شهور من التعثر تنتهي بالإيقاف.. برلمان ليبيا يوقف باشاغا ويحيله إلى التحقيق
مجلس النواب صوت بالأغلبية على إيقاف رئيس الحكومة فتحي باشاغا، وإحالته للتحقيق، وتكليف وزير المالية الدكتور أسامة حماد، بتسيير مهام رئاسة الحكومة، إضافة إلى وزارة المالية.

السياق
بعد قرابة عام ونصف العام، من تعيينه رئيسًا لحكومة، تعثرت خطواتها على صخرة تعنُّت سلفه في تسليم السلطة، أوقف البرلمان الليبي -الثلاثاء- فتحي باشاغا من رئاسة حكومة الاستقرار التي كانت تحدوها الآمال، بأن تعيد الاستقرار إلى البلد الإفريقي.
كان البرلمان الليبي، عين في فبراير 2022، فتحي باشاغا رئيسًا للحكومة، لينجح الأخير في تشكيل الحكومة في مارس من العام نفسه، إلا أنه فشل في دخول العاصمة طرابلس، وهو الهدف الذي عُين من أجله الرجل القوي رئيسًا للحكومة.
وحاول باشاغا دخول العاصمة طرابلس مرات عدة، ليتولى السلطة من سلفه رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية عبدالحميد الدبيبة، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، بعد أن شهدت اشتباكات عنيفة بين المليشيات المسلحة.
وبعد أشهر من آخر محاولة له، قرر مجلس النواب الليبي، في الجلسة التي عقدها الثلاثاء، إيقاف رئيس الحكومة فتحي باشاغا عن العمل وإحالته إلى التحقيق.
وقال المتحدث باسم مجلس النواب الليبي، في بيان مقتضب اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن مجلس النواب صوت بالأغلبية على إيقاف رئيس الحكومة فتحي باشاغا، وإحالته للتحقيق، وتكليف وزير المالية الدكتور أسامة حماد، بتسيير مهام رئاسة الحكومة، إضافة إلى وزارة المالية.
القرار جاء بعد ساعات من كتاب، وجهه باشاغا إلى رئاسة مجلس النواب، أعلن فيه تكليف نائبه علي القطراني، بتسيير مهام مجلس الوزراء بالحكومة، مع تفويضه بكل الصلاحيات الممنوحة.
من جانبه، قال عضو مجلس النواب الليبي جبريل أوحيدة، في تصريحات صحفية، عقب الجلسة التي عقدت الثلاثاء في مدينة بنغازي، شرقي ليبيا، إن الجلسة خصصت لمناقشة أداء حكومة فتحي باشاغا، والاستماع إلى ملاحظات الأعضاء عليها.
بينما قال عضو مجلس النواب الليبي خليفة الدغاري، إن إقالة الحكومة مستبعد في الوقت الحالي، لأن الأمر يتطلب إجراءات قانونية من ناحية، ومن ناحية أخرى يوجد مؤيدون بالبرلمان لبقاء الحكومة.
وأوضح البرلماني الليبي، أن هناك حالة استقطاب داخل مجلس النواب، بين تيار مؤيد لفتحي باشاغا ويدافع عن بقائه، وآخر داعم لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة ويريد إطاحة فتحي باشاغا والحكومة، بينما هناك تيار ثالث يريد حكومة جديدة بعيدة عن المحاصصة.
الحل الأفضل
وأشار إلى أن هناك فسادًا مستشريًا في كل مفاصل الدولة، ما يجعل الحل الأفضل تشكيل سلطة تنفيذية جديدة تكنوقراط، ذات مهام محددة، بعيدًا عن الجهوية والقبلية والمصالح الشخصية، لتحقيق الاستقرار والتجهيز للعملية الانتخابية.
وأكد أنه في ظل الخلافات الحالية وحالة الاستقطاب والتقارير التي تتحدث عن تزوير الأرقام الوطنية للناخبين، سيكون إجراء انتخابات قريبًا صعبًا جدًا، مشيرًا إلى أنه إن أجريت ستكون مزورة ويُطعن فيها.
وشدد على أن المؤسسات الليبية، في حالة غياب تام عن مهامها، ولا توجد رقابة مالية ولا قانونية، مؤكدًا أنه حتى التقارير تعتمد على بيانات ومعلومات قديمة، وهناك من هو مستفيد من هذا الوضع.
محطات على الطريق
في فبراير 2022، أصدر البرلمان الليبي قرارًا بمنح الثقة للحكومة، بينما نجح فتحي باشاغا في مارس من العام نفسه، في الخروج بتشكيلته الوزارية إلى النور.
