الانتخابات العراقية... دعم دولي ومخاوف داخلية ومستقلون يتبعون لأحزاب كبيرة
تجرى الانتخابات، وفقاً لقانون انتخابي جديد، قائم على نظام دائرة الفرد الواحد، بينما رفع عدد الدوائر إلى 83 وقلَّص حجمها بما يزيد حظوظ مرشحين ذوي شعبية محلية كشيوخ العشائر.

السياق
يتوجَّه العراقيون، الأحد، إلى صناديق الاقتراع لانتخاب 329 نائبًا جديدًا في البرلمان، في انتخابات تشريعية مبكرة، وعدت بها الحكومة العراقية، لتهدئة غضب الشارع إثر الاحتجاجات الشعبية، التي هزت البلاد في أكتوبر 2019، وكان أهم مطالبها، إجراء الانتخابات التشريعية مبكرًا عن موعدها الطبيعي عام 2022 وتقويض نفوذ الأحزاب الكبيرة ذات الأجنحة العسكرية، وتعزيز موقع المرشحين "المستقلين"، لكن يبدو أن الأمور تسير في غير هذا الاتجاه.
من المنتظر أن تشهد الانتخابات تنافسًا كبيرًا، بين الأطراف السياسية والكتل البرلمانية في الدورة الحالية، على وجه الخصوص تحالف "سائرون" الذي يمثِّل "التيار الصدري" لزعيمه الشيعي "مقتدى الصدر" وتحالف "الفتح" الذي يضم مرشحين من الحشد الشعبي، ذي الأغلبية الشيعية أيضًا، فضلًا عن تنافسات القوى السُّنية.
ويسعى هؤلاء المتحدون مذهبيًا المختلفون سياسيًا، إلى الفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان.
القانون الجديد
تجرى الانتخابات، وفقاً لقانون انتخابي جديد، قائم على نظام دائرة الفرد الواحد، بينما رفع عدد الدوائر إلى 83 وقلَّص حجمها بما يزيد حظوظ مرشحين ذوي شعبية محلية كشيوخ العشائر.
القانون أيضًا واجه انتقادات، بأنه لم يمنع الأحزاب صاحبة الميلشيات ومزدوجي الجنسية، وسمح لحملة الشهادة الإعدادية بالترشح، ما يقلل فرص وجود أصحاب التعليم العالي، كما أنه لم يكفل للعراقيين في الخارج، حق المشاركة في هذا الاستحقاق، فضلًا عن أنه لم يُلزم باستخدام البطاقة "البايومترية" التي تحدّ من التزوير وتمنع التصويت بالإنابة، إلا في حالات معينة.
وبين أكثر من 3240 مرشحاً، قدَّم عدد من المرشحين أنفسهم على أنهم "مستقلون" لكن العراقيين يشككون في إمكانية تجردهم من انتماءاتهم السياسية الأصلية.
ويرى محللون سياسيون، أن معظم هؤلاء المرشحين نأوا بأنفسهم عن إخفاقات أحزابهم، وهم يحاولون بذلك تقديم صورة جديدة بأنهم غير مسؤولين عن الفساد وسوء الإدارة، واصفين هذا التصرف بأنه "مناورة سياسية".
مستقلون... ولكن!
وحسب "فرانس برس" هناك ظاهرة المرشحين "المستقلين" الذين لديهم تبعية حزبية، واسعة الانتشار وتشمل أطرافًا وكتلًا سياسية مختلفة، مثل التيار الصدري، والقائمة الوطنية التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، وتحالف دولة القانون الذي يرأسه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
وتستشهد "فرانس برس" بـ "إيناس المكصوصي"، المرشحة في مدينة الكوت وسط البلاد، كانت مع التيار الصدري في الانتخابات الأخيرة.
تقول المكصوصي للوكالة الفرنسية: "كنت عضواً مستقلاً في التيار الصدري وأرشح اليوم كمستقلة"، من دون أن تستبعد انضمامها لكتلة سياسية عند دخولها البرلمان المقبل، "إذا كان هناك توافق رؤية مع تيارات سياسية أو نواب بما يخدم جمهورنا".
