كيف أطلقت حرب العراق العنان للإرهاب وصعود داعش؟
غزو العراق تسبب في انتشار العمليات الإرهابية، ودفع بالمليشيات المسلحة والإرهابيين -من كل حدب وصوب- إلى الأراضي العراقية، التي شكلت في ما بعد روافد لتغذية تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين، بحسب الإندبندنت.

ترجمات - السياق
بعد 20 عامًا من غزو العراق، ما زالت تداعيات الحرب الشهيرة حاضرة حتى اليوم، بل إن الغضب الناجم عنها تحول إلى دعوة لحمل السلاح، وذريعة استخدمها الإرهاب طوال عقدين لتنفيذ عملياته.
فـ«غزو العراق» تسبب في انتشار العمليات الإرهابية، ودفع بالمليشيات المسلحة والإرهابيين -من كل حدب وصوب- إلى الأراضي العراقية، التي شكلت في ما بعد روافد لتغذية تنظيمي القاعدة و«داعش» الإرهابيين، بحسب "الإندبندنت".
فكيف حدث ذلك؟
في 18 مارس 2003، اضطر فريق الأمم المتحدة، الذي كان يبحث عن «أسلحة الدمار الشامل» إلى مغادرة العراق بموجب الموعد النهائي للحرب، الذي حددته الولايات المتحدة وبريطانيا، ليبدأ بعدها بيومين، وابل من الصواريخ والقنابل، الذي كان مؤشرًا على واحدة من أكثر الحروب إثارة للانقسام في التاريخ الحديث.
فقبل يوم من انسحاب المفتشين، قال أحد كبار أعضاء الفريق: «ما لن نجده يثير قلق الناس في واشنطن ولندن. كنا بحاجة إلى مزيد من الوقت، وهذا ما لم يكن بإمكانهم السماح به».
إلا أنه بعد خمسة أشهر، من غزو العراق، جرى تفجير فندق القناة، في حادث انتحاري، أدى إلى قتل 22 شخصًا، بينهم سيرجيو فييرا دي ميلو، الممثل الخاص للأمم المتحدة في العراق، في هجوم أعلن أبو مصعب الزرقاوي زعيم جماعة التوحيد والجهاد مسؤوليته عنه.
وفي سنوات الفوضى التي تلت ذلك، أصبح اسم الزرقاوي مرادفًا للإرهاب، بينما استمر تنظيمه في تفريخ مقاتلين من القاعدة في العراق، ثم داعش، بحسب «الإندبندنت»، التي قالت إن الغضب الذي سببته حرب العراق، تحول إلى دعوات إرهابية لحمل السلاح، بينما لا تزال تداعياته محسوسة حتى اليوم، خاصة أن الجماعات الإرهابية تواصل استخدام الغزو كأحد أسباب تنفيذ الهجمات.
حكومة خوسيه ماريا أزنار التي كانت من أشد المؤيدين للحرب، من أوائل الذين واجهوا عواقب وخيمة.
ففي 11 مارس 2004، أسفرت تفجيرات شبكة قطارات ركاب مدريد عن قتل 193 شخصًا وإصابة أكثر من 2000، في أسوأ هجوم إرهابي بتاريخ إسبانيا.
وزعمت الحكومة الإسبانية -في البداية- أن الانفصاليين الباسك كانوا مسؤولين عن الفظائع، لكن سرعان ما تفكك هذا الادعاء مع أدلة متزايدة على أنه كان هجومًا من الإرهابيين، بحسب تحقيق رسمي خلص إلى أن التفجير نُفذ من القاعدة، كرد مباشر على الغزو.
وعام 2006، ذكر تقرير داخلي لوزارة الدفاع في لندن، ما كنا نعرفه منذ زمن طويل: «الحرب في العراق عملت كرقيب تجنيد للمتطرفين في العالم. لقد خدم العراق الشباب المتحرر من الوهم والقاعدة ومنحهم الإرادة والنية والغرض والأيديولوجية للعمل».
