ماذا يمكن أن يفعل شات جي بي تي للإنسانية؟
قالت صحيفة واشنطن بوست، إن هناك قلقًا هذه الأيام من فكرة أن البشرية قد تكون على وشك فقدان عقلها الجماعي.

ترجمات - السياق
قالت صحيفة واشنطن بوست، إن هناك قلقًا هذه الأيام من فكرة أن البشرية قد تكون على وشك فقدان عقلها الجماعي، مشيرة إلى أن اللوم موجه الآن إلى روبوتات المحادثة وأصدقائها والفوضى التي قد تلحق بأفكارنا.
لكن بدلاً من الذعر، ماذا لو أزلنا تلك الأفكار ونظرنا إلى الذكاءات اللغوية بطريقة أخرى، ليس كتهديد، لكن كهدية ثمينة محتملة؟ تقول الصحيفة الأمريكية، مضيفة: ضع في اعتبارك أن هذه ليست المرة الأولى التي نشهد فيها مثل هذا القلق الشديد بين البشر.
لماذا نخاف من الذكاء الاصطناعي؟
سيقول كثيرون إن تعفن أدمغتنا بدأ ربيع 1967، عندما كشفت شركة Texas Instruments النقاب عن أول آلة حاسبة إلكترونية في العالم، بحسب «واشنطن بوست»، التي قالت إن هناك من ظن أن تؤدي هذه الآلة الصندوقية المصنوعة من البلاستيك، التي كانت تكلف قرابة 400 دولار، أي مهمة حسابية بسيطة قد تطلبها منها.
ورغم أن بعض جوانب الحياة أصبحت نتيجة لاختراعها أكثر سهولة، فمن منظور اليوم، الميزة الأكثر أهمية لهذا الجهاز الذي يتناسب مع الجيب، أنه يؤدي عمله بشكل غير مرئي.
وباستخدام العداد وقاعدة الشرائح، عليك أن تعرف شيئًا عن العملية الحسابية، لكن باستخدام الآلة الحسابية، لمست ببساطة الأزرار وحصلت على إجابات، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه يمكن وضع الزاوية الرياضية في دماغك على الفور وإلى الأبد في مخزن بارد.
وبعد ما يقرب من ستة عقود، تقاعد جزء كبير من أنسجة الجمجمة عن الخدمة، فـ«الأحياء الدماغية التي تعاملت مع التهجئة لا حاجة لها الآن»، بحسب «واشنطن بوست»، التي قالت إنه يمكن لنظام تحديد المواقع إيجاد طريقك إلى العمة أجاثا في دوبوك، أو كيف تبحر من بابيتي إلى بنما.
وأضافت: إذا أردت أن تعرف عاصمة ولاية ساوث داكوتا، العدد الذري للصوديوم، فما عليك سوى الاستلقاء، كما قال مؤسسا «غوغل»، سيرجي برين ولاري بيدج، والعثور على الإجابات.
لكن ماذا عن الجانب السلبي؟
يقول المتشائمون، : «إذا لم نحتج إلى استخدام عقولنا لمعرفة الأشياء، فنحن ببساطة لن نفعل ذلك، ولن نهتم بالحفاظ على الفضول الذي ساعدنا في اكتساب معرفتنا في المقام الأول».
وقال الفيلسوف النمساوي البريطاني كارل بوبر إن المعرفة محدودة، لكن الجهل لانهائي، مضيفًا: إذا كنا نعرف القليل ونفكر أقل من ذلك بكثير، فماذا عن الحكمة الأساسية التي لا يمكن التغلب عليها في المجتمع البشري؟
وتقول «واشنطن بوست»: ربما يقبل معظمنا التعريف اللامع للحكمة بأنها نتاج معرفة عظيمة ووقت طويل، وهذا هو سبب أن كبار السن الأذكياء أكثر حكمة من الشباب. إذا كنت تؤمن بذلك، فلا عجب أنك قد تستنتج -بشكل ينذر بالسوء- أن مجتمعًا من العارفين وأولئك الذين لديهم ازدراء جديد للفكر لن ينتج سوى عدد قليل ممن يمكن أن يكونوا حكماء، رغم حاجة المجتمع الملحة لإرشاد الحكماء بالنصح والتوجيه.
رسالة إلى القلقين
في غياب هذه الموهبة، يقلق ويتساءل المتشائمون: إلى أين نذهب؟ بالتأكيد يجب أن نكون الآن على طريق الانحلال العقلي والاستغراب، إلا أن الصحيفة الأمريكية، قالت: أختلف، وأقول لهؤلاء القلقين: Dinna fash yersel. لا تأكل.
