لماذا فشلت الحرب الاقتصادية ضد روسيا؟
عندما أرسل بوتين دباباته إلى أوكرانيا، تبنت الدول الغربية سريعًا استراتيجية ذات شقين، أحدهما تقديم الآليات العسكرية لكييف، والآخر سلاح العقوبات ضد موسكو، فماذا تأثير هذه العقوبات بعد مرور أكثر من عام؟

ترجمات - السياق
بعد نحو 15 شهرًا على الحرب الروسية الأوكرانية، التي تخللتها عقوبات اقتصادية وتجارية، استهدفت إضعاف قدرة موسكو على تمويل الحرب، مع طرد بعض البنوك من نظام سويفت، وحظر التمويل العام والاستثمارات، هل حققت هذه السياسة الأهداف الغربية على الأرض، أم أن الكرملين مازال قادرًا على استمرار الحرب لشهور وربما سنوات؟
حتى اللحظة، مازالت روسيا تقود حربها بلا هوادة، ورغم المساعدات والدعم العسكري غير المحدود الذي يقدمه الغرب لأوكرانيا، بخلاف العقوبات، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتراجع قيد أنملة عن قراره، وفق مجلة ذا سبيكتاتور البريطانية.
ورغم ذلك، فإن الغرب مازال يتلمس أي مشاهد أو وقائع، تُظهر أي ضعف روسي، ليخرج معلنًا الحديث عن نجاح سياسة العقوبات ضد موسكو، لدرجة أنه عندما اشتمل موكب بوتين في يوم النصر عبر الميدان الأحمر على دبابة واحدة فقط -من أحد متاحف موسكو- هناك من عدها استدلالًا على أن روسيا فقدت كثيرًا من المعدات العسكرية في أوكرانيا.
بالتأكيد -وفق المجلة البريطانية- تكبدت روسيا خسائر فادحة، إلا أن الحرب لا تسير على ما يرام بالنسبة للغرب أيضًا.
استراتيجية غربية
وبينت "ذا سبيكتاتور" أنه عندما أرسل بوتين دباباته إلى أوكرانيا في 24 فبراير من العام الماضي، تبنت الدول الغربية سريعًا استراتيجية ذات شقين، أحدهما تقديم المعونة العسكرية لكييف، والآخر سلاح العقوبات ضد موسكو.
وأشارت إلى أن الجانب الأول اعتمد على عدم الدخول في صراع عسكري مباشر ضد روسيا، مع دعم أوكرانيا بالأسلحة والمعدات العسكرية اللازمة.
ورغم أن بعض الدول كانت أسرع من غيرها في هذا الدعم، فإن هذا الجزء من الاستراتيجية نجح بشكل ملحوظ، حيث مكّن أوكرانيا -حتى الآن - من مقاومة القوات الروسية الأكثر قوة، ودفعها إلى التراجع عن مناطق عدة داخل أراضيها.
ومع ذلك -حسب المجلة- تبين أن الجانب الآخر "غير مؤثر"، رغم شن حرب اقتصادية غير مسبوقة على موسكو، وإطلاق العنان لصدمة مالية ورهبة على نطاق لم يسبق له مثيل.
فقد كان من المقرر قطع روسيا عن النظام المالي والتجاري العالمي، مع فرض عقوبات ومقاطعة على الواردات والصادرات، باستثناء تلك الإنسانية مثل الأدوية.
ووفقًا لهذه النظرية، فإن روسيا ستنهار شيئًا فشيئًا، حتى تستسلم في النهاية.
لكن أتت الرياح بما لا يشتهي الغرب، فقد دفعت أوروبا نفسها ثمنًا باهظًا لفرض مقاطعة جزئية على النفط والغاز الروسيين.
وبينما بلغت واردات المملكة المتحدة من الوقود الأحفوري من روسيا 4.5 مليار جنيه استرليني عام 2021، انخفض ذلك -رسميًا- بالعام المنتهي في يناير 2023، إلى 1.3 مليار جنيه استرليني.
وعام 2020، حصل الاتحاد الأوروبي على 39 في المئة من غازه و23 في المئة من نفطه من روسيا، بينما في الربع الثالث من العام الماضي، انخفض ذلك إلى 15 في المئة و14 في المئة على التوالي.
