أوكرانيا تستعيد آلاف الكيلومترات... هل تستطيع كييف حسم الحرب في الشتاء؟
القوات الأوكرانية استعادت السيطرة على أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر مربع منذ بداية هذا الشهر

السياق
بعد قرابة 7 أشهر على الحرب الروسية الأوكرانية، التي لم تضع أوزارها، باتت الأزمة على وشك تحول جديد، في أعقاب عمليات عسكرية وُصفت بـ«حرب استنزاف»، تمكنت خلالها كييف من إجبار قوات موسكو على التراجع.
ذلك التراجع الروسي جاء في أعقاب أيام خمسة، شهدت أكثر الهجمات البرية طموحًا من الأوكرانيين، منذ أن شنت روسيا عمليتها العسكرية، في فبراير الماضي، بينما تظهر صور الفيديو والأقمار الاصطناعية -التي حددتها شبكة سي إن إن- جغرافيًا أن التقدم شمل هجمات مستمرة على مواقع القيادة ومخازن الذخيرة واحتياطات الوقود بعيدًا عن الخطوط الأمامية.
الوضع الميداني
يقول القائد العام للجيش الأوكراني الجنرال فاليري زالوجني، إن قواته واصلت توغلها شمالًا في منطقة خاركيف وتقدمت في الجنوب والشرق، غداة تقدمها السريع الذي دفع روسيا إلى التخلي عن معقلها الرئيس في المنطقة.
وأكد قائد الجيش الأوكراني: «في اتجاه خاركيف، بدأنا التقدم ليس فقط إلى الجنوب والشرق، لكن أيضًا إلى الشمال. هناك 50 كيلومترًا تفصلنا عن حدود الدولة (مع روسيا)»، مشيرًا إلى أن القوات الأوكرانية استعادت السيطرة على أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر مربع منذ بداية هذا الشهر.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية -في تحديث يومي- إن القوات الأوكرانية واصلت تحقيق مكاسب في منطقة خاركيف خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، مشيرة إلى أن القتال استمر حول مدينة إيزيوم، التي استعادتها كييف ومدينة كوبيانسك، محور السكك الحديدية الوحيد، الذي تأتي الإمدادات عبره للقوات الروسية على خط المواجهة شمالي شرق أوكرانيا.
إيزيوم في قبضة أوكرانيا
وبينما يعد الانسحاب من مدينة إيزيوم أسوأ هزيمة للقوات الروسية منذ طردها من العاصمة كييف في مارس، إذ ترك آلاف الجنود الروس وراءهم ذخيرة ومعدات مع فرارهم، لم يصل المسؤولون الأوكرانيون إلى حد تأكيد استعادة المدينة، لكن مدير مكتب زيلينسكي، أندريه يرماك، نشر صورة للقوات في ضواحي المدينة واستخدم في تغريدته رمزًا تعبيريًا للعنب.
كانت القوات الروسية استعملت إيزيوم كقاعدة لوجستية لإحدى حملاتها الأساسية، إلا أن الهجوم الأوكراني لم يخفت منذ شهر من الشمال على منطقة دونباس المحاذية، التي تضم منطقتي دونيتسك ولوجانسك.
ودخلت القوات الأوكرانية –السبت- مدينة إيزيوم الاستراتيجية الواقعة بالقرب من الحدود بين منطقتي خاركيف ودونيتسك.
إيزيوم، التي كانت تسيطر عليها روسيا أكثر من خمسة أشهر، تُستخدم كمنصة انطلاق ومحور للسكك الحديدية للهجمات جنوبًا على منطقة دونيتسك وكوبيانسك.
ولم ينتهِ التقدم السريع –السبت- بإيزيوم، فيبدو أن أوكرانيا فتحت جبهة جديدة ضد الدفاعات الروسية على حدود منطقتي دونيتسك ولوهانسك، بحسب شبكة سي إن إن.
