الأرض الخضراء أصبحت صحراء قاحلة... وشُح المياه يضرب الهلال الخصيب العراقي

يرجع المسؤولون الحكوميون هذا الجفاف المدمر الذي ضرب البلاد -حسب الصحيفة- إلى انتشار مشاريع السدود المائية في المنابع، من قِبل تركيا وإيران المجاورتين

 الأرض الخضراء أصبحت صحراء قاحلة... وشُح المياه يضرب الهلال الخصيب العراقي

ترجمات - السياق

"الأرض الخضراء أصبحت صحراء قاحلة وشُح المياه يضرب الهلال الخصيب العراقي"... تحت هذا العنوان، سلَّطت صحيفة غارديان البريطانية، الضوء على تداعيات الجفاف الذي يضرب أراضي بين الرافدين، ويحوِّلها إلى صحراء قاحلة.
وأشارت إلى أن نظام الري الذي يبلغ عمره 8 آلاف عام، إضافة إلى سوء الإدارة، أديا الى تفاقم آثار الجفاف وموت المحاصيل ونفوق الماشية.
واستشهدت الصحيفة بأحوال بعض الفلاحين، الذين حاولوا حفر آبار مياه لري محاصيلهم، إلا أنهم بعد الوصول لعمق أكثر من 16 مترًا، لم يصلوا لشيء.
كانت مراكز ومؤسسات بحثية مختصة بخصوبة التربة والتغيرات المناخية، قد كشفت -في دراسات معمقة- أن العراق يخسر نتيجة الجفاف وانحسار المياه نحو 100 ألف دونم سنويًا.
تأتي الأزمة المائية نتيجة السياسات التي اعتمدتها دولتا المنبع والروافد، وهما الجارتان تركيا وإيران، بإقامة السدود وحرف مسارات الأنهار والجداول المغذية.
يعتمد العراق بنسبة تتجاوز 80% على مياه نهري دجلة والفرات، في ري الأراضي الزراعية وتأمين مياه الشرب، بينما تشكل مياه الأمطار والآبار الارتوازية 15%، أما البقية فتأتي من المياه الجوفية.

الهلال الخصيب

تناولت "غارديان" قصة مزارع يدعى عبدالهادي مظهر، كان يحفر بئرًا بمزرعته، في قلب منطقة تعرف باسم الهلال الخصيب، بعمق 16 مترًا في الأرض، ورغم هذا العمق لم تظهر قطرة مياه واحدة.
ونقلت الصحيفة عن مظهر (35 عامًا) قوله، إن العراق شهد صيفًا جافًا هذا العام بشكل استثنائي، مشيرًا إلى أن عائلته في هذا المكان منذ أربعة أجيال، وكانت تزرع القمح والخضراوات وتربي الأبقار، إلا أنه هذا العام لم يستطع زراعة أرضه ولا تربية الأبقار بسبب نقص المياه.
وأضاف: "الأرض الخضراء تحولت إلى صحراء قاحلة... لا أذكر أنني شاهدت شيئًا كهذا في حياتي".
وحسب الصحيفة، انخفض منسوب المياه في نهري دجلة والفرات -حيث ظهرت حضارات بلاد ما بين النهرين القديمة على ضفافهما قبل نحو 8000 عام- بمقدار النصف.
ويرجع المسؤولون الحكوميون هذا الجفاف المدمر الذي ضرب البلاد -حسب الصحيفة- إلى انتشار مشاريع السدود المائية في المنابع، من قِبل تركيا وإيران المجاورتين، ما يُمثل مشكلة طويلة المدى، لكنها تتفاقم في ظل سوء إدارة الموارد المائية والانخفاض المطرد في الأمطار.
وذكرت الصحيفة أن العراق يقع في المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر عُرضة لأزمة المناخ، كما أنه غني بالنفط إذ يجني نحو 10 مليارات دولار شهريًا وسط ارتفاع الأسعار، لكن الفساد متجذر به، وقد فشلت الحكومات المتعاقبة في الاستعداد لما حذر منه الخبراء.
ونقلت الصحيفة عن مهندس المياه العراقي نذير الأنصاري، وهو أستاذ في جامعة لوليا السويدية، قوله: "لا يهتم المسؤولون بمستقبل البلاد، كل ما يهمهم الاستفادة بأكبر قدر ممكن من مناصبهم، فالمسؤولون في وزارة المياه ليس لديهم أي خبرة".

