هروب مصريين من فقرهم... حلم ابتلعته سواحل اليونان
أوقفت اليونان تسعة أشخاص يحملون الجنسية المصرية، ويشتبه بأنهم مهربون، بعد غرق المركب.

السياق
حادث غرق مركب محمّل بالمهاجرين، جنوبي غرب اليونان، قد يكون أودى بحياة أكثر من 500 شخص من جنسيات مختلفة معظمهم مصريون، يأتي ضمن سلسلة طويلة من المآسي المماثلة في البحر المتوسط، بالسنوات الأخيرة.
وبالتزامن تعيش قرى مصرية بأكملها، حالة من الحزن والصدمة، حيث ينتظرون معلومات عن ذويهم، إن منحهم القدر فرصة للنجاة، أم كتب البحر المتوسط آخر سطر في حياتهم.
شراء الموت
ونقلت "بي بي سي" -في تقرير ميداني- حسرة بعض قرى محافظة الشرقية، وكيف باع الأهالي ممتلكاتهم لإرسال أبنائهم إلى الموت.
وكذلك تفاصيل مخيفة عن وقوع ذويهم رهينة في يد "تجار البشر".
وتشير "بي بي سي" إلى أن بعض الأهالي يعمدون إلى إرسال أطفالهم للهجرة، اعتمادًا على القانون الإيطالي، الذي يمنع ترحيل الأطفال دون الثمانية عشر عامًا، ليحصلوا على التعليم والإقامة ثم الجنسية، وهذا يفسر العدد الكبير من الأطفال الذي كان في القارب.
وروى أحد الناجين للأطباء في مستشفى كالاماتا، أنه رأى نحو 100 طفل في المركب.
وأكد -حيث تلقى العلاج لمسعفيه- أن المركب المتهالك كان مليئًا بالأطفال والنساء.
وقالت الناطقة باسم خفر السواحل إن الناجين "جميعهم رجال"،
وأشارت السلطات إلى أن الناجين: 47 سوريا و43 مصريًا و12 باكستانيًا وفلسطينيان.
ويصل أقارب الضحايا، الذين كانوا في المركب المنكوب إلى اليونان، في محاولة لمعرفة مصير أحبائهم.
وقالت وزارة الهجرة اليونانية -في بيان- إنها ستستقبل أقارب الضحايا وتجري لهم اختبارات الحمض النووي، مضيفة أن الوحدة ستعمل يوميًا بوجود مترجمين يتحدثون الإنجليزية والعربية والباشتو والأردية.
القبض على مصريين
وأوقفت اليونان تسعة أشخاص يحملون الجنسية المصرية، ويشتبه بأنهم مهربون، بعد غرق المركب.
وأفاد مصدر في أحد الموانئ، بأن بين الموقوفين قبطان المركب المتهالك.
وأورد المصدر أن مركب الصيد غادر مصر فارغًا قبل أن يركبه مهاجرون في مدينة طبرق الساحلية شرقي ليبيا، وكان متجها الى إيطاليا.
وذكرت وكالة الأنباء اليونانية، أن الأشخاص أوقِفوا في كالاماتا، ميناء شبه جزيرة بيلوبونيز، الذي نُقل إليه الناجون، ويُشتبه بأنهم مارسوا "التهريب غير القانوني" للبشر.
"خفر السواحل قاتل"
وطالبت الأمم المتحدة بتحقيقات سريعة وتدابير "عاجلة وحاسمة" لتجنّب "مآسٍ جديدة "
وأشارت منظمات معنية بالهجرة وحقوق الإنسان، فضلًا عن شهادات أحد الناجين، إلى عدم تبرئة أثينا من إغراق المركب.
وتتهم وسائل إعلام يونانية ومنظمات مستقلة أثينا، بتنفيذ عمليات طرد قسرية "غير قانونية" للمهاجرين في بحر إيجة، وهو ما رفضته الحكومة السابقة.
وخرجت احتجاجات حاشدة في مدينة سيلانيك اليونانية، تنديدًا بكارثة قارب الهجرة، الذي غرق قبالة سواحل شبه جزيرة مورا في بحر إيجة.
وشارك عشرات الناشطين، في الاحتجاجات التي جرت بالتزامن مع اقتراب سفينة سياحية من ميناء المدينة.
ورفع المتظاهرون لافتة كتب عليها: "أيها السياح، استمتعوا برحلتكم في أكبر مقبرة للاجئين على مستوى أوروبا(..) أكثر من 600 متوفى... عمليات الدفع، خفر السواحل اليوناني يقتل".