وأضافت: هناك طريقة أخرى للنظر إلى تقنيات حفظ الدماغ اليوم، ليس كمحركات للتحلل، لكن كتطهير وتحرير، متابعة: في الحقيقة، كيف يستفيد معظمنا من معرفة لماذا العدد الذري للصوديوم هو 11 والمغنيسيوم 12؟ أو أن تدرك أسماء رينيه ديكارت وجون لوك وجان جاك روسو وفولتير؟ بعد كل شيء، وقد يُنظر إلى ذلك على أنه بدعة، لم يعرف فيثاغورس أيًا من هذا، كما لم يفعل سقراط أو إقليدس أو هيرودوت أو أفلاطون أو أرسطو.
ويقول كاتب المقال سايمون وينشستر، إنه انصرف عن الروائي المسرحي التراجيدي اليوناني إسخيلوس، لأن مسرحياته ربما عُرضت أمام الجماهير الأثينية، التي تضم واحدًا أو أكثر من هؤلاء العلماء المحترمين، ومن المؤكد أن الجميع عرفوا الشخصية الأسطورية لأجاممنون، بطل حروب طروادة، المتزوج بكليتمنسترا، مشيرًا إلى أن النخبة المثقفة اليونانية كانت ستبجله، لأننا نبجل أبطالنا المحاربين اليوم، لكن لم يكونوا ليعبدوا أكثر من ذلك بكثير، وهذا هو المكان الذي يجب أن نشعر فيه بالراحة من الإغريق القدماء.
ورغم أن هؤلاء كانوا من أفضل العقول في عصرهم، فإن هناك حقيقة لا مفر منها عنهم وعن أقرانهم: لم يكن لديهم كثير مما يجب أن يعرفوه، أقل بكثير مما يجب على العقول الخيرة أن تستوعبه اليوم.
وتقول «واشنطن بوست»، إن هوميروس كتب قصائده الملحمية عن حروب طروادة بعد قرنين منها، لكن كم عدد المعارك والحروب، ولكم من التاريخ يبعثر عقولنا اليوم أكثر من أي وقت مضى شغل عقولهم؟ وما مدى ضآلة الجغرافيا التي عرفتها هذه الشخصيات، رغم أن أرسطو بذل قصارى جهده للسفر قليلاً؟ وكم عدد اللغات التي كانوا على علم بها؟ يا له من قليل من العلم! يا له من قليل من الاقتصاد! ولا شيء عن ميكانيكا الكم! أو الجانب البعيد من القمر!
ما الفارق؟
ربما كانت عقول هؤلاء العظماء الأثينيين في إمكاناتهم المختلفة، لا تختلف كثيرًا عن إمكانات أذكى الأزمنة الحديثة، فلم يكونوا مختلفين نوعياً عن ببرتراند راسل أو هانا أرندت، ولا عن أي من مئات الشخصيات المتعددة والحكيمة التي يمكننا تعدادها اليوم، إلا أن هناك فرقًا بسيطا: لم تكن أذهانهم مثقلة، تقول الصحيفة الأمريكية.
وأضافت: من فيثاغورس إلى إقليدس، يمكن اعتباره تابولا راسا، كل عقل حر في التأمل والتفكير والاجترار والتفكير، كل عقل حر في تحديد طبيعة المنطق والفضول (كما فعل سقراط) أو تعريف المعرفة (كما فعل أفلاطون) أو الأخلاق والسعادة، كما فعل تلميذ أفلاطون أرسطو، الأكثر شهرة.
وأشارت إلى أنه إذا كان بإمكان أجهزتنا السحرية المصنوعة حديثًا أن تفعل الشيء نفسه بالنسبة لنا -إذا كان بإمكانها تشغيل أدمغتنا تحت صنبور، كما كانت، وإزالة الالتصاق الواقعي غير الضروري الذي يعرض للخطر بحثنا عن المعنى وتحديد ما هو مهم- إذن من يدري؟ ربما يظهر في النهاية أفلاطون في القرن الحادي والعشرين، ونفكر في الآلة الحاسوبية وأقاربه على أنهم منحونا مجموعة من الاحتمالات لمصلحتنا الجماعية.
وأكدت الصحيفة الأمريكية، أنه يمكن للبشرية، بعد أن تحررت أخيرًا من الملل المفرط للعالم الحديث، غير المثقلة بالأعباء الواقعية الزائدة، أن تجلس مكتوفة الأيدي وتجني ثمار القدرة على التفكير مرة أخرى. وبذلك، تعرف ليس فقط ما نعرفه، لكن ما يجب أن نعرفه، لنكون بشرًا.