من جانبها، قالت وكالة تاس للأنباء التي تديرها روسيا، إن وزارة الدفاع الروسية أمرت القوات بمغادرة محيط المنطقة وتعزيز العمليات بمناطق أخرى في دونيتسك.
وأوضحت الوكالة الروسية، أن رئيس الإدارة الروسية في خاركيف أبلغ السكان بأن عليهم إخلاء المنطقة والفرار إلى روسيا لإنقاذ الأرواح، بينما تحدث شهود عيان عن اختناقات مرورية لسيارات مع مغادرة السكان لمناطق تسيطر عليها روسيا.
وقال الجيش الأوكراني إن مزيدًا من الضربات الصاروخية والجوية الروسية أصابت أهدافًا تابعة له خلال الليل، بينما قال حاكم إقليم دونيتسك الشرقي بافلو كيريلينكو إن عشرة مدنيين قُتلوا خلال الليل، مشيرًا إلى إصابة تسعة في بلدة ميكولايف جنوبًا.
وقال مسؤول أمريكي كبير إن القوات الأوكرانية حققت بعض النجاح في مهاجمة خطوط الإمداد الروسية، بقصد قطع وعزل القوات الروسية غربي نهر دنيبرو.
زيلينسكي يشيد
يأتي ذلك، بينما أشاد الرئيس فولوديمير زيلينسكي بالتقدم السريع الذي حققته أوكرانيا في إقليم خاركيف شمالي شرق البلاد، قائلًا إن هذا الشتاء قد يشهد المزيد من المكاسب السريعة للأراضي، إذا تمكنت كييف من الحصول على أسلحة أقوى.
وأوضح زيلينسكي، في تصريحات لمنتدى سياسي نُشرت بموقعه على الإنترنت، السبت: «أعتقد أن هذا الشتاء نقطة تحول، ويمكن أن يؤدي إلى إنهاء احتلال أوكرانيا بسرعة. نرى كيف يفر المحتلون في بعض الاتجاهات. إذا كنا أقوى قليلًا بالأسلحة،فسننهي الاحتلال بشكل أسرع».
وقال زيلينسكي في المؤتمر الذي حضره وزير الخارجية الألماني –السبت- إن روسيا تفعل «كل شيء لكسر الصمود الأوكراني والأوروبي هذا الشتاء»، مضيفًا: «نحن بصدد 90 يومًا ستحدد مصير الاستقلال الأوكراني القائم منذ أكثر من 30 عامًا. 90 يومًا ستحدد أكثر من كل السنوات وجود الاتحاد الأوروبي. الشتاء سيحدد مستقبلنا».
روسيا ترد
من جهة أخرى، قالت وزارة الدفاع الروسية –الأحد- إن القوات الروسية تقصف مواقع للجيش الأوكراني في منطقة خاركيف بضربات دقيقة التوجيه، مضيفة أن الضربات تنفذ من خلال قوات محمولة جوًا وصواريخ ومدفعية.
وأكدت وزارة الدفاع الروسية، أن خسائر القوات الأوكرانية على محوري الجنوب وشمال الشرق بلغت 4 آلاف قتيل و8 آلاف جريح، من 6 إلى 10 سبتمبر الجاري.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف، إن ضربات جوية وصاروخية ومدفعية روسية استهدفت مواقع ووحدات أوكرانية، ونقطة انتشار مؤقتة لمن وصفهم بـ«المرتزقة الأجانب»، على محور خاركوف، ما أدى إلى قتل أكثر من 450 فردًا وتدمير أكثر من 30 قطعة من المعدات العسكرية و3 مدافع ميدانية وراجمة صواريخ و17 مركبة.
وأوضح المسؤول الروسي، أن ضربات القوات الروسية على محور نيكولايف كريفوي روغ، أصابت نقطة الانتشار المؤقتة لوحدات اللواء 36 مشاة الأوكراني في منطقة نيكولاييف، مشيرًا إلى أن خسائر الأوكرانيين تجاوزت 100 عسكري و15 مركبة ومدرعة.
