المتحالفة معه مثل حركة الشباب.

السياق "خاص"
مذبحة وُصفت بالوحشية، قُتل فيها 42 شخصًا، بينهم 38 تلميذًا، بينما اختُطف 15 في هجمات شنتها جماعة إرهابية على مدرسة في أوغندا.
السلطات حمَّلت "جماعة القوات الديمقراطية المتحالفة" المرتبطة بتنظيم داعش، المسؤولية عن هذا الهجوم، الذي استهدف بلدة مبوندوي، قرب حدود الكونغو الديمقراطية.
وتنشط هذه الجماعة المرتبطة بداعش، على الحدود بين أوغندا والكونغو الديمقراطية، تحت شعار "القتال من أجل حقوق المسلمين المهمشين"، كما تسعى إلى إطاحة الحكومة في العاصمة كمبالا.
هذه العملية، تثير التساؤلات: لماذا نشط داعش شرقي إفريقيا؟ وهل بدأ التنظيم الإرهابي التحرك، لتثبيت نفسه على الأرض، في إطار جغرافي متصل من الغرب إلى الشرق؟ وما فرص نجاحه في ظل تراجع الاهتمام الدولي بالحرب على الإرهاب في إفريقيا؟
تمركز وتمدد
محمود الطباخ، الباحث في الشؤون الإفريقية وتنظيمات الإرهاب، يقول لـ"السياق"، إن داعش ينشط شرقي إفريقيا، حتى قبل عمليته الأخيرة غربي أوغندا.
وكشف أنه يتموضع في هذه المنطقة الحدودية بين أوغندا والكونغو الديمقراطية، قبل سنوات، ويعمل على تجهيزها كنقطة انطلاق للتمدد في الدول المجاورة.
الطباخ أوضح أيضًا أن هناك تنسيقًا كبيرًا بين فرع التنظيم فيما تعرف بولاية شرقي إفريقيا بمنطقة بونتلاند في الصومال، والفرع الآخر للتنظيم المسمى ولاية وسط إفريقيا، وتحديدًا شرقي الكونغو الديمقراطية، كما يوجد تنسيق أيضاً بين فرع داعش بالكونغو الديمقراطية، وآخر في موزمبيق (يعرف نفسه بولاية موزمبيق).
هذه الشبكة من العلاقات، أكدتها تقارير مجلس الأمن الدولي، منها تقرير صدر نهاية العام الماضي، إذ يركز "داعش" على شرقي إفريقيا، منذ إعلان دولته المزعومة بسوريا والعراق في يونيو 2014، بحسب الباحث في الشؤون الإفريقية وتنظيمات الإرهاب.
وفي الماضي القريب سعى التنظيم للحصول على مبايعة حركة الشباب الصومالية، لضمان وجوده في المنطقة، لكن مع رفضها مبايعة داعش وتمسكها بالولاء لتنظيم القاعدة، بدأ داعش خطط اختراق شرقي القارة.
أهمية استراتيجية
وعن إصرار داعش على أن يكون موجودًا شرقي القارة الإفريقية، يرى الطباخ أن ذلك له أسباب عدة، أولها أنها منطقة هشة تشهد أوضاعًا متأزمة وتحولت دول فيها مثل الصومال إلى"دولة فاشلة" غير قادرة على حماية حدودها، وكذلك الحصول على ولاء مواطنيها، ما يظهر في النتائج غير المرجوة من سياسات الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود.
السبب الثاني، يتمثل في الأهمية الاستراتيجية لشرقي إفريقيا بالنسبة للجماعات والتنظيمات "المارقة" إن جاز الوصف، إذ تنشط فيها التجارة غير المشروعة بشكل كبير، بحسب الباحث، الذي أكد أن دولة مثل كينيا تستحوذ على النصيب الأكبر من هذه الأنشطة.
وأكدت تقارير مجلس الأمن أيضاً، وجود روابط وثيقة بين الجريمة المنظمة والجماعات والتنظيمات الإرهابية شرقي إفريقيا، ما يجعلها بيئة خصبة لأنشطة داعش، إذ يستخدم كل منهما الآخر ويوظفه وفق استراتيجيات براغماتية، تقوم على المصالح المتبادلة في المقام الأول، وليس لها علاقة بالجانب العقائدي الفكري.