اجتذاب مقاتلين أجانب
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن "الجهاد" في العراق كان يجتذب مقاتلين أجانب، بينما انتشر العنف إلى دول الجوار، مشيرة إلى أنها بينما كانت وزارة الدفاع البريطانية تسطر تقريرها عن الحرب، كانت المملكة المتحدة تستعد لنشر قوات في هلمند بأفغانستان، حيث كان تمرد آخر يتزايد.
كان أحد أسباب ذلك التمرد، أن القوات الأمريكية والبريطانية التي كانت ضرورية لتوفير الأمن للبلاد، بعد إطاحة طالبان قد تحولت إلى العراق بعد ذلك بعامين، ما ترك فراغًا لمقاتليهم للانتقال إليها.
وبعد ثلاث سنوات من الغزو، كان نحو 70 مقاتلاً في الشهر يعبرون الحدود إلى العراق، وفقًا للقائد الأمريكي الجنرال ويليام كالدويل، مشيرًا إلى أنهم جاؤوا من بلدان عربية عدة، بينما قدم آخرون من أوروبا، بما في ذلك المملكة المتحدة.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن المفارقة المريرة أن جورج دبليو بوش وتوني بلير هما أول من ربطا العراق بالإرهاب، من خلال الزعم بأدلة كاذبة، أن صدام كان على صلة بهجمات 11 سبتمبر 2001.
وعن المدة التي كان ينوي الجيش الأمريكي البقاء فيها بالعراق، بعد إسقاط صدام حسين، قال قائد مشاة البحرية اللفتنانت كولونيل بريان ماكوي: «أقصر وقت ممكن، قمنا بواجبنا، وقمنا بالقتال، ووصلنا إلى بغداد، وحان الوقت للخروج في أسرع وقت ممكن. لن يكون أمرًا جيدًا أن نتسكع».
وفي اليوم التالي وتحديدًا في 10 أبرايل 2003، كان هناك مشاة البحرية الأمريكية يقفون في حالة تأهب، بينما كانت مجموعة من الغوغاء من مدينة صدام تقوم بأعمال شغب وسط بغداد، فنهبوا الوزارات والمباني الحكومية والمعارض الفنية والمتاحف ثم المنازل الخاصة.
تمرد شعبي
«لا يمكننا التدخل، قيل لنا إن الرجال في العاصمة يريدون أن يبدو هذا كأنه تمرد شعبي»، قال قبطان مشاة البحرية وهو يهز كتفيه، مضيفًا: «نعتقد أن من الخطأ السماح بهذا النوع من الفوضى، إنه يرسل رسالة خاطئة، لكننا لسنا من يقرر».
وبحسب «الإندبندنت»، فإن من يتخذون القرارات، في أعقاب الفوضى التي أعقبت سقوط النظام، كانوا من المحافظين الجدد في إدارة بوش بواشنطن، مشيرة إلى أنهم خربوا -بشكل فعال- العمل الذي قامت به الإدارة الغربية المؤقتة في بغداد.
كان الرجال الذين يقودون سلطة التحالف المؤقتة، الجنرال الأمريكي جاي غارنر ونائبه اللواء البريطاني تيم كروس، يحاولان إرساء الاستقرار والحكم، وإدخال العراقيين في العملية السياسية لتسليم سريع للسلطة.
اجتثاث البعث
لكن المحافظين الجدد، ديك تشيني، وبول وولفويتز، ودونالد رامسفيلد بينهم، استبدلوا بالجنرالين بول بريمر الذي بدأ سياسة كارثية لاجتثاث البعث، فحظر أي شخص كان عضوًا في حزب البعث الحاكم.
وعن ذلك، قال الميجور جنرال تيم كروس: «لا يعرف المرء، بالطبع، ما الذي كان سيحدث إذا سُمح لي وجاي غارنر بمواصلة عملنا. كانت لدينا خطة مع قوات الأمن، كان من الممكن إبعاد الأشخاص الأكبر سناً، إلا أن الآخرين كانوا بحاجة في ذلك الوقت للحفاظ على الأمن وسيظلون قائمين، لكن بول بريمر تخلص منهم، ونحن نرى العواقب».
وأضاف: «كنا نحاول أيضًا إشراك العراقيين في السياسة للتحضير لعملية انتقالية، لكن بريمر عكس كل ذلك»، مشيرًا إلى أن الوقت لم يكن مناسبًا.
