ما تأثير احتجاجات إيران على العراق؟

أي عدم استقرار في إيران، قد يدفع الأخيرة إما التخلي عن نفوذها الكبير في العراق، وإما لإعادة استثماره، في نتيجتين سيكون لأي منهما تأثير كبير في المسار المستقبلي للسياسة العراقية

ما تأثير احتجاجات إيران على العراق؟

السياق

على وقع الاحتجاجات الإيرانية، التي دخلت شهرها الخامس، من دون أن تخمد جذوتها، رغم محاولات النظام الإيراني لقمعها بكل ما أوتي من قوة، أثيرت تساؤلات عن تأثير تلك التظاهرات في النظام على المدى الطويل.

تلك التساؤلات، التي لم تجد إجابة قطعية حتى اللحظة، رغم المؤشرات الراهنة بتزايد عزلة النظام الإيراني دوليًا، بفعل عقوبات غربية تتقاطر عليه بين الحين والآخر، صاحبتها أخرى بتأثير تلك الاحتجاجات في العراق بشكل عام، وإقليم كردستان بصفة خاصة، خاصة أن عدم الاستقرار الداخلي في إيران، قد يتسبب في تداعيات دينية واقتصادية وسياسية كبيرة، عبر الحدود في العراق.

قال معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في تقرير اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للنظام ليست بجديدة في إيران، إلا أنها تُعد الأخطر من بين الحركات المتكررة منذ عام 2009، مشيرًا إلى أن ما جعل النظام غير مبال بالمطالب الشعبية في الماضي، هيكلية السلطة التي بناها، والتي تحكمها أقلية مستفيدة، بدعم من القوات العسكرية وشبه العسكرية، وموظفي الدولة وعائلات شهداء الحرب العراقية الإيرانية، في ثمانينيات القرن الماضي.

ورغم ذلك، فإن المعهد قال إن النظام الإيراني لديه نقاط ضعف، إذ لم ينجح في حل الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي أدت -في الأصل- إلى ثورة 1979، مؤكدًا أن إيران، التي طالما سعت إلى تصدير أيديولوجيتها، تفقد الآن هذه القوة الدولية.

وأكد المعهد، في تقريره، أن أي تغييرات داخل إيران ستؤثر بشكل مباشر في الديناميكيات الإقليمية، مشيرًا إلى أن طهران كقوة وسطى إقليمية، لا تزال تمارس نفوذًا هائلًا في العراق وسوريا ولبنان، ما يعني أن أي عدم استقرار سياسي داخلي، سيخلّف تداعيات خارجية على هذه البلدان، لا سيما في حالة العراق.

من ناحية أخرى، فإن أي عدم استقرار في إيران، قد يدفع الأخيرة إما التخلي عن نفوذها الكبير في العراق، وإما لإعادة استثماره، في نتيجتين سيكون لأي منهما تأثير كبير في المسار المستقبلي للسياسة العراقية.

 

كيف يؤثر عدم الاستقرار بإيران في العراق؟

بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن عدم الاستقرار في إيران سيقوِّض موقف إيران وتأثيرها في العراق، ما يؤثر بشكل مباشر في صيغة حكومة ما بعد عام 2003، مشيرًا إلى أن طهران تملك منذ عام 2005 نفوذًا هائلًا على النخبة السياسية والقوات العسكرية في العراق، ومارست مؤخرًا هذا النفوذ من خلال قوات الحشد الشعبي، وهي حركات شبه عسكرية تدعي أن لديها 160 ألفًا خارجين عن سيطرة رئيس الوزراء العراقي.

وأشار إلى أن ضعف إيران المتزايد يحد من نفوذها على المتشددين الشيعة العراقيين بشكل كبير، ما يزيد الصعوبة التي تواجهها طهران في الحفاظ على نفوذها في المنطقة بشكل عام، مؤكدًا أنه على الصعيد الديني، قد يؤدي تراجع إيران إلى تمتع رجال الدين الشيعة البارزين ذوي النفوذ السياسي والديني، في مدينة النجف العراقية بقوة أكبر من مراجع مدينة قم الإيرانية، ما يزيد المنافسة بين مصدريْ السلطة الشيعية، بعد وفاة المرجع الحالي علي السيستاني في النجف.

تلك النتائج ظهرت، بعد اندلاع احتجاجات أكتوبر في العراق عام 2019، التي رسخت الانقسام بين قم والنجف أكثر فأكثر، بحسب المعهد الذي قال إنه منذ الثورة الإيرانية، شكّل مراجع قم ركيزة أساسية للنظام، وجسدوا الوجه السياسي من أوجه ولاية الفقيه.