لكن هذه الأرقام لا تفسر الفشل في الإضرار بالاقتصاد الروسي، إذ سرعان ما أصبح واضحًا أنه بينما كان الغرب حريصًا على حرب اقتصادية تنال من قدرة موسكو على استكمال الحرب، لم تكن بقية العالم كذلك.
فمع انخفاض صادراتها من النفط والغاز إلى أوروبا، زادت روسيا بسرعة صادراتها إلى الصين والهند، وكلتاهما فضّلت شراء النفط بسعر مخفض على اتخاذ موقف ضد غزو أوكرانيا.
والأسوأ من ذلك، يبدو أن بعض النفط الروسي المُصدَّر إلى الهند قد سُحب مرة أخرى إلى أوروبا، مع زيادة عدد السفن التي تنقل النفط المُكرر من الهند عبر قناة السويس.
نمو مزعج
كشف تحقيق لصحيفة بيلد الألمانية، عن نمو مزعج في الصادرات إلى الدول المجاورة لروسيا.
على سبيل المثال، ارتفع استيراد السيارات الألمانية إلى كازاخستان بنسبة 507 في المئة بين عامي 2021 و2022 وإلى أرمينيا 761 في المئة.
وزادت الصادرات من المنتجات الكيماوية إلى أرمينيا 110 في المئة، وإلى كازاخستان 129 في المئة، بينما ارتفعت مبيعات المعدات الكهربائية والحاسوبية لأرمينيا بنسبة 343 في المئة.
ورغم أن معرفة مصير هذه السلع بمجرد وصولها إلى الجمهوريات السوفيتية السابقة ليس بالأمر السهل، فإن أحد التفسيرات -وفق "ذا سبيكتاتور"- أنها تنتهي في روسيا كتدفقات تجارية محوَّلة.
وحتى إذا لم يعاد تصدير هذه السلع بشكل رسمي، فإن الروس يحق لهم الوصول من دون تأشيرة إلى تلك البلدان، ومن ثمّ يمكنهم نقل البضائع عبر الحدود.
ومن المفارقات، أنه رغم محاولة الغرب استهداف الأثرياء الروس، بفرض عقوبات اقتصادية عليهم بشكل خاص، فإنهم يمكنهم بسهولة الوصول إلى السلع الغربية من خلال التجارة المحوَّلة.
وتُرجع المجلة البريطانية، ذلك، إلى أنهم -أي الأثرياء الروس- يمتلكون جوازات سفر مزدوجة، فضلًا عن أنهم يستطيعون تحمل تكاليف السفر إلى الخارج من أجل التسوق، لشراء سلعهم الكمالية والترفيهية.
كما شددت المجلة على أنه "من دون مقاطعة عالمية شاملة لروسيا، من الصعب للغاية منع وصول البضائع المصنوعة في الغرب إلى أيدي الأثرياء الروس".
وبينت أن الغرب شرع في حرب العقوبات بإحساس مبالغ فيه بتأثيره في العالم، إلا أنه اكتشف أن كثيرًا من الدول تفتقر إلى أي إرادة لفرض عقوبات على روسيا، أو حتى الأثرياء الروس.
ونوهت إلى أن نتائج سوء التقدير هذه، بدت واضحة أمام الجميع، ففي أبريل من العام الماضي، توقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 8.5 في المئة عام 2022 و2.3 في المئة أخرى هذا العام، لكن ما حدث أن الناتج المحلي الإجمالي انخفض بنسبة 2.1 في المائة فقط العام الماضي، بل يتوقع صندوق النقد الدولي هذا العام ارتفاعًا طفيفًا بـ 0.7 في المئة.
وتفسر المجلة البريطانية، ما حدث بأن الاقتصاد الروسي لم يدمر كما أراد الغرب، وإنما أعيد تشكيله، ونقل بوصلته باتجاه الشرق والجنوب بدلاً من الغرب.
وأضافت: "صحيح أن الحرب الاقتصادية ضد روسيا جاءت ببعض النتائج الإيجابية، لكن إذا كان الغرب يعتقد أنه في المستقبل يمكنه خوض الحروب بالوسائل الاقتصادية البحتة، من دون قنابل ولا رصاص، فهو مخطئ بشدة".