أما العامل الثالث فيتمثل في جغرافية المنطقة ذاتها، وما تمثله كممر للتجارة العالمية، لاسيما في باب المندب وعلى طول الشريط الساحلي الشرقي للقارة، لذلك فإن التحرك فيها عبر العمليات الإرهابية، يمثل ضربة نوعية تعيد داعش إلى المشهد العالمي، وفق رؤية الباحث.
ولم يغفل أيضاً محاولة داعش تعويض خسارته في الدول العربية، خصوصا بعد سقوط آخر معقل له عام 2019، في سوريا، لذا باتت إفريقيا الرهان الأساسي للاستمرار، وتحديدًا شرقي القارة الإفريقية، التي تتمتع أيضاً بعديد من الثروات، ما يجعلها مركزًا للتعبئة والتمويل، في ظل اعتماد التنظيم على استراتيجية القتال اللامركزي.
وشدد الطباخ أيضاً على أن تهديد داعش قائم وسيظل، لان أغلبية شعوب هذه المنطقة تعاني التهميش وعدم اهتمام الحكومات، وتعزف التنظيمات على هذا الوتر، كما أن التنظيم ينوع تكتيكاته بين الترهيب والترغيب.
فالترهيب كما في حادث مدرسة أوغندا، لتخويف المواطنين وعدم تعاونهم مع الأمن أو الخضوع للتنظيم، وإحداث حالة من السخط المتزايد ضد حكوماتهم، أما الترغيب فيتمثل في تقديم الدعم والفرص لهم بالتعاون مع رؤساء القبائل، في ظل غياب الحكومات.
إحلال
إبراهيم عرفات، المتخصص في الشأن الأمني والإقليمي يقول لـ"السياق"، إن تمدد داعش شرقي إفريقيا، يأتي في إطار محاولته للسيطرة على مناطق نفوذ تنظيم القاعدة، وجماعاته المتحالفة معه مثل حركة الشباب الصومالية.
وأوضح أن الحرب على الإرهاب شرقي إفريقيا، ركزت على تنظيم القاعدة، وأنهكته وألحقت به خسائر فادحة، ما تسبب في إضعافه، لكن لم تعالج آثار وجوده، خصوصًا من الناحية الفكرية، لذلك بات هذا الفراغ بيئة مناسبة لدخول داعش وتموضعه في المنطقة.
وفي ما يتعلق بفرص نجاح داعش في التمدد شرقي إفريقيا، يقول عرفات، إنها قائمة بالفعل، لأسبا عدةب، أولها أن التنظيم يتحرك في إطار جغرافي متصل بين غربي وشرقي القارة، ما يؤشر إلى أنه يسعى لبناء دولته المزعومة مرة أخرى ولكن في إفريقيا.
السبب الثاني، يتعلق بالفراغ الأمني والسياسي في عديد من مناطق شرقي إفريقيا، التي تسببت في تغلغل واستمرار تنظيم القاعدة، ما يشكل فرصة مناسبة للتجنيد والحشد، على أساس عقائدي، بالتعاون مع بعض القبائل، ما يعني توفير الغطاء الشعبي لخلافته المزعومة.
أما السبب الثالث -بحسب عرفات- فيتمثل في عدم جدية النظام الدولي في ملاحقة داعش، أو مساعدة دول إفريقيا جنوب الصحراء، في الحرب على الإرهاب، لارتفاع التكلفة المادية من ناحية، وأيضاً الصورة الذهنية لدى شعوب القارة للتدخل الأجنبي.
وأخيرًا، يأتي السبب الرابع، متمثلًا في الموقع الجغرافي لمنطقة شرقي إفريقيا، خصوصا المنافذ البحرية، التي يمكن من خلالها الحصول على الدعم المادي، مثل الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، لتنفيذ مخططها، بل يمكن أن تساعدها هذه المنافذ في تطوير خططها، وتنفيذ عمليات ضد أهداف بحرية، عبر القوارب أو اللنشات الخفيفة، ما يجعلها رقمًا صعبًا في تهديد أمن واستقرار المنطقة، بل والملاحة البحرية العالمية، بحسب عرفات.