ونُفذت إحدى أولى دوريات الشرطة العراقية، بعد بدء الاحتلال منتصف أبريل، بحسب الصحيفة البريطانية التي قالت إنه كان من المتوقع حضور قرابة مئة ضابط في أكاديمية الشرطة الوطنية، إلا أنه بدلاً من ذلك، ظهر ما يقرب من 2000، سواء في الخدمة أم المتقاعدين.
وأضافت: كان هناك ارتباك تلاه غضب، عندما أصدر الجيش الأمريكي مرسومًا بوجوب خروج الدوريات من السلاح، مشيرة إلى أن أن معظم الضباط العراقيين رفضوا، بينهم الرائد رشيد حسين الجنابي، الذي قال وهو يهز رأسه غير مصدق: هل يدركون حتى أن هذه بغداد؟
عاصفة كاملة
كانت الظروف تختمر لعاصفة كاملة، تقول الصحيفة البريطانية، مشيرة إلى أن عديدًا من رجال الشرطة والجنود العراقيين ذوي الخبرة الذين أرسلوا إلى ديارهم، في ظل عملية اجتثاث البعث، ظلوا بعيدين عن حرب المتمردين الشرسة التي أعقبت ذلك، إلا أن الأسوأ من ذلك، أن آخرين انضموا إلى المقاتلين الإسلاميين، وقدموا خبرة وقيادة قيّمة.
أحد قادة المجلس العسكري لداعش، أبو مهند السويداوي، كان عضوًا في الجيش العراقي، كما كان خليفته أبو أحمد العلواني، إضافة إلى الرائد الجنابي، كان ضابط شرطة، توفي في القتال مع داعش في الموصل بعد 11 عامًا.
وفي غضون أشهر من سقوط النظام، اندلعت حرب متمردة وحشية، مع عمليات قصف وإطلاق نار وخطف وقتل، وبدأت حصيلة القتلى الارتفاع بشكل كبير، حيث صعد المتمردون السُّنة هجماتهم على القوات الغربية، ثم جاء صراع طائفي مشتعل بين السُّنة والشيعة.
«فكانت العاصمة تتحول إلى منزل مدفون. كان السكان يستيقظون على أصوات الانفجارات وإطلاق النار واهتزاز شفرات طائرات الهليكوبتر وخشخشات الموت من محركات الطائرات الحربية من طراز A-10 "Warthog»، تقول الصحيفة البريطانية، مشيرة إلى أن الجثث تراكمت في الشوارع، بينما بدأ تداول مقاطع فيديو لعمليات قطع الرؤوس الجماعية.
لم يكن هناك مكان آمن، فالعائلات الثكلى التي كانت في طوابير أمام المشارح لمعرفة الجثث تعرضت للقصف، وتعرض الفريق الطبي -في طريقه لمعالجة الجرحى- للخطف وإطلاق النار.
كما ذكر مراسل "بي بي سي" المخضرم الشهير جون سيمبسون: «كان هناك، على ما أظن، أجواء في بغداد تذكرني بشعار اليمين المتطرف في الحرب الأهلية الإسبانية. يعيش الموت».
كانت «الإندبندنت»، إلى جانب عدد قليل من المؤسسات الإخبارية، تقيم خارج «المنطقة الخضراء» المحمية من الولايات المتحدة، حتى تتمكن من التحرك بحرية أكبر وتقديم التقارير مع قيود أقل.
في الساعة 8.20 من صباح 18 نوفمبر 2005، اصطدمت شاحنة مليئة بالمتفجرات بجدار الانفجار خلف فندق الحمرا، ما أدى إلى تحطيمها، بينما كانت الخطة لشاحنة ثانية بها مزيد من المتفجرات، للدخول في الفجوة إلى المجمع وتفجير نفسها، ما من شأنه هدم المباني وقتل من داخلها.
