استبعاد شروط الترشح للرئاسة من القاعدة الدستورية... هل يخرج ليبيا من الانسداد الحالي؟
تصريحات –إن تحققت- قد تضع ليبيا على طريق الاستقرار وتجاوز أزمة الانقسام السياسي الحالية، خاصة أن عدم توافق المجلسين كان سببًا في حالة اللاستقرار السياسي التي شهدها البلد الإفريقي.

السياق
عقبات على طريق أزمة ليبيا، التي لم تراوح مكانها منذ سنوات، بل إن الفترة الأخيرة شهدت انقسامات قد تعيدها إلى مربع الاقتتال والعنف، حال عدم تدارك الأمور بشكل سريع.
تلك العقبات تسبب في إرجاء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ديسمبر الماضي، ودخول ليبيا حالة من الانقسام، بعد انتهاء عمر حكومة تصريف الأعمال برئاسة عبدالحميد الدبيبة، ومنح البرلمان ثقته في مارس الماضي لحكومة برئاسة فتحي باشاغا، لم تستطع ممارسة مهامها حتى الآن، بسبب «تعنت» الأولى في تسليم السلطة، ما ولد حالة من الاستقطاب السياسي في البلد الإفريقي.
أمام تلك الحالة، حاول مجلسا النواب والأعلى للدولة الدخول في مفاوضات، عبر لجنة مشتركة من المجلسين، لحسم أزمة القاعدة الدستورية، إلا أنها بعد ثلاث جولات في العاصمة المصرية القاهرة، اصطدمت بحاجز شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، وسط اتهامات متبادلة من كل طرف للآخر.
وقت التوافق
وبعد أشهر من آخر جولة وما تبعها من أحداث عنف في ليبيا، يبدو أن المجلسين أدركا أن الوقت حان للتوافق، فرئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، أعلن -مساء الخميس- أثناء رئاسته جلسة رسمية لمجلس النواب في مدينة بنغازي شرقي البلاد، توصله لاتفاق مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، على استبعاد شروط الترشح للرئاسة من القاعدة الدستورية، وترك المسألة للمشرِّع الجديد.
وقال صالح، في كلمته: «اجتمعت أكثر من مرة مع رئيس مجلس الدولة خالد المشري ونائبيه، ووجدنا تقاربًا في وجهات النظر بيننا وتفاهمًا ونية من مجلس الدولة للتفاهم مع مجلس النواب، لإخراج البلاد من الأزمة الحالية (...) أخيرًا توصلنا إلى اتفاق مع خالد المشري على استبعاد شروط الترشح للرئاسة من القاعدة الدستورية، وترك هذه المسألة للمشرِّع الجديد».
تصريحات –إن تحققت- قد تضع ليبيا على طريق الاستقرار وتجاوز أزمة الانقسام السياسي الحالية، خاصة أن عدم توافق المجلسين كان سببًا في حالة اللاستقرار السياسي التي شهدها البلد الإفريقي.
من جانبه، قال عضو المجلس الأعلى للدولة عادل كرموس، في تصريحات صحفية، إن اتفاق رئيسي البرلمان والدولة على استبعاد شروط الترشح للرئاسة من القاعدة الدستورية، قد يكون اتفاقًا بينهما فقط، لكنه لم يعرض على أعضاء المجلس، الذي ما زال بصدد مناقشة القاعدة الدستورية.
انسداد
وعن أهمية الاتفاق بين عقيلة والمشري، قال كرموس إنه سيخرج ليبيا من الانسداد الحالي، وسيمكنها من عقد الانتخابات البرلمانية، على أن يُنظر في شروط الترشح للرئاسة لاحقًا.
بدوره، قال عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور سالم كشلاف، إن شروط الترشح لمنصب رئيس الدولة، من أهم المسائل التي تضمنتها كل دساتير العالم، مشيرًا إلى أن محاولة استبعاد رئيسي النواب والأعلى للدولة لها، استمرار لحالة «العبث السياسي» التي نشهدها على حساب إرادة الشعب الليبي.
إلى ذلك، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ«السياق»، إن تصريحات رئيس البرلمان واضحة وتعبر عن مواقفه التي سبق أن ترجمت في القانون الانتخابي الذي أصدره البرلمان لينظم انتخابات 25 ديسمبر 2021، والذي فتح باب الترشح أمام جميع الليبيين.
