كيف حوَّلت إيران بحر قزوين إلى نقطة ساخنة لإرسال أسلحة إلى روسيا؟

إيران لديها طريق مباشر لإرسال أسلحة إلى روسيا - ولا تستطيع القوى الغربية فعل الكثير لوقف الشحنات

كيف حوَّلت إيران بحر قزوين إلى نقطة ساخنة لإرسال أسلحة إلى روسيا؟

ترجمات - السياق

مياه بحر قزوين تبدو هادئة بشكل مخادع، لكن هذا الطريق البحري، الذي يوفر مسارًا مباشرًا بين إيران وروسيا، متخم بشكل متزايد بحركة الشحن، بما في ذلك عمليات نقل الأسلحة المشتبه بها من طهران إلى موسكو.

ومع تعمق التعاون بين البلدين، يستخدم طريق بحر قزوين لنقل الطائرات من دون طيار والرصاص وقذائف الهاون، التي اشترتها الحكومة الروسية من النظام الإيراني، لتعزيز مجهودها الحربي في أوكرانيا، وفقًا لخبراء تحدثوا إلى شبكة «سي إن إن» الأمريكية.

وتُظهر بيانات التتبع، أن المعلومات عن السفن في المنطقة، غير متاحة، ما يشير إلى نية للتعتيم على حركة البضائع.

والعام الماضي، كشفت بيانات من «لويدز للاستخبارات» عن ارتفاع حاد بعدد الثغرات في بيانات تتبع السفن ببحر قزوين، بعد وقت قصير من بيانات حكومية أمريكية أوكرانية، أكدت أن موسكو حصلت على طائرات من دون طيار من طهران الصيف الماضي، بينما ازداد استخدام روسيا لهذه الطائرات الإيرانية في الخريف، بما في ذلك ضد البنية التحتية للطاقة الحيوية في أوكرانيا.

ويقول محللون إن حلفاء أوكرانيا الغربيين، لن يكون لديهم سوى قليل من القوة، لوقف عمليات تسليم هذه الأسلحة.

وقال مارتن كيلي، كبير محللي الاستخبارات في شركة EOS Risk Group  الأمنية: «لا خطر على الصادرات الإيرانية في بحر قزوين بسبب الدول المجاورة، ليست لديها القدرة ولا الدافع لاعتراض هذه الأنواع من التبادلات»، مشيرًا إلى أن أذربيجان وتركمانستان وكازاخستان، وجميع الجمهوريات السوفيتية السابقة، هي الدول الأخرى التي لها موانئ على بحر قزوين.

 

بيئة مثالية

وبينما قال كيلي إنها بيئة مثالية لهذه التجارة أن تمر بلا معارضة، مشيرًا إلى أنه كانت هناك قفزة بعدد السفن في بحر قزوين، التي أوقفت بيانات التتبع الخاصة بها بين أغسطس وسبتمبر 2022.

ولا يزال عدد الفجوات في بيانات تتبع السفن مرتفعًا حتى الآن، وفقًا لبيانات «لويدز للاستخبارات» التي أظهرت زيادة عدد الثغرات في بيانات التتبع للسفن الروسية والإيرانية ببحر قزوين.

ويقول الخبراء إن عمليات نقل الأسلحة المشتبه بها من طهران إلى موسكو تكون باستخدام هذا الطريق، مشيرين إلى أنه من خلال إيقاف تشغيل تتبع سفن AIS، تكون هذه السفن قادرة على إخفاء أجزاء من رحلاتها أو وجهاتها أو عمليات النقل من سفينة إلى أخرى.

فـ«هذه الظاهرة مدفوعة إلى حد كبير بالسفن التي ترفع العلم الروسي والتي ترفع العلم الإيراني، وعلى وجه الخصوص، نوع سفن الشحن القادرة على حمل الأسلحة»، وفقًا لبريدجيت دياكون، محللة البيانات ومراسلة «لويدز للاستخبارات»، المتخصصة في تحليل الملاحة البحرية العالمية.

ويتطلب قرار المنظمة البحرية الدولية من معظم السفن، أن تحمل نظام تتبع يوفر تلقائيًا معلومات الموقع وتحديد الهوية للسفن الأخرى والسلطات الساحلية، ولأسباب تتعلق بالسلامة، من المفترض أن ترسل أنظمة التعرف التلقائي (AIS) هذه البيانات في جميع الأوقات، مع استثناءات محدودة، بحسب الشبكة الأمريكية.

 

نظام التتبع

لكن السفن قادرة على إيقاف تشغيل تتبع نظام AIS، وهو تكتيك يمكن استخدامه لإخفاء أجزاء من رحلتها، أو إخفاء الوجهات، عند الاتصال بالميناء.