والطبيعي، قبل كل انتخابات تشريعية وبعدها، أن تخوض الكيانات السياسية مفاوضات متواصلة، لتشكيل التحالفات النهائية عند دخول البرلمان، التي قد تتغير في اللحظة الأخيرة، ولحجم التحالفات السياسية النهائية وتشكيلاتها أهمية تتخطى الفوز، لأنها ترسم الشكل النهائي للفاعلين الأبرز في تشكيل الحكومة.
ترهيب وتهديد
ونقلت "إندبندنت" عن عضو مجلس الخبراء العراقي، الباحث في الشأن المالي والاقتصادي، ضياء المحسن، قوله: "عندما نتحدث عن الجهات التي تهدد المرشحين، فإننا لا نتحدث عن الحشد الشعبي، بل هناك أجنحة مسلحة تعمل خارج نطاق الدولة، تستخدمها الأحزاب السياسية، لترهيب الناخب والمرشح، والأمر لا يقتصر على تهديد المرشح والناخب بالسلاح، بل باستخدام المال السياسي، الذي جاء من خلال اللجان الاقتصادية للأحزاب السياسية، التي تفرض الإتاوات على المقاولين والشركات العاملة في المشاريع".
ويطرح هذا الأمر إشكالية كبيرة، لذلك على الحكومة حماية المستقلين من سطوة الأحزاب، التي تحاول الهيمنة على المشهد السياسي، من خلال الترهيب الفكري.
وذكرت إحدى المرشحات المستقلات، التي رفضت كشف هويتها، أنها انسحبت من السباق الانتخابي، بسبب تهديد تلقته من جهة مجهولة، تبع ذلك تمزيق حملتها الإعلانية، وكشفت أن الجهة المسيئة تابعة إلى كتلة معروفة بإظهار عدائيتها للوجوه المدنية المستقلة.
وحسب "إندبندنت" فإن بعض الأحزاب عمدت إلى تمزيق وإحراق الإعلانات الترويجية للمرشحين المنافسين، ووضع إعلانات لمرشحين آخرين بدلاً منها، فضلًا عن ممارسة أساليب أخرى منها إفشال التجمعات والمؤتمرات لبعض الشخصيات والتعرُّض للمرشحين وعائلاتهم.
وتضيف الصحيفة، في تقريرها، أن بعض "الجهات" عمدت إلى آليات أخرى لتقليل حظوظ المستقلين، منها زجّ مرشحي الأحزاب الكبيرة في سباق الانتخابات، بوصفهم مرشحين مستقلين موزعين في معظم الدوائر الانتخابية.
الشيعة والسُّنة والكرد
أبرز الجماعات الرئيسة، التي ستنافس على مقاعد البرلمان، وعددها 329 مقعدًا، من المتوقع على نطاق واسع أن يكون للتيار الصدري، وهي الجماعة السياسية التي يقودها رجل الدين، مقتدى الصدر، الجناح الأكبر في البرلمان.
فضلًا عن "تحالف الفتح" بقيادة هادي العامري، الذي جاءت كتلته في المرتبة الثانية في انتخابات عام 2018 وشغلت 48 مقعدًا، وهو أكبر تجمع للأحزاب المتحالفة مع إيران، يقوده زعماء فصائل مسلحة.
تحالف "تقدُّم" يضم عددًا من الزعماء السُّنة، ومن المتوقع أن يحظى بأغلبية أصوات السُّنة، ويقوده رئيس مجلس النواب السُّني، محمد الحلبوسي.
ويعد تحالف "عزم " السُّني الذي يقوده رجل الأعمال "خميس الخنجر" المنافس الرئيس للحلبوسي، وانضم خنجر إلى تحالف الفتح، الذي تسانده إيران، بعد انتخابات عام 2018.
إقليم كردستان شمالي العراق، يتمتع بحكم ذاتي بحُكم مشاركته في البرلمان، تحت حزبين رئيسين هما الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يهيمن على الحكومة الكردية في العاصمة أربيل، والاتحاد الوطني الكردستاني الذي يهيمن على مناطق بمحاذاة الحدود الإيرانية ومقره مدينة السليمانية.