وبعيدًا عن الشؤون الدينية، فإن تقلص النفوذ الإيراني في العراق سيكون له تأثير سياسي كبير، فقد يمنح السياسيين الأكراد والسُّنّة دورًا نشطًا في الشؤون العراقية، بحسب معهد واشنطن، الذي قال إن الأكراد والسُّنّة لعبوا دورًا مهمًا في المنافسة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، مشيرًا إلى أن غياب التدخل الإيراني لن يؤدي إلا إلى زيادة دخولهم في العمليات السياسية وصنع القرار.

 

سياسة أكثر عدوانية

يقول معهد واشنطن، إن عدم الاستقرار في إيران، قد يدفع النظام إلى اتباع سياسة أكثر عدوانية في العراق، مشيرًا إلى أن السلطات الإيرانية حاولت -مرارًا وتكرارًا- تصدير مشكلاتها الداخلية إلى دول أخرى.

فإلى جانب الضربات المباشرة في إقليم كردستان العراق، هدد الجنرال الإيراني إسماعيل قآني، قائد فيلق القدس الإيراني، بشن عملية عسكرية برية غير مسبوقة ضد العراق، إذا لم تنزع بغداد سلاح جماعات المعارضة الكردية الإيرانية في الأراضي العراقية.

ومع وجود حلفاء لإيران في البرلمان العراقي، ومرشح مفضل للرئاسة العراقية، وعلاقات وثيقة مع المحكمة الاتحادية العليا في العراق، يمكن لإيران أن تدفع بغداد لاتخاذ خطوات ضد أمريكا، معيدةً بذلك إحياء الجهود القديمة، لطرد البعثة الاستشارية الأمريكية في العراق، وتقويض المؤسسات الديمقراطية الناشئة في العراق، إلى حد كبير.

 

ساحة للصراع

هذه الجهود تتماشى مع اتهامات إيران المتكررة، بأن الولايات المتحدة تدعم المظاهرات الحالية وتنتهك سيادة إيران، بحسب معهد واشنطن، الذي قال إنه مع شعور إيران بالإحباط من ردود فعل الولايات المتحدة على الاضطرابات الإيرانية، وبالتحديد معاقبة الشرطة الإيرانية والسماح للشركات بالوصول إلى الإنترنت، رغم وقف الحكومة للإنترنت، قد تأمر إيران وكلاءها من الميليشيات الشيعية باستهداف المصالح والقواعد العسكرية الأمريكية في العراق، ما يحوِّل بغداد إلى ساحة معركة، لمرحلة أخرى من الصراع الإيراني الأمريكي.

ويقول معهد واشنطن: من المرجح أن تؤدي رغبة إيران في إعادة فرض هيمنتها بالعراق، في وجه عدم استقرارها الداخلي، إلى إبطال قرارات رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي المتعلقة بالسياسات، التي أقصت إيران إلى حد كبير، لإعادة التوازن إلى علاقات العراق الإقليمية.

تلك الزاوية يبدو أن العراق متجه إليها، بعد أن أجرى رئيس الوزراء العراقي الجديد، محمد شياع السوداني، تغييرات كبيرة وألغى القرارات التي اتخذتها حكومة تصريف الأعمال برئاسة الكاظمي منذ أكتوبر 2021.

وبحسب معهد واشنطن، فإن هذه القرارات سعت إلى الانفتاح النشط على الوطن العربي، وعززت استقرار العراق من خلال اتفاقات في مجالات الاقتصاد والطاقة والأمن والاستثمار، وعززت سيادة العراق.

 

قاعدة جديدة لاحتجاجات إيران

الصورة الماضية لم تكن بعيدة عن إقليم كردستان العراق، فالاضطرابات الإيرانية المستمرة أدت إلى المزيد من التدهور في العلاقات بين إيران وإقليم كردستان، التي كانت متدهورة منذ الاستفتاء على استقلال كردستان عام 2017.

ومنذ عام 2017، خصوصًا بعد اغتيال قاسم سليماني عام 2020، تخشى إيران أن يصبح إقليم كردستان العراق منصة للولايات المتحدة، لمراقبة العراق وإيران وسوريا، بحسب معهد واشنطن، الذي قال إنه نتيجة ذلك، حوَّلت إيران إقليم كردستان العراق إلى ساحة معركة، بمهاجمة المعارضة، لتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة وحلفائها.

وبعد اندلاع المظاهرات في إيران، اشتدت هذه الهجمات على إقليم كردستان العراق، إذ قصف الحرس الثوري الإيراني قواعد المعارضة الكردية الإيرانية في العراق، ما أسفر عن قتل نساء وأطفال.