وقالت دياكون: نهاية عام 2022، أظهرت بيانات قائمة لويدز للاستخبارات، زيادة طفيفة في «مكالمات الموانئ المظلمة المحتملة لموانئ روسيا وبحر قزوين الإيرانية».

وأوضحت أنه «من المريب أن تنطلق السفينة من أحد الموانئ وتعود من دون الاتصال بميناء آخر، إلا إذا كانت السفينة تنقل البضائع إلى سفينة أخرى بدلاً من الميناء».

وحدثت أغلبية الثغرات في بيانات التتبع لسفن الشحن، التي ترفع العلم الروسي والتي ترفع العلم الإيراني، بالقرب من موانئ أميرباد وأنزالي في إيران، وكذلك في نهر الفولغا الروسي ومينائها في أستراخان، وفقا لـ«لويدز للاستخبارات».

وباستخدام بيانات من MarineTraffic، وهي شركة تتبع وتحليلات بحرية، تتبعت «سي إن إن» سفينتين ترفعان العلم الروسي، وسفينتين ترفعان العلم الإيراني، يقول المحللون إنها أظهرت سلوكًا مشبوهًا منذ العملية العسكرية الروسية، ومن المحتمل أن تكون مرتبطة بتجارة الأسلحة.

وظهرت أنماط عدة أنه يمكن رؤية بعض السفن وهي تقوم بالرحلة من الموانئ الإيرانية إلى أستراخان، رغم أنها لم تجرِ مكالمة ميناء رسمية هناك، بحسب الشبكة الأمريكية، التي قالت إنه يمكن رؤية السفن الأخرى، التي سلط الخبراء الضوء على أنها مشبوهة في الظلام، عند اقترابها من ميناء أميرباد الإيراني وميناء أستراخان الروسي، أو يمكن رؤيتها وهي توقف تشغيل بيانات التتبع الخاصة بها فترات طويلة من الزمن.

وتُظهر صورة الأقمار الاصطناعية من Maxar Technologies سفينة ترفع العلم الروسي في ميناء أستراخان بروسيا في 2 فبراير، بينما تظهر بيانات التتبع أن هذه الناقلة وصلت إلى أستراخان، بعد مغادرة ميناء أمير أباد الإيراني أوائل يناير، بحسب الخبراء الذين يقولون إن السفينة قد تكون مرتبطة بتجارة الأسلحة.

ورغم أن المحللين يقولون إنه من الصعب معرفة البضائع الموجودة على هذه السفن، باستثناء روايات شهود العيان أو صور الأقمار الاصطناعية، فإن أنماط النشاط الشائن المشتبه به في بحر قزوين، تدعم تقارير الاستخبارات الغربية، عن صادرات الطائرات من دون طيار الإيرانية إلى روسيا.

وقال كيلي: «هناك علاقة بين طلب روسيا طائرات من دون طيار من إيران، ومكالمات الموانئ المظلمة في بحر قزوين، وزيادة نشاط AIS المظلم».

 

نقطة ساخنة

وقالت دياكون لشبكة سي إن إن: «أعتقد أنه طريق جرى التغاضي عنه، لكن لسنوات، أرادت الدول التي تقع على حدود بحر قزوين، تعزيز هذا الطريق البحري وتحقيق مزيد من التجارة»، مشيرًا إلى أن تعزيز طريق التجارة كان منذ فترة طويلة على جدول أعمال دول المنطقة.

وأضافت أن بحر قزوين -حيث تمتلك أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان أيضًا موانئ- يشهد كثيرًا من التجارة المشروعة، وهو طريق رئيس لنقل البضائع إلى الأسواق الآسيوية، لكن دياكون قالت إنها أيضًا «نقطة ساخنة للسفن الخاضعة للعقوبات».

وقالت شركة الاستشارات البوسفور أوبزرفر، التي تتخذ من اسطنبول مقراً لها لشبكة سي إن إن، إن النظام الإيراني استثمر في تحسين ميناء أستراخان الروسي قبل الحرب، لتعزيز خيارات الشحن إلى أوروبا، عبر طريق يمكن أن يتحايل على العقوبات.

وقالت "البوسفور أوبزرفر" إن إيران تساعد روسيا أيضًا في مشروعها الذي دام سنوات لتجريف نهر الفولغا، ما يسمح بتسليم الشحنات الثقيلة إلى ميناء أستراخان وإلى البحر الأسود وما وراءه، باستخدام قناة فولغا دون.