وانتهت الفترة النيابية لمجلس النواب الحالي، حسبما أعلن رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، داعيًا العراقيين إلى صُنع "التغيير" في الانتخابات التشريعية المقررة الأحد المقبل.
اصنعوا التغيير بإرادتكم
ووصف الكاظمي، عبر حسابه في "تويتر"، الانتخابات بأنها "المسار الوطني لإنتاج مجلس نواب جديد، ولحماية وطننا وبناء الدولة". وقال للعراقيين: "اختاروا مَنْ يمثِّلكم بحرية وعلى أساس قيم العراق الوطنية... اصنعوا التغيير بإرادتكم".
وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن انضمامه إلى 11 وزير خارجية، يعتزمون الاعتراف بنتائج الانتخابات العراقية، التي ستجرى في 10 أكتوبر الجاري.
وفي بيان مشترك للولايات المتحدة وبريطانيا و10 دول أخرى، صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية، قال إن الانتخابات العراقية «فرصة ليقرر العراقيون مستقبلهم على نحو ديمقراطي»، وأضاف البيبان: «يرحبُ وزراء خارجية أستراليا وكندا والدنمارك وفنلندا وألمانيا وإيطاليا وهولندا ونيوزيلندا والنرويج والسويد ووزير خارجية المملكة المتحدة ووزير الخارجية الأميركي، باستعدادات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق لإجراء الانتخابات في 10 أكتوبر الحالي، وأن هذه الانتخابات المُبكرة فرصة للناخبين العراقيين لتقرير مستقبلِهم على نحوٍ ديمقراطي".
وأكد البيان أن الشعب العراقي يملك الآن فرصة لممارسة حقه في التصويت، ودعم جهود الحكومة العراقية، الرامية لضمان بيئة انتخابية آمنة وحرة وعادلة وشاملة لجميع العراقيين، بمن فيهم النساء والشباب، الذين طالما واجهوا العنف والترهيب في سعيهم للإصلاح. ودعا جميع الأطراف إلى احترام سيادة القانون ونزاهة العملية الانتخابية.
الانتخابات الأهم
وعن اهتمام المجتمع الدولي بالانتخابات العراقية، يقول السياسي المستقل وائل الحازم لوكالة سبوتنيك الإخبارية: "هذا الاهتمام الدولي يبعث برسائل طمأنة للناخب العراقي، بدليل عودة الداعين إلى المقاطعة للمشاركة في هذه الانتخابات، وهذا أيضًا يبعث برسالة مفادها أن هذه الانتخابات هي الأهم، وأنها مراقبة دوليًا بصورة غير مسبوقة، فهي انتخابات مفصلية وشبيهة بانتخابات عام 2005، حيث سيكون للمستقلين وجود لأول مرة في البرلمان المقبل". وأضاف: هذه الانتخابات بداية نهاية معاناة الشعب العراقي، حيث يريد تحويل البرلمان من برلمان أحزاب إلى برلمان شخوص، إلا أنه هناك خشية دولية من مسألة المال السياسي والسلاح المنفلت في العراق، وتأثيرهما في نتائج الانتخابات".
شكاوى واتهامات
أعلنت المفوضية العليا للانتخابات، خطاً ساخناً للاتصال وتلقي الشكاوى من المرشحين أو الناخبين، وشدد مستشار رئيس الوزراء لشؤون الانتخابات، عبدالحسين الهنداوي، على ضرورة التعامل مع أي اتهامات وشكاوى بحزم بالغ، والتحقيق بدقة فيها، وردعها بالقانون.
والانتخابات البرلمانية، المزمع إقامتها هي الخامسة منذ التدخل الأميركي، الذي أطاح نظام صدام حسين، وأوجد نظامًا معقَّــدًا متعدد الأحزاب والتحالفات، تتنافس فيه القوى السياسية على أسس طائفية أو عِرقية.