كيف ساعدت حرب أوكرانيا في ازدهار تجارة الأسلحة عالميًا؟

مع اندلاع الأزمة الأوكرانية، زادت صادرات الولايات المتحدة، التي تحتل المرتبة الأولى تصديرًا للأسلحة بنسبة 14%، لتصبح أكثر من 40% من عمليات توريد الأسلحة العالمية

كيف ساعدت حرب أوكرانيا في ازدهار تجارة الأسلحة عالميًا؟

ترجمات -السياق 

مع استمرار الحرب الأوكرانية، بدت بلدان القارة العجوز وغيرها، في ما يعرف بـ«سباق التسلح»، بعد أن كشف الأزمة ثغرات دفاعية وأمنية لدى بعض الدول.

ثغرات تكشف بعد تجارب الأسلحة التي دخلت الخدمة لأول مرة في أوكرانيا، ذلك البلد الذي باتت أراضيه الخصبة مسرحًا للعمليات العسكرية، عقب وضع الأسلحة التي لم تحصل على الاعتماد تحت الاختبار الميداني.

ورغم أن الولايات المتحدة، أمطرت أوكرانيا بالمساعدات العسكرية السخية، فإن واشنطن كانت الرابح الأكبر في انتعاش سوق الأسلحة، إلى جانب الصين التي تنامت مبيعاتها، إضافة إلى بزوغ فجر أسواق ناشئة جديدة، تحاول تطوير صناعاتها الدفاعية لتقليل اعتمادها على وارادت الأسلحة.

الحرب الأوكرانية وسوق الأسلحة

مع اندلاع الأزمة الأوكرانية، زادت صادرات الولايات المتحدة، التي تحتل المرتبة الأولى تصديرًا للأسلحة بنسبة 14%، لتصبح أكثر من 40% من عمليات توريد الأسلحة العالمية، بينما كانت فرنسا في المرتبة الثانية بنمو سوق تصدير الأسلحة بنسبة 44%.

وشملت الأسلحة الأكثر تصديرًا: أنظمة الدفاع الجوي، الطائرات المسيرة، الأسلحة المضادة للغواصات، المركبات المدرعة، المدفعية، محركات المركبات العسكرية، الصواريخ، وسائل الرصد والاستشعار، الأقمار الاصطناعية، السفن، إضافة إلى أبراج المدرعات والسفن الحربية وأنظمة التزود بالوقود في الجو. 

ويقول يتر دي ويزمان، كبير الباحثين في برنامج نقل الأسلحة التابع لمعهد سيبري، إن الأزمة الأوكرانية كشفت نقاط ضعف جوهرية لدى الجيوش الأوربية، مشيرًا إلى أنها فضحت ضعف الإنتاج العسكري، ونقص الذخيرة، ومحدودية عدد الجنود المحترفين، مقارنة بالتهديدات المحيطة بها. 

وأوضح كبير الباحثين، أن الأزمة الأوكرانية تسببت في زيادة كبيرة بالطلب على الأسلحة في أوروبا، ما يؤدي إلى زيادة واردات الأسلحة من دول أوروبية.

وتقول مجلة Responsible Statecraft الأمريكية، إن الصراعات البارزة، بالنسبة لصانعي الأسلحة، فرصة تسويقية، مشيرة إلى أنه في غضون بضعة أشهر فقط، تحولت صواريخ هيمارس وجافلين، من قطع غامضة من المعدات العسكرية، إلى رموز معترف بها على نطاق واسع للمقاومة الأوكرانية.

وأشارت إلى أن الولايات المتحدة بدأت تجني ثمار الأسلحة التي ترسلها لأوكرانيا، ففي فبراير الماضي، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على صفقة بـ 10 مليارات دولار مع بولندا لأسطول جديد من منظومة هيمارس والمعدات ذات الصلة، كما طلبت وارسو ما يقرب من 4 مليارات دولار لشراء دبابات أبرامز الأمريكية العام الماضي، بعد إرسال أكثر من 200 دبابة من طراز T-72 من الحقبة السوفيتية إلى كييف. 

وبحسب المجلة الأمريكية، فإن دولًا أخرى في أوروبا الشرقية -بما في ذلك إستونيا وفنلندا وليتوانيا- أعطت أوكرانيا عديد أسلحتها التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، وسعت إلى أحدث الأسلحة الغربية بدلًا منها.

هذه المبيعات ليست سوى أحد جوانب ازدهار أوسع في تجارة الأسلحة العالمية، في حين أن عوامل أخرى -مثل التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين- أسهمت في هذا الاتجاه، تقول المجلة الأمريكية، مشيرة إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا لعب دورًا رئيسًا في دفع الطلب الدولي على الأسلحة إلى مستويات عالية.

إلا أنه من الصعب التكهن بمن يستفيد أكثر من هذا الازدهار، فحتى الآن، شهد صانعو الأسلحة الغربيون أكبر دفعة، لكن التأثير طويل المدى، قد يكون إنشاء تجارة أسلحة «متعددة الأقطاب»، وفقًا لإريك وودز من مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار.