والأسبوع الماضي، وقَّع بوتين ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، صفقة لتمويل وبناء خط سكة حديد إيراني، كجزء من المراحل الأولى لإنشاء «شريان نقل بين الشمال والجنوب»، بحسب الكرملين. وقال بوتين إن خط السكة الحديد -الذي سيكون له فرع مركزي يمتد على طول بحر قزوين- سيساعد في ربط الموانئ الروسية على بحر البلطيق بالموانئ الإيرانية في المحيط الهندي والخليج، ما يساعد في تعزيز التجارة العالمية للبلدين.

 

ميزان القوى

وقالت أنيسة بصيري تبريزي، رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة: «نحن نعلم أن الإدارة الحالية في إيران تدفع من أجل تحسين العلاقات مع الدول الشرقية، لكن على وجه الخصوص مع روسيا»، مضيفة أن ميزان القوى تغير منذ فبراير من العام الماضي، فباتت روسيا ترى إيران كمزود طبيعي لقدرات الأسلحة لحربها في أوكرانيا.

وقالت تبريزي إن العدد الهائل للعقوبات، التي فُرضت على روسيا العام الماضي، يمثل أيضًا تحديًا جديدًا للبلاد «بينما كانت إيران تتنقل في تلك البيئة منذ عقود».

وأشار إلى أن التصور السائد في موسكو، أن إيران يمكن أن تعلم روسيا كثيرًا عن أدوات التهرب من العقوبات، وكيف يظل لديها اقتصاد مهم، حتى عندما تُفرض العقوبات.

وفي مارس الماضي، قال وزير المالية الإيراني إحسان خاندوزي لصحيفة فاينانشيال تايمز: «نعرّف علاقاتنا مع روسيا بأنها استراتيجية، ونعمل معًا في عديد الجوانب، لا سيما العلاقات الاقتصادية».

وترى الولايات المتحدة، إلى جانب الحلفاء الأوروبيين، أن نقل الأسلحة من طهران إلى روسيا، ينتهك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، الذي جرى تمريره للتصديق على الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 والسيطرة على نقل الأسلحة من إيران.

وقال المحلل في Bosphorus Observer، يورك إيشيك: «هناك إمكانات كبيرة لجميع أنواع انتهاكات العقوبات»، مضيفًا أن روسيا قد ترسل أيضًا قطع غيار ومعدات أخرى إلى إيران عبر طريق بحر قزوين، وهو أمر غير قانوني في نظر الغرب.

ويتطلع المسؤولون الأمريكيون أيضًا إلى تعزيز تطبيق العقوبات، لمنع وصول إيران إلى التقنيات الأمريكية والغربية المستخدمة في الطائرات من دون طيار.

وفي يناير، قالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون لشبكة سي إن إن، في بيان: «نبحث عن طرق لاستهداف إنتاج الطائرات من دون طيار الإيرانية من خلال العقوبات، وضوابط التصدير، والتحدث إلى الشركات الخاصة التي تُستخدم أجزاؤها في الإنتاج».

وفي أبريل الماضي، زار نائب الأدميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية، الأسطول الخامس الأمريكي، تركمانستان وكازاخستان للاجتماع مع المسؤولين في المنطقة لمناقشة بعض الموضوعات، بما في ذلك كيف تعزز البحرية الأمريكية الشراكات وتسرع الابتكار في الشرق الأوسط، لتعزيز الأمن البحري الإقليمي.

 

اعتراف إيراني

وقال كيلي من EOS Risk Group: «هناك بعض شركات الطيران الحكومية الإيرانية التي تنقل طائرات مسيرة من إيران إلى روسيا. ومع ذلك، من حيث مقارنة حجم ما يمكن نقله في رحلة واحدة، تمنحك السفينة حجمًا وقدرة أكبر بكثير».

وفي نوفمبر الماضي، اعترف النظام الإيراني بأنه باع عددًا محدودًا من الطائرات من دون طيار لروسيا، لكن وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان أصر على توفير الأسلحة بالأشهر التي سبقت بدء الحرب في أوكرانيا.

وقالت مصادر إن روسيا ترسل بعض الأسلحة، التي قدمتها الولايات المتحدة والتي استولي عليها في أوكرانيا إلى إيران.

وقالت تبريزي: «كان بحر قزوين مسرحًا للمواجهة بين روسيا وإيران، وهو الآن وسيلة محتملة للتهرب من العقوبات وتوفير الأسلحة المحتملة»، مشيرة إلى أن البلدين لديهما شراكة أكثر تكافؤًا الآن، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعاون العسكري.

وأضافت: «في ما يتعلق بالتداعيات طويلة المدى... على جبهة أكثر استراتيجية عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، لكن أيضًا على نطاق واسع، أعتقد أنه سيكون من المثير للاهتمام للغاية مشاهدته، ومن المحتمل أن يكون إشكاليًا للغاية بالنسبة للمصالح الغربية».