 

السيناريو التركي

تلوم إيران الأكراد الإيرانيين للتحريض على الاحتجاجات وإدامتها، بحسب مسؤولين عسكريين، أكدوا اعتقال 100 شخص على صلة بهذه المعارضة الكردية في إيران، حتى الآن.

وستستمر هجمات إيران على إقليم كردستان العراق بلا شك، بحسب معهد واشنطن، الذي توقع أن تستخدم إيران هذه الاحتجاجات كذريعة لاحتلال مناطق من إقليم كردستان العراق وإنشاء قواعد عسكرية، كما فعلت تركيا في إقليم كردستان وشمالي سوريا، في السنوات الأخيرة.

 وبحسب معهد واشنطن، يمكن لإيران أن تستخدم الميليشيات الشيعية العراقية، كورقة أخرى ضد إقليم كردستان العراق، أو قد تطلب من الحكومة العراقية حماية الحدود بين إقليم كردستان العراق وإيران، عبر نشر قوات عراقية بدلًا من قوات إقليم كردستان العراق.

وتوقع المعهد أن تدفع الحكومة العراقية الجديدة إلى التصعيد ضد كردستان، وتحديدًا ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني، أحد الأحزاب الكردستانية الرائدة التي لا تتمتع بعلاقات وثيقة مع طهران، مثل الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس، في تداعيات وصفها بـ«الكارثية» على إقليم كردستان والعراق.

 

تصدير المشكلات

ويقول معهد واشنطن: منذ عام 2003، تنظر إيران إلى العراق كساحة معركة استراتيجية، وأحد مظاهر نفوذها ضد منافسيها، إلا أنه بمرور الوقت، تحوَّل العراق ببطء من كونه مجال نفوذ إيران إلى مكب لمشكلات إيران.

الاحتجاجات الحالية في إيران، دفعت هذه الديناميكية المتغيرة إلى الواجهة، إذ تحاول إيران إلقاء اللوم على مَنْ تصفهم بـ«أعداء الثورة عبر الحدود الشمالية الغربية»، أي إقليم كردستان العراق، على خلفية الاضطرابات وانعدام الأمن، في الداخل.

 

لعبة إلقاء اللوم

إلا أن لعبة إلقاء اللوم هذه، تشير إلى حقيقة مهمة لعلاقات إيران المفضلة مع الهيئات الخارجية، سواء في العراق أم سوريا أم لبنان، بحسب المعهد الأمريكي، الذي قال إن إيران تنظر إلى وكلائها وحلفائها كمصادر محتملة لتهديد النظام.

ويقول معهد واشنطن، إن إيران ترى أن الخطر يترافق -بشكل متزايد- مع علاقاتها الزبائنية، مشيرًا إلى أن طهران عززت التطورات الأخيرة الذهنية هذه، ففي العراق مثلًا، أدى الخلاف في الأوساط الشيعية بين التيار الصدري والإطار التنسيقي المتحالف مع إيران، إلى مظاهرات عامة مناهضة لإيران، بينما لم يرحب المسؤولون في طهران بهذا المشهد.

ورغم أن إيران زودت أكثر من عشرين جماعة تعمل بالوكالة عن إيران في سوريا، بنحو 15 مليار دولار للتجنيد والتدريب والتجهيز بالمعدات، إضافة إلى حقوق المواطنة والإقامة في إيران، فإنه نظرًا لطبيعة العلاقة التبعية بشكل متزايد، التي تكون فيها الجماعات بالوكالة ملزمة بخدمة إيران، أصبح من الأصعب التنبؤ بتصرفات هذه الجماعات وباتت أقل موثوقية.

ومع تزايد قلق إيران من حلفائها ووكلائها، ومواصلتها حملة الإلهاء على أراضي إقليم كردستان العراق، تواجه حكومة السوداني في بغداد مأزقًا صعبًا، فرغم أن الخطورة الفعلية للتهديد بعملية عسكرية برية في إقليم كردستان العراق غير واضحة، تتزايد التوترات بين إيران والعراق، وبين العراق وإقليم كردستان، بفعل التداعيات الدينية والاقتصادية والسياسية المحتملة، لعدم الاستقرار الإيراني في العراق.

وأكد المعهد الأمريكي، أن إيران أدخلت الولايات المتحدة في الحبكة، متهمةً إياها بانتهاك سيادتها وتهديد الاستقرار الإقليمي، ما يجعل إقليم كردستان -مجددًا- ساحة للصراع بين إيران والولايات المتحدة.