وقال وودز، إن «الاتجاه نحو التنويع لا يقتصر على واحد أو اثنين من كبار الموردين، كما كان الحال خلال الحرب الباردة. إنها متعددة الأقطاب، مثل النظام الدولي».

أحد أسباب هذا التحول، الركود النسبي لصناعة الدفاع الروسية، إلا أنه من المستحيل تقريبًا العثور على أرقام مبيعات الأسلحة النهائية.

ولاحظ معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) انخفاضًا كبيرًا إلى حد ما في مبيعات الأسلحة بموسكو في السنوات الأخيرة، ما سمح للولايات المتحدة بأن تصبح المصدر الرئيس في العالم.

روسيا عكس الاتجاه

يقول ريتشارد كونولي من المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، إن هذا الانخفاض الواضح، قد يكون لأن روسيا أصبحت أكثر سرية بشأن مبيعاتها من الأسلحة، لتجنُّب فرض عقوبات غربية. 

لكن كونولي، يلاحظ أنه حتى الأرقام الرسمية الروسية لصادرات الأسلحة، ظلت راكدة عند نحو 15 مليار دولار سنويًا في السنوات الأخيرة، بينما شهدت دول أخرى طفرات.

وعلى عكس التوقعات، تمكنت روسيا -حتى الآن- من مواكبة العقود الرئيسة التي وافقت عليها قبل الحرب، بحسب كونولي الذي عزا هذه المرونة إلى أن صناعة الدفاع الروسية تصنع منتجات مختلفة لأسواقها المحلية والأجنبية، مشيرًا إلى أن مصانع الأسلحة في البلاد وسعت عملياتها بشكل كبير منذ حرب أوكرانيا، مع بعض خطوط الإنتاج التي تعمل على مدار الساعة لتلبية الطلب.

ورغم الجهود الحثيثة التي تبذلها موسكو، فإن الدول أصبحت أكثر حذرًا من موثوقيتها كمصدر، وأكثر انسجامًا مع التكاليف المحتملة للعمل مع الكرملين، فالهند -أكبر مستورد للأسلحة الروسية في العالم- قلقة بشكل خاص من هذه الجوانب السلبية، وفقًا لما ذكره أكريتي كاليانكار من مركز ستيمسون.

وقال كاليانكار، إن الحرب الأوكرانية أوضحت لنيودلهي أن روسيا في حالة تدهور، وأن اعتماد الهند على موسكو يحتاج إلى تغييره. 

ازدهار فرنسا

حاولت فرنسا، التي صُنفت ثاني أكبر مصدر للأسلحة عام 2021، الاستفادة من هذه المخاوف، لاستبدال روسيا بصفتها المورد الرئيس للأسلحة إلى الهند.

ورغم ذلك، فإن الهند والصين شرعتا في مهام لتوسيع إنتاجهما من الأسلحة، بحسب مجلة Responsible Statecraft الأمريكية التي قالت إنه إذا نجحت هذه المبادرات، ستسمح لهما بتقليل اعتمادهما على موسكو وربما حتى التنافس على عقود الدفاع في الصناعة متعددة الأقطاب بشكل متزايد.

منتجون متوسطون

وبينما تكافح روسيا للاحتفاظ بحصتها المتضائلة في السوق، تكافح الشركات الأمريكية لمواكبة الارتفاع الهائل في الطلب على الأسلحة، ما ساعد في فتح المجال أمام العدد المتزايد من المنتجين متوسطي الحجم مثل تركيا، التي كان الطلب على طائراتها الرخيصة من طراز بيرقدار مرتفعًا، بعد أن استخدمتها أوكرانيا.

لكن ربما تكون كوريا الجنوبية أكبر قصة نجاح، فصناعة الدفاع سريعة النمو في سول، تحظى بدعم قوي من الرئيس يون سوك يول، الذي أعلن -العام الماضي- أن هدفه أن يصبح رابع أكبر مصدر للأسلحة في العالم عام 2027... (كانت كوريا الجنوبية ثامن مصدر رائد عام 2021، وفقًا لبيانات سيبري).

وقال هوشيك نام، طالب دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة أيوا، إن حرب أوكرانيا منحتهم فرصة كبيرة لبيع الأسلحة لدول "الناتو" الكبرى، مضيفًا أنه «بعد الغزو الروسي، توصلت كوريا الجنوبية إلى صفقة تقارب 6 مليارات دولار مع بولندا لشراء الدبابات ومدافع الهاوتزر والذخيرة، التي سُلم بعضها، بينما أعربت النرويج وإستونيا عن اهتمامهما باستيراد الأسلحة الكورية».

قصة نجاح

وبحسب هوشيك نام، فإن سول تتمتع ببعض المزايا الفريدة كصانع أسلحة، مشيرًا إلى أنه بالنظر إلى أن البلاد لا تزال -من الناحية الفنية- في حالة حرب مع كوريا الشمالية، فإن صناعة الدفاع لديها قادرة على التوسع بسرعة لتلبية الطلب أوقات الأزمات «بسعر رخيص نسبيًا»، بينما أسلحتها متوافقة إلى حد كبير مع أنظمة "الناتو" نظرًا لطولها، كعلاقة دفاعية مع الولايات المتحدة. 