تداعيات مدمرة

وتوقع الأنصاري -حسب الصحيفة- انخفاض الأمطار في العراق بنسبة 15-20% خلال القرن الحالي، وهو ما يعني أن المياه في نهري دجلة والفرات ستنخفض بنسبة تصل إلى 73%، وهو ما ستكون له تداعيات خطيرة على مستويات المياه الجوفية.
أمام ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن تداعيات الأمر أصبحت مدمرة بالنسبة للمزارعين المعتمدين على نهري دجلة والفرات، فقد ذبلت محاصيل "مظهر" تمامًا هذا العام، ما يتركه وعائلته المكونة من 13 فردًا بلا دخل، ومن ثمّ بدأ "مظهر" بيع أبقاره الهزيلة بأقل من السعر المعتاد، ما تسبب في نقص قاعدة أصول المزرعة.
وفي ذلك، يقول مظهر: "الحكومة العراقية المسؤولة عن توفير بنية تحتية، لا تخطيط في الحكومة ولا يوجد دعم للمزارعين".
وبينت "غارديان" أن قطاع الزراعة في العراق واجه عقودًا من الانحدار والتدهور، بسبب الصراع ونقص الاستثمارات والاحتباس الحراري، مع انخفاض هامش ربح المزارعين نتيجة ارتفاع تكلفة المدخلات والواردات الزراعية الرخيصة.
وأشارت إلى أنه بدلًا من تحديث القطاع، تقول الحكومة إنها ستقلل الأراضي الزراعية إلى النصف هذا العام بسبب الجفاف، ما يُعد ضربة موجعة للقطاع الذي يوظف نحو 18% من السكان.
وحسب الصحيفة، تقع مزرعة مظهر على بُعد كيلومترات غربي مدينة بابل القديمة، التي ازدهرت امبراطوريتها في الألفية الثانية قبل الميلاد، بفضل توسع الملك حامورابي في شبكة الري السومرية، مشيرة إلى أن العراق ما زال يعتمد على طرق الري السطحي نفسها.
وتعليقًا على ذلك، يقول الأنصاري: "استخدام التقنيات الحالية التي كانت مستخدمة قبل 8 آلاف عام، يتسبب في خسارة المياه بشكل كبير للغاية".
وكشفت الصحيفة أن مياه الري في العراق تتدفق عبر شبكة من القنوات المفتوحة، ما ينتج عنه ارتفاع مستوى التبخر في الصيف عندما تتجاوز الحرارة 50 درجة سليزية، وبذلك تتناقص المياه كثيرًا حتى تصل إلى الحقول، حيث يستخدم المزارعون تقنيات الغمر المبددة للمياه بدلًا من الري بالتنقيط أو الري بالرش الأكثر حفاظًا على المياه.
وبينما لجأت السلطات إلى التقنين، فقناة الري في مزرعة مظهر - فرع من أحد روافد الفرات- تمتلئ بالمياه مرة كل 3 أسابيع، عندما تصل المياه إلى المزرعة تكون قد تقلصت كثيرًا لتكفي بالكاد احتياجات المنزل بخلاف ري الحقول.
وبالفعل -حسب الصحيفة البريطانية- ذبلت جميع المحاصيل بما في ذلك العشب المخصص لإطعام الماشية، كما أن الأبقار باتت هزيلة للغاية، حتى أن بعضها لا يستطيع الوقوف على قدميه، بينما "جفت الضروع" من ألبانها ما يُعرِّض السلالة للخطر أيضًا.
ويعلق مظهر على نفوق أحد العجول، جراء جفاف اللبن في ضرع البقرة، قائلًا: "هذه أولى الضحايا، لكنني أعتقد أنه سيكون هناك المزيد من ذلك بنهاية الصيف"، ولأنه لا يستطيع تحمُّل تكلفة علف الماشية، باع مظهر 11 من ماشية الأسرة البالغ عددها 17 بـ 20 دولارًا فقط للواحدة، كان سعرها عادة يتراوح بين 800 و1000 دولار.

توترات قديمة

وأفادت "غارديان" بأن نقص المياه تسبب في تصاعد "التوترات القديمة" على قنوات الري بين المزارع، مع اتهامات باستهلاك المياه بطريقة غير عادلة.
وفي ذلك، يقول مظهر الذي تعاني مزرعته سوء التوزيع: "لا يوجد إشراف حكومي يفرض عقوبات على هؤلاء الذين يسرفون في استهلاك المياه".
والنتيجة -حسب الصحيفة- نزوح عشرات آلاف الناس جنوبي العراق بسبب ندرة المياه، حيث توجه العديد منهم إلى المدن المزدحمة التي تعاني نقص الوظائف والخدمات، بما يثير اضطرابات أخرى، لكن مظهر يرفض التخلي عن مزرعته، قائلًا: "إنها أرض أجدادي".
خاض العراق -طوال 4 سنوات- مفاوضات وحوارات مع المسؤولين عن ملف المياه في إيران وتركيا، إلا أنها تنتهي غالباً بلا أي نتيجة.
ويبلغ طول نهر الفرات -من منبعه في تركيا حتى مصبه في شط العرب أقصى الجنوب العراقي- 2940 كيلومترًا، منها 1176 كيلومتراً في تركيا و610 كيلومترات في سوريا و1160 كيلومترًا في العراق.
بينما ينبع نهر دجلة من جبال طوروس جنوب شرقي الأناضول في تركيا ويعبر الحدود السورية التركية، ويسير داخل أراضي سوريا بطول 50 كيلومترًا تقريبًا، ليدخل بعد ذلك أراضي العراق عند قرية فيشخابور الحدودية.
ويبلغ طول مجرى نهر دجلة نحو 1718 كيلومترًا، ومعظم مجراه داخل الأراضي العراقية بطول يبلغ نحو 1400 كيلومتر، وتصب خمسة روافد فيه بعد دخوله الأراضي العراقية: الخابور والزاب الكبير والزاب الصغير والعظيم وديالى، وهذه الروافد تجلب إلى النهر ثلثي مياهه، أما الثلث الآخر، فيأتي من تركيا.
وإثر انخفاض مناسيب المياه في الأنهار الرئيسة والجداول الفرعية، اضطر العراق -للموسم الزراعي الثاني- إلى تقليص المساحات المزروعة وحصرها ببعض الغلات الأساسية من الحنطة والذرة والمحاصيل الأخرى.