ومن المنتظر أن تشهد سيلانيك مظاهرة مماثلة الثلاثاء.
ولم يخفِ عدد من الصحف غضبه من هذه المأساة الجديدة، فكتبت صحيفة إفسين، ذات الخط اليساري الوسطي على صدر صفحتها كلمة "عار" بستّ لغات.
ولليونان سوابق سيئة السمعة، في ما يتعلق بتعاملها مع المهاجرين غير النظاميين في عرض البحر، إذ سبق نشر مقطع فيديو يُظهر خفر السواحل اليونانيين يطردون مهاجرين، عبر إبعادهم قسرًا في بحر إيجة.
وأثار المقطع الذي بثته صحيفة نيويورك تايمز، دعوات لمفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لإجراء تحقيق مستقل.
مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وصفت مقطع الفيديو بأنه "مقلق"، ويتطلب إجراء تحقيق ومراقبة أوثق للمنطقة الحدودية.
كانت المنظمة الدولية للهجرة أبدت "خشيتها من غرق مئات الأشخاص الإضافيين، في إحدى أسوأ المآسي في المتوسط خلال عقد".
وأعلن المتحدث باسم الحكومة اليونانية إيلياس سياكانتاريس، أن معلومات غير مؤكدة أشارت إلى أن 750 شخصًا كانوا في المركب.
وواصل زورقا دوريّات وفرقاطة تابعة للبحرية اليونانية وثلاث مروحيات وتسع سفن أخرى، مسح المياه غرب سواحل بيلوبونيز، إحدى أعمق المناطق في المتوسطـ.
صدمة
في مرفأ كالاماتا، جنوبي غرب اليونان، حيث نُقل الناجون، أكّدت إيراسميا رومانا من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن "الوضع مروّع فعلًا".
حتى الآن أُنقذ 104 أشخاص، سيُنقلون قريبا إلى مركز استقبال للمهاجرين في مالاكاسا شمالي شرق أثينا.
أبحروا من ليبيا
وقال نيكوس سبانوس، الخبير الدولي في الحوادث البحريّة، لقناة إي آر تي: "لا يُسأل الذين هم في مركب يواجه صعوبات إذا كانوا يريدون مساعدة (...) كان يجب مساعدتهم فورًا".
وقال سياكانتاريس إن محرّك المركب تعطل الثلاثاء قبيل الساعة 23.00 بتوقيت غرينتش، وانقلب في أعمق مياه المتوسط، على بعد 47 ميلًا بحريًا (87 كيلومترًا) من بيلوس في البحر الأيوني وغرق خلال 10 إلى 15 دقيقة. وبحسب عدد من المسؤولين، لم يكن الناجون يرتدون سترات نجاة.
جرى إيواء الناجين مؤقتًا في مستودع بميناء كالاماتا، لتتمكن السلطات من التعرّف إليهم، بينما يجرى البحث عن المهربين.
واستلقى الناجون الذين كانوا في حال صدمة وإرهاق، داخل هذا العنبر، تساعدهم فرق من الصليب الأحمر.
ونُقلت جثث الضحايا إلى مقبرة شيستو في الضاحية الغربية لأثينا، حيث يجرى العمل على تشريحها، حسب التلفزيون العام.
تحقيق واتهامات
وقال مدير قسم الطوارئ في المنظمة الدولية للهجرة فيديريكو سودا، في بيان مشترك للمنظمة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: "من الواضح أن النهج المعتمد بالنسبة إلى البحر المتوسط ليس فاعلًا".
وأضاف: "عامًا بعد عام، لا يزال البحر المتوسط، طريق الهجرة الأكثر خطورة في العالم، حيث تُسجّل أعلى نسبة وفيات".
وقال الناطق باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين جيريمي لورنس: "يجب إجراء تحقيق معمّق في الأحداث التي جرت خلال هذه المأساة، وآمل أن نتمكّن من الوصول إلى إجابات، وأن نتعلّم من هذه التجربة".
وأضاف: "ما حصل يؤكد ضرورة التحقيق في شأن المهرّبين والمتاجرين بالبشر والحرص على محاكمتهم".
إضافة إلى المهربين، وجّه البيان أصابع الاتهام إلى وكالة الحدود الأوروبية "فرونتكس" واليونان والدول الأوروبية، المتهمة بعدم القيام بما يكفي لتجنُّب هذه المآسي.