وأشار إلى أن صواريخ إسكندر عالية الدقة أطلقت من الأرض أصابت قوات ومعدات تابعة للواء 28 مشاة آلي الأوكرانية أثناء تفريغها من القطار في محطة سكة حديد بدونيتسك، مؤكدًا أن الدفاعات الجوية الروسية في دونيتسك أسقطت مروحية أوكرانية من طراز Mi-8 و4 طائرات من دون طيار وصاروخين بالستيين من طراز Tochka-U وصاروخين أمريكيين مضادين للرادار من طراز HARM، واعترضت 12 قذيفة من راجمات الصواريخ HIMARS أمريكية الصنع و9 من راجمات الصواريخ «أولخا».
وزارة الدفاع الروسية قالت إن ما تم تدميره -منذ بداية العملية العسكرية التي شنتها في أوكرانيا- 293 طائرة، و153 مروحية، و1933 طائرة من دون طيار، و374 منظومة صواريخ مضادة للطائرات، و4883 دبابة ومدرعة، و831 راجمة صواريخ، و3378 قطعة من المدفعية الميدانية ومدافع الهاون و5469 مركبة عسكرية خاصة.
التقدم الأوكراني
ونقلت وكالة رويترز عن المحلل العسكري في كييف أوليه جدانوف، قوله إن المكاسب ستمهد الطريق لمزيد من التقدم في منطقة لوجانسك، التي أعلنت روسيا السيطرة عليها بداية تموز الماضي.
وأضاف المحلل العسكري الأوكراني، أنه «إذا نظرت إلى الخريطة، من المنطقي أن تفترض أن الهجوم سيتطور في اتجاه سفاتوف ستاروبيلسك، وسيفيرودونيتسك ليسيتشانسك. هذان اتجاهان واعدان».
وتقول «رويترز»، إنه إذا تمكنت أوكرانيا من الحفاظ على المكاسب التي حققتها على الأرض، فإن ذلك سيشكل ضربة كبرى لروسيا، التي تقول أجهزة المخابرات الغربية إنها تكبدت خسائر فادحة، إضافة إلى أنه سيشكل دفعة كبرى لأوكرانيا التي تحرص على إظهار استحقاقها للدعم من الدول الغربية التي تمدها بالأسلحة.
المحطة النووية
وبينما بلغ القتال أشده، تسببت الأوضاع في أكبر محطة نووية بأوروبا في قلق دولي بالغ، فشركة إنرجو أتوم، وهي الهيئة الحكومية المسؤولة عن تشغيل المحطات النووية في كييف، قالت إنها أوقفت العمليات في محطة زابوريجيا التي تسيطر عليها روسيا، مع سماح خط من شبكة الكهرباء للمفاعل بالحصول على الطاقة من النظام الأوكراني.
وبينما حذرت من أن خطر تعرض الخط للمزيد من الأضرار بسبب القصف روسي لا يزال مرتفعًا، أشارت إلى أن ذلك سيجبرهم على تحويل تشغيل المفاعل لمولدات الديزل والمدة التي سيتم فيها ذلك محدودة بالموارد التكنولوجية وكمية وقود الديزل المتاحة.
ودعا تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية -الأسبوع الماضي- إلى إنشاء فوري لمنطقة حماية للأمان والأمن النوويين حول محطة الطاقة النووية.
وكتبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها: «هناك حاجة ملحة لإجراءات مؤقتة لمنع وقوع حادث نووي ناجم عن أضرار مادية ناتجة عن الوسائل العسكرية».
جاء التقرير المرتقب بعد أيام من قيادة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي بعثة خبراء إلى محطة زابوريجيا، في أول نظرة مستقلة على حالة المنشأة، منذ أن استولت عليها روسيا بداية الحرب