لكن الشاحنة الأولى كانت معبأة بكمية كبيرة من الذخائر (قرابة 400 رطل كما قُدرت لاحقًا) لدرجة أنها اقتحمت حفرة في الأرض، لذا فإن الشاحنة الثانية، وهي مسطحة، تزن طنين ونصف الطن وتزن ألف رطل من المتفجرات، لم تتمكن من العبور، ما دفع السائق الثاني إلى تفجير شاحنته ونفسه خلف مباني الفندق مباشرة.
كانت وفيات المدنيين شائعة -آنذاك- فتحليل أجرته منظمة Iraq Body Count نُشر عام 2011 وجد أن نحو 12300 مدني قُتلوا في 1003 تفجيرات انتحارية، بينما وجدت الدراسة أيضًا أن هذه الهجمات قتلت 60 من المدنيين مقارنة بالجنود.
حرب سرية
إلى جانب العمليات العسكرية المعلنة، كانت هناك حرب سرية بين المتمردين والقوات الخاصة الأمريكية والبريطانية، جزء رئيسي منها كان يديره الجنرال الأمريكي ستان ماكريستال، قائد القوات الخاصة الأمريكية، من قاعدة جوية في بلد، شمالي بغداد.
كانت القاعدة تسمى «نجمة الموت» لأنه وفقًا لأولئك الذين عملوا داخلها، «يمكنك فقط مد يدك بإصبعك والقضاء على شخص ما»، وكان الجنرال ماكريستال يقوم أحيانًا بغارات بنفسه. ويناقش جولة لا هوادة فيها من الغارات الليلية مع زملائه الضباط، مثل المقدم البريطاني ريتشارد ويليامز.
إضافة إلى عمليات القتل والأسر، أسفرت الغارات عن معلومات استخباراتية عالية القيمة، فأمضى العملاء الذين تديرهم القوات الخاصة، أسابيع للفوز بثقة مشتبه به اعتقل في «المثلث السُّني» جنوبي بغداد، كان يعرف مكان زعيم القاعدة الزرقاوي، ما مكن الأمريكيين من تنفيذ هجوم، أصابته إصابة قاتلة.
وخلف الزرقاوي أبو أيوب المصري، ما جعل تدفق المقاتلين الأجانب إلى العراق يستمر، بينما بدأت الجماعات الإرهابية في العالم، من حركة الشباب في الصومال وبوكو حرام في نيجيريا، اتصالات بالقاعدة في العراق والقيادة في باكستان، حيث كان مقر أسامة بن لادن.
جنوبي العراق، تحت الإدارة البريطانية، كان العنف في البداية أقل بكثير، ففي السنوات الأولى، فوجئ أولئك المقيمون في بغداد بمدى الهدوء، ظاهريًا على الأقل، الذي بدت عليه الأمور في البصرة، بسبب الهجمات التي يشنها السُّنة ضد القوات الأجنبية بشكل رئيس، إضافة إلى أنه كان هناك شعور متزايد بين عديد من العسكريين والدبلوماسيين البريطانيين، بأن عدوان القوات الأمريكية كان يؤجج العنف.
ونتيجة لذلك، اتهم الأمريكيون، البريطانيين بأنهم «ناعمون للغاية». واشتكوا من الصفقات التي تبرم مع الميليشيات الشيعية وجيش المهدي وفيلق بدر، وعدم إيلاء الاهتمام الكافي لتزايد النفوذ الإيراني.
إلا أن الهدنة الهشة في الجنوب، بين القوات البريطانية والشيعية لم تدم، فبدأ استخدام العبوات الناسفة المرتجلة ذات «العبوات المشكّلة» القاتلة ضد البريطانيين، ونفذت الميليشيات الشيعية عمليات خطف وتعذيب وقتل، إضافة إلى أنه كان هناك ارتفاع كبير في جرائم قتل النساء.
واستمرت الهجمات على القوات البريطانية في الارتفاع، ففي بلدة مجر الكبير، 80 ميلًا من البصرة، قُتل ستة من أفراد الشرطة العسكرية الملكية، على أيدي مسلحين يقودون حشدًا من الغوغاء.
وكان أحد هؤلاء الذين ماتوا العريف توماس كيز، الذي ترشح والده، ريج كيز، في الانتخابات العامة لعام 2005 كمرشح مناهض للحرب في سيدجفيلد، دائرة توني بلير.