إلا أن سلفه عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، رفض تسليم السلطة إلا لسلطة منتخبة، وبعد إجراء انتخابات مجلس النواب، بينما فشلت محاولات باشاغا في دخول العاصمة طرابلس.
وفي مايو 2022، وصل باشاغا مع عدد من وزرائه فجرًا إلى العاصمة طرابلس، لتسلم مهامه رئيسًا للحكومة، إلا أنه بعد ساعتين، استفاق سكان العاصمة على إطلاق نار كثيف من بنادق كلاشينكوف وقذائف هاون، واندلعت اشتباكات عنيفة في أماكن مختلفة في طرابلس.
وأعلنت مليشيات النواصي -آنذاك- أن باشاغا في طرابلس، مشيرة الى أنها ملتزمة بتقديم الدعم له، ثم ظهر باشاغا في شريط فيديو يقول: «وصلنا إلى العاصمة بسلام، ولقينا استقبالًا جيدًا (...) نتواصل مع الجميع، حتى مع خصومنا».
وبعد ساعات من القتال، أخفقت حكومة باشاغا في تسلم السلطة، التي تمسك بها رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة، مشيرًا إلى أنه لن يسلم السلطة إلا بعد إجراء انتخابات نيابية ورئاسية.
وتركز القتال قرب مقر المجموعة المسلحة، التي أعلنت تأييدها لباشاغا، إلا أن دوي الانفجارات وتبادل النيران ما لبثا أن سمعا بوضوح في كل أنحاء العاصمة، وتسببا في قتيل وخمسة جرحى، إضافة الى أضرار مادية كبيرة.
وبعد ساعات من القتال، أعلنت حكومة باشاغا انسحابها من المدينة، حفاظًا على أمن المواطنين، بينما تقررت مغادرة باشاغا عبر وساطة للواء 444 العسكري.
ثم ظهر الدبيبة في مقطع فيديو، بجولة وسط المدينة، ليقيل في أعقاب الأحداث رئيس المخابرات العسكرية اللواء أسامة جويلي، من دون الإفصاح عن الأسباب، وكذلك رئيس «النواصي» مصطفى قدور، بما يؤشر إلى دوره في أحداث طرابلس.
في كلمة مسائية، انتقد الدبيبة تصرف منافسه، ووصفه بـ«الانتحار السياسي» الذي وقع شهادة وفاة المشروع الذي دعا إليه مع حلفاؤه، مضيفًا: «ستواصل الحكومة ممارسة مهامها ككيان وحيد قادر على ضمان إجراء الانتخابات»، مطمئنًا على الوضع الأمني الذي استعاد «استقراره».
ثم عقد باشاغا مؤتمرًا صحفيًا من مدينة سرت، منتصف الطريق بين الشرق والغرب، وأعلنها مقرًا لحكومته بينما ينتظر دخول طرابلس بسلام، قائلًا إنه ضد أي لجوء إلى القوة، وإنه غادر العاصمة حفاظًا على الأرواح.
محاولة ثانية
المحاولة الثانية كانت في أغسطس الماضي، حيث اندلعت اشتباكات بين مليشيات مسلحة في العاصمة الليبية، أسفرت عن 32 قتيلًا و159 جريحًا.
وسُمع -آنذاك- إطلاق نار كثيف ودوي قصف مدفعي، في عدد من أحياء العاصمة، إلا أنها انتهت بهزيمة محاولة باشاغا لإطاحة حكومة منافسه.
وتبادل رئيس حكومة طرابلس عبدالحميد الدبيبة ورئيس الحكومة المكلفة من البرلمان فتحي باشاغا الاتهامات بتلك الاشتباكات، فقال الدبيبة في كلمة: «من شنوا العدوان على طرابلس، رضوا بأن يكونوا مطية لأجندات دولية لا تريد الاستقرار لليبيا».
من جانبه، حمّل فتحي باشاغا، الدبيبة مسؤولية الاشتباكات في طرابلس، قائلًا في بيان: «حالة الفوضى الأمنية في طرابلس، أحدثتها مجموعات إجرامية خارجة عن القانون، تأتمر بأمر زعيمها الدبيبة الذي انتهت ولايته وشرعيته»، مشيرًا إلى أن «الدماء التي سُفكت والأموال التي نُهبت يتحمل مسؤوليتها الدبيبة والعصابات المسلحة الداعمة له».
وأصدر الادعاء العسكري في طرابلس -آنذاك- مذكرات منع من السفر بحق عدد من المسؤولين بينهم باشاغا، على خلفية الاشتباكات التي شهدتها طرابلس. كما أصدر الدبيبة تعليمات تقضي بالقبض كل عسكري أو مدني تورط في الاشتباكات.