الانفتاح على قطر وتركيا
وأوضح المحلل الليبي، أن محاولات رئيس البرلمان لإيجاد تسوية ما للقاعدة الدستورية هي ما قادته إلى الانفتاح على تركيا وقطر لأنه يعرف أن الأطراف الليبية المهيمنة على العاصمة طرابلس لا تملك قرار التسوية، فهي في يد الأتراك والقطريين، مؤكدًا أنه حال إقناع هاتين الدولتين بالتسوية سترضخ الأطراف الليبية المسيطرة على العاصمة، وسيتم الإتفاق سريعًا على القاعدة الدستورية والانتخابات ومواعيدها وكثير من الموضوعات المعلقة.
وعن إمكانية أن يؤدي هذا الاتفاق إلى انتخابات برلمانية أولًا، قال المحلل الليبي، إنه لا يعتقد تلبية طلب تيار الإخوان المسلمين لتنظيم انتخابات تشريعية فقط من دون الرئاسية، مشيرًا إلى أن الأغلبية العظمى من الشعب الليبي تريد انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة، تنتج رئيس دولة قوي، وتجدد كل الأجسام الفاشلة.
الانتخابات
أما عن إمكانية إجراء الاستحقاق الدستوري قريبًا، فقال المحلل الليبي، إنه لا يعتقد أن هناك أي معطيات لتنظيم هذه الانتخابات خلال الـ6 أشهر المقبلة لأسباب عدة، أولها أنه لم يتبلور -حتى الآن- توافق إقليمي ودولي يسمح بتوافق الأطراف الليبية المتنازعة، إضافة إلى أن تركيا وبريطانيا والولايات المتحدة تفضل استمرار الفوضى وحالة الدولة الليبية الفاشلة.
وأكد أن ثاني الأسباب يتمثل في عدم وعي الأطراف الليبية بأهمية التوافق في ما بينهم، لاستعادة سيادة بلدهم من الهيمنة الإقليمية والدولية، وعلى وجه الخصوص الأطراف المرتهنة لتركيا عسكريًا، التي تريد استمرار حالة النهب الممنهج، لأنها تتحكم في خزائن الدولة.
ثالث الأسباب يتمثل في أن تنظيم أي انتخابات له شروط تضمن نجاحها وشفافيتها، وهو ما ليس متوفرًا بوجود سطوة المليشيات في المنطقة الغربية من ليبيا وأيضًا المرتزقة السوريين على الأراضي الليبية، بحسب المحلل الليبي الذي قال إنه قبل تنظيم أي انتخابات لابد من مصالحة اجتماعية تنهي المظالم، تتزامن مع جبر الأضرار وتحقيق حالة استقرار أمني، تسمح بتنظيم هذه الانتخابات لكي يقبل الجميع بنتائجها.
نفق مظلم
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن الكل كانوا يعتقدون أن هناك اتفاقًا قد يخرج البلاد من الأزمة، قبل أن يؤكد المستشار صالح أن الانتخابات ستكون متزامنة رئاسية وبرلمانية، وأن شروط الترشح ستوضع من قبل البرلمان الحالي، ما يعني أن ليبيا ما زالت تسير في النفق المظلم، وأن استحقاقًا دستوريًا لن يجرى في الوقت القريب.
وأوضح المحلل الليبي، أن تصريحات المستشار صالح كان يريد بها أن يقيس ردود الفعل على هذا المقترح، إلا أنه حينما وجد غضبًا من الشارع والنخب السياسية، سارع بالتنصل من هذا الاتفاق.
وكشف الأوجلي أن الساسة وأصحاب القرار في ليبيا «يسيرون في اتجاه خاطئ»، مشيرًا إلى أن الحل في ليبيا يجب أن يكون بحل الملفات العالقة، ثم بعد ذلك الوصول للانتخابات، لأن الحديث عن إجراء الاستحقاق الدستوري في هذا الوضع الهش على جميع الأصعدة غير مقبول.
وأشار إلى أن الحل في ليبيا يحتاج إلى نية صادقة وإرادة من قِبل الساسة، محذرًا من أن غياب تلك الإرادة يجعل الحل يأتي من الشارع عبر انتفاضة شعبية ستنهي كل الأجسام التي تحكمت في مصيره، متوقعًا مزيدًا من التعقيد وتدوير الأزمة خلال الفترة الحالية، بدلًا من إيجاد حلول للملفات العالقة.