وعلى عكس نظرائهم الأمريكيين، فإن المتعاقدين الكوريين أكثر استعدادًا لنقل التقنيات لاستخدامها من الدول الأخرى، تقول المجلة الأمريكية، مشيرة إلى أن هناك استثناءً من موجة البيع في سيول. 

ووفقًا لنام، فإن من المستبعد جدًا أن تتزحزح كوريا الجنوبية عن تعهدها، بعدم بيع الأسلحة مباشرة إلى أوكرانيا، بسبب العلاقات الحساسة للبلاد مع روسيا وكوريا الشمالية، بخلاف سياستها العامة ضد إرسال أسلحة إلى مناطق حرب نشطة.

لكن ذلك لم يمنع سول من إيجاد بعض الحلول الإبداعية، فتقارير ظهرت في نوفمبر من العام الماضي، تفيد بأن كوريا الجنوبية وافقت على بيع 100 ألف طلقة من ذخيرة المدفعية إلى الولايات المتحدة، التي أصرت على أنها ستكون «المستخدم النهائي» للأسلحة، لكن المسؤولين الأمريكيين أخبروا وكالة أسوشتد برس، بأن الرصاصات ستتجه إلى أوكرانيا عبر الولايات المتحدة.

ومع استمرار الحرب، من المرجح أن يستمر الطلب على الأسلحة في الارتفاع بأوروبا، حيث يعيد مؤيدو أوكرانيا بناء مخزوناتهم وتحديث جيوشهم. 

ويقول جيف أبرامسون من رابطة الحد من الأسلحة، إن تكديس الأسلحة لن ينتهي جنبًا إلى جنب مع الصراع، مشيرًا إلى أن من المرجح استمرار مبيعات الأسلحة في الارتفاع، حيث يتنافس صانعو الأسلحة على العملاء في مناطق بعيدة عن أوروبا الشرقية.

تدفقات متزايدة

وقال أبرامسون: «بمجرد تنشيط هذه الصناعة وتنميتها، سترى تدفقات متزايدة للأسلحة خارج الصراع في أوكرانيا. هذا هو تاريخ سوق أسلحة مزدهرة (...) إنه لا يتوقف مع أو على أوكرانيا».

وقالت صحيفة لوموند الفرنسية، إنه عندما تعهد الاتحاد الأوروبي بتزويد أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية وصاروخ في غضون 12 شهرًا لمساعدتها في مقاومة الهجوم الروسي، وصل الاتحاد الأوروبي إلى قناعة مهمة.

وأوضحت الصحيفة الفرنسية، أنه لا يمكن للاتحاد الأوروبي، الذي تم بناؤه على أنقاض الحرب العالمية الثانية، للحفاظ على السلام في القارة، أن يتحمل النفقات الناشئة عن العمليات التي لها آثار عسكرية أو دفاعية، وفقًا للمادة 41 من معاهدة الاتحاد الأوروبي.

وحتى لو عالجت بروكسل -بشكل تدريجي- هذه القضايا الدفاعية منذ نهاية التسعينيات، من خلال تنسيق أكبر للسياسات، إضافة إلى مهام مدنية وعسكرية، فإن هذه المجالات لا تزال محتفظة بسيادة كل دولة عضو.

لكن عودة الحرب إلى القارة الأوروبية، تجبر الدول الأعضاء على التعاون في هذه القضية، فرئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل قال -الأسبوع الماضي- إنه «قبل أسابيع من اندلاع هذا الغزو الشامل من روسيا، كان من غير المعقول سياسياً أن يأذن رؤساء الدول بتسليم الأسلحة من قبل الاتحاد الأوروبي».

إلا أنه مع ذلك، قال ميشيل لراديو فرانس إنفو، إن الأمر استغرق بضع ساعات فقط، حتى تصل الأسلحة الأولى إلى الأراضي الأوكرانية (...) وقد سمح ذلك بقفزة إلى الأمام في سياسة الدفاع الأوروبية.

وقال مصدر دبلوماسي في بروكسل لصحيفة لوموند: «في 24 فبراير 2022، صُدمت أوروبا. كان علينا أن نفعل شيئًا، لتشجيع إرسال الأسلحة، كانت لدينا فكرة استخدام مرفق السلام الأوروبي EPF».

وبعد أكثر من عام على الحرب الأوكرانية، ما زالت أوروبا تستخدم هذه الأداة لتمويل نقل وإنتاج الذخائر، إلا أنه هذه المرة، بالتحايل على القيود.

وقال دبلوماسي مقيم في بروكسل، إن صندوق البريد الإلكتروني «يغير قواعد اللعبة (...) بعد يومين من بدء الأعمال العدائية، أفرِج عن الدفعة الأولى من 500 مليون يورو للتعويض جزئيًا عن الأسلحة التي أرسلتها الدول الأعضاء إلى كييف، ومنذ ذلك الحين، أفرِج عن 3.6 مليار يورو».